عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-03-2021, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي الفكرة ضالة الكاتب

الفكرة ضالة الكاتب (1)



محمد صادق عبدالعال











لما كان الكاتب يَصطحِب صغيرتَه (ملك) في الشارع الكبير، حيث الناس رائح وغادٍ، وقادم ومُستقدم، ومقيم وظاعِن ومُشرِف على الخروج، وعازِم على القعود، خَلْقٌ كثير لكلٍّ مُبتغاه ومراده.


قالت (ملك) لأبيها: يا أبتِ، قل: سبحان الله!
فقال الوالد في التو: سبحان الله!

قالت (ملك): أبي، ألا يَلفِت انتباهك وناظرك هذا المنظر المهيب؟
فقال الوالد: أي مهابة بنيَّتي؟ أناس تَروح وتجيء، لكل هدفُه وضالَّته التي إليها يسعى.

قالت (ملك): ألم تُخبِرني ليلة أمس يا أبتِ أنك تقف أحيانًا على مُفترَق طُرُق من الأفكار والموضوعات، التي تَشغَل رأسك، فتَجِد نفسَك على قناعة بخوض فِكْرة وعلى انصراف من التعرُّض لأخرى، وفكرة تُلِح عليك إلحاحًا، وأخرى تستجدي منها القدوم ولا تُعيرك انتباهًا.

أيا ويح (مَلك)! لقد فتحتْ لي البابَ على مصراعيه للكتابة، ومن هنا زادت قناعتي بما دافعت به عن نفسي في خوض الجولة الثانية لقلمي المتمرِّد حينما باغته بأن جَوامِع الكَلِم ليست إلا لنبي.

انصرفت صغيرتي (مَلك) لبعض شؤونها، وانصرفت باحثًا عن الفكرة الجديدة، رُحْت أقول لنفسي: صدقتِ بُنيَّتي (مَلك)، إن هيئة الناس في الشارع على اختلاف المسالك والمدارك واتحاد العزيمة في المُضي وفي المكوث، توحي لمن كان له قلب بأن يقول: سبحان الله! حين نُمْسي وحين نُصْبح.

وكان الحافز في البحث عن فكرة هو أن أفاجئ ابنتي (ملك) الغالية بمقالي الجديد، ولم أنسَ التسلُّح والتضلع لقلمي المتمرِّد مِرارًا وتَكرارًا بالصمود وقتما يفاجئني بالخنوع وتركي على قارعة الصيف، حيث لا شمس تَغُض عني لهيبَها استحياء، ولا سحابة تَحجُبني منها رحمة.

وإن واقعة التمرد الثالثة التي كادت أن تَنتقِض كلَّ ما تَفضَّل عليَّ به الله من كتابة وتفريغ لشِحنة المعرفة ليست ببعيدة؛ فكنتُ حَذِرًا حتى مع بُنيَّتي (ملك) في التفوه بما سوف أكتبه بعد التعرض لمسألة الشارع وأغراض البشر ودوافعهم.

ولو كنت مُتعَرِّضًا لأغراض الناس، لَمَا وسعتني صفحاتي ولا أقلامي، وما أنا بمن يستطيع أن يُحصي ذلك؛ فسبحان المحصي والمبدئ والمعيد!

لكني أردتُ فقط أن أتعرَّض لهذا الأمر من باب التفكُّر في ملكوت الله، وكيف نحن كبشر وخلق تتعدَّد بنا الطرائق، وتَنطلِق بنا الرغبات، ومنا مَن يُدرِك أننا إلى مرد ومُنقَلب، وذلك محمود فِكْره، ومنا مَن ينسى ويركَب عاصفة الحَنَق على الحياة، ويتناسى أن لنا ربًّا سوف نقف عنده؛ ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 24].

وأسأل نفسي قبل سؤال المتفضِّل عليَّ بقراءة المقال: هل إذا سألت الناس: فأين تذهبون؟ هل سيَصدقونك القول؟! ربما، وقليل ما هم!

فبديهي أن الذاهب إلى المسجد معلوم أنه قد فزع لأداء فريضة، يعلم أنه متى قصَّر سئل عن التقصير، ومتى أخلص جُزِي قَدْر إخلاصه وإخباته لربه، وآخر ذاهب وليس على تلك الدرجة من الوَرَع، وربما تَعوُّد! عسى الله أن يُلقي علينا وعليه ذلك الوَرَع المحمود، وآخر ذاهب رياء وسُمْعة، عسى الله أن يَصرِفه عمَّا نُعِت به إلى ما طُلِب له.

هذا ما كان من أمر الفرائض والطاعات مثلاً، فماذا من أمور الدنيا؟


فكما قلنا: ليس لنا أن نُحصي ذلك، لكن يُحصيه ربُّ العالمين، الذي أحصى كلَّ شيء عِلمًا.

إذًا، ماذا تريد أيها الكاتب؟ هكذا يكون رد فِعْل القارئ باستغراب!

أو أن يَستنكِر: هل أسأل كلَّ ذاهب: إلى أين أنت غادٍ أو رائح، ولمَ القدوم ولمَ الاستقدام أو الإقامة والسفر؟ هل هذا يُعقَل؟!

عزيزي القارئ، حتى هذه لم أَقصِدها.

إذًا ماذا تَقصِد؟
وقبل أن أتفرَّغ للكلام ابتدرني صوتٌ أعرفه:
"إن هذا الكاتب يتملَّق عليكم، ويَجُركم لسطوره الناعمة جرًّا، حتى يَعثُر على ضالته أو فِكْرته، فساعتها يقول لكم: كانت في رأسي قبل أن أكتبها، وما صدق.

قلت له محتدًّا: مَن أنبأك هذا أيها القارئ؟

قال: نبأتني ثلاث جولات خَلت لتمردات القلم، وأقولها لك: استَعِن بالله تأتِك الفكرة، ألم تَقُل في ثلاثياتك في أمر الفكرة التي تُحلِّق برأس الكاتب يفرح بها ويَغتر، ثم ترحل عنه لأجل غير معلوم: كاتب أخذته العزَّة بالفكرة؟

صدق والله وما كذب، وما كذبت والله وإن كان قد صدَق، فإن لم أكن قد عثرتُ على فكرة فيكفيني مثوبة الاجتهاد، ألا يُحمَد للأشجار الظل قبل الثمر؟


وعلى الله قصد السبيل!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 22-02-2023 الساعة 01:14 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.59 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.61%)]