تَوَهُّم المرض
د. ياسر بكار
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنني فتاة في عُمر الزُّهور، حَصَلَتْ لي ظُرُوفٌ أَدَّتْ إلى إدخالي في دَوَّامة القلق، فمنذُ بداية الغلطة وأنا قَلِقة، حتى أصبحتُ أشكُّ في كلِّ شيء، جاءتْ لي نوبة الذُّعْر فعملتُ رسم قلب، وتحليل فقر دم، وتحليل غدة، والحمد لله، عافاني الله.
تَطَوَّرَتْ حالَتِي إلى الخوف مِنَ الموت، ومِن ثَمَّ تَطَوَّرَتْ حالَتي لـ"تَوَهُّم مَرَضِي"، أصبحتُ أَتَوَهَّم مرض القَوْلون، وقد ظَهَرَتْ عندي أعراضه، وعندما صَرَفْتُ نَظَرِي إلى احتمال أنَّ ما أصابَني هو عَيْن، ذَهَبَتِ الأعراض؛ مِن انتفاخٍ، وأَلَمٍ في البطن... إلخ.
وأصبحتُ أتوهَّمُ مرضًا في قلبي، وأصبحْتُ أشعر بآلام فيه، مع أنني عملتُ رسم قلب مِن فترة لا تقلُّ عن شهر، والحمد لله، القلبُ سليم.
خَفَّتْ شَهيَّتي للطعام، وأصْبَحْتُ انطوائيَّة قليلاً.
سؤالي هنا: هل ما أحس به هو حقًّا مرض نفسي، وهو تَوَهُّم المرض؟
- وهل إذا عالَجْتُ القلق ذَهَبَ التَّوَهُّم والخوف منَ الموت، بدون علاجات خاصة لذلك؟
- وهل حالتي تَسْتَدْعِي الخطورة؟ وهل لها علاج غير الأدوية؟ فأنا لا أريد أدوية؛ لأنَّني صغيرة في السِّنِّ.
وسؤال أخير: هل التَّحَدُّث مع النَّفس، أو "التفكير بصوتٍ عالٍ" مرض نفسي خطير؟ عِلمًا بأنه ليس لديَّ أحد أشكو إليه مشاكلي في مثل عمري.
الجواب
الأخت الفاضلة،
وعليكم السلام، ورحمة الله، وأعتذر عنِ التأخُّر في الإجابة.
مرحبًا بكِ في موقع (الألوكة)، وشكرًا لِثِقتكِ الغالية.
قرأتُ رسالتكِ، وأحمد الله على وعيكِ وأنتِ في هذا السِّنِّ، هذا أمرٌ رائع، وأفتخر به.
والحقيقة أن تَوَهُّم المرض، وما يُصَاحِبه مِن قلق ونوبات ذُعْر منَ الأُمُور الشائعة في هذا الزَّمان، الذي كَثُرَت فيه الضغوط، وقَلَّ فيه الأصدقاءُ الصادقونَ؛ ولكن هذا هو حالنا، وعلينا أن نجدَ له حلاًّ.
ابْنَتِي، العلاج الدَّوائي بالنِّسبة لكِ مفيدٌ للغاية، خاصة أن هناك مجموعةً منَ الأدوية الجديدة والرائعة، والتي لا تُسَبِّب أيَّ إدمان أو تَعَوُّد، كما أنه ليس لها ضَرَرٌ؛ سواء استخدمها الصِّغار أم الكبار، وهذا مثبت بعد تجارب علميَّة مُحْكَمَة.
ومن وسائل العلاج الأخرى العلاج النفسي، وهو فَعَّال أيضًا، سواء كان بمفرده أم مع العلاج الدوائي، المهم هنا أن نجدَ مُعالِجًا جيدًا، وأنتِ تعيشينَ في دولةٍ متقدِّمة، فَسَتَجِدينَ بمشيئة الله مَن يُساعدكِ؛ ولكنِ احْرصي أن يكونَ عربيًّا مثلكِ؛ حتى يفهمَ ثقافتكِ ومشاعِركِ.
هل لديكِ صديقات أو أخوات؟
الأصدقاء الصَّادقون والنَّاصِحُون والمُتَدَيِّنُونَ حمايةٌ لنا منَ القَلَق، والوَحدة، والشعور باليأس، أَعْلَمُ أنَّ الغُربة مُرَّة وقاسِية؛ ولكن بالتأكيد هناك فرصة لأنْ تَجِدي مَن يُشارِككِ هُمومكِ وأفراحكِ، واحذري مِن صداقات الجنس الآخر - الذكور - فبالإضافة إلى حُرمتِها، فهي تزيد الأمور سوءًا.
ما أُفَكِّر فيه، ويَدْفَعُنِي للكتابة إليكِ: هو أنَّكِ بحاجةٍ إلى مساعدةٍ عاجِلَةٍ؛ حتى لا تُؤَثِّر هذه الحالة المَرَضيَّة عليكِ، وعلى دراستكِ، فنحن بانتظار فتاةٍ ذكيةٍ مثلكِ؛ لتُفِيدَ أهلها ووطنها والعالَم بأسره.
الحديثُ مع النَّفس ليس مَرَضًا؛ لكنَّه إذا تَجَاوَزَ حَد المعقول، فقد يكونُ علامةً على القلقِ والتَّوَجُّس، وهنا أرجو أن تُوَجِّهِي حديثكِ مع نفسكِ بِشَكلٍ إيجابيٍّ؛ مِن أجْلِ تَعزيزِ ثقتكِ بنفسكِ، وحبكِ لها وطموحكِ وأحلامكِ، ولْيَكُنْ كُل ذلكَ في حدود المعقول، دونَ أن يُؤَثِّرَ على اختلاطكِ بالناس، واجتماعكِ معهم.
هل هو مرض نفسي؟
إذا أَثَّرَ على حياتكِ الاجتماعيَّة والأسريَّة ودراستكِ فهو مرض، وتحتاجينَ إلى تَدَخُّل ومساعدة.
هل المرض خطير؟
لا أبدًا، إذا طَلَبتِ المساعدة منَ الطبيبة النفسية المُخْتَصة حتى تَتَأَكَّدَ منَ التشخيص، وترسم لكِ خطَّة العلاج.
ختامًا: هناك وسيلةٌ علاجيةٌ أخرى، وأكثر أهمية، وهي الالْتِجاء إلى الله - تعالى - ودعائه ومُناجَاته، فما أَحْلَى التَّذَلُّل بين يَدَيْه، والاستعانة بِقُوَّتِه وعظمته، أنا لستُ واعظًا؛ لكنني على يقينٍ كاملٍ بأن الصلاة والدُّعاء يُحقِّقان أَثَرًا عِلاجيًّا رائعًا لِمِثْل حالتكِ، وجَرِّبي وسترَيْن البرهان.
أرجو أن أكونَ قد أفدتُكِ، تَقَبَّلِي تحياتِي، وأهلاً بكِ دَوْمًا صديقة لِمَوقع (الألوكة).
وانظري في موقعنا: "القلق: بواعثه، وعلاجه".