سنون الرحيل
د. أحمد أبو اليزيد
أبحث بكلتا يديَّ وبكامل عزمي عن تلك الزهرة الكائنة داخل قلبي، أزيح أطلالَ المشيب وأمحو آثار الخَطايا حتى يصل النور إلى أعماق الفؤاد؛ علَّها تنمو كما كانت وافرةً أيام الصِّبا، ولكن كما ولَّت شرائع الصِّبا يوم كسا الرأسَ المشيبُ، ولَّى كذلك عطرُ الزهرةِ، فما عدتُ أُدركها كسابق عهدها.
ما زلت أبحث فلا عطرها يَفوح، ولا جمالها يبدو للعين فتحلو به الحياة، ويَخور الجسد، ويوهن العزم عن المضيِّ قدمًا في البحث، فأسمع صوتًا لا أدري مصدرَه يُنادي: يا بْن عشرين فوق عشرين، اقترب الرحيل فأعدَّ الزاد، يا بن قرنٍ مضى، ما عاد يُجدي النحيب على زهرة جدبت، بل غرْسُ زهرات في حقل الغد أجدى وأنفع!
يا بُنيَّ، ما بقيَ لك ممَّن يدعو لك إلا القليل، ودعاءُ نفسِك لنفسك أندر.
يا رفيقًا قد هجَر أرضه، لَتُرابُ أرضك أدنى مما تظنُّ وأقرَب.
قلتُ: كفى، فما أشقى سني الرحيل!