الإسلام الحضاري.. قراءة في تحليل المضمون
الكاتب : د. أحمد محمود
الفصل الثاني: تطبيقات دعوة الإسلام الحضاري:
1- في فكر التيار العلماني
2- في فكر دعاة الوسطية
3- في تجربة النهضة الماليزية
4- في فكر منظمة المؤتمر الإسلامي
1) – في فكر التيار العلماني:
يعرف جمال البنا الإسلام الحضاري بأنه ثورة شاملة على تراث الفقه الإسلامي، هذه الثورة تعيد تحديد مصادر الفقه الجديد ابتداءً؛ فيستبعد الإجماع الذي يراه خرافة لا يمكن أن تتحقق، ثم يستبعد بقية المصادر الأخرى الفرعية للفقه، مثل سد الذرائع وينتهي به الحال إلى الاقتصار على النصوص الدينية فقط مصدراً رئيسياً للفقه.
وهو حين يتحدث عن النص يعيد تعريفه؛ فيبدأ بحصره في القرآن، ثم السنة "الصحيحة"، والسنة الصحيحة هي السنة التي ثبتت عنده هو، وبمعايير جديدة وليست عند أهل الحديث الذين يخرج عليهم منهجاً وتطبيقاً، وبمناهج تختلف عن السائد عند أهل السنة.
وقد تأثر بمناهج تحليل الخطاب والألسنيات الحديث، من خلال عدم الاكتفاء بعدم نقد سند النص (الحديث) بل نقد النص نفسه ومتنه من خلال إظهار تناقضاته، ووفق هذا المنهج لا تثبت أحاديث كثيرة عند جمال البنا، مع أنها صحيحة ومشهورة، بسبب أنها تصطدم عنده بقواعد المنهج القرآني، إذ يرى أن كل كتب السنة تعج بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة بما فيها كتب الصحاح الستة، وعلى رأسها صحيحا البخاري ومسلم، أصح الكتب بعد كتاب الله في مذهب أهل السنة، وقد وضع كتاباً في نقدها و"غربلتها” من الموضوعات أسماه: "تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم". أما القرآن، فإنه يرفض كل التفاسير السابقة عليه، ويتحرر من آراء وأقوال واجتهادات من سبقه.
والإسلام الحضاري عند جمال البنا يرفض أطروحة الدولة الإسلامية. من فتاويه الحضارية:
إن المرأة لها حق الإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن، كما يرى أن الحجاب ليس فرضاً على المرأة وأن القرآن الكريم خص به نساء الرسول محمد، وأن الارتداد من الإسلام إلى اليهودية أو المسيحية ليس كفراً، استناداً إلى أن القرآن يقول (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
إلا ان بعض العلمانيين ينكرون انتماء جمال البنا للإسلام الحضاري ويعتبرونه يشكل المساحة الوسطى بين الإسلام الحضاري والعلمانية، فهو عندهم علماني بين الإسلاميين، وإسلامي بين العلمانيين، أو فقيه العلمانيين[8].
2) – في فكر دعاة الوسطية:
في بداية التسعينيات أصدر مجموعة من العلماء في مصر والعالم العربي بيانا عرف ببيان تيار الوسطية [9] الذي يحمل – في رأيهم- المرجعية الإسلامية من القرآن والسنة مع الاجتهاد في الوقع المعاصر لمواكبة المتغيرات الجديدة ، ضم هذا التيار شخصيات كانت تنتمي في الماضي لفكر القومية العربية والاشتراكية ، وشخصيات إسلامية التوجه من فرق مختلفة فضلا عن من انحاز إليهم من بعض العلماء المعاصرين لذين استند إليهم التيار في الفتاوى والتفسيرات المعاصرة ، في ظل هذا المحضن خرج مصطلح الإسلام الحضاري وازدهر معبرا عن نفسه في تجليات فردية[10] ومؤسسية ودولية على النحو التالي:
أ) _ الإسلام الحضاري هو الحل:
يعرف الد كتور عبد المنعم أبو الفتوح -عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين (الإسلام الحضاري) مفرقا بينه وبين الإسلام السياسي وبينه وبين الإسلام الصوفي- في رده على المستشرق الفرنسي المسلم "إريك جيوفروي”(المختص في الصوفية بجامعة لوكسمبورج بشمال فرنسا) –من أن المستقبل في العالم الإسلامي سيكون للتيار الصوفي ، قال ابو الفتوح:
لا يمكن للحركة الصوفية أن تكون بديلا عن الإسلام الحضاري ، ذلك أن الصوفية لا تزيد عن كونها منهجا للتربية الروحية ، وأنا أكرر: الإسلام الحضاري ولا أقول الإسلام السياسي ، ففكرة الإسلام السياسي مرفوضة لأنها تجزئ الإسلام تماما مثلما يفعل الإسلام الروحاني أو الصوفي ، ثم إن مصطلح الإسلام الحضاري أشمل وهو الحل الفارق بين المصطلحين "[11].
ب)- المعهد العالمي ومشروع الإسلام الحضاري :
تأسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن في بداية الثمانينات ثم انتقل إلى القاهرة بعد سنوات قليلة وتبنى الصياغات المعاصرة بالإسلام وأسلمة العلوم ثم دعا إلى الإسلام الحضاري من خلال مشروع أعدته كوادره البحثية للأمة[12] ، هذا المشروع استخدم ألفاظا ومصطلحات جديدة معاصرة غير المصطلحات الإسلامية التراثية مثل: (الرؤية الكونية – السقف الحضاري – المواكبة الحضارية – الظهور الحضاري – التفاعل الحضاري – التحالف الحضاري – التمايز الحضاري – الأمن الحضاري- الهبة الحضارية) ومصطلحات أخرى مثل (الأنا والآخر والذات الحضارية) حتى يتجنب (الاحتكاك الحضاري) الحساس في مسائل الإيمان والكفر والشرك والإلحاد عندا يتحدث عن اليهودي والنصراني والبوذي وغيرها من المسميات وكذلك حين يتحدث عن المسلمين. هذا المشروع يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه لكي برر التعاملات المعاصرة في الواقع الحاضر ويحاول اضفاء ما أسماه الأسلمة عليها ، فهو لا يطبق الإسلام على الواقع وانما يجعله اسلاميا بفتاوى ورؤى تستخدم مبادئ المصلحة والتوافق مع ذلك الواقع.
وعلى مستوى الجامعات تأسست ثلاث جامعات إسلامية مهمة هي «الجامعة الإسلامية العالمية» بماليزيا نشأت في 1983م, و«الجامعة الاسلامية”في لبنان سنة 1994م, و«جامعة العلوم الاسلامية والاجتماعية”في أمريكا سنة 1997م. تحاول هذه الجامعات أن تعالج ازدواجية التعليم بين النظام القديم والنظام الحديث, والقطيعة المعرفية بين العلوم الاسلامية والعلوم الانسانية والاجتماعية, وتشكيل عقلية الانسان المسلم الذي يتواصل مع العصر ولا يتخلى عن هويته[13].
يعرف أحد باحثي المعهد العالمي (الإسلام الحضاري) قائلا:
“هو رؤية موحدة للكون والوجود والإنسان، يحتمل أعلى درجات الصحة واليقين والشمول لتفسير الوجود بكل موجوداته لتقوم عليها نهضة حضارية للأمة "[14]
ويتساءل بعض المعترضين على هذا النهج ، هل هذا التعريف مختلف عن تعريف الإسلام كدين ومنهج حياة؟ وماذا اضاف مصطلح (الحضاري) لمسمى الإسلام؟ وماذا أفادنا تعقيد التعريف وطرحه في إطار فلسفي معقد ومائع وغير محدد سوى البلبلة والضبابية؟[15]
يوضح الباحث السابق – قاعدة الإسلام الحضاري بأنها ترتكز على (القرآن والسنة) ، ولكن مع ضرورة الاجتهاد والتنظير والتطبيق الجديد المعاصر لمبادئ القرآن والسنة. فضلا عن توسيع حركة الاجتهاد باشراك خبراء في العلوم المعاصرة المختلفة (السياسة – الاجتماع الاقتصاد علم النفس – البيئة – الخ) إلى جانب فقهاء الشريعة لإصدار الفتاوى والأحكام الإسلامية المتوافقة مع الحاضر. والإسلام الحضاري عنده يبرز دورا كبيرا للعقل من خلال فهم الوحي... هنا وبالتحديد نفهم المقصود بالحضاري.
3) – في تجربة النهضة الماليزية:
طرح رئيس وزراء ماليزيا(داتوا سري عبد الله أحمد بدوي) مشروعا لنهضة الأمة يقول:”إنها على هدي تعاليم الإسلام ، وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية ، ويسمى هذا المشروع بالإسلام الحضاري) وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا ، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة والإنسانية".كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي الأخرى المتواجدة حاليا كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية فضلا عن جماعات العنف والتكفير. ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة ، ومن أجل المساعدة على(دمجهم في الاقتصاد الحديث – "اقتصاد السوق ،والجات ،ومنظمة التجارة العالمية)- كما أنه يصلح أن يكون الترياق للتطرف والغلو في الدين ، وذلك لأنه يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام.
ويقول رئيس الوزراء الماليزي مطمئنا أمريكا والغرب عن مشروع الإسلام الحضاري الذي تطبقه حكومته: "الإسلام الحضاري ليس دولة دينية وهو لا يتعارض مع الديمقراطية الغربية وهو دين بلا سياسة يشمل كل البشر ويقبل كل الحضارات في منظومته”
ستتضح الصورة بشكل أكبر بعدما نتعرف على المبادئ العشرة للإسلام الحضاري وهي: (الإيمان بالله – الحكومة العادلة والأمينة "عن طريق الديمقراطية والحرية في الاختيار-حرية واستقلال الشعب- التمكن من العلوم والمعارف-التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة- تحسين نوعية الحياة- حفظ حقوق المرأة – حفظ حقوق الأقليات-القيم الثقافية الحميدة والأخلاق الفاضلة-حفظ وحماية البيئة- تقوية القدرات الدفاعية للأمة) أما مظاهر الإسلام الحضاري فيحددها في العالمية ـ الربانية ـ الأخلاقية ـ التسامح ـ التكامل ـ الوسطية ـ التنوع ـ الإنسانية.
عناصر الإسلام الحضاري، يحددها في عشرة عناصر هي (التعليم الشامل- الإدارة الجيدة-التجديد قي الحياة-زيادة جودة الحياة-قوة الشخصية-الحيوية والنشاط-الشمول والسعة-العملية والواقعية-الاستقلال وعدم التبعية-تعزيز المؤسسة الأسرية) ثم يحدد رئيس الوزراء الماليزي التحديات التي تواجه المشروع بست تحديات هي (الجمود والتقليد - التطرف – الانعزال والرهبانية-العلمانية-أحادية المعرفة-الضعف في إدارة الوقت)[16].
واضح أن هذا المشروع يصلح لأي دولة ولأي أمة مهما كانت عقيدتها فأين التميز الإسلامي في المشروع؟
4) – في فكر منظمة المؤتمر الإسلامي:
وافقت لجنة من كبار الخبراء بمنظمة المؤتمر الإسلامي على اعتبار مفهوم”الإسلام الحضاري "، الذي طرحه رئيس الوزراء الماليزي أمد عبد الله بدوي ، هو الأساس الذي تبنى عليه الخطط الرامية لإصلاح المنظمة التي تضم جموع المسلمين في أنحاء العالم. وذكرت وكالة الأنباء الماليزية "أن المناقشات شهدت جدلا قويا مفاده أن وقت إصلاح ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي قد حان ليكون مبررا في مواجهة الأوضاع العالمية المتغيرة[17].
وقد بررت لجنة الخبراء في المنظمة سبب قبولها للمشروع لأنه برنامجا وليس أيديولوجية جديدة ولا تيارا متطرفا في الفكر الإسلامي بل نجا جديدا لقيادة المسلمين لا يتعارض والواقع الإسلامي ولا يتعارض والواقع الدولي[18].
الفصل الثالث: نتائج دعوة الإسلام الحضاري
1) – استحداث ما يسمى ب (العلوم الحضارية الإسلامية)
2) – تفضيل الإسلام الحضاري على الإسلام السياسي
3) – نزع سلاح الإسلام في معارك الصراع الحضاري
4) – اغراق الإسلام “الحضاري “في الحوارات الثلاث:
أ) – حوار الحضارات. ب) – حوار الأديان. ج) – حوار الثقافات
1) – استحداث ما يسمى بالعلوم الحضارية الإسلامية:
أ) – اختراع ما يسمى (الفقه الحضاري) باعتباره علما شرعيا جديدا:
يطرح فيه الغرب تصوراته لتطوير الإسلام بما يتفق مع رؤاها، كتب أحد أدعياء الفكر الإسلامي الوسطى الحضاري يقول:"الفقه الحضاري فقه يعني بالأمور الكلية المطردة التي تشمل قطاعات كبيرة من البشر ، ربما تكتنف البشرية كلها ، وهو حسن الفهم للمسألة الحضارية برمتها وللمسائل المتفرعة عنها بما فيه من تكليف كلي وتنظيمات وتأسيسات داخل الحضارة الواحدة وفيما بين الحضارات[19]. والفقه الحضاري يبدأ بالقبول والاستيعاب الحضاري للقضايا والقيم والأفكار من الحضارات الأخرى مع الإدراك الحضاري لمنزلة قضايا الحضارات بين المقاصد والوسائل ، والعام والخاص ، والعالميات والخصوصيات ، إلى أن يصل هذا الفقه إلى توجيه السلوك البشري.) [20]
ب) – اختراع ما يسمى بعلم أصول الفقه الحضاري:
على غرار علم الفقه وعلم أصول الفقه في العلوم الإسلامية ، يقول أحد المتفيهقين حضاريا: (أصول الفقه الحضاري هي مصب لعدة عناصر:لناظم معرفي يتمثل في الجمع بين "قراءة الوحي وقراءة الكون “ولآليات توليد فكري عمادها "الاجتهاد والتجديد"،ولتكا