شرح حديث: اللهم باعد بيني وبين خطاياي والاستفتاح
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
ثالثاً: الفوائد والأحكام:
1) التكبيرة الأولى في الصلاة ركن من أركان الصلاة، لا تصحّ صلاة بدونها.
2) دعاء الاستفتاح يكون بعد الدخول في الصلاة بالتكبير وقبل قراءة الفاتحة، وهو من سنن الصلاة، وهو أنواع، سأذكر بعضَها فيما بعد.
3) والخطايا تشمل كلّ معصية وإثم وذنب وخطيئة... و[الْفرق بَين الْإِثْم والخطيئة؛ أَن الْخَطِيئَة قد تكون من غير تعمد، وَلَا يكون الْإِثْم إِلَّا تعمدا، ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سميت الذُّنُوب كلُّها خَطَايَا، كَمَا سميت إسرافا، وأصل الإسراف مُجَاوزَة الْحَدِّ فِي الشَّيْء...
والْفرق بَين الْإِثْم والذنب؛ أَن الْإِثْم فِي أصل اللُّغَة التَّقْصِير؛ أَثم يَأْثَم إِذا قصر،...
والذَّنب؛ مَا يتبعهُ الذَّم أَو مَا يتبع عَلَيْهِ العَبْد من قَبِيح فعله]. الفروق اللغوية للعسكري (ص: 233).
4) تكررت كلمة خطاياي في كلِّ فقرة من فقرات هذا الدعاء:
ففي الفقرة الأولى؛ دعا بالمباعدة عنها، وفي الثانية؛ دعا بالتنقية منها، وفي الثالثة؛ دعا بغسله والتطهير منها، أو بغسلها منه.
5) المباعدة عن الخطايا كما بين المشرق والمغرب هذا على المجاز، والحقية إزالتها بالكلية، وزوال أثرها، وليس إبعادها مع الإبقاء عليها.
6) والتنقية والتطهير والغسل منها باعتبارها نجس ودنس معنوي.
7) وغسلها من الجسد يكون بالماء والثلج والبرد على المجاز والتشبيه، والحقيقة ذهابها ومحوها.
8) [وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي)، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّه:ُ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ، وَقَالَ: لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا،... وَاللَّهُ أَعْلَمُ]. شرح النووي (1/ 240).
وقال الزبير بن العوام: (جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ)، فَقَالَ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». (خ) (3720)، (م) 49- (2416).
وقالها لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فقد قال: نَثَلَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». (خ) (4055).
وقد قالها عبدُ الله بنُ عباس لعليٍّ ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما: (بَلَى، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي). (حم) (625)، (حب) (1080).
وجاء في تحفة الأحوذي (10/ 168): [(أَيْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) وَفِي هَذِهِ التَّفْدِيَةِ؛ تَعْظِيمٌ لِقَدْرِهِ، وَاعْتِدَادٌ بِعَمَلِهِ، وَاعْتِبَارٌ بِأَمْرِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَفْدِي إِلَّا مَنْ يُعَظِّمُهُ فَيَبْذُلُ نَفْسَهُ، أَوْ أَعَزَّ أَهْلِهِ لَهُ،...].
[تحفة الأحوذي (10/ 175): فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ؛ الْجَوَازُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فَدَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَإِلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ لِمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَمَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ].
قال العيني: [قوله: "بأبي أنت وأمي"؛ قد ذكرنا... أنَّ "الباء" فيه متعلِّقة بمحذوف؛ قيل: هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره: أنت مُفدَى بأبي وأمي.
وقيل: هو فعل، وما بعده منصوب. أي: فديتك بأبي وأمي، وحُذف هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال]. شرح أبي داود للعيني (2/ 320، 321)
رابعاً: من أدعية الاستفتاح:
1) ثبت عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ("وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ").
وفي رواية: ("وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، آمَنْتُ بِكَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ"). (ثُمَّ يَقْرَأُ، فَإِذَا رَكَعَ)... فذكر أذكار الركوع والسجود إلخ... الحديث بزوائده: (م) (201، 202)- (771)، (ت) (3421- 3423)، (س) (897)، (د) (760)، (حب) (1771)، (قط) (ج1/ص297 ح2)، (هق) (2173)، (عب موقوفا) (2566)، انظر المشكاة (813)، التعليقات الحسان (1768)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
وقال الألباني في (صفة الصلاة ص93)؛ أن النبي صلى اللهُ عليه وسلَّم كان يقول هذا الدعاء في الفرض والنفل.
2) (س)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ("إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّئَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الْأَخْلَاقِ، لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ"). (س) (896)، (ن) (970)، (مسند الشاميين) (2974).
3) عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: ("سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، [2] وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"). (ت) (243)، (د) (776)، (س) (899)، (جة) (804)، وصححه الألباني في الإرواء (341)، وصفة الصلاة (ص93).
4) (حب)، وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم حِينَ دَخَلَ الصَّلَاةَ)، قَالَ: ("اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، اللهُمَ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ"). (حب) (2601)، (د) (764)، (جة) (807)، (حم) (16830)، انظر صحيح موارد الظمآن (375)، التعليقات الحسان (2592)، وقال الأرناؤوط: حسن لغيره.
5) (م س)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم؛ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("مَنْ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟") قَالَ رَجُلٌ مِنِ الْقَوْمِ: (أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("عَجِبْتُ لَهَا؛ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ").
وفي رواية: ("لَقَدْ ابْتَدَرَهَا اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا"). قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ ذَلِكَ). الحديث بزوائده: (م) 150- (601)، (ت) (3592)، (س) (885)، (886)، (ن) (959)، (حم) (4627).
6) (م د حم)، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى، فَانْتَهَى وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم صَلَاتَهُ) قَالَ: ("أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟") (فَسَكَتَ الْقَوْمُ)، فَقَالَ: ("أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأسًا؟") فَقَالَ الرَّجُلُ: (أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! أَسْرَعْتُ الْمَشْيَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الصَّفِّ، وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ، فَقُلْتُهَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَ؛ أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا؟").
وفي رواية: ("لَقَدِ ابْتَدَرَهَا اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا، فَمَا دَرَوْا كَيْفَ يَكْتُبُونَهَا؟ حَتَّى سَأَلُوا رَبَّهُمْ عزَّ وجل؟! فَقَالَ: اكْتُبُوهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي")، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَمْشِ عَلَى هِينَتِهِ").
وفي رواية: (فَلْيَمْشِ نَحْوَ مَا كَانَ يَمْشِي، فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ، وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ"). الحديث بزوائده: (م) 149- (600)، (س) (901)، (د) (763)، (حم) (12053)، (12983)، (13011)، (خز) (466)، (يع) (3100)، (طل) (2001)، وصححه الألباني في (صفة الصلاة) (ص94)، والصحيحة (3452)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
7) (ت د)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ)، ثُمَّ يَقُولُ: ("سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"). (ت) (242)، (د) (775)، (يع) (1108)، (خز) (467).
ثُمَّ يَقُولُ: ("لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ") -ثَلَاثًا-، ثُمَّ يَقُولُ: ("اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا") -ثَلَاثًا- ("أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ")، (ثُمَّ يَقْرَأُ). (د) (775)، (ت) (242)، (يع) (1108)، (خز) (467)، صححه الألباني في (صفة الصلاة) (ص94، 95).
8) (س)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي)، قَالَ: ("اللهُ أَكْبَرُ، وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ")، (ثُمَّ يَقْرَأُ). (س) (898)، (طب) (ج19/ ص231 ح515).
خامسا: مسألة وجوابها:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "الّلهُمَّ طَهِّرْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالـمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ". [3]
كيف يطهَّر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخصيص بذلك؟ وقوله في لفظ آخر: "والماء البارد". ([4]) والحار أبلغ في الإنقاء؟
فقال: الخطايا توجب للقلب حرارةً ونجاسةً وضعفًا، فيرتخِى القلبُ، وتضطرم فيه نارُ الشهوةِ وتنجِّسُه، فإنّ الخطايا والذنوبَ له بمنزلةِ الحطبِ الذي يمُدُّ النارَ ويوقدُها، ولهذا كلمَّا كثرت الخطايا؛ اشتدَّت نارُ القلبِ وضعفُه، والماءُ يغسلُ الخَبَثَ ويطفئُ النار، فإن كان باردًا أورثَ الجسمَ صلابةً وقوّةً، فإن كان معه ثلجٌ وبَرَدٌ كان أقوى في التبريدِ وصلابةِ الجسمِ وشدَّتِه، فكان أذهبَ لأثر الخطايا. هذا معنى كلامِه، وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح.
فاعلم أنّ هاهنا أربعةَ أمور: أمران حسِّيان، وأمران معنويان؛ فالنَّجاسة التي تزولُ بالماء هي ومزيلُها حسِّيان، وأثرُ الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان، وصلاحُ القلبِ وحياتُه ونعيمُه لا يتمُّ إلا بهذا وهذا.
فذكر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من كلِّ شطر قِسْمًا نَبَّهَ بِه على القسم الآخر، فتضمَّن كلامُه الأقسامَ الأربعةَ في غايةِ الاختصار، وحُسْنِ البيان]. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 57).
هذا والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] (م) 32- (244).
[2] (تَعَالَى): تَفَاعَلَ مِنْ الْعُلُوِّ، أَيْ عَلَا وَرُفِعَ عَظَمَتُك عَلَى عَظَمَةِ غَيْرِك غَايَةَ الْعُلُوِّ وَالرَّفْعِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَعَالَى غِنَاؤُك عَنْ أَنْ يُنْقِصَهُ إِنْفَاقٌ، أَوْ يَحْتَاجَ إِلَى مُعِينٍ وَنَصِيرٍ. تحفة الأحوذي (1/ 275).-
[3] عند ابن حبان: "اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا يُطَهَّرُ الثَّوْبُ مِنَ الدَّنَسِ". (حب) (955)، (956)، وصححه الألباني في (الإرواء) (8)، (تمام المنة) (ص 192).
[4] وهذا ما ثبت في صحيح مسلم وغيره: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ، وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ اللهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ". (م) 204- (476).