عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-01-2021, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر

مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر




كوني أحمد


المبحث الثالث:
معايير الرداءة في الشعر
والمقصود منها مخالفةُ الشاعر قوانينَ الجودة وشرائطَها، وهذه المعايير تسمَّى بالعيوب؛ فمِنها ما هو متعلِّق باللفظ، ومنها ما هو متعلق بالمعنى.

1- عناصر العيوب اللفظية:
ويُقصد بالعيب اللفظي أن يكون ملحونًا وجاريًا على غيرِ سبيل الإعراب واللغة... وأن يَرتكب الشاعرُ فيه ما ليس يُستعمل ولا يُتكلَّم به إلا شاذًّا[10].

وعناصر العيب لها ارتباط وثيقٌ باللفظ المستعمَل والوزن العَروضيِّ والقافية.

أ - عيب اللفظ:
المعاظلة[11]:
وهي التي وصَف عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه زهيرًا بمجانبَتِه لها أيضًا؛ حيث قال: وكان لا يُعاظِل بين الكلام.

وسألتُ أحمد بن يحيى عن المعاظلة فقال: مُداخَلة الشيء في الشيء، يقال: تعاظَلَت الجرادتان، وعاظل الرجلُ المرأة إذا ركب أحدُهما الآخَر، وإذا كان الأمر كذلك فمِن المحال أن نُنكر مُداخلةَ بعض الكلام فيما يُشبهه من وجه، أو فيما كان من جنسه، أمَّا النَّكير فإنما هو في أن يُدخل بعضه فيما ليس من جنسه وما هو غير لائق به، وما أعرف ذلك إلا فاحشَ الاستعارة؛ مثل قول الشاعر:
وما رقَدَ الوِلدانُ حتى رأيتُه
على البكرِ يُمريهِ بساقٍ وحافرِ


ويعلِّق ابن جعفرٍ على الشاعر بقوله: "فسمَّى رِجل الإنسان حافرًا؛ فإن ما جَرى هذا المجرى من الاستعارة قبيحٌ لا عذر فيه"[12].

ب - عيب الوزن:
التخلُّع[13]:
وهو أن يَكون قبيحَ الوزن قد أفرط تزحيفه وجعل ذلك بنيةٍ للشِّعر كلِّه حتى ميله إلى الانكسار، وأخرجه من باب الشعر الذي يَعرف السامعُ له صحةَ وزنه في أوَّل وهلة إلى ما يُنكِره حتى يُنعم ذوقه أو يعرضه على العَروض فيصح فيه؛ فإنَّ ما جرى هذا المجرى من الشعر ناقصُ الطَّلاوة قليل الحلاوة.

مثل عَبيد بن الأبرص في قوله:
والمرءُ ما عاش في تكذيبٍ
طول الحياةِ له تَعذيبُ


فيقول ابنُ جعفر معلِّقًا عليه: فهذا معنًى جِّيد ولفظ حسَن، إلا أنَّ وزنه قد شانه وقبَّح حسنَه، وأفسد جيِّده، فما جَرى من التزحيف في القصيدة أو الأبيات كلِّها أو أكثرها كان قبيحًا؛ من أجل إفراطه في التَّخليع مرة، ومن أجل دوامه وكثرته ثانية، وإنما يُستحبُّ من التزحيف ما كان غيرَ مفرط، وكان في بيتٍ أو بيتين من القصيدة من غير تَوالٍ ولا اتِّساق، ولا إفراطٍ يُخرجه عن الوزن[14].

ج - عيب القافية:
إنَّ الحديث عن هذا العيب هو المَعايب التي وُضِعت في كتب العروض، ولن نطوِّل الكلام في ذلك، وكذلك هناك عيبٌ يدرس حركة الرويِّ وحرفه، ومنه ما يهتمُّ بحرفِ ما قبله، وبحرفِ ما بعده، وبعبارة أخرى اللَّوازم القَبْلية واللوازم البَعدية.

التجميع[15]:
وهو أن تكون قافيةُ المِصراع الأول من البيت الأول على رَويٍّ متهيِّئ لأنْ تَكون قافيةَ آخر البيت، فتأتي بخلافِه.

مثل ما قال عمرُ بن شأس:
تذكَّرتُ ليلى لاتَ حينَ ادِّكارِها
وقد حُني الأصلابُ ضُلاًّ بتَضلالِ


2- عناصر عيوب المعاني:
وعيوب المعاني يمكن اعتبارُها نوعين؛ فالنوع الأوَّل أن يكون المعنى مواجهًا للغرَض، غيرَ عادلٍ عنه إلى جهةٍ أخرى، والآخر هو تَناسُب الألفاظ فيما بينها.

أ - فساد الأقسام[16]:
وذلك يكون إمَّا بأن يكرِّرها الشاعر، أو يأتي بقسمين أحدهما داخلٌ تحت الآخر في الوقت الحاضر، أو يجوز أن يَدخل أحدُهما في الآخَر في المستأنَف، وأن يدَع بعضها فلا يأتي به.

مثالُ التكرير قولُ هُذيل الأشجَعي:
فما بَرِحَت تُومي إليَّ بطَرْفِها
وتومِضُ أحيانًا إذا خَصمُها غفَلْ

فلماذا عاب ابنُ جعفر هذا البيت؛ لأن (تومض) و(تومي) بطَرْفها متساويانِ في المعنى.

ومثالُ دخول أحد القسمين في الآخَرِ قولُ الشاعر:
أبادر إهلاكَ مُستهلِكٍ
لمالِيَ أو عبَثَ العابثِ

فالعيب هنا هو أنَّ عبث العابث دخَل في إهلاك المستهلك.

ومثالُ دخول أحدهما في الآخر في المستأنف قولُ أبي عَديٍّ القرشي:
غيرَ ما أنْ أكونَ نِلتُ نَوالاً
مِن نَداها عفوًا ولا مهنيَّا

فالعفو قد يجوز أن يكون مهنيًّا والمهنيُّ يجوز أن يكون عفوًا.

وقد ضُحِك مِن أنوَك سأل مرَّة فقال: عَلقمة بن عَبدة جاهليٌّ أم من تميم؛ فإنَّ الجاهلي قد يَكون مِن بني تميم أو بني عامر، والتميميَّ قد يكون إسلاميًّا أو جاهليًّا.

ب - فساد المقابلات[17]:
وهو أن يضَع الشاعر معنًى يُريد أن يقابله بآخَر إمَّا على جهة المُوافَقة أو المخالَفة، فيكون أحدُ المعنيين لا يخالف الآخر أو يوافقه، ومثل ذلك قول أبي علي القرشي:
يا بنَ خير الأخيارِ مِن عبدِ شمسٍ
أنتَ زَينُ الدنيا وغيثُ الجنودِ

فيرى ابن جعفر قولَه: "زين الدنيا وغيث الجنود" عيبًا؛ لأنهما لا يُوافقان ولا يضادَّان.

ج - مخالفة العُرف، والإتيان بما ليس في العادة والطبع[18]:
ومن هذا قول الحكَم الخُضْري:
كانت بنو غالبٍ لأمتها
كالغيثِ في كلِّ ساعةٍ يَكِفُ

فليس المعهود أن يكون الغيثُ واكفًا في كلِّ ساعة.

الخاتمة:
إن هذه الجولة صفحاتٌ تحاول عرض بعض القضايا التي أثارها قُدامة بن جعفر؛ لتحديد مفهوم الشعر، وإبراز تصوُّرٍ عام ملخَّص فيما يُستحسن في الشعر وما يستقبح.

والجدير بالذكر أنَّ قدامة ركَّز على الصياغة، وهذا يكشف عن حضور الوعي ببِنيَة الكلام، ومواصفاته الذاتية؛ ذلك أن المعانيَ معروضةٌ للشاعر، وله أن يتكلَّم فيها فيما أحبَّ وآثر، من غير أن يحضره معنًى يروم الكلام فيه؛ إذ كانت المعاني للشعر بمنزلة المادَّة الموضوعة، والشعر فيها كالصُّورة.


كما هي الحالُ في كلِّ صناعة لا بدَّ من شيء موضوع يَقبل تأثيرَ الصورة منها، مثل الخشب للنِّجارة والفضَّة للصِّياغة، وعلى الشاعر إذا شرَع في أيِّ معنًى كان - من الرِّفعة والضَّعَة، والرفث والنزاهة، والمدح وغير ذلك من المعاني الحميدة أو الذميمة - أن يتوخَّى البلوغَ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة.

وإذا كان الموقف السالف يُفسح المجال للشاعر لِيَنتقي المعنى الذي يُريد، كأن يُصوِّر تجربة شخصيَّة أو يقصد في المدح إلى الوصف بخلاف المعاني النفسيَّة التي رسَّخَها قدامة مثل أن يَصف الممدوحَ بجمال الوجه مثلاً؛ فإنه يبدو أنَّ انفساح المجال المعنويِّ للشاعر لا يَعني الخروج عن المواصفات المحدودة للمعنى اللائق بحسب ما تتطلَّبه مقتضيات الوظيفة؛ ذلك أن إزالة الحَظر على الشاعر فيما يَبتغي قولُه من المعنى لا يَعني إزالةَ كلِّ ضابط، بل يَنبغي أن يكون الانتقاءُ وَفق مراتبِ المعاني الملائمة للأغراض.

وما دام تنوُّع الأغراض كثيرًا فإنه يَستتبعه تنوُّع المعاني وتفاوُتها، وحتى لو حدَث أنْ كان الوصفُ مخالفًا لمقتضى الغرض؛ كوَصف المغامرات النِّسائية لامرِئ القيس التي يوردُها قدامة، ثم يُعلِّق أنْ ليس فَحاشةٌ المعنى في نفسِه، مما يُزيل جودةَ الشعر فيه، كما لا يَعيب جودةَ النِّجارة في الخشب مثلاً رداءتُه في ذاته، ويَدعم قدامةُ وجهةَ نظره في ضرورة قصد التجويد في القول بغَضِّ النظر عن قيمة المعنى في ذاته، ما دام المعتبَرُ هو تجويدَ الصياغة فلن يكون عيبًا على شاعر ما مدحُه الشيءَ في قصيدة ثم ذمُّه في أخرى إن أحسَنَ المدحَ والذم.

بل يدل ذلك - عند قدامة - على قوَّة الشاعر في صناعته واقتداره عليها.

وفي الأخير نُشير إلى أن إحساس قدامة بتلاحُم المادة وصورتها هو الذي هيَّأ لبحث ائتلاف عناصر النَّص، مع دَرسه كلاًّ منها على حدَة، حسب ما حدَّده منهجُه الخاصُّ.

والذي وَدِدنا عرضَه في هذه الوُريقة يعتبر غَرفةً من البحر المحيط، فما زال بابُ استيفاء رؤية نقديَّة لقدامة مفتوحًا للدراسة والنقد، ولا ندَّعي الاستيفاء بإعطاء حق هذه الدراسة.

والله المستعان وهو وليُّ الصالحين.

فهرس المراجع والمصادر:
1- نقد الشعر؛ أبو الفرَج قدامة بن جعفر، تحقيق الدكتور عبدالمنعم خفاجي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

2- مقوِّمات الرؤية النقدية عند أبي علي المرزوقي؛ الدكتور العياشي السنوني، منشورات جامعة سيدي محمد بن عبدالله - ظهر المهراز - فاس - المغرب.

3- من عناصر نظرية الشعر عند الجاحظ؛ الدكتور عبدالرحيم الرحموني، منشورات جامعة سيدي محمد بن عبدالله - ظهر المهراز - فاس - المغرب.


[1] من عناصر نظرية الشعر عند الجاحظ، الدكتور عبدالرحيم الرحموني، منشورات جامعة سيدي محمد بن عبدالله، ص 11.

[2] الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي محقق نقد الشعر، ص 3.

[3] نقد الشعر؛ قدامة بن جعفر، تحقيق الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، بلا تاريخ، ص 64.

[4] المرجع السابق، 64.

[5] ينظر المرجع السابق، ص 77.

[6] المرجع السابق، ص 78.

[7] المرجع السابق، ص 86.

[8] يُنظر: مقوِّمات الرؤية النقدية عند أبي عليٍّ المرزوقي؛ الدكتور العياشي السنوني، ص 82، 83، 84.

[9] نقد الشعر، 92، 93، 94.

[10] المرجع السابق، 172.

[11] المرجع السابق، 174.

[12] المرجع السابق، 175.

[13] المرجع السابق، 178.

[14] المرجع السابق، 179.

[15] المرجع السابق، 181.

[16] المرجع السابق، 192.

[17] المرجع السابق، 193.

[18] المرجع السابق، 203.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]