عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 01-04-2021, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,665
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (29)
الحلقة (253)

تفسير سورة النساء (35)


ذكر الله عز وجل في هذه الآيات الوعد والوعيد، الوعد والبشرى لعباده المؤمنين، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون الشرك والمعاصي والمنكرات، وعدهم بجنات عرضها الأرض والسماوات، تجري من تحتها الأنهار، ويدخلهم ظلاً ظليلاً، وأما أهل الكفر والطغيان فقد توعدهم الله بإدخالهم النيران، كلما أنضجت النار جلودهم أبدلهم الله غيرها، ليستمروا في العذاب المقيم في نار الجحيم، لا يزحزحون عنها وما هم منها بمخرجين.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).الحمد لله على ما أولانا وأعطانا، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأفضلت وأحسنت، وأنت أهل ذلك يا رب العالمين، وها نحن مع سورة النساء الميمونة المباركة، ومع هاتين الآيتين.فهيا نتغنى بتلاوتهما ثم نأخذ في دراستهما، عسى الله أن يملأ قلوبنا إيماناً ونوراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:56-57].هل تاقت نفوسكم أيها الأبناء والإخوان إلى معرفة ما في هاتين الآيتين؟
إخبار الله تعالى عمن زكى نفسه ومن دساها
أولاً: هذان خبران من الله، وإن شئتم فقولوا: هذا خبر من الله، والله عز وجل لا يشك في إخباره! ولن تكون إلا كما أخبر؛ وذلك لعلمه وقدرته، هذا الخبر في الحقيقة هو يحمل حكماً ربانياً، قضى الله تعالى وحكم بأن الذين كفروا يدخلهم النار يشقون فيها أبداً، والذين آمنوا يدخلهم الجنة يسعدون فيها أبداً، وهذا الخبر وهذا الحكم، يذكر بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].أفلح: فاز بنجاته من النار ودخوله الجنة؛ لأنه زكى نفسه طيبها وطهرها، أسألكم بالله: ما هي مواد التزكية، بِم تزكو النفس وتطهر؟ الإيمان والعمل والصالح. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، خاب: خسر وأضاع كل شيء، خسر حتى نفسه وأهله، ما سبب خسرانه؟ تدسية نفسه، ما هي مواد التدسية حتى نهرب منها ونجانبها حتى لا نقع فيها؟ الكفر والمعاصي. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أبيض كان أو أصفر، في الأولين أو في الآخرين، في الأشراف أو الضاعة، أفلح من زكى نفسه، هذا حكم الله، والله إذا حكم لا يعقب على حكمه، إذ لا أعلم منه ولا أحكم ولا أعدل، وقد حكم أن من دسى نفسه خسر، بم تدسو النفس أو تنتن وتتعفن؟ بالكفر والمعاصي، سبحان الله، ما أسهل الطريق وما أوضحه، ومع هذا الناس يمشون في ضلال.فهاتان الآيتان ما خرجتا عن بيان حكم الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].كثيراً ما نقول للمستمعين: هنا تقرير المصير، أو في الأمم المتحدة؟ هنا تقرير المصير، في الدنيا أو في الآخرة؟ في الدنيا هنا، الآدمي يقرر مصيره، فإن آمن وعمل الصالحات وتجنب الشرك والمعاصي والله لقد فاز ونجا وأفلح، وقل ما شئت عنه، على شرط أن يموت على الإيمان والعمل الصالح، ومن أشرك وكفر، وغشي الذنوب والمعاصي خسر.وعند المستمعين أهل الحلقة المباركة الحكم، لماذا الذين تزكو أنفسهم يدخلون الجنة، والذين تخبث أنفسهم يدخلون النار؟ لأن الله لا يقبل ذا نفس خبيثة منتنة يجاوره في الملكوت الأعلى، بل ينزله إلى أسفل سافلين، وذو النفس الخبيثة المنتنة العفنة هل تتلاءم مع أرواح الملائكة والأنبياء والصديقين والشهداء؟ ما تقبل، الآن نحن هكذا، لو يدخل علينا رجل ملطخ بالدماء والقروح والبول والعذرة والأوساخ، تسمحون له يدخل عندكم، يجلس بينكم؟ اذهب اغسل نفسك تطيب، هذا واقعنا.فلهذا ما ننسى هذا الحكم الإلهي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، وعلى كل عاقل أن يعرف مواد التزكية وكيف يستعملها، وأن يعرف مواد التخبيث والتلويث وكيف يبتعد عنها؟ ( طلب العلم فريضة ) لا بد من هذا، أو غششنا أنفسنا.هيا نقرر مصيرنا بأيدينا اليوم لا غداً، ونعود إلى الآيتين الكريمتين نتدارسهما.
مصير الكافرين بآيات الله ورسله
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [النساء:56] أولاً: القرآن الكريم، التوراة والإنجيل، وكل آيات الله.ثانياً: آيات الله الحاوية لشرائعه وأحكامه وقوانينه، وأخباره وصفاته وكماله، هؤلاء الذين كفروا بها، أي: جحدوا بها، وأبوا أن يعترفوا بها، أو يقروا بما فيها، أو يقبلوا على فهمها والعمل بها، هؤلاء كفروا وغطوا ودسوا هذه الآيات، هؤلاء يخبر تعالى عن حكمه فيهم، فيقول: سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56]، (نصليهم) من أصلاه يصليه إذا أدخله النار ليحترق فيها، و(سوف) على بابها، أي: بعدما يموتون ويعودن إلينا ما هو الآن.(ناراً) التنكير للتفخيم والتعظيم.والنار إليك بيانها: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56] نضج اللحم إذا استوى.. نضجت تهرت وتساقطت: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لِم؟ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].وهنا لطيفة! كان عمر رضي الله تعالى عنه جالساً وإذا بأحد المؤمنين يقرأ هذه الآية، أو انتهى إليها، فقال عمر: أعد تلاوة الآية؛ لأن التدبر يحتاج إلى تكرار السماع، والمتدبر للقرآن هو الذي كلما ختم الآية وانتهى إلى دبرها أعادها من أولها، المرتين والثلاثة والأربعة حتى تدخل بكاملها في قلبه.وقد عرفنا أن بعض الصالحين أحيا ليلة كاملة بآية واحدة، قام يتهجد فانتهى إلى قول الله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، ويبدأ بالبكاء ويعيدها فيبكي.. ويعيدها حتى قضى ليلة كاملة في هذه الآية.والمراد من تدبر الآيات: أنك كلما ختمت الآيات في موضع واحد تعيدها من جديد، كلما أعدتها لاحت أنوار أخرى لك.. وهكذا حتى تفهم وتمتلئ بنورها.أعد يا قارئ فأعاد، وكان حبر اليهود، وهو كعب الأحبار هو تابعي، كان حاضراً في المجلس، فقال لـعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين! إن عندي تفسيرها، تأذن لي أن أفسرها لك؟ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، قال: أنا عندي تفسير لها، فذكر له أنها تبدل في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، تحترق الجلود وتتساقط، ثم تعاد كما كان في الساعة الواحدة -قطعاً ما هي ستين دقيقة؛ لأن ما عندهم ساعة- لكن المعروف تقريباً من هذه الساعات، مائة وعشرين مرة، هذا عرفه من التوراة. كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لماذا؟ علل؟ قال: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، والآن نحن إذا زالت القشرة والجلد ما يشعر الإنسان بالألم كما كان يشعر به والجلد على جسمه؛ لأن الحساسية والآلام في الجلد.إذاً: كلما تهرت الجلود وتساقطت يعيدها الله كما كانت في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، وإلى متى؟ بلا نهاية، ما في نهاية، الحياة القابلة للنهاية انتهت، انطوت صفحاتها، والآن حياة خالدة أبدية.قال: لِيَذُوقُوا [النساء:56] والتذوق في الحقيقة يكون للحلوى والعسل أو لا؟ لكن هنا فيه ضرب من التهكم. لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، وسمي العذاب عذاباً؛ لأنه يُذهب بالعذوبة، عذوبة الحياة ينهيها، كل التمر أو البطاطس أو البقلاوة وأنت مريض ما تشعر؛ فالعذاب سمي عذاباً لأنه ما فيه عذوبة.ثم قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ وما زال: عَزِيزًا غالباً قاهراً، لا يمانع في شيء يريده: حَكِيمًا [النساء:56]، يعذب من يستحق التعذيب ويسعد من يستحق السعادة، ما تفهم أن الله يخلط ويخبط!! لا حكمة عنده، قد يدخل أبا طالب النار ويخرج أبا جهل منها؟!! والله ما كان، هذا الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، هذه العدالة الإلهية، هذا التعليل: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا [النساء:56] أي: قادراً على أن يعذب من يعذب، ولكن يعذبهم بعدالة إلهية لا ظلم فيها، هذا هو الله، هذا رب العالمين.هؤلاء دسوا أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي.
تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...)
قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57].
تلازم الإيمان والعمل الصالح
الإيمان أول أو ثان؟ الإيمان أول، حتى إذا ذكر في القرآن العمل الصالح، يأتي بجملة حال، كقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، والحال: وأنه مؤمن، أولاً: لا يتصور وجود عمل صالح بدون إيمان، من لا يؤمن الإيمان الحق هيهات هيهات أن يوجد له عملاً صالحاً ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولهذا علمتم زادكم الله علماً أن الإيمان بمثابة الروح للحياة، المؤمن حي بروح الإيمان، والكافر ميت لسلبه روح الإيمان، أو تشكون في هذه؟ المؤمن الصادق الإيمان حي، يسمع ويبصر، وينطق ويأخذ ويعطي، ويجيب؛ لأنه حي، والكافر أصم أعمى ميت، والدليل حتى لا يجادلوكم أهل الباطل، الدليل قولوا لهم: إذا دخلنا دار كفر وسدنا أهلها، وسمحنا لهم بالبقاء على دينهم كاليهود والنصارى لا نأمرهم لا بغسل، ولا بصلاة، ولا بصيام، ولا بحج، ولا بجهاد أبداً، قولوا: لِم؟ لأنهم أموات، أتكلف الميت أنت، انفخ فيه روح الإيمان، فإذا عرف وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يقوم يغتسل بالماء البارد، ويسبقك إلى المحراب ليصلي، أما وهو ميت تكلف الميت أنت، سبحان الله العظيم، هذا معروف عند أهل العلم أو لا؟ أهل الذمة من اليهود والنصارى تحت رايتنا نحميهم وندفع الأذى عنهم ولا نظلمهم ولا نسيء إليهم، ومع هذا لِم نحن نصلي وهم ما يصلون؟نحن نصوم وهم ما يصومون، نحن نخرج للجهاد نموت، ونحمي ديارهم وهم لا نسمح لهم بالخروج، والله ما نقبلهم يجاهدون معنا، لِم؟ نحن نجاهد لندخل الجنة، وهم يجاهدون ليدخلوا النار .. كفار.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]