3- احتمال النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي نذرت إن نجاه الله أن تضرب على رأسه بالدف[39]، فرخص لها لما في إعطائها ذلك الحظ من فرحها بمقدمه الذي هو زيادة في إيمانها ومحبتها لله ورسوله الذي ضرب الدف فيه كقطرة سقطت في بحر.
ومن التطبيقات على هذه القاعدة:
1-إذا تترس الكفار بأسرى من المسلمين فلا يجوز رميهم إلا أن يخشى على جيش المسلمين، فيجوز احتمال مفسدة رميهم لدفع مفسدة أعظم وهي هلاك الجيش المسلم[40].
2-كان ابن تيمية يكف أصحابه عن الاحتساب على التتريين أعداء المسلمين لشربهم الخمر؛ لأن حال صحوهم أشد ضرراً على المسلمين من حال سكرهم.
ويقول في ذلك: زوال عقل الكافر خير له وللمسلمين، أما له فلأنه لا يصده عن ذكر وعن الصلاة، بل يصده عن الكفر والفسوق... وليس هذا إباحة للخمر والسكر، ولكن دفع لشر الشرين بأدناهما[41].
3-احتمال السلطان الناقص الأهلية لفوات بعض شروط الإمامة في حقه؛ لما في تركهم بلا إمام مفسدة عظمى من ضياع الأنفس والأموال وثوران الفتن.
قال الشاطبي: لأنا بين أمرين، إما أن يترك الناس فوضى وهو عين الفساد والهرج، وإما أن يقدموه فيزول الفساد بتة[42].
الهجر وإن كان في بعض الأحيان أنفع لبعض الناس من التأليف، إلا أنه أحياناً قد تكون المصلحة في تركه إعمالاً لهذه القاعدة، فمع كون تركه يقتضي مفسدة هي ترك الاحتساب عليهم، لكن لما كان في ذلك دفع مفسدة أعظم وهي تماديه في الشر والضرر وتعاونه مع عدو آخر ونحو ذلك؛ كان التأليف في حقه أولى من الهجر[43].
وهنا ينبغي التنبه إلى أن ما يفعله المسلم من ارتكاب المفسدة الصغرى لدفع ما هو أعظم منها لا يسمى شراً، بل هو مطلوب منه[44].
قال ابن القيم: وهل الاستعانة على الحق بالشيء اليسير من الباطل إلا خاصة الحكمة والعقل، بل يصير ذلك من الحق إذا كان معيناً عليه؛ ولهذا كان لهو الرجل بفرسه وقوسه وزوجته من الحق؛ لإعانته على الشجاعة والجهاد والعفة. والنفوس لا تنقاد إلى الحق إلا ببرطيل، فإذا تبرطلت بشيء من الباطل لتبذل به حقاً وجوده أنفع لها وخير من فوات ذلك الباطل؛ كان ذلك من تمام تربيتها وتكميلها، فليتأمل اللبيب هذا الموضع حق التأمل فإنه نافع جداً[45].
ومما يحسن في هذا المقام أيضاً لإيضاح مجال القاعدة أكثر، أن نذكر في شأنها مثالين؛ قديم ومعاصر:
أما المثال القديم: فما جرى في تاريخنا الإسلامي من أمر الفتنة، ومن ذلك:
ما حدث في الفتنة بين أهل الشام وابن الزبير بمكة لما احترق البيت المعظم بسبب غزو أهل الشام لمكة، ثم استغلال ابن الزبير رضي الله عنه لهذا الحدث بتجريء الناس على أهل الشام واستشارته لهم في إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصنع بها، ونهي ابن عباس رضي الله عنهما له عن ذلك وأن يكتفي بترميمها وإصلاح ما وهى منها فقط درءاً للفتنة، لكن ابن الزبير مضى على ما أراد وأعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فلما توفي أمر عبد الملك بن مروان أن تنقض وتعاد على هيئتها.
فيقال في هذا الموقف: إن أهل الشام لم يقصدوا إهانة البيت العتيق، وإنما كانوا يقصدون ابن الزبير وأصحابه، ولو أنهم أعملوا هذه القاعدة لتلافوا شراً كثيراً، بل إن عبد الملك بن مروان أراد الرجوع عن قتاله لولا أن الحجاج قال له: إني رأيت في منامي أني أخذت ابن الزبير فسلخته، فابعثني إليه، وولني قتاله. فبعثه. فلينظر العاقل كيف لو مضى الأمر على ما همَّ به عبد الملك، لحقنت الدماء وكفي المسلمون شراً عظيماً.
ومما يدل على عدم إرادة أهل الشام الإفساد، ما كان من عبد الملك، فإنه ندم على أمره بنقض البيت كونه ما علم بالحديث النبوي في ذلك، فلما تأكد قال: وددت أني تركته وما تحمّل. يعني ابن الزبير[46].
وأما المثال المعاصر، فنذكر صورتين:
الصورة الأولى:
قام أحد العلماء الدعاة بزيارة مدرسة للمسلمين في سنغافورة عام 1406هـ، وذكر كيف توفرت لهم أرض في موقع متميز وسط الحي التجاري فبنوا عليها المدرسة، فأخبروه بأن ذلك من أوقاف المسلمين وأن حاكم تلك البلاد، وهو كافر، خيّرهم بين أن يبيعوها أو يبنوها، فلا يصح أن تبقى مهملة، فاختاروا بناءها، ثم ساعدهم هذا الحاكم بالدعم المالي وسهل جميع الإجراءات الرسمية حتى أتموا البناء، يقول: ففوجئت بسائل بعد محاضرتي لهم يسأل: كيف السبيل لإقامة حكومة إسلامية في سنغافورة؟ وسبب هذا السؤال أنه جاء إلى هذه البلاد مبعوثان: واحد من أفغانستان حدثهم بأحاديث الجهاد وحرضهم عليها، وآخر من إيران حدثهم عن الثورة الخمينية والحكومة الإسلامية! فوجه العالم إليهم نصيحة بأن يتركوا الانشغال بهذه المسائل، وبيَّن لهم أنهم في وسط حكومة عادلة وإن كانت كافرة، وأن واجبهم الدعوة للسنغافوريين بالحسنى، وأما الجهاد والحكومة الإسلامية فلو فكروا فيها ربما قضي عليهم بسبب ذلك[47].
الصورة الثانية:
في أيام رئيس جنوب إفريقيا (نلسون مانديلا)، قام هذا الرئيس بجمع زعماء المسلمين في بلده وطلب منهم تشكيل حزب يمثل المسلمين في البرلمان، ليطالب بسنّ القوانين الخاصة بالمسلمين، فاختلف المسلمون في اقتراح هذا الرئيس النصراني العاقل العادل، فكان رأي الفريق المتعقل هو تنفيذ الاقتراح ما دام يمكّن للمسلمين ممارسة الشعائر الدينية وتطبيق ما أمكن من أحكام الشريعة، فلا ضير حينئذ من قبول حكمه، وهم في ذلك كله حكمهم حكم الصحابة تحت حكم النجاشي النصراني العادل[48]، ولا أجدني بحاجة إلى التعليق على ذلك، أو إيجاد العلاقة بين ذلك وقاعدة الباب.
القاعدة الرابعة:ينزل الضرر في المآل منزلة الضرر في الحال
هذه القاعدة جزء من نظرية اعتبار المآلات في الشريعة، بل هي أحد أعمدتها وأركانها.
والمقصود منها أن المفسدة التي يراد دفعها قد لا تكون بالضرورة حالة حاضرة، وإنما يتوقع حصولها في المستقبل، وعليه فما أفضى إلى الضرر في ثاني الحال (المستقبل أو المآل) يجب المنع منه في ابتدائه.
قال الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد النظر إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل[49].
ومن التطبيقات على القاعدة تحريم الوسائل المباحة في الأصل إذا كانت تفضي إلى محرم.
قال القرافي: والمعهود في الشريعة دفع الضرر بترك الواجب إذا تعين طريقاً لدفع الضرر[50].
ومما يتصل بهذه القاعدة ما أثر عن ابن عباس أنه أفتى رجلاً سأله عن قاتل المؤمن متعمداً هل له توبة؟ فقال: لا، إلا النار! فقيل له في ذلك، فقال: إني لأحسبه رجلاً مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً.
فلما تحققوا من أمره وجدوه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما[51].
ومما له علاقة بموضوع الفتن في ضوء هذه القاعدة: نهي العلماء عن معصية الخروج على ولاة الجور والظلم عند عدم وجود المبيح لذلك، وحتى لو وجد المبيح مع عدم القدرة فلا يجوز الخروج؛ فإن من تأمل وقائع التاريخ في وقوع الفتن المتتالية من جراء الخروج والحروب فإنها ما جلبت على المسلمين إلا الويلات والبلاء والشر، ومن هنا فتطبيقاً للقاعدة يلزم المنع منه في ابتدائه لما يفضي إليه من الضرر في ثاني الحال.
ويشبه ذلك ما فعله علي رضي الله عنه من تأخيره إقامة الحد على قتلة عثمان لما توقعه من حدوث ما هو أكثر شراً في المآل[52].
القاعدة الخامسة:فوات الشيء إلى ما هو أنفع منه لا يعد فواتاً[53]
هذه القاعدة نافعة في باب التعارض الذي يكون في الحسنات فيما بينها، أو السيئات فيما بينها؛ فعند تعارض حسنتين لا يمكن الجمع بينهما تقدم أحسنهما بتفويت المرجوح، وعند تعارض سيئتين لا يمكن الخلو منهما تدفع الأسوء باحتمال الأدنى، وهذا قد تقدم الكلام عنه، وعند تعارض حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما بحيث فعل أحدهما مستلزم لفعل أو ترك الآخر، فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة. ومثال تعارض الحسنتين كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية؛ فقضاء الدين مثلاً إذا كان مطالباً به قدم على صدقة التطوع، ونفقة الأهل تقدم على نفقة الجهاد الذي لم يتعين. ومثال تعارض حسنة وسيئة كتقديم المرأة المهاجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب، وتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب.
وهذا الباب – أعني باب التعارض - باب واسع جداً ويزداد تعارضه في الأمكنة والأزمنة التي نقصت فيها آثار النبوة، وازديادها - بسبب نقص الفهم والعلم وآثار النبوة – من أسباب الفتنة بين الأمة.. فينبغي تدبر هذا الموضع، فقد يترك العاقل واجباً دفعاً لوقوع معصية عظيمة الفساد، فمثلاً: قد تترك واجب رفع المذنب إلى السلطان الذي ربما تعدى عليه في العقوبة بما هو أعظم ضرراً من ذنبه، وقد تترك الاحتساب على بعض المنكرات لما يفضي إليه الاحتساب من ترك لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكر، فيسكت عن الاحتساب خوفاً أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. وهذا ما يجعل العالم الرباني تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن ذلك كله في القضية الواحدة أو القضايا المتشابهة.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الأمر الذي فات مراعاة لما هو أنفع منه لا يوصف بأنه واجب متروك، بل قد صار غير واجب، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركاً لواجب في الحقيقة. كما أن فعل الأدنى من المحرم لدفع الأعظم لا يسمى فاعله مرتكباً لمحرم في الحقيقة. وكونه يسمى فعل محرماً أو ترك واجباً إنما هو باعتبار الإطلاق، وهذا لا يضر، فهو إنما فعل أو ترك لعذر وللمصلحة الراجحة[54].
القاعدة السادسة:الدفع أسهل من الرفع
يطلق الفقهاء هذه القاعدة ويريدون بها أن ما أمكن دفعه ومنع تأثيره في الفعل ابتداءً أولى من التمادي فيه حتى يقوم المانع ثم يبذل الجهد في رفعه، ذلك أن الدفع يكون قبل وقوع المانع فكان أقوى وأسهل، فإذا وقع المانع ضعف رفعه[55].
فالاحتراز للفعل من بدايته بمنع ما قد يؤثر فيه سلباً أولى من التساهل والتمادي المؤدي إلى التلبس بالمانع المؤثر ثم محاولة قطع أو رفع هذا المانع.
فالدفع منع وجود، والرفع إزالة موجود.
ألا ترى أن وجود الماء قبل الصلاة للمتيمم يمنع الدخول فيها، بينما لو لم يره إلا في أثنائها لم يبطلها.
وعلاقة القاعدة بموضوع الفتن أنه ينبغي الانتباه للأسباب المنشئة للفتن والمثيرة لها، فإن السعي في إخمادها في مهدها ومنع مباديها أيسر من الاجتهاد في رفعها وإزالتها إذا تمادت واشتعلت نارها.
ومن هنا شرع الصلح عند الخصومة، وسماه الله خيراً[56]، وهو مادة قوية لحسم النزاع في أوله؛ لأن إغفاله يؤدي إلى فساد ذات البين، وهي التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم: الحالقة[57].
الاتجاه الثالث:
واجب المسلم وموقفه عند الفتن
تكمن خطورة الفتن في تعدد أشكالها وصورها، فصار لزاماً على العاقل الساعي في نجاة نفسه أن يسعى جاهداً للحذر منها واتقاء شرها، وأن يسلك سبل الفرار منها، كما قال تعالى {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50]، فأسباب النجاة من الفتن ترجع إلى سببين رئيسين، هما:
1- التسلح بالعلم.
2- التسلح بالصبر.
فالأمر الأول فيه سد لباب الشبهات، وهذه الفتنة، أعني فتنة الشبهات، هي التي تناقض الدين، وأسوأها: الشرك بالله، والإعراض عنه وعن رسوله.
والأمر الثاني فيه سد لباب الشهوات، وهذان البابان هما أساس كل فتنة.
وأما موقف المسلم من الفتن وما يجب عليه تجاهها، فيتلخص في التالي:
3- الاعتصام بالكتاب والسنة.
4- لزوم الجماعة ونبذ الفرقة والاختلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه، وصلواته، وسعادة الدنيا، وبياض الوجوه. ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم[58].
ولو تتبعنا الأحكام التشريعية في الإسلام لوجدناها خادمة لهذا الأصل، فكثير من العبادات ينطوي فيها معنى الاجتماع والتآلف، وكثير من البيوع والمعاملات المحرمة إنما حرمت لحسم مادة الفرقة والاختلاف والشحناء والبغضاء بين المسلمين[59].
والمراد بالجماعة ما وافق الحق وطاعة الله[60]، ويراد بها أيضاً المعنى الخاص الذي هو جماعة المسلمين التي لها إمام موافق للشرع تلزم بيعته[61].
فليس العبرة في الجماعة جمهور الناس، إنما العبرة بمن كان موافقاً للحق ومشى على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال ابن القيم: وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكان القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون[62].
إذن فلزوم الجماعة من أكبر المنجيات من الفتن، وما فرح الشيطان وأولياؤه من الجن والإنس بشيء أشد من فرحهم بالفرقة والتحريش بين المسلمين[63].
بل إن من قواعد الدين العظيمة أن فعل المفضول لجلب مصلحة الموافقة والتأليف أولى من فعل الفاضل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المفضول قد يصير فاضلاً لمصلحة راجحة، وإذا كان المحرم قد يصير واجباً للمصلحة الراجحة، ودفع الضرر؛ فلأن يصير المفضول فاضلاً لمصلحة راجحة أولى[64].
وقال في موضع آخر: ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا[65].
وإذا كان هذا في المستحبات والعبادات ونحوها، فلأن يكون فيما من شأنه استقرار أمر الناس أولى، فيجوز نصب المفضول إماماً للناس مع وجود الفاضل خوف الفتنة.
فأنت ترى كيف راعت الشريعة الإسلامية بهذه القاعدة أولوية الجماعة والائتلاف على الفرقة والاختلاف ولو بترك المستحب والفاضل.
ولكن هل يعني لزوم الجماعة أن لا يحصل خلاف بينهم؟ هذا متعذر، لكن الخلاف الحاصل مقبول؛ لأن غايته الوصول إلى الحق، ومحله الفروع لا العقائد[66].
إلا أن هنا أمراً جديراً بالعناية، وهو أهمية التوازن في هذا الباب، لأن بعض الناس وسع مفهوم الجماعة حتى أدخل فيه من ليس منهم من أهل الفرق والبدع والضلال من المعتزلة والرافضة والأشاعرة.
وبعضهم قد قصر فيه وضيق حتى أخرج طوائف من دائرة السنة والجماعة، وهم أئمة في الفقه والحديث، بحجة وقوعهم في أخطاء ربما وسعها الخلاف، غير أنهم لم ينطلقوا فيه من أصول أهل البدع، بل هي اجتهادات منهم رحمهم الله[67].
فالمطلوب هو التوازن وعدم الغلو في جانب على حساب جانب آخر، وكلا الجانبين من مقاصد الشريعة، وهما أصلان عظيمان: اتباع السنة ولزوم الجماعة، فلا ينبغي التفريط في أحدهما.
3- الالتفاف حول العلماء الربانيين.
ومصداق ذلك ما حصل في تاريخ الأمة حين أعز الله الإسلام بأبي بكر الصديق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.
4- الحذر من شهوة حب الصدارة.
فيظن أنه قد استغنى عن أهل العلم، وهجيراه هم رجال ونحن رجال، فإنها القاصمة.
5- التأني وعدم العجلة.
فعند ورود الفتن تحتاج الأمة إلى بصر نافذ، وعقل راجح، ولا يعجل بإصدار الأحكام، أو تنزيل بعض أحاديث الفتن على الواقعة التي نزلت، فيقع في التناقض والحرج بعد ذلك.
6- الكف عن الشائعات.
فإنها سلاح فتاك، فإذا ضاق الخناق على الفتنة جاءت الشائعات توسعه، وجاء المرجفون لزعزعة أمن الناس يذيعون الأخبار الكاذبة، ويشيعون الخوف في المجتمع.
فعلينا أن نحذر جميعاً من أسباب الفتن والفساد، وأن نحذر من شق عصا المسلمين، وتفريق جماعتهم، ولا نركن إلى الدعوات المضللة، والصيحات الشاذة، والحذر من تطويع مصلحة العامة لمصلحة شخصية تجر الويلات على الأمة.
والله المسؤول، وهو المأمول أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[1] المراد بفقه الأولويات المعرفة بمراتب الأعمال ووضع كل شيء في مرتبته بتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير ابتداءً أو عند التزاحم، وذلك من خلال الاستنباط من الأدلة ومعقولها ومقاصدها.
وممن كتب في هذا الموضوع أو تكلم فيه:
- القرضاوي في كتابه فقه الأولويات، دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة، طبع المكتب الإسلامي.
- الوكيلي في كتابه فقه الأولويات، دراسة في الضوابط، طبع المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
- محمد همام عبد الرحيم في كتابه تأصيل فقه الأولويات، دراسة مقاصدية تحليلية، طبع دار العلوم.
[2] مدارج السالكين – محمد بن أبي بكر بن القيم - تحقيق محمد حامد الفقي - دار الكتاب العربي - بيروت - 1/89.
[3] اقتضاء الصراط المستقيم - أحمد بن تيمية – تحقيق د. ناصر العقل - ط 6 - سنة 1998م - دار العاصمة - السعودية - ص 28.
[4] مدارج السالكين – ابن القيم - 1/225.
[5] انظر: مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي لعبد الكريم بكار - دار القلم - ط 1 - 1420هـ - دمشق - ص 42.
[6] انظر: أثر المنهج الأصولي في ترشيد العمل الإسلامي لمسفر بن علي القحطاني - ط 1 - 2008م - الشبكة العربية للأبحاث والنشر - ص 81.
[7] صحيح البخاري – كتاب فضائل القرآن - باب تأليف القرآن – حديث رقم (4993).
[8] انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 27/40.
[9] المصدر السابق 27/39.
[10] انظر إعلام الموقعين عن رب العالمين - محمد بن أبي بكر بن القيم – تعليق طه عبد الرؤوف سعد - دار الجيل - بيروت - 1/38.
[11] تفسير القرآن العظيم – إسماعيل بن كثير - طبعة الشعب - القاهرة - 1/477.
[12] أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم (4347).
[13] متفق عليه واللفظ لمسلم حديث رقم (51).
[14] أخرجه البخاري حديث رقم (11).
[15] أخرجه أبو داود في سننه حديث رقم (2433).
[16] أخرجه البخاري حديث رقم (4477).
[17] أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5602) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[18] أخرجه البخاري حديث رقم (3957).
[19] راجع مادة (فتن) من تهذيب اللغة، ولسان العرب.
[20] فتح الباري 2/8، 13/3.
[21] فتح الباري 13/3.
[22] أخرجه البخاري حديث رقم (525)، ومسلم حديث رقم (144).
[23] انظر: موقف المسلم من الفتن - محمد بن عمر بازمول - ط 1 - دار الاستقامة - ص 7.
[24] انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم - تعليق حسن الأثري - ط 1 - دار ابن عفان - 2/362.
[25] انظر: الثوابت والمتغيرات - صلاح الصاوي - ط 1 - المنتدى الإسلامي - ص 322 وما بعدها، وأثر المنهج الأصولي للقحطاني ص 85.
[26] هذا كلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (انظر مهذب اقتضاء الصراط المستقيم ص60).
[27] هناك فريق من العلماء قال بإمكانية وجود تساوي مصلحة مع مفسدة كالغزالي وابن السبكي والخادمي، لكن نجد بعض العلماء يستبعد وجود حالة كهذه، وهذا ما يرجحه ابن القيم، فقد بين أنه لا وجود لهذا القسم في الشرع ولم يقم دليل على ثبوته [انظر [28] أخرجه البخاري حديث رقم (3268).
[29] نيل الأوطار – محمد بن علي الشوكاني - دار الكتب العلمية – بيروت - 7/180.
[30] انظر تأصيل فقه الأولويات لمحمد همام عبد الرحيم - ط 1 - دار العلوم - ص 307.
[31] أخرج هذا الأثر البخاري برقم (4907).
[32] انظر الجواب الكافي لابن القيم – تحقيق حسين عبد الحميد – ط 3 - دار اليقين - ص212.
[33] انظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/363،362.
[34] مجموع فتاوى ابن تيمية – ط 1 - طبع وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية - 20/54.
[35] الكلام على مسألة السماع – ابن القيم – تحقيق راشد الحمد - ط 1 - دار العاصمة - ص 312.
[36] انظر تفسيره لسورة الفتح عند قوله تعالى (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام).
[37] أخرجه البخاري رقم (987)، ومسلم رقم (892).
[38] الكلام على مسألة السماع لابن القيم ص 311.
[39] أخرجه الترمذي حديث رقم (3690)، وأبو داود حديث رقم (3312).
[40] انظر مفتاح دار السعادة 2/355، ومجموع فتاوى ابن تيمية 20/52.
[41] الاستقامة لابن تيمية - تحقيق د. محمد سالم رشاد - ط 1 - سنة 2000م - دار الهدي النبوي – مصر - 2/164 وما بعدها.
[42] الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي - ضبط وتصحيح أحمد عبد الشافي - ط 3 - دار الكتب العلمية - ص 362.
[43] انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 28/206.
[44] انظر فقه الفتن للإدريسي ص 649 وما بعدها باختصار وتصرف.
[45] الكلام على مسألة السماع ص 314.
[46] انظر في ذلك: تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار سويدان - بيروت - 6/174 وما بعدها، وكتاب الحج من صحيح مسلم حديث رقم (2371) (2372).
[47] صاحب هذه القصة هو الشيخ عبد العزيز القارئ رواها في كتابه: الجهاد حياة – ط 1 - دار الصفوة - القاهرة، ص 13.
[48] المصدر السابق.
[49] الموافقات - الإمام الشاطبي – شرح عبدالله دراز – دار الكتب العلمية - بيروت - 4/140.
[50] الفروق – أحمد بن إدريس القرافي - عالم الكتب - 2/123.
[51] تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) – لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي – طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان – سنة1985م - 4/97.
[52] انظر البداية والنهاية لابن كثير - مكتبة الرياض الحديثة - 7/228،227، وراجع في الأمثلة المذكورة كتاب فقه الفتن للإدريسي ص 654.
[53] انظر هذه القاعدة في كتاب فقه الفتن للإدريسي نقلاً عن المغني 8/319.
[54] تحرير الكلام في هذه القاعدة مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه 20/51 وما بعدها.
[55] انظر القواعد لأبي عبد الله المقري - تحقيق أحمد بن حميد - طبع جامعة أم القرى - 2/590، والأشباه والنظائر – للسيوطي – الطبعة الأخيرة - مطبعة الحلبي - مصر - ص 138.
[56] قال تعالى {والصلح خير} النساء 128.
[57] الحديث أخرجه أحمد 6/444 , أبو دواد حديث رقم (4273)، والترمذي حديث رقم (2433)، والمراد بقوله: الحالقة: أي التي تحلق الدين.
[58] مجموع الفتاوى 1/17.
[59] انظر وقفات تربوية - عبد العزيز الجليل - ط 1 - دار طيبة - 3/556.
[60] انظر إعلام الموقعين 3/397.
[61] انظر وقفات تربوية للجليل 3/557 نقلاً عن كتاب لزوم الجماعة لجمال بادي.
[62] إعلام الموقعين 3/397، والمراد فتنة القول بخلق القرآن.
[63] وقفات تربوية للجليل 3/556.
[64] مجموع الفتاوى 22/345.
[65] القواعد النورانية - ابن تيمية - تحقيق محمد حامد الفقي - دار المعرفة - بيروت - ص21، وضرب أمثلة على ذلك بترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء الكعبة لما في إبقائه من تأليف القلوب، وإنكار ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في منى ثم صلاته خلفه متماً لأن الخلاف شر. وهذه الأدلة قد أشرنا إليها في بحثنا هذا لمناسبات أخرى.
[66] وقفات تربوية 3/558.
[67] المصدر نفسه 3/558.