الموضوع: مقاصد سورة هود
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-01-2021, 04:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,024
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد سورة هود

الأمر الثاني: طالما استقمت على أمر الله فأنت مع الله والله معك، فلا تركن لغيره، وخاصةً لا تركن لظالم أي كافر ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113] وذكر بعض المفسرين كالإمام القرطبي رحمه الله أن من الركون إلى الظالمين أن أعمل معهم أو عندهم في عملٍ دنيوي[6]، وينبغي أن يعمل المسلمون عند المسلمين ومع المسلمين لتكون لهم قوة، وليكون ولاؤهم بينهم، فقد رأينا الكافرين يوالي بعضهم بعضاً علينا، فلا عيب ولا حرج ولا فتنة في أن يوالي بعضنا بعضاً على عدونا، هذا واجب ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود: 113]، ما النتيجة؟ وماذا يحصل لو فعلنا؟ ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [هود: 113] لن ينصركم أحد، ولن يتولى أمركم أحدٌ بعد الله لو تخلى عنكم، ثم مهما طال الزمان، مهما بعدت الأحداث ﴿ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113] فمن لم ينصره الله فلا ناصر له، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126] سبحانه وتعالى، ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].







﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾[هود: 113] لا تحبهم، لا تتودد إليهم، اذكر دائماً أنهم أعداؤك، إن كان لهم حقٌ عندك فأعطهم حقهم، ولكن لا محبة، لا مودة، لا ولا..، بيننا وبينهم.







الثالثة - وهي بعدها مباشرةً -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ [هود: 114] أوله وآخره ﴿ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ [هود: 114] في جوف الليل، في بعض الوقت من الليل قم وصلي لله تبارك وتعالى، الصلاة ليست فقط بل الصلاة قيامٌ لله، الصلاة عبادةٌ لله فكن قائماً لله دائماً بالليل والنهار، كن قائماً على أمر الله في ليلٍ أو نهار، صم نهارك، قم ليلك، أدّ الصلوات المفروضة، وأدّ الفرائض الأخرى مثلها في واجبات الإسلام، هذا رمز، هذا تذكير ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ [هود: 114] ولعل قائداً من قواد إسرائيل - أخذهم الله أخذ عزيزٍ مقتدر - قالها يوماً من الأيام في خطابٍ سياسي لو تذكروه، قال لن تنصروا علينا حتى تكون المساجد في صلاة الفجر مثل صلاة الجُمُعة، حين يهتم الناس بصلاة الفجر مثل اهتمامهم بصلاة الجمعة وتعمر المساجد هكذا يأتي نصر الله ويتحقق وعد الله عز وجل، هم يعرفون ذلك ولذلك هم مطمئنون الله، يضربون ويعلمون أن المسلمون راكنون، هيِّنون مستهينون بأنفسهم، غير مقبلين، بدلاً من هذه المظاهرات المنددة في كل مكانٍ بدون فائدة فالنعملها مظاهرات داخل المساجد لله بالدعاء والصلاة، نضرع إلى الله تبارك وتعالى، عمِّروا المساجد في الفروض كلها، في الفرائض الخمس لعل الله تبارك وتعالى يغير شيئاً في حياتنا مقابل هذا التغيير في عبادتنا، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114] حين تقبل على الله تعالى بالطاعة والعبادة فالله يمحوا لكم ومن حياتكم السيئات والذنوب، فتكونون طاهرين تائبين عابدين، وساعتها الله يتولى أمركم، ذلك ذكرى للذاكرين.







الآية الرابعة والأخيرة في هذا الملحظ: ﴿ وَاصْبِرْ ﴾ [هود: 115] واصبر على ماذا؟ إذاً هناك مخاوف، هناك مخاطر، هناك تضحيات، قد يضحي المسلم ببيته يهدم بيته، بأهله يقتلون، بنفسه يموت ويقتل في سبيل الله، بالمال يذهب، اصبر في كل ذلك واصبر ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115] كل ما يذهب من المسلمين في سبيل الله فالله تعالى يحفظه عنده إحساناً منا، في ميزان حسناتنا، لن يضيع أجره، فلتذهب الدنيا إذاً، فليذهب الإنسان بنفسه وبماله وولده وأزواجه والناس أجمعين في سبيل أن ننال عند الله رضاً في الآخرة، وهذا هو المنتهى، إليه يُرجع الأمر كله، سنموت في الدنيا سنموت وتذهب أموالنا وكل شيء، ونعود إلى الدار الآخرة حتماً بحرب أو بغير حرب، سوف نرجع إلى الله، فإذا قدَّر الله تعالى رجوعنا إليه على طاعة وشهادة فنعم بها، وسعيدٌ من ختم الله له حياته بخير، سعيدٌ من اختار الله له ميتة طيبة فأنهى حياته بشهادةٍ تواصل حياته في الدار الآخرة ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].







﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115] هكذا أحبتي الكرام ينبغي أن نحفظ هذه الكلمات، هي أربع آيات في أواخر سورة هود بادئة بهذه البدايات ﴿ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ [هود: 112]، ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113]، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود: 114]، ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115]، فالطريق إلى الجنة وعر، الطريق إلى الجنة ليس سهلاً، فاصبروا على ما يجري، ولله أمرٌ ولله قدرٌ آتٍ وغالب لا محالة، ويأبى الله أن يُقهر دينه، ويأبى الله أن يُهزم دينه ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، ومع الملحظ الثاني بعد جلسة الاستراحة.







نسأل الله تبارك وتعالى أن يُسمعنا الخير دائماً، وأن يوفقنا لنتبع أحسن ما سمعناه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.







الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.







أما بعد:



أيها الإخوة المسلمون الكرام، فهذا هو الملحظ الأول وليس الوحيد في السورة ولكن هو الذي وقعت عليه العين والتفت إليه النظر، لما فيه من توافقٍ مع حالنا في هذا الزمان، منهج للخروج من هذه الأزمة: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112]، ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود: 113]، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ [هود: 114]، ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115].







أما الملحظ الآخر، وليس الأخير أيضاً في السورة، ولكن مما فيها من خير ودروس، ذلك الموقف العجيب في قصة نبي الله نوحٍ عليه السلام، وهي أول قصةٍ تطالع عين القارئ في هذه السورة، حيث إن الله تعالى ذكر الأنبياء في هذه السورة بالترتيب الزمني الذي كانوا فيه، هذا أولاً وهذاً ثانياً وهذا آخراً، فكان أول نبيّ هو نوحٌ عليه السلام، وفي قصته عجب، لبث في قومه ألف سنةً إلا خمسين عاماً، يعني تسعمائة عامٍ وخمسين عاماً، داعياً إلى الله مصححاً للوضع الذي كانوا عليه، مغيراً للشرك الذي انغمسوا فيه وتمسكوا به وصار جزءاً من تصورهم عن هذه الحياة، ألف سنةً إلا خمسين عاماً مكثها نوحٌ داعياً في قومه وفي نهاية المطاف يقول الله تعالى ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]، ويُقدر العلماء هذا القليل من خلال ما ورد إليهم من روايات، فيقولون كانوا اثني عشر رجلاً، وبعضهم زاد إلى ثمانية عشر رجلاً، عشرون رجلاً، مائة رجل، هذا من عندنا افتراضاً وليس خبراً صحيحاً، وليس روايةً واردة[7]، ولكن أقول افتراضاً فليكونوا مائة رجل آمنوا مع نوح عليه السلام بعد ألف سنة إلا خمسين عاماً، نسبةٌ في غاية الضآلة والقلة والنّدرة، ما هذا؟! لم يكن في كل سنةٍ رجل، النسبة لا تكافئ هذا ولا تنتجه، ليس في كل عامٍ رجل، كأنه كانت تمر أعوام ولم يؤمن أحد، والدعوة مستمرة مستميتة متنوعةً متغيرة، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 5 - 10]، دعوةٌ من كل اتجاه، في كل وقت، على كل صعيد، على كل شكل، وبعد ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً لم يؤمن إلا اثنا عشر رجلاً، أو ثمانية عشر رجلاً، أو أقول افتراضاً مائة رجل، مائة رجل في البشرية كلها فكانت البشرية يومها قليلة، وكلها هي أمة نوحٌ عليه السلام، لم تكن هناك أقوامٌ أخرى في جنبات الأرض، هذه سلالة آدم عليه السلام، ونوحٌ أول نبي يبعث من بعد آدم، وقوم نوح عليه السلام أول قوم يعبدون الأصنام في الدنيا من دون الله، فهذه هي البشرية كلها، كل من على الأرض، فيهم اثنا عشر رجلاً مسلماً لله، متبعاً لنبي الله نوح عليه السلام، تخيل كم مضى في الدعوة؟ تسعمائة وخمسين عاماً، والله يصبر عليهم، ورسولهم بينهم عليه السلام يدعوهم ويبصرهم ويعلمهم ويذكرهم وينذرهم ويحذرهم، والله يحلم عنهم ويصبر عليهم هذه المدة الطويلة، إذا كان قد صبر كل ذلك عليهم وأخرهم واجل عذابهم هذه المدة الطويلة وفيهم من يعلمهم وينذرهم ويحذرهم، فكم صبر عليهم قبلها؟ لا شك أنها كانت مدةً أطول، لعلهم يعقلون بأنفسهم، لعلهم يدركون أن هذه الأصنام أحجارٌ لا تنفع ولا تضر والعقل يفيد ذلك، فلا يحتاج الأمر إلى بعثة رسولٍ ولا إنزال كتاب، فلما أصروا واستمروا وحلم الله عليهم فترةً طويلةً عظيمة ولم يتغيروا ولم يرجعوا إلى الله أرسل إليهم نوحاً عليه السلام، وصبر عليهم وهو معهم ألف سنة تقريباً، ثم جاءهم العذاب ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 16] كيف كان عذاب الله عز وجل، عجب العجاب، اثنا عشر رجلاً من أجلهم يغير الله كل الدنيا، يغير وجه الأرض، يغير حالة السماء، يغير البشر والبشرية كلها، يغير العلوم فيعلم نوحاً ما لم يكن يعلم، الأقدار كلها توجهت نصرةً لاثني عشر رجلاً، لكن أظن أنهم آمنوا إيماناً صحيحاً، أعتقد أنهم آمنوا بالاستقامة وعدم الركون للكافرين، فاعتزلوهم ولم يوالوهم، وأقاموا دين الله وأمر الله تبارك وتعالى طرفي النهار وبالليل، وصبروا على ما أوذوا ولاقوا من قومهم، فكانت النصرة بالعجب ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴾ [القمر: 11] السماء كلها أبوابٌ ينهمر منها الماء، لقد غير الله تعالى سنن الكون، المطر معروف كيف ينزل وربما متى ينزل، نحن مثلاً نُمطَر شتاءً، هذا جاء على غير وقت، على غير فصلٍ من الزمان، نُمطَر مطراً قطراً، قطرات تنزل بسيطة خفيفة أو غزيرة، ونُمطَر في الجبال والصحاري بالسيول، هذا نظام الله فينا وسنته الحكيمة، ولكن جاء الماء منهمراً من كل صوب في السماء، فوق كل بيت، فوق كل أرض ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ﴾ [القمر: 11، 12] الأرض جعلها الله بساطاً، جعلها يابسة جامعة وفيها عيون، فيها عيون وآبار فيها مواضع للماء، لم يفجر الله هذه العيون بل فجر الأرض اليابسة أيضاً عيوناً ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ﴾ [القمر: 12] صارت كلها عيوناً تنبع بالماء وتنفر، غيَّر كل شيء من أجل اثني عشر رجلاً، أخشى والله أن لا يكون في العالم الإسلامي هذا العدد بهذا الوصف الإيماني الصحيح، أخشى من ذلك، لذلك يستبطئ بعض الناس نصر الله تعالى، ولكن أقول: لا تستبطئ لقد حلم الله على قوم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً وفيهم نبي، ونحن ليس فينا نبي وليس في بني إسرائيل نبي، ولم يمر عليهم هذا الوقت الطويل الألف عام، إذاً اصبروا ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: 11، 12]، وأوحى الله تعالى إلى نوحٍ أن يصنع السفينة ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [هود: 37] لملاحظاتنا، وعيننا تنظرك وترعاك وتعلمك وتصوّب لك، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ [هود: 37]، ما كان نوح عليه السلام يعلم صناعة السفن، فعلمه الله بالوحي، اصنعها هكذا وهكذا وهكذا، حتى أتم صنع السفينة، وكان القوم يسخرون منه، الكفار، لأنه يصنع سفينةً في أرض يابسة لا ماء فيها، فأين تذهب يا نوح بهذه السفينة، ماذا تصنع بها يا نوح، أتسير بها في الرمال، وعبارات السخرية تتوالى ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾ [هود: 38]، قال بكل ثبات وصبر ﴿ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [هود: 38، 39] سوف ترونه العذاب.. وهكذا.







إن هذا أحبتي في الله يعطينا ملامح الطريق من بعيد، لينصر الله اثني عشر رجلاً من المسلمين، إذاً إسلامهم هذا إسلامٌ يرضي الله، إيمانٌ رضي الله عنه فنصره الله، وأعزه الله فيهم وبهم، ومهما طال الأمد فلا نيأس ستأتي النجاة إن شاء الله، ستأتي النجاة وتأتي النصرة، وربما بل غالباً من حيث لا نحتسب، كل أهل التحليل السياسي والتعليق السياسي وغير ذلك يقرءون ملامح الأمر وملامح المشهد الحالي فيتوقعون كذا وكذا وكذا وكذا، ولكن جاء الله بالنصرة بواسطة سفينة صُنعت في وسط الرمال ولا ماء حولها، من حيث لا نحتسب، وهذا شأن الله دائماً، ولابد أن يفعل هذا لأنه إله يأتي بشيء من غير حسبان البشر، فنصر الله هذه الفئة القليلة جداً، المعزولة وبدون مواجهة، لم يحملوا سلاحاً ولم يواجهوا عدواً وإنما رفعهم الله تعالى في الفلك ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود: 42] ولا يخشون شيئاً، ولا تتلاطمهم الأمواج، وإنما أهلكت الأمواج من تعرفه مستحقاً لذلك، لأنها أمواجٌ مأمورة من قبل الله تبارك وتعالى فأخذت الكافرين جميعاً، وأراد الله تعالى وحقق إرادته أن تكون هذه القلة هي صاحبة الاستخلاف في الأرض وهي الدولة الباقية، بل بذرة البشرية كلها من بعدها، نحن الآن من ذرية هذه الفئة المؤمنة القليلة، كل الدنيا الآن حتى بحيواناتها بحشراتها بنباتاتها الكل؛ لأن الله أوحى إلى نوح ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [هود: 40] أي من كل شيء زوجين اثنين ذكراً وأنثى، ومن بعد الطوفان تناسلت الحياة والأحياء من جديد، من بذور صالحة، من بذور إيمانية، من بذور عرفت ربها وخالقها سبحانه وتعالى.







إن هذا الموقف ليملأ القلب بالأمل مهما كان الواقع سيئاً شديدًا على القلب، مهما كان المستقبل مظلماً حسب القراءات البشرية، لكن بقراءة وحي الله وبفعل قدر الله في الأمم السابقة نأخذ أملاً جديداً لا تراه العيون، ولا تصل إليه الخيالات، من كان يصدق أن قوم نوحٍ في تلك الصحراء العريضة يركبون سفينةً في ماء وينجون بها من الظالمين؟! إنه قدر رب العالمين.







نسأل الله عز وجل أن يحقق لنا هذا الأمل، نسأل الله تبارك وتعالى لهذه الأمة النصرة والعزة، اللهم أعز أمتنا، اللهم أعز أمتنا، وانصر ديننا، وارفع رايتنا، اللهم ارفع رايتنا، انصر جندنا، انصر إخواننا، ارفع عنهم الهوان والذلة يا رب العالمين، اللهم ارفع رؤوسهم وسدد رميهم، اللهم ارفع رؤوسهم وسدد رميهم، وثبت أقدامهم، واقبل شهيدهم، واحفظ حيهم، اللهم احفظ حيهم، اللهم احفظ حيهم، وبارك لهم في أموالهم، وبارك لهم في حياتهم، أهلك عدونا وعدوهم وعدوك يا رب العالمين، اللهم أهلك عدونا وعدوهم، اللهم أهلك عدونا وعدوهم، اللهم أهلكه بددا وأحصه عددا، ولا تبقي فيهم أحدا، اللهم أرنا في اليهود ومن عاونهم آية، ولا ترفع لهم أبداً راية، اللهم أرنا في اليهود ومن عاونهم آية، ولا ترفع لهم أبداً راية، واجعلهم لمن سواهم آية، برحمتك وحولك وقوتك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك يا ربنا أن ترد عنا عدونا، اللهم رد عنا عدونا، اللهم رد عنا عدونا، رداً مخزيا، رداً مخزيا، اللهم ردهم رداً مخزيًا، اللهم لا ترد عنهم بأسك الذي لا يُرَّد عن القوم المجرمين، اللهم تولهم بِهَلَكتك يا رب العالمين، اللهم تولهم بانتقامك يا رب العالمين، اللهم أرنا المسجد الأقصى، اللهم أرنا المسجد الأقصى محرراً صالحاً سليماً معافاً يا رب العالمين، طاهراً مطهرا، ارزقنا يا ربنا الصلاة فيه قبل الممات، اللهم فك الحصار عن فلسطين بمن فيها وما فيها، اللهم فك الحصار عن فلسطين بمن فيها وما فيها، وعن كل إخواننا المستضعفين في أرجاء العالم، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وارفع بحولك وقوتك رايتي الحق والدين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، نسألك القبول منا والمغفرة لنا والرضا عنا يا رب العالمين، اللهم استخدمنا لدينك، اللهم استخدمنا لدينك، وانصر بنا دينك، اللهم انصر بنا دينك، وارزقنا شهادةً في سبيلك، في مدينة رسولك، وأنت على كل شيء قدير، اللهم ارزقنا يا ربنا ما يرضيك عنا، وما يقربنا منك يا ربنا، اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، برحمتك يا رب العالمين، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.







عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.









[1] انظر: لسان العرب (3/ 439).




[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 433).




[3] هي مكية كلها عند الجمهور، وروي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير وقتادة إلا آية واحدة وهي ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ [هود: 114] إلى قوله: ﴿ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، وقال ابن عطية: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله - تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ﴾ [هود: 12]، وقوله: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [هود: 17] إلى قوله: ﴿ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [هود: 17] قيل: نزلت في عبد الله بن سلام، وقوله: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ [هود: 114] الآية، قيل: نزلت في قصة أبي اليسر كما سيأتي، والأصح أنها كلها مكية، وأن ما روي من أسباب النزول في بعض آيها توهم لاشتباه الاستدلال بها في قصة بأنها نزلت حينئذ كما يأتي، على أن الآية الأولى من هذه الثلاث واضح أنها مكية. أهـ التحرير والتنوير (11/ 311).




[4] رواه الحاكم في المستدرك (2/ 307) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.




[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (9/ 94).




[6] لم أقف عليه هناك، ومعنى الآية يتناوله، وانظر: تفسير الطبري (15/ 500)، والقرطبي (9/ 95)، وابن كثير (4/ 354)، وفي الحديث: "إذا وقفَ العبادُ على الصراطِ يومَ القيامةِ نادَى الله تعالى وقال: أنَا الله، أنَا الملك، أنا الديان، وعِزَّتي وجلالي لا يغادرُ هذا الصراطَ واحدٌ من الظالمين، ثم ينادِي ملَك من قِبَل الله تعالى فيقول: أينَ الظلَمَة؟ أين أعوانُ الظلَمَة؟ أين مَن برى لهم قلمًا؟ أين مَن ناولهم دَواةً؟ ثم تنادي جهنّمُ على المؤمنين فتقول: يا مؤمِن أسرع بالمرور عليَّ فإنَّ نورَك أطفأ ناري"، أخرجه أحمد في الورع [مجمع الزوائد (1/ 133)]، والحارثُ بنُ أبي أسامة (45) والحاكم (2/ 437)، وهو حديث حسن، انظر: تغليق التعليق (5/ 355)، للحافظ ابن حجر.




[7] انظر: تفسير الطبري (15/ 325- 327)، قال فيه: "والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]، يصفهم بأنهم كانوا قليلًا ولم يحُدّ عددهم بمقدار، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، فلا ينبغي أن يُتَجاوز في ذلك حدُّ الله؛ إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حدٌّ من كتاب الله، أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". أهـ.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]