[ابوالوليد المسلم]

جذوة الإيمان

بدرية الغنيم

سأظل أرقب ذلك النور وإن دب الظلام وبدا يوهم الناظرين إليه بسيادته وبطشه بهم، وتغلغله في أحداقهم وقلوبهم. ما الباطل إلا وهم، وما ذلك النور إلا حراب ناصلة تهتك ستر الظلام، وتحيل سواده إلى أسمال لا تقاوم ذلك الوهج، فيضحك في ثنايا الظلمة الفجر، ويغشى تلك الأحداق التي أذبلتها الظلمة، وبلطف يحيلها إلى عيون مبصرة ترى في النور ما كان يخفى عليها الظلام؛ لترى تلك الرياض المعشبة، وتلك الأزاهير التي نمت في النور وشربت ماء الإيمان.
ثم لتنظر بأسى ورحمة لتلك البراعم المشوهة، التي نبتت في الظلمة وأوغلت في بعدها عن النور؛ فتشوه بناؤها ومسخ ظاهرها. ولتشعل هي أيضاً قناديل الضياء وتتحسس تلك الجذوات في القلوب المؤمنة وتوقظها؛ لأن الفجر يسري في العروق مع ضربات القلب المنور بالإيمان. ومع كل دفقة دم تسمع تسبيحة التائب تردد: سأظل أبحث عن قنديلي وإن خفت ضوؤه.. وإن علاه السناج.. سأبحث عنه في طيات الفؤاد.. بين الضلوع.. عبر الأوردة.. بل في اللحم والعظم حتى المشاشة.
نور سرى في روحي وفي جسدي، لن ينطفئ مهما تطاول ودب إلى مساحاتي الإعتام. سأظل مفتونا به؛ أرسم طريقي على هداه، وأتنفسه مع الهواء، وأرشفه مع الماء، بل حتى مع الغذاء.. أحس حلاوة طعمه في فمي، يغلب مرارة الحياة، ويرسم بسمة الأمل على الشفاه ملوحاً براية كتب عليها:
"الحق منصور وإن طال الزمن".