عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-01-2021, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رابطة الجوار بين الأدب والشرع



سيبلغها خيري ويرجع بعلها

إليها ولم تقصر عليها ستورها[12]










وهذا برذع بن عدي الأوسي يكشف عن سمو شرفه في صيانته زوجة جاره عن مكروه يجيئها منه فيقول:




فلا وإلهي لا يقول مجاوري

ألا إنه قد خانني اليوم برذع




وأحفظ جاري أن أخاتل عِرسه

ومولاي بالنكراء لا أتطلع[13]






الجار قبل الدار:



إن مما ينفع الإنسان قبل سكنى الدار أن يختار الجار، فمن أعظم السعادة أن يوفق المسلم لجار صالح؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع) [14].





قال بعض العلماء: لقد اختارت زوجة فرعون المؤمنة آسية بنت مزاحم عليها السلام الجارَ قبل الدار، كما قوله تعالى: ï´؟ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ï´¾ [التحريم11] [15].





قال الشاعر:




يقولون قبل الدار جار موافق

وقبل الطريق النهج أُنسُ رفيقِ[16]








وقال الآخر:




اطلب لنفسك جيراناً توافقهم

لا تصلح الدار حتى يصلح الجار[17]








إن من شقاء المرء أن يجاور جارَ سوء، والإنسان الصالح لا يضيق بشيء ذرعاً ضيقه بجار السوء الذي يسمع منه الخنا، ويلقى منه العناء، إن كلمه بالحسنى عاداه، وإن سكت على شره آذاه، عِيل صبُره، وضاق صدره، فاضطر إلى بيع داره، أو تحوّلَ عنه إلى سواه، خاصة في هذا الزمن الذي قلّت فيه المساكن وضاقت البيوت بمن فيها، فحين يرحل جار آذاه جاره، ويسأل عن سبب رحيله يقول:




يلومنني أن بعتُ بالرخص منزلي

وما علموا جاراً هناك ينغّص




فقلت لهم كفوا الملامة إنها

بجيرانها تغلو الديار وترخص[18]








أو يقول كما قال أبو الفتح الشدوني:




إذا ما الحرُّ هانَ بأرض قوم

فليس عليه في هرب جُناح




وقد هُنَّا بأرضكمُ وصِرنا

لقى في الأرض تذروه الرياح[19]








وإن أراد أن يصرّح يقول:




تنكّرَ من كُنّا نُسَر بقُربه

وعاد زعافاً بعد ما كان سَلسلا




وحُق لجار لم يوافقه جاره

ولا لاءمته الدار أن يتحولا[20].








ولضرر الجار السيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول)[21].





ومعناه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجار السيئ الملازم في الوطن المستقَر فيه، بخلاف الجار المؤذي الذي يبقى زمناً ثم يذهب كصاحب البادية ونحوه.





كان عمر رضي الله عنه يقول: " ثلاث كلهن فواقر: صديق إن أسديت إليه عارفة لم يشكرها، وإن سمع كلمة لم يغفرها، وجار إن رأى حسنة أخفاها، وإن عثر على سيئة أفشاها، وامرأة إن أقمت عندها آذتك وإن غبت عنها خانتك"، وكان يقال: "من جهد البلاء جار سوء معك في دار مقامة يلبس لك من البغضاء لأمة، لا ينجع فيه عتب ولا يرعوي لملامة"، ومن دعاء الأعمش: " اللهم إني أعوذ بك من جار تراني عيناه، وترعاني أذناه، إن رأى خيراً دفنه وإن سمع شراً أعلنه"، وقال لقمان لابنه: يا بني، حملت الحجارة والحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار سوء في دار مقامة[22].





فإذا ابتلي الإنسان بجار سوء يؤذيه فعليه أن لا يرد الإساءة بمثلها، بل يردها بالصبر والعفو، والإحسان وبذل المعروف. يروى أن رجلاً جاء ابنَ مسعود رضي الله عنه فقال: "إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق علي، فقال: اذهب، فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه"[23].





حدود الجوار:


إن الجوار الذي تعارف عليه الناس هو الجوار في المنزل الذي يعيش فيه الإنسان فحسب، وهذا مفهوم قاصر؛ فإن الجوار العام يشمل المجاور في الدار، أو في العمل أو المتجر أو المسجد أو الطريق، أو البلد،. ويعتبر الجوار بين الدول مثل الجوار بين الأفراد حيث يطلب فيه الإحسان وعدم الاعتداء، وما قامت الحروب بين الدول المتجاورة إلا بسبب انتهاك حقوق الجوار.





حقوق الجار على جاره:


إن للجار على جاره حقوقاً يجب الوفاء بها، وعدمُ التقصير فيها والتماطلِ في أدائها. ويتفاوت الجيران في استحقاق هذه الحقوق زيادة ونقصاناً؛ لاختلاف الروابط والعلاقات الزائدة على هذه الرابطة. فإن من الجيران من له حق، ومنهم من له حقان، ومنهم من له ثلاثة حقوق: فالأول: هو الجار الكافر، والثاني: هو الجار المسلم الذي ليس من الأقارب، والثالث: هو الجار المسلم القريب [24].





وهذه الحقوق -الآتي ذكرها- لا يرتبط أداؤها بصلاح الجار أو عدم صلاحه؛ بل تؤدى لجميع الجيران. قال ابن حجر: "واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه " [25].





إن حقوق الجوار كثيرة متعددة، قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والبيئة، ولكنها تعود إلى أصول جامعة تنضوي تحتها، ومن تلك الأصول:


1- كف الأذى عن الجار بجميع صوره وأشكاله، سواء كان أذى قولياً أم أذى فعلياً، مباشراً أم غير مباشر.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره) [26].





فمن الأذى: سلاطة اللسان بالسباب والشتائم والهمز واللمز، وهذا الأذى خطره على صاحبه كبير، فعن أبي هريرة رضي اللهعنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم: إن فلانة تصلي الليل و تصوم النهار، و في لسانها شيء يؤذي جيرانها؟ قال: (لا خير فيها، هي في النار). و قيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، و تصوم رمضان، و تتصدق بالأثوار-اللبن المجفف- و ليس لها شيء غيره، و لا تؤذي أحداً قال: (هي في الجنة) [27].





الله أكبر! إنه فرق شاسع بين المرأتين، وجزاء شديد لمن يؤذي الجيران بلسانه، وإنْ أكثر من العمل الصالح، وإنه جزاء عظيم في الخير لمن أحسن المعاملة ولم يؤذِ الخلق، وإن قل عمله.





ومن الأذى: التعدي على أرض الجار وحدود بيته والسطو على ممتلكاته، وهذه صورة مشاهدة عند بعض الجيران أورثت أحقاداً ومشكلات وصلت إلى آثار خطيرة.





ولو تأمل الجار المتعدي- وكان عنده إيمان- في عقوبة ذلك لانكف عن هذا الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) [28].





ومن الأذى: وضع القاذورات في طريقه ومضايقته فيها، وتسليط الزوجة أو الأولاد لإيذائه أو إيذاء أهل بيته، وإزعاجه بالأصوات المؤذية من أجهزة المسجل وغيرها.





ومن الأذى: هجره وقطعه، وحسده في نفسه أو زوجته وأولاده، أو في وسائل راحته، وسعة دنياه.





ومن الأذى: احتقاره والسخرية منه: بمأكله أو مشربه، أو ملبسه أو مسكنه، أو خَلقه أو خُلقه





قال حسان رضي الله عنه:




فما أحدٌ منا بمهدٍ لجار

أذاةً ولا مُزرٍ به وهو عائد

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]