
27-03-2021, 09:36 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,409
الدولة :
|
|
رد: أسماء القرآن
أسماء القرآن (9)
د. محمود بن أحمد الدوسري
أحسن الحديث
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
♦ معنى «الحديث» في اللغة:
جاءت لفظة: «الحديث» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدل على المقصود: فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «الحاء والدال والثاء أصلٌ واحد، وهو كونُ الشيءِ لم يكن. يقال: حدثَ أمرٌ بَعْد أن لم يَكُنْ»[1].
والحَدِيثُ: الخبر قليله وكثيره، وجَمْعُه أحاديثُ على غير القياس.
والأُحْدُوثَةُ: بوزن الأعجوبة ما يُتحدَّثُ به، والمُحَدَّثُ: بفتح الدال وتشديدها الرَّجُلُ الصَّادِق الظَّن [2]. والحَدِيثُ: نقيضُ القديم. واسْتَحْدَثْتُ خَبَرًا: أي: وَجَدْتُ خَبَرًا جديدًا [3].
♦ معنى «أحسن الحديث» اسمًا للقرآن:
قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر: 23]. «يعني: أَحْكَمَ الحديثِ، وهو القرآن»[4]. فهذا مدح مِنَ الله عزّ وجل لكتابه القرآن العظيم المُنزَّل على رسوله الكريم، أنه أحسن الحديث وأحسن الكلام على الإطلاق.
«وأحسن الكتب المنزَّلة مِنْ كلام الله، هذا القرآن. وإذا كان هو الأحسن، عُلِمَ أنَّ ألفاظَه أفصح الألفاظ، وأوضحها، وأن معانيه أجلُّ المعاني؛ لأنه أَحْسَنُ الحديث في لفظه ومعناه، مُتَشابهٌ في الحُسْن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه.
حتى إنه كلما تدبره المتدبِّر، وتفكَّر فيه المتفكِّر، رأى من اتِّفاقه، حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلاَّ من حكيم عليم»[5].
«وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أَخبر عن هؤلاء الممدوحين، أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريقٍ إلى معرفة أحسنه، حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن مَنْ آثره فهو مِنْ أولي الألباب؟ قيل: نعم، أحسنه ما نصَّ اللهُ عليه بقوله: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ... ﴾ الآية»[6].
«وسمَّاه حديثًا؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُحدِّث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه»[7].
وهذه الآية الكريمة تدلُّ دلالة واضحة على «تفضيل القرآن على غيره من كلام الله؛ التوراة والإنجيل، وسائر الكتب، وأن السلف كلَّهم كانوا مقرِّين بذلك، ليس منهم مَنْ يقول الجميع كلام الله فلا يفضل القرآن على غيره»[8].
وافتتاح الآية باسم الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾ يؤذن بتفخيم أحسن الحديث المنزَّل بِأَنَّ منزِّلَه هو أعظم عظيم، ويفيد الاختصاصَ كذلك؛ أي: اختصاصُ تنزيل الكتاب بالله تعالى.
والمعنى: اللهُ تعالى هو الذي نَزَّلَ الكتابَ لا غَيْرُه وَضَعَه، فهذا كناية عن كونه وحيًا من عند الله تعالى لا مِنْ وَضْعِ البشر.
وقد سُمِّي القرآن حديثًا في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى، ومنها:
1- قوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185].
2- قوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6].
3- قوله تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾ [النجم: 59].
4- قوله تعالى: ﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ﴾ [القلم: 44] [9].
وإنَّ المتأمِّل في لفظة: (الحديث) وإطلاقها على القرآن يتبيَّن أنَّه قد يراد بها أن هذا القرآن متجدِّد دائمًا، فكلَّما تناولنا القرآن بالقراءة والنَّظر استخرجنا معانيَ وفوائدَ جديدة ربما لم نتنبَّه لها قبل، فحديثه لا يَخْلَقُ أبدًا، ومعانيه وفوائده لا تنفد، بل متجدِّدة باستمرار، وهذا هو سِرٌّ من أسرار عظمته، وفخامته، وعلوِّ شأنه، ورفعته.
[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 281)، مادة: «حدث».
[2]انظر: مختار الصحاح (1/ 53)، مادة: «ح د ث».
[3] انظر: لسان العرب (2/ 131 ـ 134)، مادة: «حدث».
[4] تفسير السمرقندي (3/ 174).
[5] تفسير السعدي (4/ 318). وانظر: التحرير والتنوير (24/ 67).
[6] تفسير السعدي (4/ 315).
[7] فتح القدير (4/ 458).
[8] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير (17/ 11).
[9] انظر: التحرير والتنوير (24/ 66).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|