قَوَاعِدُ فَهْمِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ (6)
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
قَوْلُهُ: (السِّيَاقُ مِنَ المُقَيِّدَاتِ وَتَرْجِيحِ أَحَدِ المُحْتَمَلَاتِ): أي سياق الكلام طريق إلى بيان المجمَلات، وتعيين المحتمَلات، وتنزيل الكلام على المقصود منه[1].
فالسياق يقع به التبيين، والتعيين:
• أما التبيين ففي المجمَلات.
• وأما التعيين ففي المحتمَلات[2].
قال ابن دَقيقِ العِيد: (فإن السياقَ طريقٌ إلى بيان المجمَلات، وتعيين المحتمَلات، وتنزيل الكلام على المقصود منه، وفَهمُ ذلك قاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه، ولم أرَ من تعرَّض لها في أصول الفقه بالكلام عليها، وتقرير قاعدتها مطوَّلة إلا بعضَ المتأخرين ممن أدركنا أصحابَهم، وهي قاعدة متعيِّنة على الناظر)[3].
مثال [1]: قول الله تعالى: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 163].
هذه الآية تحتمل احتمالين:
أحدهما: اسأل أهل القرية.
الثاني: اسأل القرية نفسها.
والراجح الأول؛ لأن سياق الآية يدل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادِيَةً، ولا فاسقةً بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهَم بما كانوا يفسقون[4].
مثال [2]: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)[5].
هذا الحديث يحتمل احتمالين:
أحدهما: أن الخالة مثل الأم في الحضانة فقط عند عدم وجود الأم.
الثاني: أن الخالة مثل الأم في كل شيء كالميراث.
والراجح الأول؛ لأن سياق الحديث يدل على أن الخالة بمنزلة الأم في الحضانة فقط، فلا يُستدَل بإطلاقه على تنزيلها منزلة الأم في الميراث[6].
مثال [3]: أن تقول: رأيتُ أسدًا يخطب في الناس.
لفظة (الأسد) تحتمل احتمالين:
أحدهما: رجلٌ قويٌّ.
الثاني: أن أسدٌ حقيقي.
والراجح الأول؛ لأن سياق الكلام يدل على أن المراد بالأسد الرجل القوي؛ لأنه يمتنع أن يخطب الأسد الحقيقي في الناس.
مثال [4]: أن تقول: شربتُ من العين ماءً عذْبًا.
لفظة (العين) تحتمل احتمالين:
أحدهما: البئر.
الثاني: عين الإنسان، أو الحيوان.
والراجح الأول؛ لأن سياق الكلام يدل على أن المراد بالعين البئر؛ لأنه يمتنع أن يُشرَب من عين الإنسان أو الحيوان.
[1] انظر: الرسالة، صـ (62)، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد (2/ 216).
[2] انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 503-504)، وإرشاد الفحول (1/ 398)، هذا من كلام ابن دقيق العيد.
[3] انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 216).
[4] انظر: الرسالة، صـ (62).
[5] صحيح: رواه البخاري (2699)، عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
[6] انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 216).