الموضوع: الفن للفن
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-01-2021, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفن للفن

المبحث الأول:



نظرية الفن للفن، ما هي وما جذورها؟


وائل بن يوسف العريني



المبحث الثالث:


نظرية الفن للفن إلى أين؟ وماذا قدمت للأدب؟


أولاً: إيجابيات النظرية:


إن نظرية الفن للفن من منظور إسلامي تقل إيجابياتها وتتضاءل، وهي محصورة في جانب الشكل، وذلك أن هذه النظرية اقتصرت على أحد عناصر الإبداع دون غيره من ملابسات النص ورؤاه.

ولعل أبرز إيجابيات النظرية الصرامة في الحكم على النص وأحقيته في دخول حظيرة الأدب وإيجاب تسميته إبداعاً، وهذا المنطلق من حيث هو أحد فلسفات النظرية وفكرها إذا ما طُبق كما قُرر، يعد إيجابية لصد الكم الهائل من هذه النصوص التي تمر على الناس ويطلعون عليها سماعاً وقراءة، وتلك النصوص فيها من المتردية والنطيحة، وفيها ما لا يستحق أن يسمى كلاماً لعدم فائدته فكيف له أن يسمى أدباً؟


إن طغيان الهرطقات والسفسطائيات واللافائدة على صفحات الأدب ودواوين الكلمة ليُعدُّ سمة ظاهرة من سمات المشهد الثقافي في العصر الحاضر، ومن هنا وجب الوقوف أمام تلك الترهات ونخلها وعجمها لتبين جيدها – إن وجد – ورمي الباقي تبتلعه سلة المهملات ولا كرامة، وهذا المذهب يعد في أحد أفكاره بنظرة إلى النص من ناحية الشكل هل يمكن أن يعد أدباً أم لا؟



ومما يُحمد لهذا المذهب إقراره تلمس المواطن الجمالية في العمل الأدبي، والوقوف أمام ظواهر الإبداع ومظاهر الإجادة في اللغة والصورة والموسيقا وغيرها من العناصر الشكلية.


وهذا المنطلق يحد -نوعاً ما- من طغيان الأدب المُسَيَّس والمقنَّن المفروض فرضاً على كتاب -وليسوا أدباء- ليسيروا على سياسة محددة وفلسفة معينة بُغية التسويق والتمرير والنشر لتلك الفلسفات، إذ إن هؤلاء اهتموا بالمضامين فقط ولم يعبؤوا بالشكل؛ إذ فاقد الشيء لا يعطيه.


تلك هي أبرز سمات المنهج الإيجابية، وهي - كما هو ظاهر - قليلة لاتخاذه النظرة الأحادية منهجاً في دراسة الأدب وتقويمه.



ثانياً: سلبيات النظرية:


إن أول ما يطالع القارئ في هذه النظرية ومنطلقاتها الفكرية إغفالها الجانب النفعي أو الذرائعي -كما يسمونه- حيث جعلته غير مهم ولا مطلوباً ولا تعويل عليه في النقد.

إن أدباً لا يحمل مضموناً لا يمكن أن يجد قبولاً، وكيف يُقبل كلام لا معنى له ولا فائدة من ورائه؟، فالقارئ لا يمكن أن يستمر في قراءة شيء لا يفيد أو يجذب وإن كان جميلاً.

يقول أحد شعراء الحداثة عن هذا المذهب (الفن للفن)[36]: "نرجع إلى ما قيل قديماً "الفن للفن" أم الفن للواقع وللإنسان. أنا ضد أن يكون الفن للفن. ليس هناك فن للفن إلا في عالم الخرافة والأوهام، وأحياناً في الكتابات الصوتية المتجرّدة، والشعر أولاً وأخيراً يجب أن يكون مرتبطاً بواقع الحياة الاجتماعية، وبالإنسان في عذاباته وطموحاته، وبالمستقبل والماضي، وبكل ما يتدفق من الروح الإنسانية المتوهّجة".


إن نِشدان الجمال والسعي وراءه لا يمنع من أن يصاحبه الجلال المعنوي والفائدة المضمونية، إذ يُشَبِّه بعضُ النقاد الأدب بالطائر؛ جناحاه الجمال والجلال أو الشكل والمضمون، ولا يمكن لطائر أن يرتفع بأحدهما، إلا أن المضمون مع ذلك مهم لا تكميلي أو ثانوي، وهذا ما ذهب إليه (سيدني) إذ فاضل بين فنون الأدب وأغراض الشعر بالنظر أولاً إلى أثره في المتلقِّي، وهل يُذَكّي فيه حب القيم الرفيعة؟ وهل يشجعه أو يحمله على طلب المعالي والسعي إليها؟[37].


يقول د / وليد قصاب[38]: "لماذا لا يجتمع في الأدب الأمران معاً؟ لماذا نُصرُّ أن نُبعد الأدب عن أي نشاط معرفي آخر كالدين أو السياسة أو الاجتماع أو النفس أو ما شاكل ذلك وأن نقصره على اللغة؟... الأدب مثلما هو فن جمالي يقوم على لغة باهرة خارجة عن المألوف تتسم بالطرافة والإدهاش، هو كذلك تجربة إنسانية عميقة، تحمل للمتلقي خبرات بشرية عظيمة، والناس لا يقرؤون الأدب لذاته فحسب، ولا يقرؤونه للمتعة وحدها، بل يقرؤونه للمتعة والفائدة معاً، وماذا يمنع!".


إن تركيز هذا المنهج على الجمال وجعله نُشدة وغاية ليعكس واقعاً مَرَّ بالغرب وتَلَظَّوْا به، وهو واقع الاستبداد الكنسي والحجر المعرفي الذي مورس عليهم، كما أنه من جهة أخرى يعكس الملابسات التي مرت وتمر بالفرد الغربي من ضيق العيش والفقر، ومن كدر وتقلبات نفسية ومزاجية تحيل حياتهم إلى جحيم ينتهي كثيراً بالانتحار أو الجنون أو الموت والانحطاط في براثن المخدرات والمسكرات في ظل غياب الوعي الديني أولاً، والدين الحق ثانياً، والعقل الراجح ثالثاً.



وحين اجتمعت تلك الأمور - إضافة إلى حروب تسلب الفرد مدخراته وأمواله وأهله وعائلته - نشأ هذا المذهب، وولدت تلك النظرية تريد أن تقدم للمجتمع – وإن أخفقت – خدمة بالحد من التوتر والمشكلات النفسية، والحد كذلك من ظاهرة التبرم بالحياة والضيق من العيش، والتطلع للخلاص منها ولو بالموت.



إن تلك الملابسات والظروف التي نشأ فيها هذا المذهب وغيره لتدل على أن هذا المذهب إقليمي ويجب أن يظل كذلك، ولابد أن يلائم ديننا وعقيدتنا الإسلامية التي ما حدَّت من العلم أو الصناعة، ولم تحجر على العقول أو تُلغي الاجتهاد إذا هو لم يتعارض مع ثابتة من الثوابت، أو قيمة من القيم.


ليس لهذا المنهج وجه أن يعيش في بيئة مسلمة، وبين قوم أمور معاشهم ومعادهم واضحة لا لبس فيها، كما أن المشاكل – وهي موجودة – طرق حلها متوافرة، وسبل إزالتها ظاهرة ومعروفة ليس من ضمنها الموسيقا والهرطقات الصوتية الفارغة عن أي مضمون وأي فائدة.

لابد للأدب من قضية يعالجها، أو موضوع يدور حوله، ليست اللفظية –وقد طغت– هي الأدب، بل الأدب موقف - كما عبر عنه أحد النقاد - وقضية أُدير ونوقش بألفاظ وتراكيب وصور حتى يصل ويتضح في الأذهان ويبلغ الأفهام.


يقول محمد الفيتوري أحد رواد الحداثة العربية[39]: "الشعر لابد أن يكون له قضية، الشعر لا ينبع من الفراغ والشعر لا ينبع من الأرض فقط، بل ينبع من الإنسان والتصاقه بالأرض والتراب، والشعر في هذا التصور ينبع من البحث في الشكل الشعري. وهناك نظرية تقول: إنه لا علاقة للشعر بالواقع ولا علاقة للشعر بالإنسان ولا علاقة للشعر بالأحداث التاريخية، هذه نظرية معروفة في التاريخ وأنا لا أؤمن بها، لكن أؤمن أنه لا يمكن أن يكون هناك شعر دون أن يكون هناك إنسان وراء هذا الشعر، ودون أن تكون هناك قضية وآثار تسهم في تدفق الإبداع وتوهجه".



نعم، الشعر تجربة وموقف وعاطفة وانفعال ورأي، كل ذلك يأتي مسبوكاً في لغة غير اعتيادية تقوم على التصوير والإيحاء والرمز، وفق وزن وقانون يحكم الشعر الرصين ويحد حدوده، وكذا سائر فنون الأدب.


وتلك الدعوة إذ تدعو إلى خلو الأدب من هذه المواقف والآراء، أو لا تعدها مهمة تجني على الأدب وتذبحه من الوريد إلى الوريد، وتُحيل الأدب إلى ما يشبه الإيقاعات الصوتية والموسيقا البشرية التي لا يتصور لعاقل أن يأبه بها فضلاً عن أن ينشده وتملك قلبه وتأسر لبه.

إن تلك الدعوة أحالت الأدب والأدباء إلى شخوص وألفاظ لا يُعبأ لها ولا يُنظر إليها، إن الأديب اليوم فَقَدَ مركزه وضيَّع سلطانه حين انجرَّ وراء تلك الدعوات الممسوخة والمذاهب الفارغة، حتى قال أحد الحداثيين مندداً بذلك الانحدار عن المكانة والأهمية[40]:

"الشاعر لم يعد ابن عصره. بل أمسى اليوم كأي معنى تافه وسخيف، يرقص أو يغنّي على إيقاعات سيقان راقصات، ويتطلع إلى أضواء ليست له على الإطلاق، الشعر العربي المعاصر ليس جوهر الشعر... نحن شعراء ساقطون كلنا".


وتجدر الإشارة إلى أن من عيوب هذه الدعوة، بل من أبرز عيوبها: النظرة الأحادية للأدب، والتركيز على جانب دون آخر، وهو عيب عمَّ وطمَّ وغزا النقد الأدبي الحديث في العالم كله، وغَرْبِه على وجه الخصوص.



إن النظر إلى أحد جناحي الأدب وهو الشكل، وترك الجناح الآخر وهو المضمون كسرٌ للعمل الأدبي، ومنعٌ له من السمو، فهلا يدب الوعي في أذهان نقاد العصر الحديث، ويقلعون عن تلك النظرة الاستبدادية الواحدة، ذلك ما يُرجى، وهو ما يُؤمَّل حتى لا ينحدر الأدب أكثر من ذلك، ويأتي اليوم الذي يفقد فيه الأدب وظيفته بالكلية ومكانته في النفوس وصلته بالحياة والكون والثقافة[41].



كما أن نظرية الفن للفن تبتر الصلة بين الأديب - بوصفه مُنشئاً للأدب - والأدب بوصفه نتاجاً فكرياً جمالياً وبين المجتمع وهمومه وآماله ومشكلاته، وبين الحياة مستقبلاً وحاضراً وماضياً...


إن الأدب والأديب لم يَحُلا تلك المنزلة عند الأمم جميعها نتيجة الانغلاق والتقوقع على الذات، أو الطلسمة والغموض والعبثية، وهذا واقع الأدباء في مختلف الثقافات يشهد على وظيفة الأديب تجاه مجتمعه، وشواهد ذلك كثيرة في أدب العرب من رثاء المدن ووصف الفقر والحرب وآثارها مما لا يتسع المقام لذكره.


وهذا شكسبير مثلاً عالج مشكلات مجتمعه وغيره من أدباء الغرب بداية من اليونان وفلسفتهم وانتهاءً بالأدب الملتزم في الغرب إلى اليوم.


وجعل الأدب غاية ومرمى ومقصداً في حد ذاته يُشيع الإلحاد واللادينية في الأدب، وهذا يؤدي بالمجتمع – المطلع على ذاك الأدب – إلى الانحلال والانحراف، وتهدم القيم وبروج الفضيلة، وينشأ جيل مسخ لا يعني له الدين شيئاً، ولا يردعه عن غيه أحد، حتى يصبح مجتمعٌ ما؛ غابة ينتصر فيها من يملك مقومات الانتصار وآلياته من القوة ونحوها، حيث تهان القناعة، ويضيع عن البال الطموح والشرف والغاية من الحياة وسبيل السعادة ونبل الأهداف وقيمة النجاح.



إن هذا المذهب ليعتوره الخلل الكبير والفساد العظيم، في ظلِّ غياب القدوة – الملغاة سلفاً بهدم القديم -، وغياب سلطة الأديان ليحل محل ذلك أدبٌ مكشوف منحرف يُرْدِي المجتمعات ويحط من قدر الإنسانية لتصل إلى الحيوانية ودَرَكِ البهيمية المنحط.


ـــــــــــــــــــــــ

[1] د / وليد قصاب، في الأدب الإسلامي، دار القلم، دبي، ط 1، 1419هـ، ص 87.

[2] الندوة العالمية للشباب الإسلامي، بحث بعنوان: البرناسية (مذهب الفن للفن)، موقع صيد الفوائد:

http://saaid.net/feraq/mthahb/107.htm.

[3] المصدر نفسه.

[4] د/ وليد قصاب، في الأدب الإسلامي، ص 87.

[5] المصدر نفسه ص 96.

[6] الندوة العالمية للشباب الإسلامي: البرناسية (مذهب الفن للفن).

[7] د/ أحمد كمال زكي: النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، دار النهضة العربية، بيروت، ص 76.

[8] الندوة العالمية للشباب الإسلامي، البرناسية.

[9] المرجع نفسه.

[10] المرجع السابق.

[11] د/ أحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث ص 103.

[12] الندوة العالمية للشباب الإسلامي، البرناسية.

[13] مناهج النقد المعاصر، دار أطلس، القاهرة، ط 4، 2005 م، ص 65.

[14] البرناسية (مذهب الفن للفن)، و: د / وليد قصاب: مقالات في الأدب والنقد، دار البشائر، دمشق، ط 1، 1426هـ ص 16، 17.

[15] د/ وليد قصاب: في الأدب الإسلامي ص 87.

[16] د / وليد قصاب: مقالات في الأدب والنقد ص 16، 17، وكذلك بحث البرناسية (مذهب الفن للفن).

[17] د / وليد قصاب: مقالات في الأدب والنقد ص 16.

[18] المرجع نفسه.

[19] د/ وليد قصاب: في الأدب الإسلامي ص 87.

[20] د/ وليد قصاب: مقالات في الأدب الإسلامي ص 16، 17.

[21] المرجع نفسه.

[22] بحث: البرناسية (مذهب الفن للفن).

[23] المرجع نفسه.

[24] المرجع نفسه.

[25] د/ وليد قصاب: في الأدب الإسلامي ص 95.

[26] الندوة العالمية للشباب الإسلامي: بحث البرناسية (مذهب الفن للفن).

[27] مما يلاحظ أن أدونيس غير اسمه الحقيقي (علي أحمد سعيد) إلى أدونيس، وهذا الاسم أحد الرموز الدينية للشعر اليوناني، وهذا يؤكد النزعة الإلحادية للفن للفن وسلالتها الحداثية.

[28] ديوان: تنبه أيها الأعمى، دار الساقي، بيروت، ط 2، 2005 م، قصيدة سجيل ص 12.

[29] المصدر نفسه ص 38.

[30] المصدر نفسه.

[31] الشيخ سفر الحوالي، المدرسة الشكلية الروسية، موقع الشيخ على الشبكة العنكبوتية:

http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.Sub*******&*******ID=286

[32] د/ صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر ص 59 - 73.

[33] د/ صلاح فضل، المرجع السابق ص 74 - 80.

[34] المرجع نفسه ص 81 - 88.

[35] المرجع نفسه ص 89 - 96.

[36] هو محمد الفيتوري في لقاء له ببيروت، مجلة عربسات على الشبكة العنكبوتية:

http://www.arabesque-international.com/almajala/node/71

[37] د/ وليد قصاب: في الأدب الإسلامي ص 78.

[38] مقالات في الأدب والنقد ص 15.

[39] مجلة عربسات على الشبكة العنكبوتية:

http://www.arabesque-international.com/almajala/node/71

[40] محمد الفيتوري، المرجع السابق.

[41] د/ وليد قصاب: مقالات في الأدب والنقد ص 17.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]