151- ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِين ﴾.
﴿ وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾ يعني: ومرجعُهم الذي يرجعون إلـيه يومَ القيامةِ النارُ، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴾ يقول: وبئسَ مقامُ الظالمين الذين ظلموا أنفسَهم بـاكتسابهم ما أوجبَ لها عقابَ الله النار. (الطبري).
152- ﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين ﴾.
﴿ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾:ليختبركم، فيتميزَ المنافقُ منكم من المخـلصِ الصادقِ في إيمانهِ منكم.
﴿ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين ﴾: والله ذو طَولٍ على أهلِ الإيمانِ به وبرسوله، بعفوهِ لهم عن كثـيرِ ما يستوجبونَ به العقوبةَ علـيه من ذنوبهم، فإنْ عاقبَهم على بعضِ ذلك، فذو إحسانٍ إليهم بجميـلِ أياديهِ عندهم. (الطبري).
153- ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
يعني جلَّ ثناؤه: واللهُ بالذي تعملون - أيها المؤمنون، من إصعادكم في الوادي هربًا مِن عدوِّكم، وانهزامِكم منهم، وتركِكم نبـيَّكم وهو يدعوكم في أُخراكم، وحزنِكم علـى ما فـاتَكم مِن عدوِّكم، وما أصابَكم في أنفسِهم - ذو خبرةٍ وعلـم، وهو مُحصٍ ذلك كلَّه علـيكم، حتى يجازيَكم به، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، أو يعفوَ عنه (الطبري).
154- ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: وليمحِّصَ ما في قلوبِكم من وساوسِ الشيطان. ا.هـ.
وقالَ ابنُ كثيرٍ في معناها: ... ويُظهِرَ أمرَ المؤمنِ من المنافقِ للناسِ في الأقوالِ والأفعال، ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾: أي بما يختلجُ في الصدورِ من السرائرِ والضمائر.
155- ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
أي: يغفرُ الذنب، ويحلُمُ عن خَلقه، ويتجاوزُ عنهم. (ابن كثير).
156- ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
أي: وعلمهُ وبصرهُ نافذٌ في جميعِ خلقه، لا يخفَى عليه مِن أمورِهم شيء .(ابن كثير).
159- ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ عليه، الواثقينَ به، المنقطعينَ إليه، فينصرهم ويرشدُهم إلى ما هو خيرٌ لهم، كما تقتضيهِ المحبَّة. (روح المعاني).
160- ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
يعني لما ثبتَ أن الأمرَ كلَّهُ بيدِ الله، وأنه لا رادَّ لقضائه، ولا دافعَ لحكمه، وجبَ أن لا يتوكَّلَ المؤمنُ إلا عليه. وقوله: ﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ يفيدُ الحصر، أي: على الله فليتوكَّلِ المؤمنون، لا على غيره. (التفسير الكبير للرازي).
161- ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾.
يقول: لا يُفعَلُ بهم إلا الذي ينبغي أن يُفعَلَ بهم، من غيرِ أن يُعتدَى علـيهم فـيُنقَصوا عمَّا استـحقُّوه. (تفسير الطبري).
162- ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
فاستحقَّ بذلك سكنَى جهنم، وبئسَ المصيرُ الذي يصيرُ إلـيه ويؤوبُ إليه. (الطبري، باختصار).
163- ﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾.
أي: وسيُوفيهم إيّاها، لا يظلمُهم خيرًا، ولا يزيدهم شرًّا، بل يُجازي كلاًّ بعمله. (ابن كثير).
164- ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾.
﴿ مَنَّ ﴾ في هذه الآيةِ معناه: تطوَّلَ وتفضَّل. (ابن عطية).
165- ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
إنَّ اللهَ علـى جميعِ ما أرادَ بخـلقه، مِن عفوٍ وعقوبة، وتفضُّلٍ وانتقام، قدير، يعني ذو قدرة. (الطبري).
167- ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾.
واللهُ أعلمُ بما يُخفونَهُ مِن كفرٍ ونفاق، وما يَغْمِرُ قلوبَهم مِن شرٍّ وفساد. (الواضح).
168- ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْوَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ﴾.
﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾ قال: تقدَّمَ معنى ﴿ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾، وهو في الآيةِ (156) من السورة: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾، فقال: ﴿ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ ﴾ في النفاق، أو في النسب، أي: قالوا لأجلهم. ا.هـ.
والقائلون هذا هم المنافقون، قالوا ذلك لإخوانهم في النفاق.
﴿ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴾: ... إن كنتم أيها المنافقون صادقين في قيلكم: لو أطاعنا إخوانُنا في تركِ الجهادِ في سبـيلِ الله مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم وقتالهم أبا سفـيان ومن معه من قريشٍ ما قُتلوا هنالك بـالسيف، ولكانوا أحياءً بقعودهم معكم وتخلُّفِهم عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشهودِ جهادِ أعداءِ الله معه... (الطبري).
170- ﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.
بيَّنها الشوكاني رحمهُ الله في الآية (38) من سورةِ البقرة: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، قال: ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني في الآخرة، ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ يعني لا يحزنون للموت.
172- ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ (القرح). وهي في الآيةِ (140) من السورة، فقال: القرحُ بالضمِّ والفتح: الجرح، وهما لغتان فيه، قالَهُ الكسائيُّ والأخفش. وقالَ الفرّاء: هو: بالفتح: الجرح، وبالضمّ: ألمه. ا.هـ.
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ ﴾ بطاعةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإجابتهِ إلى الغزو، ﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ معصيته، ﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾. (البغوي).
173- ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾.
فخافوهم واحذروهم، فإنه لا طاقةَ لكم بهم. (البغوي).
176- ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾.
المسارعةُ في الكفرِ هي المبادرةُ إلى أقوالهِ وأفعاله، والجدُّ في ذلك. (ابن عطية).
177- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
﴿ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾ قالَ رحمَهُ الله: "معناهُ كالأول، وهو للتأكيدِ لما تقدَّمه". ويعني في الآيةِ التي تسبقها، وقد قال: المعنى: أن كفرَهم لا ينقصُ من ملكِ الله سبحانهُ شيئاً، وقيل: المراد: لن يضرُّوا أولياءه، ويحتملُ أن يُراد: لن يضرُّوا دينَهُ الذي شرعَهُ لعباده، و﴿ شَيْئًا ﴾ منصوبٌ على المصدرية: أي: شيئاً من الضرر، وقيل: منصوبٌ بنزعِ الخافض: أي: بشيء. ا.هـ.
وتفسيرها عند الإمامِ الطبري مع ما بقيَ من الآية: لن يضرّوا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئاً، بل إنما يضرُّون بذلك أنفسَهم بإيجابهم بذلك لها من عقابِ الله ما لا قِبلَ لها به.
178- ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
﴿ نُمْلِي لَهُمْ ﴾ يعني بالإملاء: الإطالةَ في العمرِ والإنساءَ في الأجل.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾: ولهؤلاءِ الذين كفروا بـاللهِ ورسولهِ فـي الآخرةِ عقوبةٌ لهم مهينةٌ مذلَّة. (الطبري).
179- ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
﴿ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ يخصُّ من يشاءُ من عبادهِ بالرسالة، ثم يكلِّفُ الباقين طاعةَ هؤلاءِ الرسل. (مفاتيح الغيب).
﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ ربَّكم بطاعتهِ فيما أمرَكم به نبـيُّكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وفيما نهاكم عنه. (الطبري).
180- ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
﴿ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ﴾: أي: لا يحسبنَّ البخيلُ أن جمعَهُ المالَ ينفعه، بل هو مضرَّةٌ عليه في دينه، وربما كان في دنياه.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ أي: بنيَّاتكم وضمائركم. (ابن كثير).
181- ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾.
وردَ مثلهُ في الآيةِ (21) من السورة، قالَ ابن كثير رحمَهُ الله في تفسيرهِ هناك: ... ومع هذا قَتلوا مَن قَتلوا من النبيِّين حين بلَّغوهم عن الله شرعَه، بغيرِ سببٍ ولا جريمةٍ منهم إليهم، إلا لكونهم دعَوهم إلى الحقّ.
183- ﴿ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
﴿ بِٱلْبَيّنَـاتِ ﴾ أي: المعجزاتِ الواضحة، والحججِ الدالةِ على صدقِهم، وصحةِ رسالتهم، وحقيةِ قولهم، كما كنتم تقترحون عليهم وتطلبون منهم، ﴿ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ ﴾ بعينه، وهو القربانُ الذي تأكلهُ النار، ﴿ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ ﴾ أي: فما لكم لم تؤمنوا بهم حتى اجترأتم على قتلهم، مع أنهم جاؤوا بما قلتُم مع معجزاتٍ أُخَر، ﴿ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴾ أي: فيما يدلُّ عليه كلامُكم، من أنكم تؤمنون لرسولٍ يأتيكم بما اقترحتموه. (روح المعاني).
184- ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾.
فإنهم إنْ فعلوا ذلكَ بكَ فكذَّبوك، كذَبوا على الله، فقد كذَّبتْ أسلافُهم مِن رسلِ اللهِ قبلك. (الطبري).
185- ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ﴾.
أي: نازلٌ بها لا محالة، فكأنها ذائقته. وهو وعدٌ ووعيدٌ للمصدِّقِ والمكذِّب. (روح المعاني).
186- ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ﴾.
يقول: وإنْ تصبروا لأمرِ الله الذي أمرَكم به فيهم وفي غيرهم من طاعته، ﴿ وَتَتَّقُواْ ﴾، يقول: وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم، فتعملوا في ذلك بطاعته. (الطبري).
188- ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
ولهم عذابٌ في الآخرةِ أيضاً مؤلم، مع الذي لهم في الدنـيا معجَّل. (الطبري).
189- ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
يعني مِن إهلاكِ قائلِ ذلك، وتعجيـلِ عقوبتهِ لهم، وغيرِ ذلكَ مِن الأمور. (الطبري).
192- ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾.
أي: يومَ القيامةِ لا مُجيرَ لهم منك، ولا محيدَ لهم عمّا أردتَ بهم. (ابن كثير).
193- ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ﴾.
إلى التصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتبـاعِ رسولِك وطاعته، فيما أَمرَنا به، ونهانا عنه، مما جاءَ به من عندك. (الطبري).
195- ﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾.
﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ يعنـي: لأمحونَّها عنهم، ولأتفضَّلنَّ علـيهم بعفوي ورحمتي، ولأغفرنَّها لهم، ولأدخـلنَّهم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهار. (الطبري).
﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ قالَ المؤلفُ في الآيةِ (25) من سورةِ البقرة: الجنات: البساتين. والضميرُ في قوله: ﴿ مِن تَحْتِهَا ﴾ عائدٌ إلى الجنات؛ لاشتمالها على الأشجار، أي: من تحتِ أشجارها. (باختصار).
198- ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾.
وفي مقابِلهم المؤمنون، الذينَ سمعوا نداءَ الإيمانِ فآمنوا وثبتُوا، وعزمُوا على الأعمالِ الصَّالحةِ والتزَموا، فجازاهمُ اللهُ جنَّاتٍ واسعات، تجري في خلالها الأنهارُ المتنوِّعة.. (الواضح).
199- ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.
﴿ خَـٰشِعِينَ للَّهِ ﴾ أي: خاضعين له سبحانه، وقالَ ابن زيد: خائفين متذلِّلين، وقالَ الحسن: الخشوع: الخوفُ اللازمُ للقلبِ من الله تعالى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾: كنايةٌ عن كمالِ علمهِ تعالى بمقاديرِ الأجورِ ومراتبِ الاستحقاق، وأنه يوفيها كلَّ عامل، على ما ينبغي وقدرِ ما ينبغي. (روح المعاني، باختصار).
سورة النساء
1- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ﴾.
﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾: احذروا أيها الناسُ ربَّكم في أنْ تُخالِفوهُ فيما أمركم، وفيما نهاكم، فيحلَّ بكم مِن عقوبتهِ ما لا قِبَل لكم به.
﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ﴾:يعني ونشرَ منهما، يعني من آدمَ وحوّاء، ﴿ رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾ قد رآهم.. (الطبري).
7- ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ﴾
أي: من قلـيـلِ ما خـلَّفَ بعدَهُ وكثـيره. (الطبري).
11- ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا ﴾.
﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ ﴾: يتضمَّنُ الفرضَ والوجوب، كما تتضمَّنهُ لفظةُ (أمرَ) كيف تصرَّفت. ا.هـ. ووردَ في أواخرِ الآية: معنى ﴿ يُوصِيكُمُ ﴾: يفرضُ عليكم. (ابن عطية).
﴿ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ﴾: أي: هذا الذي ذكرناهُ من تفصيلِ الميراث، وإعطاءِ بعضِ الورثةِ أكثرَ من بعض، هو فرضٌ من الله، حكمَ به وقضاه. (ابن كثير).
12- ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾.
﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ﴾: ولكم أيها الرجالُ نصفُ ما تركَ أزواجُكم إذا متنَ من غيرِ ولد. (ابن كثير).
﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾: قالَ رحمَهُ الله: "الكلامُ فيه كما تقدَّم". ويعني في الآيةِ السابقة، وقد قال: اختُلفَ في وجهِ تقديمِ الوصيةِ على الدَّين، مع كونهِ مقدَّماً عليها بالإجماع، فقيل: المقصودُ تقديمُ الأمرين على الميراثِ من غيرِ قصدٍ إلى الترتيبِ بينهما.
وقيل: لما كانت الوصيةُ أقلَّ لزوماً من الدَّينِ قُدِّمت اهتماماً بها.
وقيل: قُدِّمت لكثرةِ وقوعها فصارتْ كالأمرِ اللازمِ لكلِّ ميت.
وقيل: قُدِّمت لكونها حظَّ المساكينِ والفقراء، وأُخِّرَ الدَّينُ لكونهِ حظَّ غريمٍ يطلبهُ بقوةٍ وسلطان.
وقيل: لما كانت الوصيةُ ناشئةً من جهةِ الميتِ قدِّمت، بخلافِ الدَّين، فإنه ثابتٌ مؤدّى، ذُكرَ أو لم يُذكر.
وقيل: قُدِّمت لكونها تشبهُ الميراث، في كونها مأخوذةً من غيرِ عوض، فربما يشقُّ على الورثةِ إخراجُها، بخلافِ الدَّين، فإن نفوسَهم مطمئنةٌ بأدائه. ا.هـ.
﴿ وَاللّهُ عَلِـيـمٌ ﴾ يقول: ذو علمٍ بمصالحِ خَـلقهِ ومضارِّهم، ومَن يستحقُّ أن يُعطَى مِن أقربـاءِ مَن ماتَ منكم وأنسبـائهِ من ميراثه، ومَن يُحرَمُ ذلك منهم، ومبلغِ ما يستـحقُّ به كلُّ مَن استحقَّ منهم قسمًا، وغيرِ ذلك من أمورِ عبـادهِ ومصالحِهم.
﴿ حَلِـيـمٌ ﴾ يقول: ذو حِلـمٍ علـى خـلقه، وذو أناةٍ في تركهِ معاجلتَهم بـالعقوبةِ على ظلـمِ بعضِهم بعضًا، في إعطائهم الميراثَ لأهلِ الجَلدِ والقوَّةِ من ولدِ الميتِ وأهلِ الغناءِ والبأسِ منهم، دونَ أهلِ الضعفِ والعجزِ مِن صغارِ ولدهِ وإناثِهم (الطبري).
13- ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
يُسكنهُ بساتـينَ تجري مِن تحتِ غروسِها وأشجارِها الأنهار، بـاقينَ فيها أبدًا، لا يموتونَ فيها ولا يفنون، ولا يخرجونَ منها، وذلكَ الفَلَحُ العظيـم (الطبري، باختصار).
14- ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في العملِ بما أمراهُ به مِن قسمةِ المواريث، وغيرِ ذلكَ مِن فرائضِ الله، مخالفًا أمرَهما إلى ما نهياهُ عنه، مِن قسمةِ تركاتِ موتاهم بـين ورثته، وغيرِ ذلكَ مِن حدوده، يُدخلْهُ نارًا باقـيًا فـيها أبدًا، لا يموتُ ولا يخرجُ منها أبدًا، وله عذابٌ مذلٌّ ومُخزٍ له. (الطبري، باختصار).
15- ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ﴾.
فلا بدَّ لإثباتِ ذلكَ مِن أربعةِ شهود، فإذا شَهِدوا بذلك، فإنَّهنَّ يُحبَسْنَ في بيتٍ ولا يُسمَحُ لهنَّ بالخروجِ منهُ حتَّى يَمُتن... (الواضح).
16- ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾.
إن الله لم يزلْ راجعاً لعبيدهِ إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحبُّ منهم من طاعته، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم، يعني: ذا رحمةٍ ورأفة. (الطبري).
17- ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً ﴾: فهو يعلمُ بإخلاصهم في التوبة، ﴿ حَكِيماً ﴾: والحكيمُ لا يعاقبُ التائب. (البيضاوي).
18- ﴿ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾.
﴿ أَعْتَدْنَا لَهُمْ ﴾: أعدَدنا لهم، ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ يقول: مؤلماً موجعاً. (الطبري).
20- ﴿ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾.
أتأخذونَهُ ظلماً وزوراً بيِّناً؟ (الواضح).
21- ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾.
وعلى أيِّ وجهٍ تأخذون مِن نسائكم ما آتيتُموهنَّ من صدقاتهنَّ إذا أردتُم طلاقهنَّ واستبدالِ غيرهنَّ بهنَّ أزواجاً؟ (الطبري).
22- ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾.
والفاحشةُ أقبحُ المعاصي. (البغوي).