موقف شراح الحديث من مسألة الاستشهاد بالحديث على المسائل النحوية
د. ياسر بن عبدالله الطريقي
اعتنى كثير من شراح الحديث بالمسائل النحوية المستمدة من الروايات الحديثية خلال شروحهم وبيان ما وافق من ألفاظ الحديث المشهور من اللغة وما خالفه، وما أشكل منها إعراباً أو بناءً، وتوجيه ذلك بما يوافق اللغة، أو حمله على لغة قليلة أو نادرة، أو على وجه ضعيف، ومن ثم الاستشهاد به على تلك اللغة، أو ذلك الوجه، وربما منع بعضهم الاستشهاد به على ذلك لعلة قادحة في الاستشهاد به على تلك المسألة.
وصنيع الشراح على اختلاف مناهجهم يُمثل الجانب العملي التطبيقي لمسألة الاستشهاد بالحديث على المسائل النحوية؛ إذ يقف الشارح على العديد من الأساليب والتراكيب والمفردات التي تحتاج بيان وجه مجيئها على تلك الصورة الواردة، وربما كان لذلك الأسلوب أو التركيب أثر على معنى الحديث وفقهه.
ويمكن أن نُجمل موقف الشراح من هذه المسألة في مسلكين:
المسلك الأول: الاستدلال باللفظ الوارد مطلقاً، والإجابة عما أشكل بتوجيهه أو حمله على لغة، والجمع بين ألفاظ الروايات المختلفة، وعدم رد أو ترجيح شيء منها من جهة الرواية.
وسلك هذا المسلك الكثير من الشراح كالمازري، والقاضي عياض، والنووي، وغيرهم-كما سيأتي-، وبعضهم ربما انتهج هذا المسلك في بعض الأحاديث دون بعض.
ومن أمثلة هذا المسلك استشهاد المازري بلفظ: "أبيض" في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، ماؤه أبيضُ من الورق"[1]؛ حيث قال في المعلم بفوائد مسلم: " خَرَج هذا اللّفظ عَماَّ أصّلته النحويّة من أنّ فِعل التعجب يكون ماضيه على ثلاثة أحرف، فإذا صار على أكثر من ثلاثة أحرف فلا يتعجّب من فاعله، وإنما يتعجّب من مصدره، فلا يقال: ما أبيضَ زيداً، ولا زيد أبيض من عمرو، إنما يقال: ما أشدّ بَيَاضَه، وَهو أشد بياضاً من ذلك... وهذا الذي وقع في الحديث يصحّح كَونَ ذلك لغةً، وكذلك قول عمر رضي الله عنه:"ومن ضيعها فهو لما سواها أضيَع"، قد احتجّ به بعضهم في أنَّ التعجبَ قد يكون من الزّائد على الثّلاثي"[2].
وأثر عمر هذا احتج به القاضي عياض في مشارق الأنوار، وتعقب الذين يأبون أفعل في المفاضلة من الرباعي، وقال: "وهذا الحديث لا نقل أصح منه، ولا حجة في اللغة أثبت من قول عمر"[3].
واستشهد القاضي أيضاً على صحة مجيء : "أخير " و"أشر" بمعنى "خير" و "شر" بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها"[4]، فقال في إكمال المعلم: "أهل النحو يأبون أن يقال: فلان أشر أو أخير من فلان، وإنما يقال: شرٌ وخيرٌ، وهو مشهور كلام العرب عندهم، قال الله تعالى: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾[5]، وقال: ﴿ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ﴾[6]، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللفظين على وجهها، وهى حجة عليهم باستعمال الوجهين"[7].
فالمازري، والقاضي يحتجان بهذه الروايات رغم مجيئها بألفاظ أخرى على وفق القواعد أو المشهور في اللغة - كما يظهر من تخريجها -، ودون أن يكون لذلك عندهم أثر على استشهادهم بها.
ويظهر هذا المسلك بوضوح عند النووي رحمه الله؛ حيث انتهج نهج شيخه ابن مالك في التوسع بالاستشهاد بالحديث، والذي انطلق من ثبوت وصحة روايات صحيح البخاري إلى الاستشهاد بكل لفظة ولو مع اختلاف الرواة في ضبطها، بل ولو قع الاختلاف بين نُسخ الصحيح في ضبط اللفظة الواحدة، وربما استدل فيما وقع في نُسخة واحدة من النسخ، ويتكلف توجيه المشكل منها، ويحمله على وجه من الأوجه في اللغة، وكثيراً ما ينتقل من توجيه المشكل إلى الاستشهاد به على الوجه المخرج عليه، وهذا ظاهر في كتبه لا سيما في شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح.
والنووي صنع هذا في شرحه على صحيح مسلم، ولو اسُتل منه وأُفرد مجرداً لأصبح مثل كتاب شواهد التوضيح[8]، وهو بحاجة أيضاً إلى دراسة حديثية منصبة على اللفظ المستشهد به أو المشكل نحوياً، من جهة اتفاق الرواة واختلافهم، وبيان اللفظ الراجح والمرجوح، ومدى صحة الاستشهاد به، وهل اللفظ المشكل هو المحفوظ في الرواية فيحتاج إلى التأويل والتوجيه النحوي؟ أم لا طائل من ذلك؛ لأن المحفوظ لا إشكال فيه؟.
وفيما يلي بعض الأمثلة من شرحه على صحيح مسلم توضح منهجه في هذه المسألة:
1- مسألة مجيء : "أخير " و"أشر" بمعنى "خير" و "شر" السابقة، قرر النووي في مواضع من شرحه أنها لغة صحيحة؛ حيث ورد استعمالها في أكثر من حديث[9]، ونص في بعض المواضع على منهجه في التعامل مع ما ورد في مثل هذه الروايات، ومن ذلك: حديث قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: "نهى أن يشرب الرجل قائماً" قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: ذاك أشر أو أخبث[10].
قال النووي: "هكذا وقع في الأصول (أشر) بالألف، والمعروف في العربية (شر) بغير ألف .. ولكن هذه اللفظة وقعت هنا على الشك؛ فإنه قال: (أشر أو أخبث) فشك قتادة في أن أنساً قال: (أشر) أو قال: (أخبث) فلا يثبت عن أنس (أشر) بهذه الرواية، فإن جاءت هذه اللفظة بلا شك، وثبتت عن أنس؛ فهو عربي فصيح، فهي لغة، وإن كانت قليلة الاستعمال، ولهذا نظائر مما لا يكون معروفاً عند النحويين، وجارياً على قواعدهم، وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده إذا ثبت، بل يقال: هذه لغة قليلة الاستعمال، ونحو هذا من العبارات، وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب، ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره عن العرب كما هو معروف والله أعلم"[11].
ويلاحظ في هذا النص أن النووي امتنع من الاستشهاد بهذه الرواية على المسألة لوجود الشك من الراوي في اللفظ، وأن اللفظة لو ثبتت عن أنس استشهد بها، ويقصد بالثبوت ورودها عن أنس بإسناد صحيح بدون شك؛ لأن الشك هو المانع من الجزم بأن أنساً تلفظ بها، ولا يعني بالثبوت اتفاق الرواة عن أنس على هذه اللفظة.
2- حديث يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسألنكم الناس عن كل شيء، حتى يقولوا: الله خلق كل شيء، فمن خلقه؟"[12].
قال النووي: "هكذا هو في بعض الأصول: (يقولوا) بغير نون، وفى بعضها: (يقولون) بالنون وكلاهما صحيح، وإثبات النون مع الناصب لغة قليلة، ذكرها جماعةٌ من مُحققي النحويين"[13].
3- حديث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثاً، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم..."أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً" فسمع عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ قال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.."[14] الحديث.
قال النووي: "هكذا هو في عامة النسخ المعتمدة: (كيف يسمعوا وأنى يجيبوا ) من غير نون، وهي لغة[15] صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال"[16].
4- حديث أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.."[17].
قال النووي: "وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فلا يؤذي جاره)، فكذا وقع في الأصول: (يؤذي) بالياء في آخره، وروينا في غير مسلم: (فلا يؤذ) بحذفها، وهما صحيحان؛ فحذفها للنهي، وإثباتها على أنه خبر يراد به النهي فيكون أبلغ"[18].
فهو في هذه النصوص - وغيرها كثير - يحمل ما ورد في بعض الروايات مما يخالف الوجه في إعرابه على لغة، مع وقوع الاختلاف بين الروايات والنسخ في اللفظ، ومجيئه في بعضها موافقاً للصواب، ولم يلجأ إلى المقارنة بين روايات الحديث ومتابعاته لتخطئة لفظ، أو ترجيح ضبط على آخر.
وربما استشكل النووي بعض الألفاظ وصوبها بناء على المعنى، وليس من خلال النظر في الروايات الأخرى، كما صنع في قول عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، لأبي اليَسْرِ كعب ابن عمر الأنصاري رضي الله عنه: "يا عم، لو أنك أخذت بُردةَ غلامِك، وأعطيتَه مَعَافِرِيَّكَ ، وأخذت مَعَافِرِيَّهُ وأعطيتَه بردتَك؛ فكانت عليك حلة وعليه حلة" ثم أجابه رضي الله عنه بأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون"[19].
قال النووي: "هكذا هو في جميع النسخ: (وأخذت) بالواو، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ والروايات، ووجه الكلام وصوابه أن يقول: (أو أخذت) بـ(أو)؛ لأن المقصود أن يكون على أحدهما بُردتان، وعلى الآخر معافريان"[20].
ويلاحظ هنا أن النووي خالف منهجه في حمل المشكل على وجه في اللغة[21]، وصوَّبه بناء على المعنى، مع أن الرواية وردت على الصواب في بعض مصادر التخريج بنفس إسناد مسلم.
والأمثلة على استشهاد النووي المطلق بالحديث كثيرة[22]، فهو يحتج بالحديث على إثبات القواعد النحوية، وإثبات اللغات الصحيحة التي جاءت خلاف المشهور، كما يستشهد به على صحة بعض الأوجه النحوية التي يخالف في صحتها بعض النحاة، ويوجه الألفاظ المشكلة نحوياً في ظاهرها، ولا يكاد يرد شيئاً مما ورد في الصحيح، ولا يتوقف عن الاستشهاد به؛ لأجل اختلاف الرواة في لفظه أو ضبطه، بل غالباً ما يصوبها جميعاً.
وسار على هذا المنهج أيضاً كثير من الشراح كالكرماني[23]، والطيبي[24]، وابن الملقن[25]، واشتد نكير العيني على من خالف هذا المنهج، وتعقب ابنَ حجر في رده لبعض استشهادات النحاة والشراح باحتمال وقوع تصرف الرواة، وقال في أحد تعقباته: "القول بأن هذا جاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من نسبة الرواة إلى الغلط على زعم النحاة"[26].
وابن حجر نفسه أيضاً سلك هذا المسلك في مواضع من شرحه، فأطلق الاستشهاد بعدة أحاديث مع وقوع الاختلاف بين الرواة في لفظ الشاهد منه، ومن ذلك: استشهاده على دخول: "أن" في خبر : "كاد" برواية عن معمر، عن الزهري لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، في الرجل الذي قاتل قتالاً شديداً حتى مات، فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إلى النار"، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب ..الحديث[27].
قال الحافظ عند شرحه للحديث من رواية شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: "قوله: "فكاد بعض الناس يرتاب"، في رواية معمر في الجهاد: "فكاد بعض الناس أن يرتاب"، ففيه دخول (أن) على خبر (كاد) وهو جائز مع قلته"[28].
فاستشهد به مع أن اللفظ يرويه غير معمر عن الزهري بدون: "أن"، ووقع فيه اختلاف أيضاً عن معمر في إثبات "أن" وحذفها.
ومن ذلك أيضاً في حديث أنس رضي الله عنه، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة، وقال: "يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم" فأقاموا[29].
قال الحافظ: "قوله فيه: "ألا تحتسبون" كذا للأكثر، وفي رواية: "ألا تحتسبوا"، وحذفُ نونِ الرفع في مثل هذا لغة مشهورة"[30].
فحمل ما في بعض النسخ من إشكال نحوي على لغة، مع أن الأكثر على ضبط اللفظ على الصواب، وهو الموافق أيضاً لضبطه في غير الصحيح.
ووجه بعض الباحثين سُلوك الحافظ هذا المسلك في بعض الأحاديث على تسامحه في ذلك؛ لقرائن تُحيط بالمسألة المستشهد بها، مثل ورودها في نصوص أخرى، أو كون اللفظ مخرجاً على لغة متفق عليها، ونحو ذلك[31].
وهذا مُحتمل، لكن يُشكل عليه أن الحافظ تعقب بعض النحاة على احتجاجهم بنظائر هذه الأحاديث[32]، والأقرب أن يحمل ذلك على الفتور والنشاط في تناول المسائل، وذلك أن الشارح قد ينشط لتحقيق المسألة، وقد يكتفي بذكرها في فوائد الحديث دون تحقيق؛ كي لا يُخلي شرحه منها، وربما كان ذلك منه متابعة لبعض الشراح دون أن يصرح بالنقل عنه، وقد يكون ظهر له في بعضها أن اللفظ محفوظ في الحديث رُغم ما وقع فيه من خلاف، لكنه لم يُبين ذلك.
ومن أمثلة ما نقله عن غيره، وربما كان اللفظ محفوظاً عنده: الاستشهاد على إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل بحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ من الأعمالِ بما يطيقون، قالوا: إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنَّ الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضبُ حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: "إنَّ أتقاكُم وأعلمُكم بالله أنا"[33].
قال: "ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل، وهو ممنوع عند أكثر النحاة إلا للضرورة...قال بعض الشراح: والذي وقع في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة"[34].
فنقل الاستشهاد بالحديث عن غيره[35] وظاهر عبارته التأييد مع أنه يروى بألفاظ لا شاهد فيها على هذه المسألة.
ومما يحسن التنبيه إليه هنا أن نقل الشارح القول في موضع مع السكوت عنه ينبغي معه التأني في نسبة التأييد والموافقة إليه؛ للاعتبارات السابقة التي ذكرتُ، لا سيما إذا خالفت منهجه وتحقيقه في نظائر هذا الموضع من شرحه، والله أعلم.
المسلك الثاني: الاستدلال باللفظ الوارد، وتوجيه ما أشكل منه إذا كان محفوظاً، ورد الاستدلال به إذا وقع فيه تصرف من الرواة، وترك توجيه ما أشكل منه إن لم يكن محفوظاً.
وهذا المسلك سلكه الحافظ ابن حجر في كثير من الاستشهادات النحوية، وغيرها من الاستدلالات اللفظية، وتعقب بعض النحاة والشراح في استشهادهم ببعض ما اختلف في لفظه، أو في انشغالهم ببيان فروق معنى ألفاظ الرواية الواحدة، أو البحث عن حكمة مجيء الرواية على أكثر من لفظ اعتباراً منهم أنها كلها من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيتعقبهم - من خلال تتبع روايات الحديث، والمقارنة بينها- بوقوع تصرف الرواة، أو باحتمال وقوعه؛ لأن المخرج واحد.
وصنيعه هذا بحاجة إلى دراسة حديثية متخصصة مستقلة تُبرز معالم مدرسة الحافظ في التعامل مع الاستدلالات اللفظية[36].
وفيما يلي بعض الأمثلة من شرحه على صحيح البخاري توضح منهجه في هذه المسألة من خلال محورين:
الأول: أحاديث لا تكاد تختلف الرواة في لفظها موضع الشاهد، وجزم الحافظ بالاستشهاد بها على مسائل نحوية، ومن ذلك:
1- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرضون عَلَيَّ وعليهِم قُمُصٌ، منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عَلَيَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرُّه"، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدِّينَ"[37].
قال الحافظ: "فيه استعمال (بينا) بدون (إذا) وبدون (إذ)، وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه، وإن كان الأكثر على خلافه؛ فإن في هذا الحديث حجة"[38].
2- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد"[39].
قال الحافظ: "قوله: (منها) فيه دليل على أن (من) تكون لابتداء الغاية في الزمان-كقول الكوفيين-، وقد رد ذلك نحاة البصرة"[40].
3- حديث أبي بكر رضي الله عنه، قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أنَّ أحدَهم نَظَر تحت قدميه لأَبْصَرَنا، فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"[41].
قال الحافظ: "فيه مجيء (لو) الشرطية للاستقبال خلافاً للأكثر"[42].
يتبع