
15-02-2021, 04:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة :
|
|
الكفاءة وتكييفها الفقهي في عقد النكاح
الكفاءة وتكييفها الفقهي في عقد النكاح
حنان مسلم فتال يبرودي
الزواج سنة إلهية كونية، وضرورة شرعية، ونفسية، واجتماعية، يتوقف عليها بقاء النوع البشري، واستقرار النفس الإنسانية.
ويعرّفه الفقهاء بأنّه: عقد يفيد حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي قصدا[1]. ولأهمية الزواج في استقرار المجتمعات، وإيجاد البيئة الملائمة للنسل الصالح، فقد اهتم التشريع الإلهي به، وحرص على جعله الوسيلة الصحيحة الوحيدة لبناء الأسر، والتكاثر، والتناسل. ومن هنا فقد حدد الشرع أركان هذا العقد، وشروطه وفصّل في هذه الشروط ونوّعها. وكان من الشروط التي اهتمّ بها ودعا إليها في هذا العقد هو شرط الكفاءة، ونظراً لأهمية هذا الشرط في ضمان استمرار الحياة الزوجية، وتأمين عنصر الاستقرار لها منذ البداية، وتحقيق مقصد الشارع من نجاح هذا العقد، فقد وجدت أنّ من المهم إفراده بالبحث، وتجلّت لي أهميته في النقاط التالية:
تعريف الكفاءة:
آ- تعريف الكفاءة لغةً[2]:
الكفاءة لغة: المماثلة و المساواة، فيقال: فلان كفء لفلان، أي مساوٍ له، وكل شيء يساوي شيئاً فهو مكافئ له، وكُفء و كَفء و كِفء والجمع أكفاء و كِفاء بمعنى مثلٌ و نظير. و في الحديث: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم "[3].
ب- الكفاءة اصطلاحاً:
عرّف الفقهاء الكفاءة تعريفات عدّة، منها:
الكفاءة: هي المماثلة بين الزوجين في أمور مخصوصة [4].
الكفاءة: أمر يوجب عدمه عاراً[5]
الكفاءة: هي كون الزوج نظيراً للزوجة [6].
الكفاءة: هي المساواة بين الزوجين في أمور اجتماعية بحيث يعتبر وجودها عاملاً من عوامل الاستقرار الزوجي، كما يعتبر الإخلال بها معكّرا[7]ً ومفسداً للحياة الزوجية، ويؤدي إلى الشقاق والضرر في غالب الأحوال[8].
ولعلّ التعريف الأخير هو أكثرها وضوحاً وسهولة مع شموله.
آراء الفقهاء في اشتراط الكفاءة في عقد النكاح:
تحرير محل النزاع:
أجمع العلماء على اشتراط إسلام الزوج إذا كانت الزوجة مسلمة، بل ونقلوا الإجماع على ذلك[9] لقوله - تعالى -: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)[البقرة: 221)].
وبالتالي فهذه المسألة خارج محل النزاع، ولا ينظر في الكفاءة بها؛ لأن العقد باطل.
وإنما وقع الخلاف في اشتراط الكفاءة حال كون الزوج مسلماً، فمنهم من لم يعدّها شرطاً، ومنهم من عـدّها، وفيما يلي تفصيل ذلك:
القول الأول: وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية[10] والمالكية[11] والشافعية[12] والحنابلة [13]، أنّ الكفاءة معتبرة، وهي شرط[14] في عقد الزواج وإن اختلفوا في تحديد عناصرها وصفاتها، فقالوا: لا بدّ للزوج أن يكون مكافئاً للزوجة عند العقد إلاّ إذا تنازل الأولياء والزوجة عن ذلك.
القول الثاني: وهو قول الظاهرية [15] والإمام الكرخي وأبو بكر الجصاص من الحنفية، والثوري، والحسن البصري[16] أنّ الكفاءة ليست شرطاً أصلاً، فيصح الزواج ويعتبر سواء أكان الزوج كفؤاً للزوجة أم غير كفءٍ.
قال في المحلى: "وأهل الإسلام كلهم أخوة لا يحرم على ابن ٍ من زنجيّة[17] لَغيَّةٍ- أي غير معروفة النسب- نكاح ابنة الخليفة الهاشمي، والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم ما لم يكن زانياً كفء للمسلمة الفاضلة ".
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلّ الجمهور القائلون باشتراط الكفاءة بأدلة من السنة و المعقول:
أولاً: من السٌّنة:
1- عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((لا تنكحوا النساء إلاّ الأكفاء، و لا يزوجوهنّ إلاّ الأولياء، و لا مهر دون عشرة دراهم))[18].
2- عن عليّ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((ثلاث لا تؤخر، الصّلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً))[19].
3- عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((تخيّروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء))[20].
4- عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((العرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل إلاّ حائك أو حجّام))[21].
5- عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "خُيِّرت بريرة على زوجها حين عُتِقـَت[22]". ولمسلم عنها: أنّ زوجها كان عبداً[23].
6- عن عبد الله بن بريدة - رضي الله عنه - قال: "جاءت فتاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: "إنّ أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته[24]، قال: فجعل الأمر إليها، قالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أُعَلِّم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيئاً"[25].
قال في نيل الأوطار: "ودلالة الحديث تكمن في قولها: ليرفع به خسيسته، فهذا مشعر بأنه لم يكن كفؤاً لها"[26].
7-قول عمر - رضي الله عنه -: " لأمنعنّ فروج ذوات الأحساب إلاّ من الأكفاء "[27].
ثانياً: المعقول:
و مما يدلّ على اشتراط الكفاءة عقلاً ما يلي:
1-إنّ دوام العشرة و الاستقرار بين الزوجين، و مصالح الزوجية تتوقف إلى حدٍّ كبير على تحقيق مساواة الزوج لزوجته، فإذا وجد التفاوت بينهما كان سبباً للشقاق و سوء التفاهم، مما يوجب تلافي الأمر قبل وقوعه، وذلك بأن يكون الزوج كفؤاً للزوجة [28].
قال في بدائع الصنائع: " لأنّ مصالح النكاح تختل عند عدم الكفاءة، لأنّها لا تحصل إلاّ بالاستفراش[29]، و المرأة تستنكف[30] عن استفراش غير الكفء، و تعيّر بذلك فتختلّ المصالح، و لأنّ الزوجين يجري بينهما مباسطات في النكاح لا يبقى النكاح بدون تحملها عادة، و التحمّل من غير الكفء أمر صعب يثقل على الطباع السليمة، فلا يدوم النكاح مع عدم الكفاءة، فلزم اعتبارها "[31].
2-إنّ الزوج بحكم الشرع و العرف و العادة له السلطان الأقوى في شؤون الزوجية، فإذا لم يكن مساوياً لزوجته أو أعلى منها في المنزلة استنكف أن يكون له هذا السلطان، وهذه القوامة، و لم يكن الزوج من زوجته محل تقدير و لا اعتبار [32].
3-إنّ الأولياء يأنفون من مصاهرة من لا يناسبهم في دينهم و نسبهم، فإذا لم تشترط الكفاءة اختلت روابط المصاهرة و ضعفت، و لم تثمر الحياة الزوجية ثمرتها، فينقلب الزواج إلى مشكلات لا حصر لها، وأخيراً قد تؤدي إلى انفكاك الأسرة [33].
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلّ أصحاب القول الثاني، و هم المانعون لاشتراط الكفاءة في عقد النكاح بالأدلة التالية:
أولاً: من الكتاب:
1-قوله - تعالى -: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات13).
2- قوله - تعالى -: {إنّما المؤمنون إخوة} (الحجرات: 10).
فهاتان الآيتان تدلان على المساواة المطلقة، و بالتالي على عدم اشتراط الكفاءة.
3- قوله - تعالى -: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} (النساء 31). وهو خطاب عام لجميع المسلمين.
4- قوله - تعالى -: {و أحل لكم ماوراء ذلكم} (النساء: 24). فقد أحلّ النساء دون شرط بعد ذكر المحرمات منهنّ[34].
ثانياً: من السنة:
1-قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس لعربي على عجمي فضل إلاّ بالتقوى "[35]. قال في بدائع الصنائع بعد ذكره للحديث في باب الكفاءة: " هذا نصٌّ "[36].
2-عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها -، أنّ عمر بن حفص طلّقها البتّة، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: " اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم، فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيـني، قالت: فلمّـا حللت ذكرت له أنّ معاوية بن أبي سفيان و أبا جهم خطبـاها، فقـال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمّا أبو جهم فرجل لا يضع عصاه عن عاتقه، و أمّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة " [37]. ففاطمة قرشية و أسامة كَلْبيٌّ قضاعي و من الموالي أيضاً، و مع ذلك أمرها أن تتزوج به[38].
3-إنّ أخت عبد الرحمن بن عوف، و هي هـالة كانت تحت بلال بن رباح[39]، و بلال مولى للصّديق[40].
4-عن عائشة - رضي الله عنها -، أنّ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس و كان ممن شهد بدراً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تبنّى سالماً و أنكحه بنت أخيه هنداً بنت عتبة بن ربيعة، و هو مولى لامرأة من الأنصار [41].
قال البيهقي بعد ذكر الحديث: " فهذه قرشية من بني عبد شمس بن عبد مناف زُوِّجت من مولى ".
5- عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلّك أردت الحجّ؟ قالت: و الله لا أجدني إلاّ وجعة، فقال لها: حجّي و اشترطي، قولي: اللهمّ محلّي حيث حبستني " و كانت تحت المقداد بن الأسود[42]. و المقداد كان بهراوي أو حبشي و هي قرشية [43].
6-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ أبا هند حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ[44]، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " يا بني بياضة أنكحوا أبا هند و انكحوا إليه " و كان حجّاماً [45].
ثالثاً: المعقول:
و أمّا من المعقول فقد قاسوا عدم اشتراط الكفاءة في النكاح على عدم اشتراطها في الجنايات، فقالوا: الدّماء متساوية في الجنايات[46]، فيقتل الشريف بالوضيع، و العالم بالجاهل، فيقاس عليها عدم الكفاءة في النكاح، فإن كانت الكفاءة غير معتبرة في الدماء فلا تكون معتبرة في الزواج من باب أولى، لأنّ اعتبارها في الدماء أولى إذ يحتاط في الدماء ما لا يحتاط به في سائر الأبواب[47].
مناقشة الأدلة و الترجيح:
أولاً: مناقشة أدلة الجمهور القائلين باشتراط الكفاءة:
استدل الجمهور بعدة أحاديث لا تخلو من مطعن:
1- فقد استدلوا بحديث جابر - رضي الله عنه - و فيه: " لا تنكحوا النساء إلاّ الأكفاء و لا يزوجوهنّ إلاّ الأولياء" و هذا الحديث أخرجه البيهقي و الدار قطني كما سبق، و قد أعلّه الزيلعي - رحمه الله - في نصب الراية فقال: "قال الدار قطني: و لكنّ راوي الحديث: مبشر بن عبيد، و هو متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها...ثم قال: و قد أسند البيهقي في المعرفة عن أحمد بن حنبل هذا الحديث ثمّ قال: أحاديث مبشر ابن عبيد موضوعة كذب "[48].كما أنّ البيهقي قال بعد ذكره للحديث: " هذا حديث ضعيف بمرة "[49].
2- وأمّا حديث علي - رضي الله عنه -: " ثلاث لا تؤخر... " فقد رواه الترمذي في الصلاة، ثمّ قال: حديث غريب و ما أرى إسناده متصلاً "[50]. و قد نقل الزيلعي عن البيهقي أنّ حديث علي هذا هو أمثل الأحاديث الواردة في اعتبار الكفاءة، كما ذكر أنّ الحاكم أخرجه في المستدرك و قال: صحيح الإسناد [51].
3- وأما حديث عائشة - رضي الله عنها -: " تخيروا لنطفكم... " فقد استدل به ابن الجوزي - رحمه الله - في تحقيق الخلاف على اشتراط الكفاءة، و أورد الحديث من طريقين:
-الأول: بلفظ: " تخيروا لنطفكم و لا تضعوها إلاّ في الأكفاء ".
-و الثاني: بلفظ: " تخيروا لنطفكم و أنكحوا الأكفاء و أنكحوا إليهم ".
ثمّ قال: " و مدار الطريقين على الحارث بن عمران، قال الدارقطني هو ضعيف، و قال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات "[52]. و قد ذكر في نصب الراية أنّ الطرق كلها ضعيفة [53].
4-وأما حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: " العرب بعضهم أكفاء لبعض.... " فقد تحدّث العلماء فيه:
-فذكر الشوكاني في نيل الأوطار، أنّ في إسناده رجلاً مجهولاً، و هو الراوي له عن ابن جريج، فقال: " و قد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقـال: هذا كذب لا أصل له، و قال في موضـع آخر باطل، و نقل عن الدار قطني في العلل أنّه لا يصح"[54].
-وذكر فضيلة الأستاذ الدكتور نور الدين عتر- حفظه الله - أنّ هذا الحديث رواه الحاكم من طريق شجاع بن الوليد، قال: حدثنا بعض إخواننا عن ابن جريج، هكذا لم يُسمِّ شجاع بن الوليد الذي حدّثه بالحديث عن ابن جريج، وذلك يوجب ضعف الحديث لإيهام الراوي في السند، كما أنّ فيه عنعنة ابن جريج و هو مدلّس00 إلى أن قال بعد ذلك: " فإذا كان في الحديث ضعف، فإنّه يتقوى بكثرة الأحاديث الأخرى في معناه، فإنّها تشهد له"[55].
-و كذا فقد عَمِلَ الإمام أحمد بن حنبل بهذا الحديث على الرغم من ضعفـه، فجـاء في كشاف القناع قوله: " و روي في حديث: " العرب بعضهم لبعض أكفاء إلاّ حائكاً أو حجّاماً "، قيل لأحمد: كيف تأخذ به و أنت تضعفّه؟ قال: العمل عليه، يعني أنّه موافق لأهل العرف " [56].
5-و أمّا حديث بريرة التي خيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حديث صحيح، وذكر العلماء أنّه أصح شيء في باب الكفاءة، فنقل البيهقي بعد روايته للحديث قول الشافعي: " أصل الكفاءة مستنبط من حديث بريرة كان زوجها غير كفؤ لها فخيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [57]. و قال أ. د نور الدين عتر: " أي أنها أي بريرة لمّا عتقت لم يكن زوجها كفؤاً لها بعد الحرية، فدلّ على مراعاة الكفاءة "[58].
6-و أمّا حديث عبد الله بن بريدة، فقد ذكر ابن ماجه أنّ رجاله رجال الصحيح، و دلالة الحديث إنّما تكمن في قولها: " ليرفع بي خسيسته " فهذا مشعر بأنّه لم يكن كفؤاً لها، وهو ماذكره الشوكاني في نيل الأوطار [59].
و مما سبق يتضح أنّ الأحاديث التي استدلّ عليها الجمهور لا تخلو من مطعن و أنّ أصحها حديث بريرة كما ذكر الشافعي، و هو حديث صحيح متفق عليه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|