الموضوع: تقويم اللسانين
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-02-2021, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (9)

د. محمد تقي الدين الهلالي



1- تأشيرة السفر – ومن الأخطاء الشائعة الفاضحة التعبير بالتأشيرة في جواز السفر بمعنى الإذن الذي تعطيه سفارة دولة من يريد السفر إلى بلادها، فهذا اللفظ بهذا المعنى لا أصل له في اللغة العربية، وسبب استعماله، أن بعض البلدان العربية يستعملون في لغتهم العامية أَشَّر، بفتح الهمزة وتشديد الشين مفتوحة، بمعنى أشار فيقولون يؤشر له بيده أي يشير له فاستعمل بعض جهلة الكتاب التأشيرة، بمعنى الإشارة، يريد بذلك سِمَة الدخول إلى بلاد دولة من الدول، وتبعه أمثاله في ذلك، وانتشرت هذه الكلمة عند العامة، واستعملتها الخاصة تبعاً بدون مبالاة والذين لا يعرفون اللغات الأجنبية منهم يظنون أنها مقتبسة منها وأنها شيء محتم لا بد منه، ولا غنى عنه، فيذعنون له كما يذعنون إلى غيره من الألفاظ الدخيلة والمولَّدة، وبذلك يخدش وجه اللغة العربية، وتزول محاسنها، ويقضى عليها، حتى إذا قابل العالم بها إنشاء أهل هذا الزمان بإنشاء أسلافهم يصيبه من الحيرة والدهشة مثل ما يصيبه إذا قابل هَمْعَهُم بهمعهم وأعمالهم بأعمالهم فينشد قول الشاعر:
ذهب الرجال المقتدى بفِعالهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب




وقول الآخر:
ذهب الرجال المقتدى بفِعالهم
والمنكرون لكل أمر مُنْكَر

وبقيت في خلَف يزكي بعضهم
بعضاً ليسكت معور عن معور


والمعور الذي بفيه خلل.


والتأشير في كلام العرب غير مهمل ولكن له معنى، غير ذلك. قال صاحب اللسان تأشير الأسنان تحزيزها وتحديد أطرافها وقد أشرت المرأة أسنانها تأشرها أشراً وأشّرتها (بتشديد الشين) حززتها: ثم مضى، إلى أن قال والتأشيرة ما تعض به الجرادة، والتأشير شوك ساقيها اهـ. المراد منه والصواب أن يقال بدل التأشيرة (السِمَة) بكسر السين وفتح الميم مخففة.

وهذا اللفظ مستعمل فعلاً في العراق يقال فلان منح سمة الدخول إلى البلاد العراقية أو المرور بها، وهو استعمال صحيح.

2- سلام حار وشكر حار، هذا مما أخذه المستعمَرون بفتح الميم، مِنَ المستعمِرين بكسرها، والسلام عند لا يوصف بالحرارة بل بالكثرة والطيب والزكاة. فيقال أزكى السلام وأطيبه ويشبه السلام عند العرب بالنسيم الذي يهب على الروض فيحمل أطيب روائحه إلى المحبوب قال بعضهم:
سلام على الأحباب في القرب والبعد
سلام كما هب النسيم على الورد




لا يقال هذا اقتباس حسن، يقتبسه الكاتب العربي من الكاتب الأوربي، لأنا نقول إن الإنشاء العربي قد بلغ أوج الكمال فلا حاجة إلى أن يقتبس من الآداب الأوربية شيئا سبقهم إليه وعلمهم إياه المسلمون، وليس هذا من المخترعات، ولا من المكتشفات التي كانت مجهولة حتى يقتبسها العرب من مخترعيها ومكتشفيها.

3- الليلة الماضية أو ليلة أمس ومن الجهل باللغة العربية تعبيرهم بالليلة الماضية أو ليلة أمس، كما تعبر بها الإذاعات ويقتدي بها المتكلمون والكتاب، والصواب أن يقال البارحة. قال صاحب اللسان: والبارحة أقرب ليلة مضت، تقول لقيته البارحة ولقيته البارحة الأولى، وقال ثعلب تقول مذ غذوت إلى أن تزول الشمس رأيت الليلة في منامي فإذا زالت، قلت رأيت البارحة من أمثال العرب ما أشبه الليلة بالبارحة! أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت، اهـ كلام صاحب اللسان، وقد ضمن بعضهم هذا المثل فقال في ذم أصدقائه:
كل خليل كنت خاللته
لا ترك الله له واضحة

كلهم أروغ من ثعلب
ما أشبه الليلة بالبارحة



يقول أن أصدقاءه يشبه بعضهم بعضا في الخيانة والغدر ويدعو عليهم بأن لا يترك الله لأحدهم واضحة أي سنا. أقول البارحة الأولى من الليلة التي قبل البارحة وهذه العبارة لا تزال مستعملة عندنا في سجلماسة (تفلالت) وقد غير لفظها إلى أن صار هكذا (البارحة الأولى).

4- أما عن كذا وكذا، وهذا من التعابير المأخوذة من لغات المستعمرين، ولا تزال طرية يعرفها كل من يعرف اللغات الأجنبية واستعمارها للعربية، وطغيانها عليها، ومسخها لجمالها والصواب أن يقال أما ويأتي بالكلمة المقصورة مرفوعة، إن كانت عارية عن العوامل التي توجب نسبها نحو:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلو وأما وجهه فجميل


و(أما) إن كانت في متناول عامل ينصبها فيؤتى بها منصوبة كقوله تعالى:﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ وأما إن كانت الكلمة جارّا ومجرورا فيؤتى بها بعد أما نحو ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ وأما هؤلاء الكتاب المخطئون فإنهم جعلوا كل كلمة تأتي بعد مجرورة بِعَن، مثلا أما عن فلان فقد فعل كذا وكذا فيقحمون (عن) بدون معنى لموافقة جهلة المترجمين، ولو سألت أحدهم لماذا عبرت بهذه العبارة، لقال لك سمعت كتابا مترجمين، وخطباء ومذيعين يعبرون بها، فهل يجوز أن يكون هؤلاء كلهم مخطئين؟ ولو سألت أولئك الكتاب والخطباء لما كان جوابهم أضل من جواب مقلدهم. وهذا مضرب المثل (تمسك غريق بغريق) أي أعمى يقود أعمى. وما المانع أن يكونوا مخطئين فهل هم معصومون؟ فالمعصوم من الخطأ عند علماء هذا الشأن هو القرآن وما صح من كلام العرب الخلص إلى آخر عهد بني أمية قبل أن يفشو اللحن والخطأ، وتختل اللغة، ويرجع كذلك إلى قواعد اللغة ومن نظر في كتاب الله وكلام العرب، يتبين له لأول وهلة جهل هؤلاء المركب، فإنهم يجهلون ويجهلون أنهم جاهلون وما أكثر هذا الجهل المركب في البلدان المتأخرة التي اختلط حابلها بنابلها والتبس حقها بباطلها.

5- لم ترضخ للاستعمار:- من الأفعال الشائعة الاستعمال في الصحف والمجلات والخطب وكلام الناس والإذاعات استعمال رضخ له بمعنى خضع وهو استعمال مخترع مكذوب لا أصل له فإن الرضخ إذا تعدى بنفسه فمعناه الكسر وإذا تعدى باللام فمعناه العطاء القليل، يقال رضخ رأس الحية أي كسره ورضخ له من ماله أي أعطاه شيئا قليلا، ورضخت المرأة النوى بالمرضخة أي كسرته لتجعله خلصا للمواشي، ومن لا يزن كلامه بقسطاس مستقيم بل يأخذ إنشاءه من كلام كل من هب ودب فإنه يقع في أخطاء لا تعد ولا تحصى، ولا نتعجب من العامة إذا فعلوا ذلك وإنما نتعجب من الخاصة الذين يرجى منهم أن يسهروا على تحقيق اللغة وإصلاح الخطأ، فإذا بهم يرتكبون الأخطاء ولا يبالون وربما يغضبون إذا نبهوا ويتعصبون، وهذا مضرب المثل (بالملح يصلح ما فسد، فكيف إذا الملح فسد) فلسان حال اللغة العربية ينشدهم:
إذا رمتم قتلي وأنتم أحبتي
إذن فالأعادي واحد والحبائب


6- ومن استعمار بل استعباد اللغات الأوربية للغة القرآن تسميتهم الرجل العظيم شخصية، والرجال العظماء شخصيات (واللفظ الإنكليزي لهذه الكلمة الدخيلةpersonality للمفرد personalities للجمع، والسبب في ذلك أن جهلة المترجمين ترجموا اللفظين خطأ بذلك، فتبعتهم العامة، ثم استسلمت الخاصة للعامة، وتبعتهم بسبب الخلط والخبط والارتباك الواقع في الإنشاء العربي، بل في سائر شؤون العرب في الأزمنة المتأخرة التي اختل فيها النظام، وبقى الناس فوضى، وقد راجعت كتب اللغة على سبيل الاحتياط فلم أزدد إلا يقيناً بفساد هذا الاستعمال، والصواب أن يقال بدل الشخصية رجل عظيم أو نبيل أو سري والشخصية لفظ مؤنث ففيه طعن وذم لمن وصف به فكيف يكون تعظيما وفي لسان العرب ما نصه.

والشخيص العظيم الشخص والأنثى شخصية والاسم الشخاصة. قال ابن سيدة ولم أسمع له بفعل فأقول إن الشخاصة مصدر، أبو زيد رجل شخيص إذا كان سيدا، وقيل شخيص إذا كان ذا شخص وخلق عظيم بيِّن الشخاصة وشخُص الرجل بالضم فهو شخيص أي جسيم اهـ.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]