عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-01-2021, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,030
الدولة : Egypt
افتراضي ديوان الفيض.. بتحقيق: د. ظهور أحمد أظهر (دراسة ونقد)

ديوان الفيض.. بتحقيق: د. ظهور أحمد أظهر

(دراسة ونقد)

د. أورنك زيب الأعظمي

مدخل
بما أن شخصية العلامة فيض الحسن السهارنفوري مجهولة في العالم العربي العلمي، فلم أقرأ عنه في المجلات والجرائد العربية إلا قليلًا نادرًا، وهذا القدر لا يبرد غليل الباحث العلمي، ولا يفي بعبقرية العلامة السهارنفوري، فأود أن أقوم بذكره، ولو وجيزًا؛ كي يعرفه من لم يقف عليه وعلى أعماله الجليلة، فأبدأ بآبائه الذين كانوا عربًا خلَّصًا.

لمحة عن آبائه الكرام:
تبلغ شجرة نسب الشاعر قبيلة بني أمية، وعلى ذلك فهو يكتب لنفسه "القرشي"، غادر بعض أجداده جزيرة العرب، ونزلوا بمحافظة سهارنفور (Saharanpur)، فأقاموا بها وتوطنوها، ونسبة إلى هذه المنطقة فهو يكتب له "السهارنفوري".

كانت أسرته تعتبر إحدى أُسَر الإقطاعيين، إلا أن أفرادها فضَّلوا العلمَ على المال والجاه، فعُرفوا بلقب "الخليفة"[1]؛ لأجل المحبة للعلوم والمعارف.

وعلى ذلك، فهو فيض الحسن بن علي بخش بن خدا بخش بن الشيخ قلندر بخش القرشي الحنفي الجشتي[2]، لم يذكر أصحاب التراجم سلسلة نسبه الكاملة، البالغة أسلافَه من بني أمية، كان يلقب نفسه بـ: "فيض" في إبداعاته المنظومة الفارسية والأردية.

مولده وطفولته:
لم يجئ أي خلاف عن سنة ولادته؛ فقد اتفق كافة أصحاب التراجم والسير على أنه وُلِدَ في 1816م[3]، في حي لسهارنفور يسمى بـ: "شاه ولايت"[4].

طبع الشيخ على حدة في الذهن، وفكاهة في العادة، فمال في عهد طفولته إلى مباراة الطيارات ومسابقتها، ولما بلغ عنفوان شبابه رغب في مصارعة الأبطال المحليين، فاستفاد من المرشد معز الدين[5]، ولكن لم يمضِ إلا قليلٌ من الزمان حتى رغب عنها وأبغضها، وانقطع إلى نيل العلوم والمعارف، فتعلم الكتب الفارسية والعربية على والده الجليل، ثم خاض في المنطق إلى حد اشتهر بـ: "المنطقي"، وحدث هذا كله وهو لم يكد يتجاوز من عمره عشرين سنة[6].

رحلته للمزيد من العلم والفن:
بعدما شدا في الفارسية والعربية على يدي أبيه الكريم، أراد أن ينال المزيد من العلوم والمعارف، فبحث في سهارنفور عمن يبرد غليله، ولكنه لم يجد من يسكن ظمأه، فعزم على مغادرة البيت وقريته متوجهًا نحو عاصمة الهند دلهي؛ حيث استفاد من المفتي صدر الدين آزرده صدر الصدور دلهي لمدة، ثم تعلم شيئًا من الأحاديث على الشيخ أحمد سعيد بن أبي سعيد العمري الدهلوي[7]، وبعد ذلك تتلمذ لآخون الولايتي الذي كان محدثًا كبيرًا، وحصل على الشهادة في هذا الفن، ومن هنا ارتحل إلى رامفور (Rampur)؛ حيث لقي بحر العلوم وجامع الكمالات الشيخ فضل حق الخيرابادي، وأخذ من هذا العلامة المعقولات والأدب والفلسفة، كما أخذها من علمائها الآخرين، ومن هنا تبدل لقبه "المنطقي" بلقبه الجديد، وهو "الأديب"[8]، وعلاوة على هؤلاء فإنه تعلم على علماء لكناؤ، كما حذق في الطب على الحكيم إمام الدين خان[9].

أساتذته الكرام:
تتلمذ الأستاذ العلامة لأمهر أساتذة زمانه في العلوم والفنون؛ فالشيخ فضل حق الخيرابادي كان جامعًا للكمالات العلمية، والشيخ صدر الصدور المفتي صدر الدين آزرده والشيخ آخون الولايتي كانا على معرفة واسعة في علوم الحديث والفقه، والشيخ أحمد سعيد كان ذا خُلق عظيم، وله اليد الطولى في مجال معرفة الذات، والشيخ إمام بخش صهبائي كان أستاذًا في الشعر الفارسي، والميرزا غالب كان معترفًا به في الفارسية والأردية، فكأنه ألقى رحاله لدى المهرة في الفنون والمتضلعين من اللغات، وجهد واجتهد في نيل العلوم والمعارف حتى أصبح إمامًا في الفنون، لا سيما اللغة العربية وآدابها[10].

في البحث عن المعاش:
انتهت هنا عملية الدراسة ونيل العلوم الإجبارية، فالآن أصبح هذا الشاب البطل متضلعًا في اللغات، وماهرًا في العلوم المتداولة، وتأهل لأن يُفيض ما حشاه في ذهنه، ويكتسب بما ناله من العلوم، فلقيه السير سيد أحمد خان للاستفادة في 1846م، فعلمه السهارنفوري مقامات من "مقامات الحريري"، و"منار أصول الفقه"، وقصائد من "المعلقات السبع"، فتشرف خان بمكانة أول تلميذ لـه[11].

وإثر ثورة 1857م ترك العلامة دلهي، ورجع إلى قريته، ولكن جلالة قدره العلمي قد جذبت أنظار الناس، فدعاه السير سيد المذكور لتعليم وتربية ولده سيد محمود، ومن ثم طلب منه ترجمة بعض الكتب للمجمع العلمي الذي قام هو بتأسيسه، فتم توظيفه فيه على 50 روبية هندية شهريًّا[12]، وبعدما قضى العلامة رَدَحًا من الزمان عيِّن كرئيس قسم اللغة العربية وآدابها في كلية لاهور الشرقية، فغادره السهارنفوري في 1870م[13]، وكذا اشترك في تأسيس الجامعة الإسلامية الشهيرة مظاهر علوم، سهارنفور[14]، كما سعى لتطوير دار العلوم، ديوبند[15].

أدى العلامة فريضة الحج، وكان يصاحبه السيد عبداللطيف والشاه عبدالرحيم الراي بوري والشيخ ثابت علي، وآخرون[16].

موته المفاجئ:
هذا العبقري قد فاجأ تلامذته ومادحيه موتُه، الذي زاره بسبب لدغ الحية في 6 فبراير سنة 1887م، أوصى الأستاذ بأن تحمل جُثته إلى وطنه في سهارنفور، فتم الامتثال لهذه الوصية، ودفن بها هذا البحر الزاخر للعلوم والآداب[17].

من أخلاقه وسجاياه:
كان الأستاذ حليمًا، ذا خُلق عظيم، خليطًا بالناس ظريفًا، فُطِرَ على أخلاق الشرق وعاداته، ولكن مع ذلك كان لا يبالي بالخوض في أشياء يكرهها الكرام، فذات مرة كان يرجع من الكلية إذ رأى في سبيله مجلسًا للرقص فحضره[18]، لم يكترث العلامة بأحد في قول الحق وتلفظ الصدق، فخالف السير سيد في جمع التبرعات لكلية محمد العربية الشرقية في مجلة "شفاء الصدور"[19].

وقد اعتاد على المصارعة، حتى لم يترك الرياضة البدنية في شبابه، فكانت صحته جيدة.

إنكاره للقب "شمس العلماء": لم يكن العلامة مفطورًا على التملق والخضوع، فلم يحرص على المال، ولم يتهافت على الجاه؛ ولذلك لما وصى أصحابُ حل وعقد جامعة بنجاب أمام الحكومة لإكرامها إياه بلقب "شمس العلماء" أنكره، وقال: إن تلامذتي يتشرفون بهذا اللقب، وأما أنا فأجدر بأن ألقب بـ: "شمس شموس العلماء"[20].

معاصروه:
كان العلامة ممن تمتع بحسن الحظ في نيل المعاصرة؛ فقد عاصره العلماء الكبار، والمحدثون العظام، والأدباء المفلقون، ولكن كلهم قدروه تقديرًا، وعظموه تعظيمًا، وممن برز منهم في مختلف المجالات: حجة الإسلام الشيخ محمد قاسم النانوتوي، والمحدث الكبير الشيخ أحمد علي العليكري، والمحدث الجليل الشيخ خليل أحمد الأنبهتوي، والشيخ لطف الله العليكري، والشيخ ذو الفقار علي الديوبندي، والشيخ خليل الرحمن السهارنفوري، والشيخ أحمد علي السهارنفوري، والشيخ المنشي نجف علي السهارنفوري، والنواب صديق حسن خان البوفالي، والنواب محمود علي خان والي بهافالفور (Bhavalpur).

تلامذته البارزون:
استفاد منه العديد من علماء الهند وأدبائها وشعرائها، ولكني أذكر هنا من لمع نجمه في أي مجال من مجالات الأدب والحياة، وهذا لأن فهرس تلامذته يطول به المقال، وهم كما يلي:
1- السير سيد أحمد خان: لا تخفى شخصية السير سيد على من لـه أي صلة بجامعة علي كره الإسلامية؛ فهو اجتهد كثيرًا في بث الوعي الفكري فيما بين المسلمين، وكذلك فإنه قام بالرد على دعاوى المستشرقين على حياة محمد وفكرته صلى الله عليه وسلم.

2- والعلامة شبلي النعماني: لا يكمل بدون ذكر شبلي تاريخُ الرد على المستشرقين الذين أثاروا اعتراضات متنوعة على مختلف جوانب الإسلام الفكرية والعملية، ومع ذلك فإنه قام بتأليف تذكرة مهمة عن الشعر الفارسي وشعرائه، وهو كتاب لا يستغني عنه أي باحث في اللغة الفارسية وآدابها.

3- والشيخ ألطاف حسين حالي: لا يُذكر النقد الجديد في الأدب الأردي إلا ويُعلي ذكرَ هذا الناقد الرائد؛ فقد أتى هذا الكاتب الحاد الذهن بشيء لم يسبق إليه، بل بقي أثره حتى يومنا هذا، وأما مسدساته فهي لا تزال مؤثرة في أذهان مسلمي الهند.

4- والشيخ إسماعيل الميرثي: أدب الأطفال والشيخ إسماعيل الميرثي توءمان؛ فأسلوبه المعياري التام لا يزال مؤثرًا حتى الآن، اعترف به القدماء والمتأخرون كذلك.

5- والعلامة حميد الدين الفراهي: هذا هو العلامة الجليل الذي نادى بفلسفة نظام القرآن، التي بدأ بها أستاذه الفيض في الهند، والتي أكملها تلميذه الرشيد الشيخ أمين أحسن الإصلاحي، وبجانب هذا فقد قام الإمام بنقد منطقي أرضي على نظرية أرسطو في المحاكاة، في كتابه الشهير: "جمهرة البلاغة"، كافة مؤلفاته مشحونة بتعليم وتوضيح القرآن، والتأثر بعلومه وأفكاره.

يلمح من هذا الفهرس أن الشيخ السارنفوري كان خالق رجالٍ بجانب خلقه للأدب العالي.

انطباعات العلماء والمؤرخين عنه:
وبما أنه كان عالمًا كبيرًا وأدبيًا بارعًا ومعلمًا فائزًا، فقد أثنى عليه العلماء والمؤرخون في زمانه وبعد موته، وإليكم بعض الانطباعات:
يقول صاحب "سير المصنفين": "كان الشيخ يعتبر أصمعي زمانه، وأبا تمام عصره"[21].

ويقول الشيخ عبدالله القرشي:
"كان أم الجلسات الأردية في بنجاب… كلامه محكَم، وأفكاره متنوعة، وتراكيبه متلونة، وجمله متينة، وكلماته محشوة بالألحان…"[22].

ويقول صاحب "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر":
"كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفِطنة وعلمًا، لم يكن في عصره أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب، وما يتعلق بها، متوفرًا على العلوم الحكمية… انتهت إليه رئاسة الفنون"[23].

ويقول السيد سليمان الندوي:
"كان الأستاذ فيض الحسن السهارنفوري أديبًا شهيرًا في زمنه، زاره الطلاب سامعين عن علو كعبه في العلوم والفنون"[24].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]