حوار هادئ مع أطروحات فكرية حول مشاركة النصارى وتهنئتهم بأعيادهم (pdf)
خباب بن مروان الحمد
• جواب أطروحة: (ما المانع من بذل الهدية لهم أو قبول هديتهم يوم عيدهم؟):
قال لي مُحاوري: لن أذهب ولكن سأهديهم هدية..
فقلت له: الأصل جواز إهداء النصارى وغيرهم من المشركين وقبول هديتهم؛ فقد بوَّب البخاري في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، ونقل فيه عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ، وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ وذكر قصة اليهودية وإهداءها الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم.
لكن أن تهديهم ذلك في يوم عيدهم مُخصِّصَاً لهم بذلك؛ فهو حرام؛ لأنَّه من قبيل التعاون على الإثم والعدوان؛ فقد قال الحافظ الزيلعي الحنفي: "(والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز ) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر، وقال أبو حفص الكبير رحمه الله: لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز، وأهدى لبعض المشركين بيضة، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر، وحبط عمله. وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر، ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم، ولكن ما اعتاده بعض الناس لا يكفر، ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة، ويفعله قبله أو بعده، كي لا يكون تشبها بأولئك القوم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم)، وقال في الجامع الأصغر: رجل اشترى يوم النيروز شيئا، لم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر "[42].
وقال العلَّامة سحنون المالكي: " لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له"[43] و"كره ابن القاسم - المالكي - أن يهدي للنصراني في عيده مكافأة له، ونحوه إعطاء اليهودي ورق النخيل لعيده"[44].
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي: "من أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون"[45].
وعند الحنابلة: " ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه، ومهاداتهم لعيدهم "[46].
وقال الإمام ابن تيمية: "فأما بيع المسلمين لهم (أي للكفار) في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم"[47].
وأمَّا بشأن قبول هديتهم التي خصُّوك بها يوم عيدهم...
فإنّ هذه المسألة مِمَّا اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من يقول بجوازه؛ مع تأكيد عدم جواز قبول ما هو من المحرَّمات كالخمر أو الخنزير أو ما ذبحوه على غير ما ذُكِرَ فيه اسم الله.
واحتجُّوا أنَّ امرأة سألت عائشة - رضي الله عنها - قالت إن لنا أظآرا من المجوس وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا؟ فقالت عائشة: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم[48].
وأنَّه كان لأبي برزة سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان؛ فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه وما كان من غير ذلك فردوه[49].
ومعلوم أنَّ هؤلاء القوم لاتكون ذبيحتهم حلال لأنها لم يُذكر اسم الله عليها؛ فليسوا بأهل كتاب؛ أمَّا الأكل من الأشجار كالفواكه والخُضر مِمَّا أهدي لهم فلا مانع منه.
ولهذا القول مال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقد قال: "وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها - ثمَّ قال بعد سطور - فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء، لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم"[50].
وهنالك من أهل العلم من قال: إنَّ قبول هديتهم محظور ومحرَّم؛ فقد قال ابن النحاس -رحمه الله-: " واعلم أن أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم في مأكلهم وأفعالهم والهدية إليهم وقبول ما يهدونه من مأكلهم في أعيادهم، وقد عانى هذه البدعة أهل بلاد مصر، وفي ذلك من الوهن في الدين، وتكثير سواد النصارى والتشبه بهم ما لا يخفى. وقد تكون المهاداة في الأعياد سببا للتأليف بينهم وبين ما يهدون إليه من المسلمين وتربية المودة والمحبة. وقد قال تعالى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة الآية: 22]، فالواجب على كل قادر أن ينكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها "[51].
وكان مُفتي قرطبة العلاَّمة محمد بن عتَّاب الأندلسي يَنْهَى عن أَكْلِ لُحومِ ما ذُبِحَ لأَجْلِ يومِ النَّيروز، ويقول: هو ممَّا أُهِلَّ بِهِ لغيرِ اللهِ تعالى، ويكرهُهُ أَشَدَّ الكراهة ولا يُحِبُّهُ - أو قال: - ولا يُبِيحُهُ[52].
ومع أنَّ لشيخ الإسلام رأيا سبق ذكره في جواز قبول هديتهم؛ إلاَّ أنَّ له قولا آخر ميَّال لحظر قبول هديتهم؛ فقد قال: "من أهدى (للمسلمين) هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد، لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم. وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه"[53].
وجاء عن علي أنَّه "كان لا يقبل هدية النيروز"[54]؛ وقال زرارة بْن أوفى: "لا يبلغني عن رجل يأخذ في النيروز والمهرجان شيئاً إِلَّا أبطلت شرطه الذي كان شارط عليه الغلمان"[55].
والذي يظهر من مُجمل هذه الأقوال التي ذكرتها؛ بعد ذكر أصل وجود الخلاف الفقهي في الاختيار بين التجويز والتحريم؛ ما يلي:
1- عدم قبول هدايا المشركين من ذبائحهم في يوم عيدهم.
2- عدم قبول هدايا أهل الكتاب من ذبائحهم إن كان معلوما أنَّها لم تُذبح وإنَّما خنقت أو صُعقت.
3- جواز قبول هدايا المشركين والمجوس من غير الذبائح؛ فيما ليس فيه معصية لله كالخمر والخنزير وغيرها من المحرَّمات التي لا تقبل في العيد ولا غيره.
4- تحريم قبول هديتهم إن كان مقصدهم مشاركة المسلم معهم فيها؛ أو أن يقصد المسلم بقبول هديتهم مشاركتهم واحتفاله معهم بها؛ كأن يهدونه طربوشاً لبابا نويل أو شيئاً من خصائص أعيادهم كشجرة الميلاد.
5- ألا ينشأ من هذه الهدية مودَّتهم ومحبَّتهم بميل القلب لهم.
6- ألا يقبل هذه الهديَّة من باب تعظيمه لأعيادهم لأنَّ ذلك كفر بالله تعالى.
• جواب أطروحة: (أحضر بنيَّة صالحة، ولا أتبنَّى مقاصدهم ونيَّاتهم):
قال لي الشاب: وما الإشكال إن حضرت لقصد حسن الجوار لجيراننا النصارى وشركائنا في الوطن، فما دام أنَّ الله تعالى يعلم مني أني مسلم ولا أؤيد النصارى في كفرهم، فما المشكلة في حضوري فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إنَّما الأعمال بالنيات)؟
فقلت له: ما أكثر ما ظلم الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرته: (إنّما الأعمال بالنيات)، ثمَّ إنَّ أي عمل يقوم به الرجل ويكون عملاً صالحاً فلا بد أن يتوافق فيه شرطان أساسيان: إخلاص النيَّة، وصلاح العمل بموافقته لسنَّة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم.
فدعنا يا أخي ننظر في أمرك الذي قلته قبل قليل: فموضوع إخلاص العمل مختلف عما تقوم به، حيث إنَّك تذهب لمشاركة النصارى في عيدهم الذي سيكون فيه شيء من ذكر كفرياتهم، وشهود زورهم، وسماع خرافاتهم وأباطيلهم، فأي إخلاص في هذا العمل؟ بل لو أنَّك أخلصت القصد فيه لأثمت وضللت! لأنَّك ستكون مِمَّن كان مخلص النيَّة والقصد في حضور هذه الأقوال التي يقولها أولئك الكفَّار، فهل أنت ستوافقهم على أقوالهم؟
قال ذلك الشاب: اللهم لا!
قلت له: فلا معنى لاستشهادك بحديث: (إنَّما الأعمال بالنيات)، بل قد أجاب الإمام الذهبي على مثل كلامك سابقاً؛ فقال: "فإنْ قال قائلٌ: إنَّا لا نقصد التَّشبُّه بهم، فيقالُ له: نفس الموافقة والمشاركة لهم في أعيادهم ومواسمهم حرامٌ، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها "[56] وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّها تَطلُعُ بين قرنَي شيطان، وحينئذ يسجد لها الكُفَّارُ"[57] والمصلي لا يقصِدُ ذلك، إذ لو قصده كَفَرَ، لكنَّ نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام"[58].
ثمَّ قلت لذلك الشاب: إنَّ النيَّة قد تكون طيبة، ولكنَّها لا تشفع لصاحبها إن كان في ذلك المكان الذي يريد حضوره ما يُغضب الرحمن، ولعلَّ مِمَّا يحسن إيراده هنا؛ ما رواه ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد"، قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم "[59].
يتبع