عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 30-12-2020, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,772
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى


14- تكريم الذات: ومِن أحسن المعاملات البشرية أنه ينبغي للمرء أن يكرِّم ذاته؛ فإنَّ تكريم المرء ذاتَه يلعب دورًا مهمًّا في تكريمه من قِبل الآخرين؛ ولذلك فإن جعلتَ نفسَك هينًا أمام الآخرين وصغيرًا، فمن يقوم بأن يكرِّمك ويَزِنَك زِنةً مِلؤها العدل والإنصاف؟! فيقول الشاعر مشيرًا إلى هذه الحكمة البليغة:
ومَن يَغترِبْ يَحسِبْ عدوًّا صديقَه
ومَن لم يُكرِّمْ نفسه لم يكرَّمِ


15- الامتناع عن التسوُّل: كثرة السؤال شيء يَمنع عنه الدين أتباعَه، وشاعرنا أيضًا قد منع المخاطَب عن كثرة السؤال، وجاءت هذه النصيحة عن طريق التعبير الجديد بأن الشاعر يُريد أن يعطيه الممدوحُ، ولكنه يمتنع عن كَثرة السؤال، فيقول كما يلي:
سأَلنا فأعطيتُم وعُدْنا فعُدتُمُ
ومَن أكثرَ التَّسْآلَ يومًا سيُحرَمِ


ففي هذا البيت مع أنَّ الشاعر يسأل الممدوح أن يعطيه المزيد فإنَّه يختار أسلوبًا يدلُّ على غيرة الشاعر، كما أنه يحتوي على نصيحة جميلة عن المنع من كثرة السؤال.

16- عدم البخل: وكذا نجد الشاعر يمنعنا عن البخل، فيأمرنا بأن ننفق الأموال على الفقراء والمحتاجين مادحًا هرِمًا، والواقع أنَّ الجود عادةٌ عُرِف بها العرب منذ فجر تاريخهم؛ يقول الشاعر:
إنَّ البخيلَ مَلومٌ حيث كان ول
كنَّ الجَوادَ على عِلاَّته هَرِمُ


ويشمل هذا الجانبُ ذِكرَه للجود وثَناءه على السخاء، وقد تحدَّثنا عنه في ضوء قول الشاعر.

17- الصبر: والصبر صفة لا يخلو عنها أيُّ عربيٍّ قحٍّ، ولما جاء الإسلام قرَّره صفةً لازمة لكلِّ مؤمن، وأقام عليها ثوابًا كبيرًا، فوعدَهم الجنة والنَّجْدَ الرباني؛ يقول الشاعر وهو يمدح هَرِمَ بن سنان وإخوتَه:
قَودُ الجياد وأصهارُ الملوكِ وصُبْ
رٌ في مواطنَ لو كانوا بها سَئِمُوا


وأما أهمية هذه الصفة وخطورتها فكفانا قول الشاعر التالي:
يا بن الجَحاجحة المَدَارِهْ
والصَّابرينَ على المكارِهْ


17- البرُّ: البِرُّ كلمة جامعة للخير، يقول في شرحها المفسِّر الكبير أمين أحسن الإصلاحي:
"البرُّ أصله بالعربيَّة إيفاء العهد والحق، فتفرَّع منه ما يكون إيفاءً للحقوق الأصلية؛ من الطاعة للرب والأبوين، والمواساة بالناس، ومن هذه الجهة صار بمعنى الإحسان، واشتمَل على الخيرات، وصار وصفًا للربِّ تعالى، ثم هو إيفاءٌ للحقوق الناشئة بالاختيار من العهود والأيمان، ومنه برٌّ باليمين، ومن هذه الجهة صار مُضاهيًا للعدل؛ فالبِر خلافُ الإثمِ والعقوق، والغدرِ والظلم"[1].

يقول وهو يمدح كلَّ من تحلَّى بهذه الصفة:
ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومن يُهدَ قلبُه
إلى مطمئنِّ البِرِّ لا يتجمجَمِ


وكذلك ذكَر الشاعر الأمانة والإغاثة، والعفوَ عن الضعيف، ودوامَ المحبة، وعدمَ الخيانة، والرجوليةَ، وفكَّ غُلِّ الأسير...

ملخَّص القول: مع أنَّ الشاعر قد أمرنا بحسنات عديدة ونهانا عن سيِّئات مختلفة فإنَّ المجال ضيِّق لذِكر كافة هذه الأشياء، فأكتفي بذكر كلمة جامعة لهذه الحسنات، وهي الباقيات، أو الأحاديث التي قد كَثُر ذِكرُها في كلام العرب، فيقول شاعرنا مشيرًا إليها، وكذلك مشيرًا علينا أن نقوم بها، ونوصي بها مَنْ خَلفَنا:
فلو كان حمدٌ يُخلِدُ الناسَ لم تَمُتْ
ولكنَّ حمدَ الناس ليس بمُخلِدِ

ولكنَّ منه باقياتٍ وِراثةً
فأورِثْ بَنيك بعضها وتزوَّدِ

تزوَّدْ إلى يوم الممات فإنه
ولو كرهَتْه النفسُ آخرُ مَوْعِدِ


فكأنه يشير علينا أن نختار هذه المحامد في كافة جوانب حياتنا، كما نوصي بها أولادنا؛ فإنها خير الزاد لنا في الدنيا، وبعد الممات كذلك.

وعندما ندرس أبيات الشاعر زهير، ثم ندرس ما قاله عمر بن الخطَّاب؛ مِن: "أيها الناس! تمسَّكوا بديوان شِعركم في جاهليتكم؛ فإنَّ فيه تفسيرَ كتابكم"[2]، وما قاله الدكتور ناصر الدين الأسد صاحب كتاب "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخيَّة" من أنَّ "الشعر أصدقُ مصدرٍ لدراسة حياته وحياة قومه مِن حوله"[3]، ثم نرى ما قاله الدكتور عمر فروخ صاحب كتاب "تاريخ الجاهلية" حين قال: "نحن نَقبل الشعر الجاهليَّ كلَّه على أنه من مصادر الحياة في الجاهلية"[4] - نجد صورة أخرى لعرب الجاهليَّة، صورة لا تُطابق ما رسمه الكتَّاب والمؤرخون من المسلمين وغيرهم.

المصادر والمراجع:
1- أحمد زكي، صفوت: جَمهَرة خُطب العرب في عصور العربية الزاهرة، المكتبة العربية، بيروت، اسم الناشر وسنة الطبع لم يُذكرا.
2- أمين أحسن، الإصلاحي: تدبر قرآن، شركة تاج، دلهي، الطبعة الأولى، 1989م.
3- التبريزي، العلامة: شرح القصائد العشر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985م.
4- التبريزي، العلامة: شرح ديوان الحماسة، دار القلم، بيروت، لم يذكر اسم الناشر وسنة الطبع.
5- جلال الدين، السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م.
6- ديوان امرئ القيس (تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم)، دار المعارف، سنة الطبع لم تذكر.
7- ديوان حاتم الطائي (تحقيق: عادل سليمان جمال)، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية.
8- ديوان زهير بن أبي سلمى (ترتيب وشرح: كرم البستاني)، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1399ه/ 1979م.
9- ديوان طرَفة بن العبد (تحقيق: درية الخطيب)، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1395ھ.
10- ديوان لبيد بن ربيعة (رواية الطوسي)، فينا، 1297ھ.
11- شعر الراعي النميري وأخباره (جمع وتقديم: ناصر الحاني)، دمشق، 1964م.
12- شعراء النصرانية (جمع وتحقيق: لويس شيخو)، بيروت، 1890م.
13- عبدالحميد، الفراهي: جمهرة البلاغة، مطبعة معارف، أعظم كره، 1360ھ.
14- عبدالحميد، الفراهي: مفردات القرآن، مطبعة إصلاح، سرائ مير، أعظم كره، 1358ھ.
15- عبدالخالق، ابن الخواجه: مختارات شعراء العرب، المطبعة العامرة، شارع المغربلين، 1360ھ.
16- عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1984م.
17- عمر، الدسوقي: النابغة الذبياني، دار الفكر العربي، الطبعة السابعة، 1975م.
18- محمد طلعت حرب: تاريخ دول العرب والإسلام، مكتبة الإصلاح، الطبعة الأولى، 1989م.
19- محمد فؤاد عبدالباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1992م.
20- ناصر الدين، الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار الجيل، بيروت، الطبعة السابعة، 1988م.


[1] تفسير تدبر قرآن، تفسير سورة البقرة، الآية: 44.

[2] الموافقات، (2/ 88).

[3] مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، ص 6.

[4] تاريخ الجاهلية، ص 15.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]