مقاصد سورة المائدة
أحمد الجوهري عبد الجواد
هناك - أيضًا - تناولت هذه السورة عقوداً في المشارب؛ المشرب الحلال، والمشرب الحرام، وأمر الخمر واضحٌ جداً في ذلك، فقد حرم الله تعالى الخمر.
ونلاحظ في القرآن كله أن الله تعالى يذكر المحرمات؛ المحرمات في الأطعمة، والمحرمات في النساء، والمحرمات في الذبائح، والمشارب.. وهكذا، ولا يذكر تفاصيل المباحات الحلال، لماذا؟
لأن الحرام قليلٌ جداً يمكن أن يحصره العدد، وأن يحصيه العد.
أما الحلال؛ فكثير جداً، لو أن الله عدده لنا وأفرده بالذكر لكان المصحف أضعاف أضعاف ذلك، فيحرِّم الشيء وعند الحلال يقول: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: 24]، كل شيء حلال بعد ذلك، هذا فقط حرام وما وراءه حلال؛ ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾ [الحج: 30] كم نوع؟ وكم صنف؟
كلها حلال، إلا ما يتلى عليكم فقط هذا هو المحرم، فعدَّه الله تعالى؛ لأنه قليل، تناولت هذه العقود عقوداً في المناكح؛ يعني: ما يجوز الزواج به وما لا يجوز الزواج به، وقد سبق الحديث عن هذا في سورة البقرة، وفي سورة النساء بشيء مفصل وبصورة كبيرة، ولكن بقي شيء، هل يجوز لي أن أتزوج من الكتابية؛ اليهودية والنصرانية؟
فأباح الله هذا في هذه السورة: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة: 5]؛ إذًا شرط الله فيها فقط أن تكون من أهل الكتاب، وأن تعترف بنصرانيتها، لا ترضى بذلك بديلاً، كما أفتى بذلك الشيخ الشعراوي؛ حيث إن القرآن ذكرهم لنا بهذا العنوان، فمن غير عنوانه فلا نعرفه، إنما نحن نعرف الذين كلمنا الله عنهم وهم النصارى، فمن رضي بهذا الاسم؛ فهذا حكمه عندنا، وغيره لا يذكر في كتابنا؛ فلا شأن لنا به.
ثانياً: أن تكون محصنةً؛ سواء من المؤمنين أو من غيرهم، مؤمنةً أو كتابيةً ينبغي أن تكون محصنة؛ بمعنى: عفيفة؛ لأنها في دينها الحالي بما عندهم من حريات تستبيح لنفسها بعض المحرمات، فربما فرطت في عرضها وعفتها، فلا أتزوجها بحجة أنها نصرانية أو يهودية وإنما لا بُدَّ أن تكون محصنة، كافرةٌ نعم في دين الله عندنا، ولكن هي تحصِّن فرجها، وتعف نفسها، ولا ترضى بالمعاشرة الحارم، فسيرتها في هذا الجانب سيرةٌ طيبةٌ مصونة، هذه يجوز الزواج بها.
أما تلك التي فكت الأسوار وفتحت الأبواب وراودت ورُوِدَت؛ فهذه لا تنفعنا وليست طريقنا أبداً، لا من المؤمنات أو المسلمات ولا من غيرهن.
تناولت هذه السورة -أيضًا- بعض العقود والاتفاقات بيننا وبين الله أنَّه لا يُعبد إلا الله في مجال العقيدة، ولذلك ورد فيها الإنكار والتكفير لمن ادعى لله الولد، كاليهود الذين قالوا: العزير ابن الله، والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله.
كذلك أنكرت على من عدد الآلهة، وقال: إن الآلهة ثلاثة بينما هو إلهٌ واحد؛ ﴿ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الأنعام: 19]، وهذه عقيدةٌ وسط بين من أنكر الألوهية تماماً كالشيوعية والمادية؛ قالوا: لا إله، والحياة مادة، ما في شيء اسمه إله، هكذا يقولون، فهذا طرف متطرف منحرف بعيداً.
وطرفٌ آخر مقابله على الجهة الأخرى عددوا الآلهة، كالذين قالوا: الله ثلاثة، وكأهل الجاهلية الأولى كانوا يعبدون أصناماً لا حصر لها، وله أن يتخذ فوق ذلك عدداً، جاء الإسلام وأثبت الألوهية التي ألغاها هؤلاء، ووحد الإله ولم يعدده كهؤلاء، فكان طرفاً وسطاً، أو حداً وسطاً بين الطرفين، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143]؛ شهداء على هؤلاء الذين أنكروا نقول لهم: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28]، ونقول لهؤلاء الذين عددوا الآلهة؛ ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22]، هذا باطل وذاك باطل والحد الوسط هو الخير، وخير الأمور أوساطها، كذلك كان لله بعض العقود في هذه السورة مع المؤمنين في العبادات، كما تكلم عن بعض العبادات في الصلاة ونحوها، كان لله تعالى عقودٌ وهذا أكبر عقد موجود في هذه السورة، كانت لله عقودٌ في هذه السورة حول المعاملات الإنسانية بين المسلمين وبين غيرهم، فهذا منزلقٌ خطير، ومنحدر جارف للكثير من الناس، والناس فيه طرفان كذلك، بعض الناس يقول: هذا كافر لا أتعامل معه لا بيعاً، ولا شراءً، ولا جواراً، ولا صحبة، ولا أكلمه، ولا يكلمني، ولا أجيب عليه، وعرضه حلالٌ لي، وماله حلالٌ لي؛ لأنه كافر.
وطرفٌ آخر يقول: يا أخي هو صاحب دين مثلك تماماً، كيف تعامله هكذا، ودينه صحيح كما أن دينك صحيح، ويعامله على أنه صاحب دينٌ حق، كما أن الإسلام حق، وأنه صاحب رسولٍ كما أنك صاحب رسول، -عليهم جميعاً الصلاة والسلام-، ولكنه يكفر برسولنا، ويكفر بمن قبله، لا يؤمن إلا برسوله، ونحن نؤمن بجميع الرسل لا نفرق بين أحدٍ من رسله، فكنا وسطاً بين هؤلاء وبين هؤلاء، الكافر نعامله ولكن معاملةً دنيوية، في الحقوق المادية، أعامله بيدي وبلساني وبعيني وكذا معاملةً إنسانية كريمةً فهو مخلوق لله، وإنسانٌ له حق الحياة، نتعايش معاً في سلامٍ وأمان أحفظه ويحفظني، وأدافع عنه ويدافع عني بحكم الجوار، بحكم القرابة، بحكم الصحبة، صاحبي في العمل، قدراً ما بيدي، صاحبي في الدراسة، زميلي في الفصل، في مدرج الدراسة في الجامعة، في سفرٍ لفترة طويلة مثلاً عدة ساعات وكذا، فُرض عليّ بحكم الأوضاع الاجتماعية الموجودة، لا بد أن أحفظ هذا الصاحب، والله تعالى يقول: ﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ [النساء: 36]، فرض علينا حسن الصحبة مع الصاحب بالجنب، ليس صاحبي، ليس صديقي، ليس ممن أتودد إليهم ويتوددون إليّ، ولكن هو صاحب لفترة له حقٌ علي، أؤدي له هذه الحقوق، وقعت معه في خصومة، لا أظلمه، ولا أحكم عليه بالحق دائماً؛ لأنه كافرٌ وأنا مسلم؛ لا، إنما قال الله تعالى: ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: 8]، كما قال في هذه السورة -أيضًا-: ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ﴾ [المائدة: 2]؛ كافر، لا تعتدي عليه، ولا على حقوقه، كافر، لا تظلمه في الخصومة والحكم، إنما تقضي معه بالحق وتكون قواماً لله بالحق وإن كان خصمك كافراً، كما قال تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وكما في الآية الكريمة العظيمة في سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى ﴾ [الحجرات: 13]؛ يا أيها الناس جميعاً إنا خلقناكم كلكم من ذكر وأنثى؛ أبوكم واحد وأمكم واحدة، إذًا أنتم أسرةٌ واحدة، بينكم أخوةٌ إنسانية تربط بينكم وتضمن لكم الحياة في سلامٍ حقيقي عادل شامل للجميع، ليس سلاماً خاصاً بجنسيةٍ ولا بفئة، ولكن للجميع، كلكم سواءٌ في ذلك في أمور الحياة، هذا يضمنه الإسلام عندنا، ولا نضمنه عند غيرنا، لكن هذا موجود بحمد الله تعالى، إذًا أعطينا للكافر حقه كإنسان مخلوق يعيش في الحياة ولكن لا أعطيه قلبي، لا أعطيه مودتي، لا أعطيه ولائي، فليس من أهل ديني فلا أأمنه، ولا أضمنه، والعهد عنده منقوض، والعقد عنده مفروط، ولذلك كيف أضع رقبتي في يده! كيف أضع يدي في يده!
والتاريخ البشري قد أثبت هذا على مر العصور، في حق كل أنواع الكافرين أياً كان كفرهم، أثبت أنهم ينقضون العهد ولا عهد لهم ولا ذمة، وخاصةً مع المؤمنين ﴿ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 8]، لا قرابة ولا عهد، حتى لو كنت قريبه يخونك، لو كنت صاحبه يخونك، فلا تأمن، ومع ذلك علمنا من قبل أنَّ منهم أفراداً أو بعض أسر صالحة كأسرة آل عمران: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 75] عنده أمانة، هؤلاء منهم، بعض لكن ليس الكل، فديننا علمنا من خلال هذه السورة ومن خلال عقودها كيف نتعامل مع الآخرين معاملةً وسطاً، تحفظ له إنسانيته وآدميته، وتضمن له حقوقه كإنسان، لا نبخسه شيئاً من ذلك، لكن القلب، والمحبة، والموالاة، والمناصرة، والمودة، وهي أن أتمنى أن أراك، أشتاق إليك إلى بعدت، هذه المعاني المتعلقة بالقلب إنما تصرف فقط للمؤمنين، قال الله تعالى في سورة التوبة: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51] هم مع بعضهم أولياء، لكن أنت لا يدخلونك في دائرة الولاية فلا تُقحم نفسك، لا تُقحم نفسك أن تكون من المجتمع الفلاني، أن تكون من الرابطة الفلاني، وكلها منهم فلن يقبلوك، وإذا قبلوك أو إن قبلوك لن يقبلوك إلا بشروط تحقق لهم منافع في الدين قبل الدنيا، فاحذر على دينك.
ولذلك كان - أيضًا - من عقود الله في هذه السورة أن حذرنا من الفتن، نسأل الله العصمة منها، حذرنا من الفتن، ومن الفتن: مساومات الكافرين للمسلمين على الدين، ادخلوا معنا ولكن افعلوا كذا، تنازلوا عن كذا، وهكذا يطلبون تنازلات دينية شرعية، الذي لا يقدر الدين قدره يتنازل ويرضى بهذا الاتفاق، والذي يعرف قيمة الدين لا يتنازل أبداً، ولكن بغضه هذا وعدم حبه لخصمه لا يدفعه يوماً إلى الاعتداء عليه، ولا إلى ظلمه في الخصومات.
هكذا تعاقد الله معنا بهذه العقود، وهي مفصلة بشيء كبير ولغةٍ عظيمة في هذه السورة، لكن هذه موضوعات السورة؛ وسورةٌ تسمى المائدة إذًا كأنها تهدف إلينا وتقول لنا ملخصاً في هدف قصير: حياتكم مائدة، مضطربة، مهتزة، إلا أن تُوفُّوا لله بالعقود، إلا أن تُوفُّوا لله بالعقود، فأوفوا بالعقود تستقر حياتكم، تطمئن حياتكم، تضمنون معايشكم، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا ﴾ [الأعراف: 96].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين المصدقين، وأن يرزقنا خير ذلك في الدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وارضى اللهم عن آل بيت النبي، والصحابة الكرام، والأربعة الخلفاء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلي يا ربنا على نبينا محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك عليه كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
أما بعدُ:
أيها الإخوة المسلمون الكرام، هذا حديثٌ مجملٌ سريعٌ عن السورة، ولكن في السورة عِبَر عظيمة جداً، اقرءوا فيها موقف بني إسرائيل مع موسى عليه السلام حين عصوه، وقد كتب الله لهم مدينة مقدسة، قدر الله أن تكون لهم، وفرض الله أن تكون حقهم، بشرط بسيط، بعمل يسير جداً فالدين يسر، وطاعة الله سهلة، شرط الله عليهم وعقد الله معهم أن يدخلوا باب المدينة، فلو أنهم تخطوا باب المدينة إلى داخلها بخطوة واحدة، وقالوا: اللهم حط عنا خطايانا، وخضعوا لله، وسجدوا لله، بدون مواجهة عدو، بدون اشتباك في حرب، بدون رفع سلاح؛ الله تعالى سيلقي في قلوب الأعداء الرعب، ويسلم المدينة لهذه الفئة المؤمنة مع موسى -عليه السلام-، ولكن بني إسرائيل كما استمعتم في سورة البقرة -أعني اليهود- هؤلاء كانوا قوماً مطلاً، ما سارعوا إلى الاستجابة لذبح بقرة، وراوغوا فيها بما علمتم، فكيف يقولون في مواجهة جبارين في مدينة القدس؟ طبعاً نكلوا وتراجعوا ورفضوا الأمر، حتى قالوا قولتهم التي قبحهم الله بها: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، لا حول ولو قوة إلا بالله، كلامٌ في جرأة على الله وعلى رسوله موسى -عليه السلام-، وهكذا موقف يقرأ وفيه عِبر جميلة وعظيمة جداً.
اقرءوا في هذه السورة قصة ولدي آدم، واطلب من نفسك أن تكون مسامحة، واطلب من نفسك أن تكون راضية، وانظر ماذا قال ولد آدم الطيب الذي هو هابيل عليه رحمة الله، يقول: ﴿ لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ﴾ [المائدة: 28]؛ لو ضربتني لن أضربك، لن أرد السيئة بالسيئة، ولكن: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ [المؤمنون: 96]؛ يعني: ادفع السيئة بالتي هي أحسن، فقدم المطلوب وأخَّر المدفوع، قال: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96]، وفي الآية الأخرى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، آثارها طيبة، ومع ذلك قتله، نعم فقد الحياة ولكن حي عند ربه، ذهب إلى ربٍ كريم، خيره عظيم، وحياة فاضلة أفضل من حياة الدنيا، ذهب إلى ربه وهو راضٍ عنه، في حالة قبول قربانه، نعم الوفاء، حسن الختام، أحسن الله ختامنا جميعاً، بينما مات أخوه القاتل بأجله وقبل أن يموت وبعد أن مات وإلى قيام الساعة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ»[17]، تخيل كل نفس تقتل في الجرائم الكبيرة في هذه الأيام، مدافن جماعية، وجرائم جماعية، وقتل جماعي بيد الظالمين في كل زمان وفي كل عصر، هذا كله في ميزان سيئات قابيل؛ لأنه أول إنسان قتل، فعلَّم أولاده القتل، تعلموا منه وإن لم يعلمهم، أخذوا طريقه.
قصة في منتهى الروعة، في منتهى الجمال، مع إيجازها وقصرها، وتعلم من ذلك حكمة أن الله حرّم القتل، لماذا حرم الله القتل؟ ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا... ﴾ [المائدة: 32] إلى آخر هذه الآيات.
انظر في هذه السورة إلى كثير من الآيات والأحكام، ولكن الوقت يضيق، نهايةً ذلك الموقف الغريب، (الدقيقة 47:32 يوجد جزء مفقود بالتسجيل)، الحواريون هؤلاء مع عيسى -عليه السلام- كانوا بمقام الصحابة مع نبينا عليه الصلاة والسلام؛ يعني: هم أقرب الأمة إلى نبي الله، ملتصقون به، ملازمون له، ومع ذلك طلبوا آية عجيبة، طلبوا معجزة، الحمد لله نحمد الله تعالى على الثبات ونسأله الثبات إلى أن نلقاه، نحن نؤمن الآن ولا نطلب معجزات، كفانا بالقرآن معجزةً؛ أن أحداً من الخلق لا يستطيع أن يأتي بمثله، وها نحن أولاء نرى لم يستطع أحدٌ أبداً أن يأتي بمثل سورة من القرآن، وكل كلام الناس يدنو وكلام الله يعلو ولا يُعلى عليه، لكن لم نطلب يا رب أرنا معجزةً، لم نطلب يا ربنا أنزل لنا من السماء كذا، أخرج لنا من الأرض كذا، بحمد الله، وهذا التسليم لله، لكن هؤلاء الحواريون قالوا لعيسى كلاماً حكاه الله في القرآن: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا ﴾ [المائدة: 112]؛ لأن كلامهم وطريقة سؤالهم طريقةٌ كلها خطأ، فيها آثارٌ من الجينات اليهودية التي كانت في آباءهم وأجدادهم، طغت عليهم في هذا السؤال، هل يستطيع ربك؟! كان يمكن أن يقال أحسن من ذلك، يا عيسى اسأل ربك أن ينزل علينا مائدةً من السماء، نحن نصدق ونؤمن أنه يقدر ويستطيع ولكن نريدها، اسأل ربك أن ينزِّل علينا مائدة، ولكن انظر كيف كان السؤال، هل يستطيع ربك؟ أليس ربكم أنتم أيضًا، قولوا: هل يستطيع ربنا، وانسبوا الرب إليكم اعترافاً بربوبيته، وأنتم تطلبون شيئاً من ربوبيته وألوهيته، فانسبوه إليكم وتشرفوا بذلك، ولكن اللفظ يوحي بمعاني غير محمودة، هل يستطيع؟ نعم يستطيع؛ إنه على كل شيء قدير، فما كان لكم أن تسألوا بهذه الصيغة، ثم يقولون: ربك؛ وكأن له ربٌ غير ربهم، أو أنهم اتخذوا رباً غير هذا الرب، ويريدون أن يروا آثار رب عيسى عليه السلام، فالأسلوب غير محمود، ﴿ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً ﴾ [المائدة: 112] هذه نفسٌ ضيقة، كما أقول في جينات أجدادهم الذين كان الله يطعمهم المنّ والسلوى بكل راحة وهدوء، ينزل من السماء، لا يتعبون في تجهيزه ولا في إخراجه ولا جمعه ولا شيء، طعامٌ جميل، وشرابٌ غذاءٌ شفاءٌ عظيم، ومع ذلك سئموا من الخير العظيم، ملت نفوسهم من هذا النعيم، فلم يطلبوا تغييره بل طلبوا أدنى منه: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ﴾ [البقرة: 61] كان يمكن أن يقولوا مما تنزِّل السماء، فيطلبون من أعلى -أيضًا-، لكن نظرتهم تحت التراب، تحت الطين، هذه نظرتهم قصيرة ودانية، يخرج لنا مما تنبت الأرض من تفاحها ولؤلؤها ومرجانها ودررها، الأرض فيها كنوز عظيمة جداً، ولكن انظر ماذا طلبوا مما تنبت الأرض ﴿ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ﴾ [البقرة: 61]؛ أشياء يعني لو زرعها أي إنسان في أي مكان تخرج بإذن الله، أنت تستطيع أن تفعلها وهو يستطيع أن يفعلها.. وهذا.. وهذا، ما تحتاج إلى سؤال من رب عظيم، ﴿ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ﴾ [البقرة: 61] قثاء وفول وعدس وبصل، ما هذا؟! أتطلب من الله العظيم فولاً وبصلاً وثوماً؟! هذه نظرة ساقطة جداً، نظرة قصيرة دانية، ليس فيها سمو، كذلك يقول أحفادهم مع سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً ﴾ [المائدة: 112] بالله عليك لو أتيحت لك فرصة أن تجلس مع معالي الوزير أو معالي الرئيس، أتطلب منه شقة سندوتش!! إنك تهينه بهذا، فإن قدراته وإمكاناته أكبر من ذلك، اطلب شقة في مكان فاخر، اطلب شقة سكن في مدينة جديدة؛ فإنه يقدر أن يعطيك وأن يهبك، يملك من الصلاحيات القانونية أن يعطيك هذا، لكن تطلب منه طلباً صغيراً كهذا، تستطيع أن تحصل عليه بمنتهى اليسر، فكأنك تستهين بشخصه، وتستهين بمكانه، ولله المثل الأعلى، يطلبون من الله ويطلبون شيئاً كهذا، مائدة من السماء، هذا كان سؤالهم سؤالاً ليس محموداً.
آخر شيء في الذكر وليس في السورة؛ ففيها كثيرٌ كما اتفقنا وقلنا، لكن من المواقف الصعبة في السورة ما أخبر الله به أنه سيوقف عيسى بن مريم عليه السلام يوم القيامة ليسأله؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، والله يعلم إن كان قد قال أو لم يقل، ولكن يسأل الله ليقيم العدل، فيسأل الرسل، ويسأل الأمم، كلٌ يُسأل سؤال حساب ومراجعة حساب، ونبينا عليه الصلاة والسلام يُسأل -أيضًا- عن أمته وعن غيرهم؛ ﴿ فَكَيْفَ إذًا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قيل: هؤلاء أمته، وقيل: هؤلاء أي الخلق جميعاً يوم القيامة، يُسأل عنهم، فيسأل الله عيسى -عليه السلام-؛ ﴿ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، حتى يجيب عيسى على ملأ من الناس، على أتباعه ومن قبل أتباعه ومن بعد أتباعه، فيفتضح الكاذب على ملأٍ من العالمين، ويظهر الصادق: ﴿ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ [المائدة: 119] هذه آخر آيات السورة، فيظهر الصادق من الكاذب، يقول: سبحانك؛ تنزهت يا رب كيف أقول هذا؛ ﴿ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ﴾ [المائدة: 116] أنا أستشهد بعلمك أنت، دليلي هو علمك ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ﴾ ما أخبئه في نفسي أنت تعلمه ﴿ وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116، 117].
ذُكر في التفسير أن عيسى -عليه السلام- حين يوجه إليه هذا السؤال يُسمع لعظامه صوت، يُسمع لعظامه صوت من هول السؤال، كما نقول في لغتنا: "عظمه يطأطأ" من شدة السؤال وهول السؤال عليه يسمع لعظامه صوت، ومع ذلك ما أرحم الرسل، قد اختار الله فئةً رسلاً من عنده إلى الناس، هم أرحم الناس بالناس، هم ألطف الناس بالناس، رغم ما عرِّض إليه عيسى -عليه السلام- بسبب من يدّعون محبته إلا أنه يختم مقالته مع الله: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ [المائدة: 118] هذا شأنك، الخلق خلقك والأمر أمرك وأنا لا دخل لي، ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]؛ كأنه يطلب من بعيد على استحياء، لأنه متهم الآن بتهمة، فلذلك يطلب الرحمة لأتباعه ولأمته: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، نبينا عليه الصلاة والسلام شخصيته اشتملت كل الأنبياء، أقام ليلةً كاملة يصلي لله، ولا يقرأ إلا بهذه الآية أو قل بهذه الدعوة يدعو بها لأمته، يدعو بها لنا ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118] ويكررها صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء.
الأنبياء أرحم الناس بالناس، وانظر كم يتسبب الأمم في تعريض أنبياءهم لمشكلات وإيذاءٍ في الدنيا، ولحرج بين يدي الله يوم القيامة، اللهم لا تحرجه بنا، وارزقنا محبته، ومعونته، ومؤازرته يا رب العالمين، واجعلنا من أنصاره وأتباعه، وأتباع الرسل أجمعين، إنك على كل شيء قدير.
ربنا انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وأعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع.
اللهم زدنا علماً نافعاً، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا ربنا سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات.
اللهم يا ولي يا نصير، يا قوي يا متين، كما فرضت علينا هذه العقود فجعلنا يا ربنا من الموفِّين لها، الموفين بها، كما وفّى لك نبيك وخليلك إبراهيم الذي وفى.
اللهم أعنا على الوفاء بها، اللهم أعنا على الوفاء لك بها، خالصين مخلصين يا رب العالمين.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.
عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.
[1] الصحاح: 5/ 2110، مادة: [خ و ن].
[2] رواه البخاري: 7 /75، في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، من كتاب الأطعمة، برقم (5415)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[3] الإتقان: 1/ 192، ومعترك الأقران: 3/ 197.
[4] بفتح فسكون. تاج العروس، للزبيدي: 8/ 395.
[5] انظر: الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري، ص: 57.
[6] معاني القرآن وإعرابه، للزجاج: 2/ 220، ونواهد الأبكار وشوارد الأفكار، للسيوطي: 3 / 319.
[7] التحرير والتنوير، لابن عاشور: 6/ 69.
[8] الدر المنثور: 3/ 3.
[9] وهو قوله: قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]. الدر المنثور: 1/ 514.
[10] وهو قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]. الإتقان: 1/ 75.
[11] وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]. الدر المنثور: 1/ 605، 606.
[12] رواه البزار في مسنده: 2 /211، برقم (598)، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا، فَدَعَانَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مِنَ الْخَمْرِ، فَلَمَّا أَخَذَتِ الْخَمْرُ فِينَا، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَمَرُوا رَجُلًا، فَصَلَّى بِهِمْ، فَقَرَأَ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الكافرون: 2]، وَلَكِنْ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، يَعْنِي: فَخَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ، وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43].
وانظر: أسباب النزول، للواحدي، ص: 153، 154، ولباب النقول، للسيوطي، ص: 57، 58.
[13] البرهان في علوم القرآن: 1/ 209، وما بعدها، والإتقان في علوم القرآن: 1/ 101، وما بعدها.
[14] رواه مسلم: 1/218، في باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (249)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] رواه البخاري: 3 /139، في باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، من كتاب الشركة، برقم (2493)، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[16] النكت والعيون، للماوردي: 2/ 17، والجامع لأحكام القرآن الكريم، للقرطبي: 6/ 76.
[17] متفق على صحته، رواه البخاري: 4 /133، في باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، من كتاب أحاديث الأنبياء، برقم (3335)، ومسلم: 3 /1303، في باب بيان إثم من سن القتل، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، برقم (1677)، عن ابن مسعود رضي الله عنه.