نظم مواضع ذكر لفظة "اللهم" في القرآن وبيان معناها محمد آل رحاب الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فإن كلمة "اللهم" من الكلمات القرآنية والنبوية التي لا يكاد يمر بالمسلم يوم بل صلاة بل ساعة إلا ويذكرها، ويدعو الله تعالى متوجهاً بها مقدماً لها بين يدي دعائه، ولكن قد لا يكون عارفاً بمعناها، وتفاصيل مبناها، فأحببت أن أكتب هذا المقال في بيان تفسيرها ومعناها، ونظم مواضع ذكرها في الكتاب العزيز، والله الموفق والمستعان. فائدة مواضع ذكر لفظة "اللهم" في القرآن: ذكرت في خمسة مواضع في ٥ سور، وهي: الموضع الأول: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ آل عمران: ٢٦ الموضع الثاني: ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ المائدة: ١١٤، ورقم الآية هو عدد سور القرآن الموضع الثالث: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ الأنفال: ٣٢ الموضع الرابع: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يونس: ١٠ الموضع الخامس: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ الزمر: ٤٦ *** وقد نظمت هذه الفائدة فقلت: ولفظةُ "اللهم" في القرآنِ في خمسةٍ[1] أتتْ بلا نُكرانِ في آل عمرانَ يليها: المائدهْ ثالثُها: الأنفالُ خُذها فائدهْ رابعها: يونسُ، ثم الخامسُ في سورة الزمر جَا[2] يا دارسُ وقيلَ في الميمِ بأنها بَدَلْ عن "يا" النِّدَا أوَّلَهُ يا مَن عقَلْ[3] وقيل: للتعظيمِ والتفخيمِ ك: زُرقُمٍ وابنمْ لدى العليمِ أو: أنها تَجْمعُ كُلَّ معنى جميعِ أسماءِ الإله الحسنى فمَن يقولُها كأنه دعا بها جميعِها، اغتنمْ يا مَن وَعَى نسألك "اللهمَّ" خَيرَ المسألهْ فأعْطِ كُلَّ واحدٍ مَا أَمَّلَهْ *** فصل بيان معناها وتفسيرها: قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير في علم التفسير (1/ 270): قال الزجاج: قال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: «اللهم» بمعنى: «يا الله»، و «الميم» المشددة زيدت عوضاً من «يا»، لأنهم لم يجدوا «يا» مع هذه «الميم» في كلمة، ووجدوا اسم الله عزّ وجلّ مستعملاً بـ «يا» إذا لم تذكر الميم، فعلموا أن الميم في آخر الكلمة بمنزلة «ياء» في أولها، والضمة التي في «الهاء» هي ضمة الاسم المنادى المفرد. انتهى *** وقال العلامة ابن القيم رحمه الله مشبعا الكلام فيها، وهو أوسع كلام رأيته عن "اللهم"[4]: لَا خلاف أَن لَفْظَة "اللَّهُمَّ" مَعْنَاهَا: يَا الله، وَلِهَذَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الطّلب، فَلَا يُقَال: اللَّهُمَّ غَفُور رَحِيم، بل يُقَال: اللَّهُمَّ أَغفر لي وارحمني. وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْمِيم الْمُشَدّدَة من آخر الِاسْم. فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: زيدت عوضا من حرف النداء، وَلذَلِك لَا يجوز عِنْده الْجمع بَينهمَا فِي اخْتِيَار الْكَلَام، فَلَا يُقَال: يَا اللَّهُمَّ إِلَّا فِيمَا ندر كَقَوْل الشَّاعِر: إِنِّي إِذا مَا حدثٌ ألما أَقُول: يَا اللَّهُمَّ يَا اللهما وَيُسمى مَا كَانَ من هَذَا الضَّرْب: عوضا، إِذْ هُوَ فِي غير مَحل الْمَحْذُوف، فَإِن كَانَ فِي مَحَله سمي: بَدَلا كالألف فِي قَامَ وَبَاعَ، فَإِنَّهَا بدل عَن الْوَاو وَالْيَاء، وَلَا يجوز عِنْده أَن يُوصف هَذَا الِاسْم أَيْضا، فَلَا يُقَال: يَا اللَّهُمَّ الرَّحِيم ارْحَمْنِي، وَلَا يُبدل مِنْهُ. والضمّة الَّتِي على الْهَاء ضمة الِاسْم المنادى الْمُفْرد، وَفتحت الْمِيم لسكونها وَسُكُون الْمِيم الَّتِي قبلهَا، وَهَذَا من خَصَائِص هَذَا الِاسْم كَمَا اخْتصَّ بِالتَّاءِ فِي الْقسم، وبدخول حرف النداء عَلَيْهِ مَعَ لَام التَّعْرِيف، وبقطع همزَة وَصله فِي النداء، وتفخيم لامه وجوبا غير مسبوقة بِحرف إطباق. هَذَا ملخص مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه. وَقيل: الْمِيم: عوض عَن جملَة محذوفة، وَالتَّقْدِير: يَا الله أُمنا بِخَير أَي: اقصدنا، ثمَّ حذف الْجَار وَالْمَجْرُور وَحذف الْمَفْعُول، فَبَقيَ فِي التَّقْدِير: يَا الله أُم، ثمَّ حذفوا الْهمزَة لِكَثْرَة دوران هَذَا الِاسْم فِي الدُّعَاء على ألسنتهم فَبَقيَ: يَا اللَّهُمَّ. وَهَذَا قَول الْفراء، وَصَاحب هَذَا القَوْل يجوز دُخُول "يَا" عَلَيْهِ، ويحتج بقول الشَّاعِر: وَمَا عَلَيْك أَن تقولي كلما صليت أَو سبحتِ: يَا اللهما ارْدُدْ علينا شَيخنَا مُسلما وبالبيت الْمُتَقَدّم وَغَيرهمَا ورد البصريون هَذَا بِوُجُوه: أَحدهَا: أَن هَذِه تقادير لَا دَلِيل عَلَيْهَا، وَلَا يقتضيها الْقيَاس، فَلَا يُصَار إِلَيْهَا بِغَيْر دَلِيل. الثَّانِي: أَن الأَصْل: عدم الْحَذف، فتقدير هَذِه المحذوفات الْكَثِيرَة خلاف الأَصْل. الثَّالِث: أَن الدَّاعِي بِهَذَا قد يَدْعُو بِالشَّرِّ على نَفسه وعَلى غَيره، فَلَا يَصح هَذَا التَّقْدِير فِيهِ الرابع: أن الاستعمال الشائع الفصيح يدل على أن العرب لم تجمع بَين: يَا واللهم، وَلَو كَانَ أَصله مَا ذكره الْفراء لم يمْتَنع الْجمع، بل كَانَ اسْتِعْمَاله فصيحا شَائِعا، وَالْأَمر بِخِلَافِهِ. الْخَامِس: أَنه لَا يمْتَنع أَن يَقُول الدَّاعِي: اللَّهُمَّ أُمنا بِخَير، وَلَو كَانَ التَّقْدِير كَمَا ذكره لم يجز الْجمع بَينهمَا لما فِيهِ من الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض. السَّادِس: أَن الدَّاعِي بِهَذَا الِاسْم لَا يخْطر ذَلِك بِبَالِهِ، وَإِنَّمَا تكون غَايَته مُجَرّدَة إِلَى الْمَطْلُوب بعد ذكر الِاسْم. السَّابِع: أَنه لَو كَانَ التَّقْدِير ذَلِك، لَكَانَ "اللَّهُمَّ" جملَة تَامَّة يحسن السُّكُوت عَلَيْهَا لاشتمالها على الِاسْم المنادى وَفعل الطّلب، وَذَلِكَ بَاطِل. الثَّامِن: أَنه لَو كَانَ التَّقْدِير مَا ذكره لكتب فعل الْأَمر وَحده، وَلم يُوصل بِالِاسْمِ المنادى كَمَا يُقَال: يَا الله قه، وَيَا زيد عه، وَيَا عَمْرو فه، لِأَن الْفِعْل لَا يُوصل بِالِاسْمِ الَّذِي قبله حَتَّى يجعلا فِي الْخط كلمة وَاحِدَة هَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الْخط، وَفِي الِاتِّفَاق على وصل الْمِيم باسم الله دَلِيل على أَنَّهَا لَيست بِفعل مُسْتَقل. التَّاسِع: أَنه لَا يسوغ وَلَا يحسن فِي الدُّعَاء أَن يَقُول العَبْد: اللَّهُمَّ أُمني بِكَذَا، بل هَذَا مستكره اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فَإِنَّهُ لَا يُقَال: اقصدني بِكَذَا إِلَّا لمن كَانَ يعرض لَهُ الْغَلَط وَالنِّسْيَان فَيَقُول لَهُ: اقصدني، وَأما من لَا يفعل إِلَّا بإرادته وَلَا يضل وَلَا ينسى فَلَا يُقَال: اقصد كَذَا. الْعَاشِر: أَنه يسوغ اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ فِي مَوضِع لَا يكون بعده دُعَاء كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّعَاء: (اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وَإِلَيْك المشتكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك)، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَصبَحت أشهدك وَأشْهد حَملَة عرشك وملائكتك وَجَمِيع خلقك أَنَّك أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك)، وَقَوله تَعَالَى: ﴿ قل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ من تشَاء ﴾ [5]، وَقَوله تَعَالَى ﴿ قل اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [6]، وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُكُوعه وَسُجُوده: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغفر لي) فَهَذَا كُله لَا يسوغ فِيهِ التَّقْدِير الَّذِي ذَكرُوهُ، وَالله أعلم. وَقيل: زيدت الْمِيم للتعظيم والتفخيم كزيادتها فِي "زرقم" لشديد الزرقة، و"ابنم" فِي الابْن، وَهَذَا القَوْل صَحِيحٌ، وَلَكِن يحْتَاج إِلَى تَتِمَّة، وقائله لحظ معنى صَحِيحا لَا بُد من بَيَانه وَهُوَ: أَن الْمِيم تدل على الْجمع وتقتضيه، ومخرجها يَقْتَضِي ذَلِك، وَهَذَا مطرد على أصل من أثبت الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى كَمَا هُوَ مَذْهَب أساطين الْعَرَبيَّة، وَعقد لَهُ أَبُو الْفَتْح بن جني بَابا فِي (الخصائص)، وَذكره عَن سِيبَوَيْهٍ، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بأنواع من تناسب اللَّفْظ وَالْمعْنَى، ثمَّ قَالَ: وَلَقَد كنت بُرْهَة يرد عليّ اللَّفْظ لَا أعلم مَوْضُوعه، وآخذ مَعْنَاهُ من قُوَّة لَفظه ومناسبة تِلْكَ الْحُرُوف لذَلِك الْمَعْنى، ثمَّ أكشفه فأجده كَمَا فهمته أَو قَرِيبا مِنْهُ، فحكيت لشيخ الْإِسْلَام[7] هَذَا عَن ابْن جني، فَقَالَ: وَأَنا كثيرا مَا يجْرِي لي ذَلِك، ثمَّ ذكر لي فصلا عَظِيم النَّفْع فِي التناسب بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى ومناسبة الحركات لِمَعْنى اللَّفْظ، وَأَنَّهُمْ فِي الْغَالِب يجْعَلُونَ الضمة الَّتِي هِيَ أقوى الحركات للمعنى الْأَقْوَى، والفتحة الْخَفِيفَة للمعنى الْخَفِيف، والمتوسطة للمتوسط، فَيَقُولُونَ: عزَّ يعَزُّ بِفَتْح الْعين: إِذا صلب، وَأَرْض عزاز: صلبة. وَيَقُولُونَ: عزَّ يعِزُّ بِكَسْرِهَا: إِذا امْتنع، والممتنع فَوق الصلب، فقد يكون الشَّيْء صلبا وَلَا يمْتَنع على كاسره. ثمَّ يَقُولُونَ: عزَّه يعُزُّه: إِذا غَلبه، قَالَ الله تَعَالَى فِي قصَّة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}[8]، وَالْغَلَبَة أقوى من الِامْتِنَاع، إِذْ قد يكون الشَّيْء مُمْتَنعا فِي نَفسه متحصنا من عدوه وَلَا يغلب غَيره، فالغالب أقوى من الْمُمْتَنع، فَأَعْطوهُ أقوى الحركات، والصلب أَضْعَف من الْمُمْتَنع فَأَعْطوهُ أَضْعَف الحركات، والممتنع الْمُتَوَسّط بَين المرتبتين فَأَعْطوهُ حَرَكَة الْوسط وَنَظِير هَذَا: قَوْلهم: ذبح بِكَسْر أَوله: للمحل الْمَذْبُوح. وَذبح بِفَتْح أَوله لـ:نَفس الْفِعْل، وَلَا ريب أَن الْجِسْم أقوى من الْعرض، فأعطوا الْحَرَكَة القوية للقوي، والضعيفة للضعيف. وَهُوَ مثل قَوْلهم: نهب وَنهب، بِالْكَسْرِ للمنهوب، وبالفتح للْفِعْل. وكقولهم: مِلْء ومَلء، بِالْكَسْرِ لما يمْلَأ الشَّيْء، وبالفتح للمصدر الَّذِي هُوَ الْفِعْل. وكقولهم: حِمْل وَحَمل، فبالكسر لما كَانَ قَوِيا مرئيا مُثقلًا لحامله على ظَهره أَو رَأسه أَو غَيرهمَا من أَعْضَائِهِ، وَالْحمل بِالْفَتْح لما كَانَ خفيفه غير مثقل لحامله كحمل الْحَيَوَان وَحمل الشَّجَرَة بِهِ أشبه ففتحوه. يتبع
سُئل الإمام الداراني رحمه اللهما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟فبكى رحمه الله ثم قال :أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هوسبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.