عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-04-2021, 06:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (40)
الحلقة (263)

تفسير سورة النساء (45)


أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالقتال في سبيله وحضهم عليه، لما في القتال في سبيل الله من رفع لراية دينه، وتبليغ شرعه، والتمكين لأهل الإيمان في الأرض، والدفاع عن المستضعفين والمغلوبين من المؤمنين في أرجاء المعمورة، ولا يمنع المؤمنين من الجهاد خوف عدوهم؛ لأنهم يقاتلون في سبيل الله، أما عدوهم فإنما يقاتل في سبيل الطاغوت، ويستمد قوته من الشيطان، وكان كيد الشيطان ضعيفاً.
تفسير قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللاتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن ما زلنا مع سورة النساء المدنية، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، وعلنا ندرسها أو يبقى منها ما ندرسه في الليلة الآتية إن شاء الله.إليكم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:74-76].هيا نتدبر هذه الآيات، ونصدق أنفسنا في طلب معرفتها والعمل بها:أولاً: اسمع هذا الخطاب: فَلْيُقَاتِلْ [النساء:74].بلام الأمر؛ فبناء على ما تقدم في السياق الكريم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74].ما هي سبيل الله يا إخواننا؟ دلونا عليها، عرفونا بها، اهدونا إليها حتى نقاتل في سبيلها، لنعلم أن المراد من سبيل الله هو أن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أي: في الطريق المؤدي إلى أن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه؛ لأن الله عز وجل خلق العوالم كلها علويها وسفليها من أجل هذا الآدمي، والآدمي من أجل أن يذكر الله ويشكره، أراد الله تعالى أن يذكر ويشكر، يذكر بالقلب واللسان، ويشكر بالجنان والجوارح، فأوجد هذه النعم، وأوجد هذا الآدمي من أجل أن يذكره ويشكره، فمن أعرض عن ذكره متكبراً أو جاهلاً ولم يشكره وجب أن يقاتل حتى يعترف بالحق، ويذكر الله ويشكره.إذاً: يقول تعالى لعباده المؤمنين: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] من هم؟ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] بمعنى: يبيعون الحياة الدنيا ويعتاضون عنها بالآخرة، شرى يشري بمعنى: باع يبيع، واشترى يشتري، اشترى إذا أخذ وباع وأعطى، هناك من يرى أن هذا يعود إلى أولئك الذين يتباطئون في القتال ولا يخرجون، وإذا فاز المؤمنون بالنصر والغنيمة تأسفوا وتحسروا: يا ليتنا كنا معهم، وإذا أصيبوا بهزيمة لأمر يريده الله يفرحون، ويقولون: الحمد لله أننا ما خرجنا معهم، إذاً هؤلاء لك أن تقول لهم: فقاتلوا في سبيل الله يا من تشترون الحياة الدنيا وتبيعون الآخرة، لكن التوجيه الأول هو الذي عليه أكثر المفسرين، والقرآن حمال الوجوه؛ إذ الوجه الأول صحيح وسليم، والثاني والله كذلك، لا فرق، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويأخذون الآخرة، والمراد من الآخرة الجنة دار السلام دار الأبرار دار المتقين، الجنة التي فيها أربعة مواكب، وقلنا: هيا نعمل على أن نواكبهم في دروس مضت، واشترط الله علينا شيئاً واحداً: أن نطيع الله ورسوله، إذ قال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، اللهم اجعلنا منهم!إذاً: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أي: في الطريق الموصل إلى رضا الله، وذلك بأن يعبد وحده بذكره وشكره، من يقاتل في سبيل الله؟ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] أي: يبيعون، الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74]، لا يأخذون الحياة الدنيا بالآخرة بل يبيعون هذه الحياة ويأخذون الآخرة بدلها؛ لأن الحياة الدنيا فانية والآخرة باقية: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17]، حتى قال الرشداء البصراء: لو كانت الآخرة من خزف والدنيا من ذهب لاختار العقلاء الآخرة عن الأولى؛ لأن خزفاً يبقى أفضل من ذهب يفنى، فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74].ثم جاء وعد الله عز وجل: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74].لا في سبيل الدنيا.. لا في سبيل الوطن.. لا في سبيل الرياسة.. لا في سبيل المال.. لا في سبيل الشهرة والسمعة، كل هذه ممسوحة من قلب هذا المؤمن، لا يريد إلا أن يعبد الله وحده. وَمَنْ يُقَاتِلْ [النساء:74] منكم معشر المؤمنين، فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ [النساء:74] يستشهد، أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] وينتصر ويظفر بالغنيمة، على كلا الحالين الجزاء: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74]، من قال: (فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)؟ الله، إذاً إذا كان الله العظيم فعطيته كيف تكون وقد استعظمها، وقال: (فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)؟إن أهل الجنة في تفاوتهم.. في درجاتهم.. في قصورهم ينظرون إلى بعضهم البعض كما ننظر إلى الكواكب في السماء، وأقل ما يعطاه أحدهم مثل الدنيا مرتين.. هذا الكوكب يعطى مثله كوكبين.إذاً: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] أي: يبيعون، الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] إما أن يستشهد أو ينتصر ويغلب العدو وما مات، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].
تفسير قوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ...)
يقول الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75].وهذه تدفع أصحاب رسول الله المهاجرين والأنصار لإنقاذ إخوانهم بمكة، وهم يعيشون أذلاء مضطهدين معذبين ينكل بهم من قبل المشركين، ومن هنا وجب على المؤمنين في كل عصورهم وأزمنتهم ألا يسمحوا أن يبقى مؤمن تحت أيدي الكفار، لو نخرج من أموالنا كلها ونطلق أسر هذا المؤمن ونبعده عن أسر الكافرين.إذاً: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] أي شيء منعكم أو حال دون القتال في سبيل الله ليعبد وحده، وفي سبيل المستضعفين من الرجال الذين هم تحت قبضة أبي جهل وعقبة بن معيط وفلان يعبدونهم الليل والنهار، وسبيل المستضعفين أيضاً من الولدان الصغار والنساء، عجلوا جاهدوا.ثم قال: أولئك الضعفة من الرجال والنساء والولدان يسألون الله ويدعونه قائلين: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [النساء:75]، يعنون مكة الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75]، ظلموهم لما منعوهم من قولة لا إله إلا الله، بلال يسحبونه على الرمضاء ويقولون له: اكفر، وهو يقول: أحد أحد ، ياسر قتلوه تحت الضرب والغمس في الماء، سمية زوجته ، عمار عذبوه.. أنقذوا إخوانكم، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75].
تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ...)
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:76].آمنوا ما الإيمان؟ دعوى ادعاها البشر والإنس والجن، آمنوا الإيمان الحق، صدقوا الله ورسوله في كل ما أخبر به من شأن الغيب والشهادة في العوالم العلوية والسفلية، في هذه الحياة وفي الأخرى، صدقوا الله ورسوله، هؤلاء يقاتلون في سبيل الله، لن يخرجوا أبداً، ولن يحملوا سلاحاً لغير أن يعبد الله تعالى وحده. وَالَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:76].كذبوا الله ورسوله جحدوا بما شرعه الله وبينه لعباده لإكمالهم وإسعادهم، هؤلاء يقاتلون في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] والطاغوت: الشيطان، وكل من طغى وارتفع وتكبر وتجاوز مستواه الآدمي، وأمر أن يعبد ويقدس، أو أمر أن يعبد غير الله فهو طاغوت، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76]، وبناء على هذا يقول تعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ [النساء:76]، كل من يدعو إلى معصية الله عز وجل والخروج عن طاعته فهو يدعو بدعوة إبليس؛ لأن الشيطان همه ألا يرى مؤمناً صالحاً يدخل الجنة، كل ما يحمله ألا يرى مؤمناً أو مؤمنة يعبد الله ويوحده ليدخل الجنة؛ لأنه يقول: دخلت النار بسببهم، لأنه أبلس من الخير، وطرد من الجنة بسبب ما فعل لآدم؟ لا، بسبب كبريائه وعدم خضوعه لله وسجوده لآدم.إذاً: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] إذاً: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76] ينهزم وينهزمون.والله ما وقف مؤمنون ربانيون صحيحو الإيمان والإسلام وانهزموا إلا إذا اختل موقفهم بسبب معصية ارتكبوها؛ لأن كيد الشيطان ضعيف جداً لا وزن له ولا قيمة، ما يمكر به ويكيد ويبينه لأوليائه ويغرقهم أيضاً في المفاسد والشرور.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]