الموضوع: تقويم اللسانين
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 16-02-2021, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين


قال محمد تقي الدين: يرحم الله ابن سيدة ما أشد حرصه على سلامة اللغة العربية، والمحافظة عليها من الاختلال، فحيا الله ذلك الزمان الذي كان فيه للغة العربية حماتها وأنصارها يذودون عن حماها ويصونونها من العابثين والجاهلين. فإنه رحمه الله، لم يستطع أن يقيس فيوجد لهذه الصفة فعلا لأنه لم يسمعه مرويا عن العرب مع أنه قياس وجيه فإن فعيلا يأتي في الغالب من فَعُل بالضم كعَظُم فهو عظيم، وجمل فهو جميل، وكرم فهو كريم. وقد ذكر بعد ذلك صاحب اللسان الفعل فإن لم يسمعه ابن سيدة فقد سمعه غيره وأثبته وتبين مما نقلته من كلام اللسان أنه يمكن أن يقال رجل شخيص بمعنى رجل نبيل فيكون بديلا عن اللفظ الأعجمي الأصل وهو الشخصية فيقال شخيص وشخصاء بدل شخصية وشخصيات وشخيص أجمل لفظا مع كونه مرويا وليس فيه تأنيث فيصح أن يكون ترجمة لذلك اللفظ الإنكليزي إذا احتيج إليه وأقبح من ذلك لفظ تحيرت في معناه الألباب، اخترعه شخص جاهل فنشرته مجلة دعوة الحق الغراء بدون تعليق مع أنه تكرر في مقالات هرف بها ذلك الشخص ولا نقول إنه شخيص وقد تعجب أحد كبار العلماء المصريين وهو صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن الوكيل من هذا اللفظ حين كتب إليه ذلك الشخص كتاباً خاصاً واستعمل فيه ذلك اللفظ المخترع المكذوب على اللغة العربية ألا هو (الشخصانية) ثم ولد لفظا آخر وهو (التشخصن) فصار ابنا للشخصانية ومثل هذا يزري بمجلة دعوة الحق وهي مجلة لها مقام سام في النوادي الأدبية في أنحاء العالم فعسى أن يتنبه سيادة رئيس التحرير لذلك وما نقلته من تعجب الأستاذ الوكيل وتحيره في ذلك اللفظ في (مجلة الهدى النبوي) التي كان يصدرها في القاهرة إلى أن توقفت بعد حرب يونيو 1967.

7- ومن التعابير التي شاعت في هذا الزمان قولهم ساعدته الظروف أو لم تساعده الظروف أو حالت الظروف بينه وبين ما يريد وهو كثير في كلام الخاصة والعامة وهو استعمال غير عربي، ولنبدأ بمعرفة معنى الظرف والظروف لننظر هل يصح إسناد الفعل إليها على سبيل المجاز العقلي كما يسند إلى الزمن والدهر والليل والنهار أو لا يصح؟ - أما إسناد الفعل إلى الدهر على سبيل المجاز العقلي شائع في كلام العرب فمن ذلك قول وزير عزله ملكه من الصباح إلى الزوال ثم رضي عنه ورده إلى مكانته من مخلع البسيط.


عاداني الدهر نصف يوم
فانكشف الناس لي وبانوا

يا أيها المعرضون عني
عودوا فقد عاد لي الزمان




وذلك أنه حين عزل تنكر الناس له وتغيروا فقال لهم ارجعوا إلى ما كنتم عليه من التملق والتعظيم فإن الزمان الذي عاداني وأعرض عني فاقتديتم به قد عاد إلي وأقبل علي فعودوا أنتم أيضا فأسند العداوة إلى الدهر والعَوْدُ إلى الزمان على سبيل المجاز، والزمن لم يعاده في الحقيقة ولم يُقْبِل عليه:
ومثل ذلك قول آخر:
رأيت الدهر في خفض الأعالي
وفي رفع الأسافلة اللئام

فقيها صح في فتواه قول
بتفضيل السجود على القيام



والدهر لم يرفع أحدا ولم يخفضه بل الخافض الرافع هو الله تعالى وإنما ذلك مجاز أسند الفعل فيه إلى ملابسه، وهو زمانه الذي وقع فيه، فقوله عاداني الدهر أي عاداني الناس والسلطان في الدهر، وعاداني الزمان أي عاداني الحظ في الزمان، ومثل ذلك إسناد الفعل إلى الدنيا والعرب تفعل ذلك كثيرا قال ابن الوردي في لاميته:
اترك الدنيا فمن عادتها
تخفض العالي وتعلي ومن سفل


وقال غيره:
سألت عن الدنيا الدنية قيل لي
هي الدار فيها الدائرات تدور

إذا أقبلت ولت وإن أحسنت أمس
ت وإن عدلت يوما فسوف تجور


وإسناد الفعل إلى الدنيا كإسناده إلى الزمان لأن الدنيا في الأصل صفة الحياة، وبذلك جاء القرآن في غير موضع، والمراد بالدنيا: القربى فُعْلى: من الدنو وتقابلها الحياة الأخرى وإسناد الأفعال إلى الظروف يقصد به ما قصد بإسنادها إلى الزمان والدهر فالظاهر أنهم أخذوا ذلك من تعبير النحاة بظرف الزمان، فإن قيل فهمنا من كلامك أنك لا تنكر إسناد الفعل إلى الزمان على سبيل المجاز، وقد اعترفت بأن مراد المعبرين بالظروف الأزمنة والأوقات فلماذا حملت عليهم هذه الحملة الشديدة؟ فالجواب أن هناك فرقا كبيرا بين إسناد الفعل إلى الزمان وإسناده إلى الظرف مفردا أو مجموعا لأن تعبير النحاة اصطلاح وليس بحقيقة لغوية فإن العرب لم تسم الزمان ظرفا ولا الأوقات ظروفا قال صاحب اللسان: وظرف الشيء وعاؤه، ومنه ظروف الأزمنة والأمكنة الليث، الظرف وعاء كل شيء، حتى إن الإبريق ظرف لما فيه والصفات في الكلام التي تكون مواضع لغيرها تسمى ظروفا من نحو أمام وقدام وأشبه ذلك. تقول خلفك زيد إنما انتصب، لأنه ظرف لما فيه وهو موضع لغيره، وقال غيره: الخليل يسميها ظروفا، والكسائي يسميها الحال، والفراء يسميها الصفات والمعنى واحد، اهـ. فالظرف كما قلنا اصطلاح لبعض النحاة يشمل الزمان والمكان ولا يجوز أن يعبر في اللغة عن الزمان بالظرف فلا يقال أقمت في المدينة الفلانية ظرفا طويلا أو قصيراً وإنما يقال أقمت زمانا، أما قول الشاعر:
رأيت الدهر في خفض الأعالي

فإنه يشير إلى خلاف جار بين الفقهاء فيما هو أفضل أطول القيام في صلاة النوافل، أم كثرة السجود؟ أي السجدات، فقال قوم: كثرة السجود أفضل، واحتجوا بما رواه مسلم عن ربيعة ابن مالك الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمسل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود) وقال آخرون طول القيام أفضل من كثرة السجود، واستدلوا بحديث ورد في ذلك.

8- ثلاثينات أو الثلاثينيات:- ومن التقليد القردي ما يعبر به المذيعون في إذاعة لندن وغيرها إذا أرادوا أن يؤرخوا حادثة من الحوادث أنهم يقولون: وقع ذلك في الثلاثينات أو الثلاثينيات أو الأربعينات أو الأربعينيات من القرن التاسع عشر مثلا وهذه العبارة ترجمة لفظية للتعبير الإنكليزي وهي في غاية الفساد لأن القرن الواحد لا تتعدد فيه الأربعون ولا ثلاثون ولا خمسون، فلا حاجة إلى جمعها ولا معنى له.

9- بيانات وخلافات وقرارات وما أشبه ذلك: ومن الأخطاء التي شاعت وذاعت في الزمان جمع كثير من الأسماء المذكرة من مصادر وغيرها بالألف والتاء فيقولون في جمع البيان بيانات، وفي جمع قرار قرارات، وفي جمع خلاف خلافات، وفي جمع جواز السفر جوازات. وهذا من أبين الخطأ لأن المفردات التي تجمع هذا الجمع معروفة، ولا تجوز الزيادة عليها إلا ما سمع من العرب وقد جمعها بعضهم بقوله:
وقسه في ذي التا ونحو ذكرى
ودرهم مصغرا وصحرا

وزينب ووصف غير العاقل
وغير ذا مسلم للناقل


فالأول ذو التاء يعني تاء التأنيث كغرفة وغرفات وصلاة وصلوات وكاتبة وكاتبات وفاطمة وفاطمات ولو كان مذكرا كطلحة وطلحات، والثاني، ما كان آخر ألف التأنيث المقصورة نحو ذكرى وذكريات وبشرى وبشريات وحبلى وحبليات، والثالث الاسم إذا صغر وكان لمذكر مما لا يعقل، كدريهم ودريهمات وغزيل وغزيلات، والرابع: ألف التأنيث المدودة، كحمراء وحمراوات وصفراء وصفراوات، الخامس: كل اسم علم مؤنث وإن لم تكن فيه التاء كزينب وزينبات وهند وهندات، السادس: وصف غير العاقل كقوله تعالى:﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ فإن معلومات جمع معلوم، ومعدودات جمع معدود، هذه ستة يقاس فيها الجمع بالألف والتاء، وقد سمع من العرب جمع الحمام على حمامات وجمع السرادق على سرادقات، قال صاحب اللسان: السرادق ما أحاط بالبناء والجمع سرادقات، قال سيبويه جمعوه بالتاء وإن كان مذكرا حين لم يكسر، وفي التنزيل:﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ في صفة النار أعاذنا الله منها، وسورة الكهف رقم (29).

وقال ابن كثير في تفسيره: قال ابن جريج: قال ابن عباس أحاط بهم سرادقها، قال حائط من نار اهـ. فإن قلت فكيف نجمع هذه الألفاظ أقول، أما القرار فيستغنى بجمع المقرر عن جمعه فيقال المقررات وهو داخل في القسم السادس مما تقدم، وأما البيان فيجمع على أبينة لأن فعالا يجمع على أفعلة، وأما الخلاف فهو مصدر لا حاجة إلى جمعه فإذا أردنا كثرته نقول خلاف كثير، أم جواز السفر فيجمع على أجوزة، وكل اسم يراد جمعه ينظر في قواعد جموع التكسير ويجرى عليها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]