
01-04-2021, 01:27 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة :
|
|
رمضان وما ينبغي من الاستعداد له
رمضان وما ينبغي من الاستعداد له
محمد حسني عمران عبدالله
من الأزمنة الفاضلة التي يجتمع فيها من الطاعات وأبواب الخير ما لا يجتمع في غيرها من الشهور، شهر رمضان المبارك، ففيه شرف الزمان، وشرف الإنسان حيث يعتني الإنسان بغذاء روحه، ويسمو عن عالم الشهوات، يربي نفسه، ويرقى بروحه، وينعم بزيادة الأجر، ومضاعفة الحسنات، حيث يتعرض لنفحات الله عز وجل.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»[1].
فهو موسم الخيرات، وموضع النفحات، ضيف كريم، وزائر عزيز، فحريٌ بالمسلم أن يستبشر بقدومه، وأن يحتفي بلقائه.
وأن يشكر نعمة الله عليه أن بلغه موسم الرحمات، والمغفرة، والعتق من النيران.
المحروم حقًا من حرم هذا الخير، ولكي يحسن الإنسان الاستعداد لهذا القادم الكريم، لا بد أن يتهيأ لقدومه، وأن يستحضر في ذهنه اغتنام هذا الشهر بشتى أنواع الطاعات.
ومن هذه الأمور التي ينبغي الاستعداد بها:
1- الدعاء ببلوغ شهر رمضان:
من الأمور المهمة التي تبعث على الاستعداد لهذا الشهر الكريم الدعاء ببلوغ هذا الشهر؛ لأن بلوغ الشهر الكريم فرصة كبيرة للتزود من العبادة، وفرصة كبيرة للتزود من التقوى.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" خرجه الطبراني وغيره من حديث أنس.
قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم وقال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا[2].
2- استحباب التهنئة بهذا الشهر والفرح بقدومه:
الفرح بقدوم رمضان من باب تعظيم شعائر الله عز وجل، وتعظيم الأمر من تعظيم الآمر، واستشعار منة الله على عباده.
والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".
قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين، من أين يشبه هذا الزمان زمان؟![3].
ربما يرى البعض أن الفرح بقدوم الشهر من البدهيات، فكيف يحسن التنبيه عليه؟!
ولكنَّ الواقع يُحدث أن هناك من يستثقل قدومه، ويتمنى زواله، ويعزم على المعصية بل ويُعدُّ لها بعد انتهائه!!
وذلك لتوسعهم في الملذات كالذي قال:
رمضان ولى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق
يقول ابن رجب-رحمه الله-: (ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه وله نصيب من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]
وربما كره كثير منهم صيام رمضان حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه وكان للرشيد ابن سفيه فقال مرة:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر
ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الأنام بقدرة
على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة ومات قبل أن يدركه رمضان آخر وهؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعد الأيام والليالي ليعودوا إلى المعصية وهؤلاء مصرون على ما فعلوا وهم يعلمون فهم هلكى ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان[4]. نسأل الله السلامة.
3- استشعار قيمة الزمن ونعمة بلوغ رمضان:
الزمن نعمة من الله عز وجل لمن يغتنمه، ونقمة عليه إن لم يحسن استغلاله، وربما لا يشعر الإنسان بقيمة الزمن إلا إذا غادر الحياة، فلو قدر لنا أن نسأل الموتى ماذا تتمنون؟ لتمنوا يومًا من رمضان، لأنهم عاينوا الحقيقة، وعلموا قيمة اليوم.
فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ولله عتقاء من النار في كل ليلة!!
أي فضل هذا!
المغفرة تغمرك من كل جانب، فحقُ من حُرم من هذه أن يكون محرومًا.
يقول ابن رجب رحمه الله: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرؤي في المنام سابقا لهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان فصامه؟! فو الذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض" خرجه الإمام أحمد وغيره من رحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.
أتى رمضان مزرعة العباد
لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا
وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
تأوه نادمًا يوم الحصاد[5]
4- الحذر من قطاع الطريق:
هناك موانع وحُجُب تحجب الإنسان عن الله عز وجل وتقطع عليه طريقه، تدعوه للشر وتبعده عن الخير.
ومن المعلوم أن مصادر الشر تتمثل في مصادر خارجية: الدنيا وإبليس.
ومصادر داخلية: النفس ويدخل في النفس ما يتعلق بأمراض القلوب، والهوى وينسب إليه كل الانحرافات الفكرية.
ولله در القائل:
إني ابتليت بأربع ما سلطوا
إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى
كيف الخلاص وكلهم أعدائي
لكن طريق خلاص عند المسلم معلومة، وهي الاستعانة بالله عز وجل، يستعين به على طاعته.
قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].
وكما يقول ابن رجب - رحمه الله -: (فَمَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ، فَهُوَ الْمُعَانُ، وَمَنْ خَذَلَهُ فَهُوَ الْمَخْذُولُ)[6].
لكن من الملاحظ في هذا الشهر أن الدنيا مهيأة لهذه الفريضة، والشياطين تصفد وتسلسل وتغل، أو يضيق عليها مجاري الدم فتضعف الشياطين باعتبار من قال أن التصفيد يكون لمردة الجن وليس للقرناء وهذا ما يفسر وجود بعض الشر في رمضان.
(فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر)
فسبيل الخير سهل ميسور مُعانٌ صاحبه.
فإذا استمر الإنسان على الشر دل على تأصل الشر في نفسه.
مكامن الشر ضعفت لكن بقيت النفس الأمارة بالسوء، بقيت عوامل أخرى كالهوي.
وهذه تحتاج إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت[7]
وقال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت. وقال بعض الحكماء: النفس عروفٌ عزوفٌ، ونفورٌ ألَوفٌ متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أصلحتها صلحت وإن افسدتها فسدت[8].
والنفس راغبة إذا رغبتها *** وإذا تردّ إلى قليل تقنع[9]
أمر آخر ينبغي الانتباه إليه يتمثل في:
• شياطين الإنس:
قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112].
وعن أبي ذر، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال فقال: يا أبا ذر، هل صلَّيت؟ قال قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلستُ إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن؟ قال قلت: يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، شرٌّ من شياطين الجن![10].
قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: إِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينٌ كَمَا أَنَّ مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينٌ، وَالشَّيْطَانُ: الْعَاتِي الْمُتَمَرِّدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|