هل هذا شذوذ؟
أ. أريج الطباع
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرجو أنْ يساعدني أحد.
سأبدأ من البداية: لَمَّا كنتُ صغيرةً كنتُ أكرَه الرِّجال، وكنت دائمًا أقول: إنَّ البنت تستطيع أنْ تعتَمِد على نَفسِها، ولا تحتاج لوجود رجل بجانبها، وكنتُ أرفُض فكرة الزواج وأنْ أعيش مع رجل، ولَمَّا دخَلتُ الجامعة كنتُ أرجو أنْ أجد صديقات جيدات لي، في البِداية وجَدت صديقات لكنِّي ما كنتُ أتَفاهَم معهنَّ وتركتهنَّ، المهمُّ كنتُ محتاجة لأنْ أتكلَّم مع أيِّ شخصٍ، وبَدَأتُ أكلِّم رجالاً على الجوال، كنتُ آنفُ من كلام الجنس لكنَّ هذه ضريبة أني محتاجة إلى أنْ أتكلَّم مع أحد، وكانت ضريبة هذا أنها تحصل أشياء بينا، وقتَها عرفتُ أنَّني ما أحسُّ اتِّجاه الرجال بأيِّ شيء، كنتُ عديمةَ الإحساس، وقتَها تذكَّرت أنَّه حتى أحلامي أنْ أكون بنتًا ومعي بنت، أو أكون رجلاً مع بنت، ولاحَظت أنَّني في الجامعة كنتُ معجبة ببنت واحدة فقط، كنت أقترب منها وأحسُّ بإحساس غريب، وفقط لمستُ يدها، كان شيئًا غريبًا، بَدَأ هذا الإحساس يخفُّ لكنْ ما زلت أشعر أنَّني أبوها! والأغرب من كلِّ هذا أنَّني بدأتُ أحبُّ الرِّجال الناعِمين، فقط أحبُّهم على أنْ أكون رجلاً معهم!
أنا ما أريدُ أنْ أكون شاذَّةً، لكنِّي أريدُ أنْ أفهم، أنا قلَّت أحاسيسي المُتَداخِلة، أرجو أنْ يساعدني أحدٌ ويخبرني ما الذي بي؟ ومَن أنا لأنِّي تعبتُ؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أخبرتِنا بما يدور داخِلَك من خواطر وأحاسيس، وأجَدتِ في وصفها، لكنَّك أغفلتِ ذكْر الأحداث التي أوصلَتْك لها.
لنُعالِج المشكلات نحتاج إلى أنْ نُدرِك وجودَها، وأنْ نبحث عن أسبابها؛ فالعلاج لا يكونُ إلاَّ بعلاج الأسباب الحقيقيَّة التي أدَّت إليها.
ما الذي جعَلَك تَكرَهِين الرجال لهذه الدرجة منذ طفولتك؟ وهل تعرَّضتِ لتحرُّش ولم تستَطِيعي إخبار مَن حولك؟
وما هي علاقتك بالرجال المقرَّبِين منك؟ وما هي نظرتك لهم؟
بما أنَّنا هنا نتَعامَل عن بُعْدٍ فمن الصعب أنْ أحصل على إجاباتٍ مُباشِرة منك؛ ولذلك سأكتَفِي بأنْ أعطيك التساؤلات لتُفَكِّري أنت بها، ففَهْمُها سيُساعِدك كثيرًا على فهْم مشكلتك أكثر، ومن ثَمَّ تجاوزها.
لكنَّني بغضِّ النظر عن ذلك سأُخبِرك مَن أنت:
أنتِ فتاةٌ يانعة في عمر الزهور، بعمرٍ فطَرَنا الله به على الحاجة للاستِقرار، والحاجة للجنس الذي يَجعَل الحياة تستمرُّ، حاجتك هذه ستلحُّ عليك مهما كَبَتِّها أو تجاهَلتِها أو قرَّرتِ العيشَ دونها؛ فقط لأنَّك بشر، ولأنَّك حقيقةً بداخلك أنثى.
بمرحلة الطفولة تعرَّضتِ لشيءٍ ما جعَلَك تكرَهِين الرجال، وحماك عقلُك الباطن بطريقته الخاصَّة التي تجعَلُك ترتاحين لكونك لا تَحتاجِين الرجل بحياتك، بداخلك صِرتِ تَرفُضين أنْ تحتاجي رجلاً أيًّا كان؛ ربما لأنَّ اعتِقادَك السابق أو اعتِقاد مَن حولَك أنَّ الفتاة ضعيفة والرجل قوي، وقوَّة الرجل آذَتْك بشكلٍ أو بآخَر، فرفضتِها وقرَّرت التعويض عنها بداخلك؛ كَيْلا تَشعُري بالنقص أو حتى بالألم، وتَبقَى الحاجة بداخِلك تتمرَّد فتَبحَث عن مَخارِج أخرى تخرُج منها، وقد خرَجت معك بأحلامك وبطريقتك بالتفكير.
لكن احمدي الله الذي حماك من تجاوُز الأمر لأبعد من ذلك، فبيدك - بعَوْن الله - أنْ تتجاوَزِي ما تُعانِينه من صِراعٍ بداخِلك، فقط ثِقِي أنَّ الله خلقنا في أحسن تقويم، وأنَّك لستِ شاذَّة أبدًا، فالأنثى تَبقَى أنثى، والرجل يبقى رجلاً، إلاَّ في حالاتٍ مرَضيَّة يكون بها خَلَلٌ حقيقيٌّ بالهرمونات، وهذه أنت لا تُعانِين منها - بحمد الله.
أنت فقط بحاجةٍ لأنْ تُطلِقي الأنثى بداخلك وتَسمَحِي لها بالخروج، لكن بطريقةٍ شرعيَّة وليس مع أولئك الشباب الذين تحدِّثينهم، على العكس تحدُّثُك معهم سيَجعَلُك تَفقِدين الثقة بالرجال أكثر، ومن ثَمَّ ستبعد عنك أيُّ رغبةٍ داخلية بهم، فكيف تأمنين رجلاً لم يَحفَظ عِرضَك، ولم يَهتَمَّ بحمايتك من شهوته الضيِّقة؟!
بدايةً: اهتمِّي بعلاقتك بالله، وثقتك به، ومراعاتك لحدوده؛ فهي ستكون صمام الأمان والحماية بالنسبة لك.
ثم ركِّزي مع أفكارك ومُعتَقداتك: ما الذي أوصَلَك لها؟ ما هي الذكريات المُؤلِمة التي تعرَّضتِ لها، وحاوِلِي أنْ تُعالِجيها مع نفسك، انظري لها من بعد: ما الذي يُمكِنك نصْح نفسك به؟ أهمُّ نقطة ألاَّ تُعمِّمي، نعم هناك رجال سيِّئون ولا يستحقُّون الثقة، لكن ليسوا كلهم بهذه الصورة، فيوجد رجال رائعون أيضًا، ركِّزي لو عاد بك الزمن كيف كنت ستَحمِين نفسك؟ ستَجِدين طرقًا مختلفة سويَّة غير أنْ تكوني أنت الرجل!
حسِّني علاقتك مع مَحارِمك الرجال، وابحَثِي عن إيجابيَّاتهم، ذلك سيُساعِدك كثيرًا على فهْم عالم الرجل وتقديره أكثر، قد تَعجزِين عن إيجاد نموذج يُعجِبك، فاقرئي في السيرة، ستَجِدين نماذج رائعة تستحقُّ الإعجاب برجولتها.
لا تجعَلِي هذه القضيَّة هي شغلك الشاغل، واشغَلِي نفسك بالبحث عن ذاتك الحقيقيَّة من خلال مواهبك وقدراتك التي تُمَيِّزك وتستَطِيعين الإنجاز بها، ضَعِي أهدافًا بحياتك تجعَلُك تسعدين بالوصول لها.
وابتَعِدي عن كلِّ ما يُعزِّز لك مَشاعِرك التي تتعبك، وركِّزي على أنوثَتِك قدْر استِطاعَتِك، فالإبدال حلٌّ جيِّد حينما نعجز أنْ نكون بداخلنا كما نريد، نعكس الأمر ونبدأ من الخارج فينعكس على الداخل، اهتمِّي بالذهاب لصالونات النساء، ولبس لبسهنَّ، والاهتِمام بجسدك كما تهتمُّ كلُّ أنثى بفطرتها.
أكثِرِي من الدُّعاء، وثِقِي بالله، وأغلِقِي مَنافِذ الشيطان عليكِ بالاستِعاذَة منه، والبعد عن التَّفكِير الذي يجلبه، ولا تتعجَّلي النتائج، فحينما تتزوَّجين - بإذن الله - وتَجِدين الرجل الحقيقيَّ الذي تَثِقِين به، وترتَبِطين به برباطٍ شرعي، سيختَلِف معكِ الأمر كثيرًا - بإذن الله - ووقتَها ستتعلَّمين كيف تُوقِظين مَناطِق الإحساس لديك لتَسعَدِي بأنوثتك، من هنا لذلك الوقت احمدي الله أنْ حماك وحصَّنك من الوقوع في حرامٍ، واهتمِّي بما ينفَعُك في دينك ودُنياك بالمرحلة التي أنت فيها.
إذا تعبتِ ولم تُجدِ معك هذه الحلول، فلا تترُكِي نفسَك واستَعِيني بِمَن يُعِينُك بالمتابعة بمركزٍ مُتخصِّص أو عند استشاريَّة نفسيَّة مُدرَّبة.
وإنْ كان قد وصَلَتنِي من خِلال سطورك شخصيَّةٌ قادرةٌ - بإذن الله - على تخطِّي الصِّعاب، وفَّقَكِ الله وأعانَك.