عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-01-2021, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر

وبعده بأبياتٍ قال:
أفاطِمُ مَهلاً بعضَ هذا التدلُّلِ
وإن كنتِ قد أزمَعْتِ صَرمي فأجمِلي


وبعده بأبياتٍ قال:
ألا أيُّها الليل الطويلُ ألا انجَلي
بصُبحٍ وما الإصباحُ مِنك بأمثَلِ


2- عناصر جودة المعنى:
أ - صحَّة المعنى:
المراد بالصحَّة: وضعُ كلمات في قوالِبَ ملائمةٍ للمحلِّ والحال، فعلى الشاعر مراعاةُ نفسية المتلقِّي، وأن يتجنَّب الإحالة والإغراق المفضِيَين إلى التَّشويش على المتلقِّي، وعدم تمكُّن المعنى من ذهنه.

فكلما أغرَب الشاعر في معانيه، وابتعَد عن الواقع بمسافة بعيدة، وقع في الإحالة، وابتعد عن الصحَّة.

ب - التناسب الغرَضي:
ويَعني به مطابقة الغرَض للمعنى، واختيارَ الألفاظ التي تُلائم الغرض الذي يقول فيه، وتتَّسم بالابتكار، والسَّبكِ الجيِّد.

ج - قضية المبالغة والغلو:
فهذا القسم له علاقة وطيدة بأخوَيه؛ ولذا لم آتِ بمثالٍ لهما، ومن خلال المعالجة لهذه الظاهرة ستتضَّح هذه العلاقة.
والمبالغة والغلوُّ مرتبطة بالصِّدق والكذب في الشعر.

لقد صنَّف الدكتور العياشي السنوني - عند تناولُه هذه القضيةَ - مواقفَ العلماء إلى ثلاثة[8]:
الاتجاه الأول:
فهؤلاء يَعتقدون أحسَنَ الشعرِ أصدَقَه؛ كبيتِ حسانَ بنِ ثابت:
وإنَّ أشعَر بيتٍ أنت قائلُه
بيتٌ يُقال إذا أنشدتَه صدَقا

والمبدِع وإن كان يَنظم في إطار الصِّدق يُبدي من المهارة والاقتِدار على مُطاوعة القول ما يَجعل مِن قوله فنًّا رائعًا.
ومن الذين نحَوا هذا المنحى الآمديُّ صاحب "الموازَنة بين أبي تمَّام والبُحتري".

الاتجاه الثاني:
والشعر عندهم أكذَبُه؛ بمعنى أنَّهم يختارون المبالغة والغلوَّ، ومن الذين شايَعوا هذا المذهب قدامةُ بن جعفر، وهو خيرُ مِن استلهَم البيوتيقا الأرسطيَّة، واستثمرَها في تناول قضايا الشِّعر.

الاتجاه الثالث:
أصحاب الوسطيَّة، ويرَون أن أحسن الشعر أقصَدُه، ومِن الذين نوَّهوا بهذه الرؤية الجاحظ، والمرزوقي، والقاضي عليُّ بن عبدالعزيز الجرجاني.

◙ محور اختلاف النُّقاد في هذه المسألة:
بعد هذه الجولة السرديَّة لبيان مواقفِ العلماء للقضيَّة، يمكن الوقوفُ لتحديد مفهوم الصِّدق والكذب، والقصد منهما عند أهل العلم الأدبيِّ.

إن الحدَّ المشهور للصِّدق هو مُطابقة الواقع، وللكذب مخالفةُ الواقع.

هل الصِّدق يُنظر إليه بمنظور فنِّي أو سلوكي أو واقعي؟
والكذب واقعي أو سلوكي أو فني؟
والواقع الذي يعيشه عامة الناس ويعرفونه، هل هو مختلف عن دنيا الشعراء؟

فلنَقرأ لقدامة الذي يُدافع عن موقفه من خلال تحليله بيتَ حسان بن ثابت ودفاعه عنه[9]:
لَنا الجفَناتُ الغُرُّ يَلمَعن بالضُّحى
وأسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجدةٍ دَما


وذلك أنَّهم يرَون موضع الطَّعن على حسان في قوله: (الغُر) وكان ممكنًا أن يقول (البِيض)؛ لأنَّ الغرَّة بياضٌ قليل في لونٍ آخَر غيره، وقالوا: فلو قال: (البِيض) لكان أكثرَ بياضًا من الغرَّة، وفي قوله: (يَلمَعن بالضحى) ولو قال: (بالدُّجى) لكان أحسَن، وفي قوله: (وأسيافُنا يَقطُرن من نجدةٍ دَما) قالوا: ولو قال (يَجرين) لكان أحسن؛ إذ كان الجريُ أكثرَ من القطر.

ومَن أنعَم النظرَ علم أنَّ هذا الرد على حسان من النابغة كان أو من غيره - خطأٌ، وأنَّ حسَّانًا مصيبٌ؛ إذ كان مطابقةُ المعنى بالحقِّ في يده، وكان الردُّ عليه عادلاً عن الصواب إلى غيره.

فمن ذلك أنً حسانًا لم يُرد بقوله: (الغر) أن يجعَل الجِفانَ بِيضًا، فإذا قَصر عن تصيير جميعها بيضًا نقص ما أراده، لكنه أراد بقوله (الغر): المشهورات؛ كما يُقال: (يومٌ أغَرُّ) (ويدٌ غرَّاء)، وليس يُراد البياض في شيءٍ من ذلك، بل يراد الشهرة والنباهة.

وأما قول النابغة في (يلمعن بالضحى) وأنه لو قال (بالدُّجى) لكان أحسن من قوله: (بالضحى)؛ إذ كل شيء يلمَع بالضحى، فهذا خلافُ الحق وعكس الواجب؛ لأنه ليس يَكاد يلمع بالنهار من الأشياء إلا الساطعُ النور الشديد الضِّياء، فأمَّا الليل فأكثرُ الأشياء مِن أدنى نور وأيسرِ بَصيصٍ يلمع فيه.

فمِن ذلك الكواكب وهي بارزةٌ لنا مقابلة لأبصارنا، دائمًا تلمع بالليل ويقلُّ لمَعانها بالنَّهار حتى تخفى، وكذلك السُّرُج والمصابيح يَنقص نورها كلَّما أضحى النهار، وفي الليل تَلمعُ عيون السِّباع لشدَّة بصيصها وكذلك اليراع حتى تخال نارًا.

فأما قول النابغة أو من قال: إن قوله في السيوف: (يجرين) خيرٌ من قوله: (يقطرن)؛ لأنَّ الجري أكثرُ مِن القطر، فلم يُرد حسان الكثرة وإنما ذهبَ إلى ما يلفظ به الناسُ ويعتادونه من وصفِ الشجاع الباسل والبطل الفاتك بأن يقولوا: سيفه يَقطر دمًا، ولم يُسمَع: سيفه يَجري دمًا، ولعله لو قال: يجرين دمًا عدَل عن المألوف المعروف من وصف الشجاع النجد إلى ما لم تَجرِ عادةُ العرب بوصفه... فأقول: إن الغلوَّ عندي أجودُ المذهبين، ومن أنكر على مهلهل والنمر وأبي نواس قولهم المقدم ذكره، فهو مخطئ، لأنهم وغيرهم - ممن ذهب إلى الغلو - إنما أرادوا به المبالغةَ والغلو بما يَخرج عن الموجود ويَدخل في باب المعدوم؛ فإنما يريد به المثل وبلوغ النهاية في النَّعت، وهذا أحسنُ من المذهب الآخر.

وللاستحسان الشعريِّ حصَر قدامةُ الأغراض الشعريَّة في ستة:
المدح، والهجاء، والنَّسيب، والمراثي، والوصف، والتشبيه.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]