
17-03-2021, 04:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة :
|
|
شمول دعوة ابن كثير للطوائف والفرق
شمول دعوة ابن كثير للطوائف والفرق
مبارك بن حمد الحامد الشريف
توطئة:
لقد شملت دعوة ابن كثير رحمه الله عموم المسلمين، سواء كانوا من العلماء والولاة، أو من عامة الناس، أو من أهل البدع والمنكرات من الطوائف والفِرَق، أو من غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين، وسنعرض بعض أسس ومعالم دعوة ابن كثير للطوائف والفرق؛ لأن تفصيل منهج ابن كثير في الدعوة إلى الله للمدعوين من المسلمين وغير المسلمين سيكون في مبحث "منهج ابن كثير في الدعوة إلى الله باعتبار المدعو".
أولًا: بعض معالم دعوة ابن كثير للطوائف والفرق:
حرَص ابن كثير على توجيه الأمَّة إلى الالتزام بمنهج السلف الصالح، وحذَّر من البدع والتفرُّق في الدين، وأن الله أمَر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفُرقة والاختلاف، وأن البدع لا تورث إلا الذِّلة والصَّغار في الحياة الدنيا، وما يقع فيه أهل البدع من الشكوك والاضطراب في الآراء والأحكام، ونحو ذلك مما أورده ابن كثير في التحذير من البدع، وما أوصى به من الاستقامة على منهج السلف وما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. فمن ذلك مثلًا:
1- حال أهل البدع والضلال:
قال ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3، 4]: "يقول الله تعالى ذامًّا لمن كذَّب بالبعث، وأنكَرَ قدرة الله على إحياء الموتى، معرضًا عما أنزل الله على أنبيائه، مُتَّبعًا في قوله وإنكاره وكفره كلَّ شيطان مريد من الإنس والجن، وهذا حال أهل الضلالة والبدع، المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل؛ يترُكون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رؤوس الضلالة الدعاة إلى البدع والأهواء والآراء"[1].
وكذلك حال رؤوسهم الدعاة، فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [الحج: 8]: "لما ذكر الله حال الضلال والجهال المقلِّدين في قوله:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3، 4]، ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبدع، فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}؛ أي: بلا عقل صريح، ولا نقل صحيح صريح، بل بمجرد الرأي والهوى"[2].
2- كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، فهو مفترٍ على الله تعالى:
فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [النحل: 116]: "ويدخل في هذا كلُّ مبتدع ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعي"[3].
3- مخالفة أهل البدع والضلالات لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذا برَّأ الله رسولَه مما هم فيه:
فقال عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159]: "والظاهر أن الآية في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهِرَه على الدين كلِّه، وشرعُه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه "وَكَانُوا شِيَعًا"؛ أي: فرقًا كأهل المِلَل والنِّحَل - وهي الأهواء والضلالات - قد برَّأ رسوله مما هم فيه، فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخِّر، وما خالف ذلك فضلالاتٌ وجهالات، وآراء وأهواء، والرسلُ بُرآء منها"[4].
4- عاقبة البدعة هي الذل والصغار في الحياة الدنيا:
فقال رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف: 152]: "وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلًّا وصغارًا في الحياة الدنيا، وقوله: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} نائلة لكل من افترى بدعة؛ فإن ذلَّ البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصري: إنَّ ذلَّ البدعة على أكتافهم وإن هملَجتْ[5] بهم البغال، وطقطقت[6] بهم البراذين[7]، وقال سفيان بن عيينه[8]: كل صاحب بدعة ذليل"[9].
5- كل الفرق على ضلالة إلا أهل السنة:
قال ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 32]: "فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة كلها، وكل فرقة تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمَّةُ أيضًا اختلَفوا فيما بينهم على نِحَلٍ كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم[10] في مستدركه أنه سئل عليه السلام عن الفرقة الناجية فقال: ((ما أنا عليه وأصحابي))"[11].
6- الوعيد لمن اتبع سبل الضلالة بعد ما صار إلى السنة:
فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾ [الرعد: 37]: "وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبيل أهل الضلالة بعد ما صاروا إليه من سلوك السُّنة النبوية، والمحجة المحمدية، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام"[12].
7- أن كل مبتدع في شك واضطراب في الآراء:
يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 47]: "يخبر الله عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق وسعر، مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كلَّ من اتصف بذلك من كل كافر ومبتدع من سائر الفرق"[13].
ثانيًا: أورد رحمه الله في تفسيره بعض مقولات أهل البدع من الفرق والنحل المختلفة، وبيَّن خطأها وضلاله؛ كالقدَريَّة والخوارج، والجهمية والمعتزلة، والرافضة وغلاة الصوفية، وغيرهم، مما سنتحدث عنهم مفصلًا في المبحث القادم "منهج ابن كثير في دعوة أهل البدع والمنكرات".
[1] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 259.
[2] المرجع نفسه 2/ 262.
[3] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 728.
[4] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 249.
[5] معنى هملجت الدابة: أي سارت سيرًا حسنًا في سرعة، انظر المعجم الوسيط ص 995.
[6] طقطقت: أي صوَّتت حوافرها على الأرض، انظر المعجم الوسيط ص 561.
[7] البرذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية، غليظ الأعضاء، قوي الأرجل، عظيم الحوافر، انظر المعجم الوسيط ص 48.
[8] سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي أبو محمد، محدث الحرم المكي، من الموالي، ولد بالكوفة وسكن مكة وتوفي بها، كان حافظًا ثقة واسع العلم، كبير القدر، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وكان أعور، وحج سبعين سنة، توفي سنة 198هـ، الأعلام 3/ 105.
[9] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 313-314.
[10] هو محمد بن عبدالله بن حمدويه بن نعيم الضبي، الطهماني النيسابوري، الشهير بالحاكم، أبو عبدالله، من أكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه، مولده ووفاته في نيسابور، رحل إلى العراق سنة 341هـ، وحج وصال في بلاد خراسان وما وراء النهر، وأخذ عن نحو ألفي شيخ، وهو من أعلم الناس بصحيح الحديث وتمييزه عن سقيمه، صنف كتبًا كثيره منها: تاريخ نيسابور، والمستدرك على الصحيحين، والإكليل، وفضائل الشافعي، وغيرها، توفي سنة 405هـ (الأعلام 6/ 277).
[11] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 534-535، والحديث أخرجه الحاكم في مستدركه 1/ 129، طبعة دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ.
[12] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 639.
[13] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 216.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|