عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-03-2021, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ألقاب أهل السنة والجماعة


4- أهل الأثر: ويُطلق الأَثَرُ في اللغة على بقِيَّةِ الشَّيْءِ وعلامتِه، وجمعُه آثارٌ[40].

وفي الاصطلاح: (فإنَّه مرادف للخبر، فيُطلق على المرفوع والموقوف، وفقهاء خراسان يُسمُّون الموقوفَ بالأثر، والمرفوعَ بالخبر)[41]. ولقب "أهل الأثر" مرادف للقب "أهل الحديث" ويقول السفاريني - رحمه الله - في وصف أهل الأثر بأنهم: (الذين إنما يأخذون عقيدتَهم من المأثور عن الله - جل شأنه - في كتابه، أو في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما ثبت وصحَّ عن السلف الصالح من الصحابة الكرام، والتابعين لهم الفخام)[42].

5- الفرقة الناجية: وأصل اللقب مأخوذ من حديث الافتراق؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ هُمْ؟ قال: (الْجَمَاعَةُ)[43]. وقد سئل الإمام أحمد - رحمه الله - عن الفرقة الناجية في حديث الافتراق، فقال: (إنْ لم يكونوا أصحابَ الحديث؛ فلا أدري مَنْ هم؟!)[44].

ويُستعمل هذا اللقب - عند أهل العلم - للدلالة على مذهب أهل السنة والجماعة؛ كما جاء عن ابن تيمية - رحمه الله - في مُقدمة "الواسطية" إذْ يقول: (أمَّا بعد: فهذا اعتقاد الفِرقَةِ الناجيةِ المنصورة إلى قيام الساعة؛ أهلِ السُّنة والجماعة)[45]. وفي "المنهاج" يقول: (فإذا كان وصف الفِرقَةِ الناجية؛ أتباعِ الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك شعار السُّنة والجماعة، كانت الفِرقَةُ الناجية هم أهل السُّنة والجماعة)[46].

6- الطائفة المنصورة: وأصل اللقب مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)[47]. قال الترمذي - رحمه الله: (قال محمد بن إسماعيل: قال عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ: هُمْ أَصْحَابُ الحديث)[48]. ويقول - في موضع آخر: (هم أهل الحديث، والذين يتعاهدون مذاهبَ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذُبُّون عن العلم، لولاهم لم تجد عند المعتزلةِ والرافضةِ والجهميةِ وأهلِ الإرجاء والرأي شيئًا من السُّنن)[49].

وجاء وصف الطائفة المنصورة أيضًا في قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)[50]. قال يزيد بن هارون - رحمه الله - في التعليق على هذا الحديث: (إْن لم يكونوا أصحابَ الحديث؛ فلا أدري مَنْ هم؟!)[51]. قال القاضي عياض - رحمه الله -: (إنما أراد أهلَ السنة والجماعة، ومَنْ يعتقد مذهبَ أهلِ الحديث)[52]. وقال النووي - رحمه الله -: (هذه الطائفة مُفرَّقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شُجعان مُقاتِلون، ومنهم فقهاء، ومنهم مُحدِّثون، ومنهم زُهَّاد، وآمِرُون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهلُ أنواعٍ أخرى من الخير، ولا يلزم أنْ يكونوا مُجتمعين، بل قد يكونون مُتفَرِّقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث مُعجزةٌ ظاهرة؛ فإنَّ هذا الوصف ما زال - بحمد الله تعالى - من زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتيَ أمرُ اللهِ المذكورِ في الحديث)[53].

الجمع بين ألقاب أهل السنة والجماعة:
ويُمكن الجمع بين هذه الألقاب المتنوعة تنوع اختلاف لا تضاد؛ بأنَّ أهل السنة تميَّزوا عن غيرهم من الفِرق الضالة بهذه الألقاب، رائدهم في ذلك اتِّباعُ الحق، والابتعادُ والتَّمايز عن أهل الباطل والمبتدعة، وكل مَنْ أمعن النظر جيدًا في هذه الألقاب يلحظ أنها ألقاب دالة على الإسلام الصحيح الخالص من الشوائب والبدع والمحدثات والأباطيل، فبعض هذه الألقاب ثابت بنصِّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضها لُقِّبوا به بسبب اتِّباعهم وتحقيقهم للإسلام الصحيح ظاهرًا وباطنًا، والقاسِم المُشتَركُ بين هذه الألقاب المباركة لأهل السنة والجماعة أنهم تميَّزوا بها عن ألقاب أهل الباطل، والبدع، والأهواء، والضلال.

وجميع هذه الألقاب كلُّها تُطلق على السلف الصالح، وهؤلاء السلف الصالح: هم أهل السنة؛ لاتِّباعهم سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الجماعة؛ لاجتماعهم على الحق، وهم أهل الحديث والأثر؛ لاتِّباعهم حديثَ رسول الله، وتطبيقه ظاهرًا وباطنًا، وهم الفِرقة الناجية والطائفة المنصورة، الذين استثناهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من فرق أهل النار الهالكة، وهذا الوصف الوارد في النصوص لا ينطبق إلاَّ عليهم، وعلى مَن اتَّبع منهجَهم، واقتفى أثرَهم، نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلنا داخلين في زُمرتهم[54].

♦ ضوابط ألقاب أهل السُّنة والجماعة: ومن الأهمية بمكان أن تكون هناك ضوابط تضبط هذه الألقاب المختلفة لأهل السنة والجماعة؛ لتتباين عن منهج أهل الأهواء والبدع والضلالات ومُسمَّياتهم وألقابهم المُحدَثة، وتلخيص ذلك فيما يلي[55]:
1- ألقاب أهل السنة والجماعة لم تنفصل - ولا لحظة واحدة - عن الأمة الإسلامية منذ تكوينها على منهاج النبوة، فهي تشمل المسلمين كلَّهم على طريقة الرعيل الأول، ومَنْ يُقتدى بهم في تلقِّي العلم وطريقة فهمه، وطبيعة الدعوة إليه.

2- هذه الألقاب تشمل جميعَ الإسلام - كتابًا وسُنَّة - فهي لا تختصُّ برسمٍ يُخالف الكتاب والسُّنة زيادةً أو نقصًا.

3- هذه الألقاب منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة؛ كما تقدَّم، ومنها ما بَرَزَ وظَهَرَ في مواجهة مناهج أهل الأهواء والبدع، والفرق الضالة؛ لردِّ بدعتهم والتَّمايزِ عنهم.

4- عقد الولاء والبراء، والموالاة والمعاداة، لدى أهل السنة والجماعة إنما هو على الكتاب والسنة قُربًا وبُعدًا، لا على شيء آخر، ولا على رسم باسمٍ معين، ولا على رسم محدد، إنما هو الإسلام بحسب؛ المتمثل في الكتاب والسنة.

5- هذه الألقاب لم تكن داعية لهم للتعصُّب لشخصٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

6- هذه الألقاب لا تُفضي إلى بدعة ولا معصية، ولا عصبية لشخص معيَّن، ولا لطائفة معيَّنة، فإذا قيل: (أهل السنة والجماعة) انتظم هذا اللقب هذه الخواص، وهذا لا يكون لأحد من الفِرق بأسمائهم ورسومهم التي انشقُّوا بها عن جماعة المسلمين، وهكذا بقيَّة ألقاب أهل السنة.

7- كما أنَّ هذا اللقب (أهل السنة والجماعة) يرتبط بالمنهج لا بالأشخاص.

[1] رواه البخاري، واللفظ له، (6/ 2588)، (ح6645)؛ ومسلم، (3/ 1477)، (ح1849).

[2] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 126)، (ح17182)؛ وأبو داود، (4/ 200)، (ح17182)؛ والترمذي، (5/ 44)، (ح2676) وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 119)، (ح4607).

[3] رواه الدارمي في (سننه)، (4/ 245)، (ح149)؛ والحاكم في (المستدرك)، (1/ 172)، (ح319). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (1/ 566)، (ح2937).

[4] انظر: تهذيب اللغة، (6/ 220)؛ معجم مقاييس اللغة، (1/ 150).

[5] انظر: لسان العرب، (8/ 53).

[6] العقيدة الواسطية، (ص46).

[7] انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، عثمان بن علي حسن (ص38)؛ أهل السنة والجماعة، د. صالح بن عبد الرحمن الدخيل (ص46).

[8] الاعتصام، (2/ 265).

[9] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (1/ 109)؛ الباعث على إنكار البدع، (ص22).

[10] تاريخ مدينة دمشق، (46/ 409)؛ الباعث على إنكار البدع، (ص22).

[11] الباعث على إنكار البدع، (ص22).

[12] إعلام الموقعين عن رب العالمين، (3/ 397).

[13] مجموع الفتاوى، (3/ 375).

[14] تفسير ابن كثير، (3/ 434).

[15] انظر: أهل السنة والجماعة، (ص75).

[16] الإبانة الصغرى، لابن بطة (ص137).

[17] مجموع الفتاوى، (3/ 415) بتصرف يسير.

[18] رواه ابن ماجه، (2/ 1322)، (ح3993). وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (3/ 308)، (ح3242).

[19] رواه البخاري، واللفظ له، (6/ 2588)، (ح6645)؛ ومسلم، (3/ 1477)، (ح1849).

[20] العقيدة الواسطية، (ص46).

[21] انظر: الزاهر، (ص148)؛ لسان العرب، (9/ 158).

[22] مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض (2/ 219).

[23] النهاية في غريب الحديث والأثر، (2/ 390).

[24] انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (1/ 9).

[25] رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 938)، (ح2509)؛ ومسلم، (4/ 1963)، (ح2533).

[26] شرح النووي على صحيح مسلم، (16/ 85).

[27] انظر: الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل، للجليند (ص52).

[28] لوامع الأنوار البهية، (1/ 20).

[29] انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، (ص35).

[30] رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 938)، (ح2509)؛ ومسلم، (4/ 1963)، (ح2533).

[31] رواه مسلم، (3/ 1524)، (ح1037).

[32] (ظَاهِرِين) أي: غالبين على سائر الناس بالبرهان أو به وبالسنان. انظر: عمدة القاري، (25/ 141).

[33] رواه البخاري، (6/ 2667)، (ح6882)؛ ومسلم، واللفظ له، (3/ 1523)، (ح1920).

[34] مجموع الفتاوى، (4/ 149).

[35] انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، (ص36).

[36] انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (1/ 350)؛ لسان العرب، (2/ 133).

[37] انظر: المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، لابن جماعة (ص40).

[38] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة، (1/ 22).

[39] الانتصار لأصحاب الحديث، (ص45). وانظر: الحجة في بيان المحجة، للأصبهاني (2/ 239).

[40] انظر: المحكم والمحيط الأعظم، (10/ 173).

[41] توجيه النظر إلى أصول الأثر، لطاهر الجزائري (1/ 40). وانظر: تدريب الراوي، (1/ 184).

[42] لوامع الأنوار البهية، (1/ 64).

[43] رواه ابن ماجه، (2/ 1322)، (ح3992). وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (3/ 307)، (ح3241).

[44] شرف أصحاب الحديث، (ص25).

[45] العقيدة الواسطية، (ص6).

[46] منهاج السنة النبوية، (3/ 457).

[47] رواه أحمد في (المسند)، (5/ 34)، (ح20377)؛ وابن ماجه، (1/ 4)، (ح6)؛ والترمذي، (4/ 485)، (ح2192) وقال: (حسن صحيح)؛ وابن حبان في (صحيحه)، (1/ 261)، (ح61). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (2/ 471)، (ح2192).

[48] سنن الترمذي، (4/ 485).

[49] شرف أصحاب الحديث، (ص10).

[50] رواه البخاري، (6/ 2667)، (ح6882)؛ ومسلم، واللفظ له، (3/ 1523)، (ح1920).

[51] المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، (1/ 177).

[52] شرح النووي على صحيح مسلم، (13/ 67).

[53] شرح النووي على صحيح مسلم، (13/ 67).

[54] انظر: أهل السنة والجماعة، (ص97).

[55] انظر: حكم الانتماء، د. بكر أبو زيد (ص31-37).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]