
03-01-2021, 04:46 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,863
الدولة :
|
|
رابطة الجوار بين الأدب والشرع
رابطة الجوار بين الأدب والشرع
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
إن الأيام والليالي عِبرٌ تتوالى؛ لتربي الإنسان على الرشُد، وتلقِّنه دروس الحكمة والنضج.
ومن عبر الزمان ودروسه النافعة: أن أصدقاء الإنسان أيام نعمته: - أيام صحته وغناه وجاهه وقوته - كثير، وأن أصدقاء محنته قليل.
وأن الإنسان - مهما علت منزلته في الدنيا بالجاه أو المال أو القوة - محتاج إلى غيره، ولا يمكن أن يستغني بنفسه عن حاجته للآخرين، فالقريب محتاج إلى قريبه، والزميل إلى زميله، والصديق إلى صديقه، والجار إلى جاره، وإن حصل التفاوت بين هؤلاء في أعراض الدنيا وأسباب القوة فيها.
وهذه الحياة ميدان فسيح، تربط بين ساكنيه أواصر وروابط، وصلات ووشائج، فهناك رابطة القرابة، ورابطة النسب والمصاهرة، وهناك رابطة الصداقة والزمالة، وهناك رابطة الجوار، وغيرها من الوشائج والعلائق، وعلى هذه الروابط تقوم الأمم وبها تتكون الممالك والدول، ومتى ما قامت هذه الروابط على أساس من الدين، استمر بقاؤها وزاد نماؤها، وصارت تلك الأمة التي شِيد بنيانها عليها منيعةَ الجانب، عزيزة المكانة، مهيبة القدر.
اهتمام الإسلام برابطة الجوار:
إن من بين تلك الروابط التي دعا الإسلام إلى الاعتناء بها، والوفاء بحقها: رابطة الجوار. فقد اهتم الإسلام بها أيما اهتمام، وأولاها آداباً وحقوقاً تضمن لها الديمومة والبقاء، وجعل الله تعالى حق الجوار من الحقوق العشرة التي أمر بالإحسان فيها، فقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾ [النساء36].
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾، يعني الذي بينك وبينه قرابة، ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ الذي ليس بينك وبينه قرابة، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة، وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله: والجار ذي القربى: يعني الجار المسلم، والجار الجنب يعني اليهودي و النصراني، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود: والجار ذي القربى يعني المرأة وقال مجاهد أيضاً في قوله: والجار الجنب يعني الرفيق في السفر" [1].
ومما يدل على اعتناء الإسلام بهذه الرابطة: أن جبريل عليه السلام- كان كثير الوصية لرسول الله بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) [2].
قال ابن حجر رحمه الله: " أي: يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره. واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل: يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم معطاه مع الأقارب، وقيل: المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أظهر؛ فإن الثاني استمر، والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع. ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ " حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا " وقال ابن أبي جمرة: الميراث على قسمين حسي ومعنوي، فالحسي هو المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضا فإن حق الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه والله أعلم" [3].
تعظيم رابطة الجوار عند أهل الجاهلية:
لقد كانت هذه الرابطة مفخرة إنسانية عربية قبل أن تكون مفخرة إسلامية؛ لأنها تنبع من التمسك بالأخلاق الكريمة التي كانت موجودة بين الناس في ذلك الوقت، ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [4]. ولهذا كلما تلاشت الأخلاق الحسنة والقيم الحميدة في أي مجتمع ذهب أداء حق الجوار كما ينبغي.
و المتأمل بيننا -نحن المسلمين- في عصرنا المتحضر يجد ذوبان هذه الرابطة يوماً بعد يوم، خصوصاً في المجتمعات المدنية والأحياء الراقية، حيث صار الجار لا يعرف من يسكن بجواره، ولا يدري عن أحواله، وقد يجاور جاره سنين طويلة ثم يموت، وجاره القريب منه لا يعلم! ولا شك أن الأوضاع القروية أحسن بكثير مما عليه الحواضر والمدن.
"عن أبي حازم بن دينار أنه قال: كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم، وهذا قائلهم يقول
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره
ألا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت
حتى يواري جارتي الخدر[5]"
لقد كان العربي في الجاهلية يفتخر بإحسانه إلى جاره، ويعتز بثناء جاره عليه، خصوصاً إذا كان الجار ضعيفا. فيصير بهذه الرابطة قوياً بعد الضعف، وعزيزاً بعد الذلة، وغنياً بعد القلة، قال السموأل بن عادياء:
تعيِّرنا أنا قليلٌ عديدُنا
فقلتُ لها إن الكرام قليل
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا
عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتلّه من نُجيره
مُنيف يردُّ الطرفَ وهو كليل[6]
ويتمدّحون بكف الأذى عن الجار حيث يقول هدبة بن الخشرم:
ولا نخذل المولى ولا نرفع العصا
عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا[7]
وإذا أصاب الهوانُ جارَهم تألموا لذلك، وعدّوه فاقرة من الفواقر، قال لبيد:
وإنّ هوانَ الجار للجار مؤلمٌ
وفاقرة تأوي إليها الفواقر[8]
والعجير السلولي يرى أن جاره حينما يذهب عن أهله لا يشخص هو أمام داره، ودليل ذلك أن كلاب ذلك الجار تنبحه لو بدا؛ لكونها غير معتادة على مجيئه، ويتحدث عن صيانته لحرمة جاره بأن جارته تأمن مطالعته إن مرت بجانب بيته، ولا تخشى أن يداهمها
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|