ما معنى ذي المعارج؟
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (ذي المعارج)[1]:
عَرَجَ فِي الدَّرَجَةِ والسُّلَّمِ يَعْرُجُ عُرُوجًا، أي: ارْتَقَى.
وعَرَجَ فِي الشَّيءِ وعليه يَعْرِجُ ويَعْرُجُ عروجًا أيضًا: رَقِيَ.
وعَرَجَ الشيءُ فهو عَرِيجٌ: ارتفع وعلا.
وفِي التنزيل: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4]؛ أي: تَصعَدُ.
والمَعْرَجُ: المصْعَدُ والطريقُ الذي تصعَدُ فيه الملائكةُ.
وعُرِجَ بالرُّوحِ والعملِ: صُعِدَ بهما[2].
وُرُودُهُ فِي القرآنِ الكريمِ:
وَرَدَ مرَّةً واحدةً فِي قوله عز وجل: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ [المعارج: 1 - 3].
مَعْنَى الاسمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قال قتادة: "﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ [المعارج: 3]، ذي الفواضِلِ والنِّعَم"[3].
وقال الفَّراءُ: "وقوله: "﴿ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾: مِنْ صِفَةِ الله عز وجل؛ لأَنَّ الملائِكةَ تعرُجُ إلى الله عز وجل؛ فوصَفَ نفسَهُ بذلك"[4].
وقال ابنُ جريرٍ: "وقوله: ﴿ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ يعني: ذا العُلُوِّ والدرجاتِ والفواضلِ والنِّعمِ"[5].
وقال الخطَّابيُّ: "(ذو المعارج): وهو الذي يُصعَدُ إليهِ بأعمالِ العبادِ، وإليه يُصْعَدُ بِأَرْوَاحِ المؤمنينَ"[6].
وقالَ الحَلِيمِيُّ: "(ذو المعارجِ): وهُو الذي إليه يُعْرجُ بالأرواحِ والأعمالِ. وهذا أيضًا يَدْخُلُ فِي باب الإِثباتِ والتوحيدِ والإِبداعِ والتدبيرِ، وبالله التوفيقُ"[7].
ثمراتُ الإيمان بهذا الاسمِ:
1- اللهُ تبارَك وتعالى هو الربُّ الملِكُ الخالِقُ المدبِّرُ (ذو المعارج)؛ الذي تَعْرجُ إليه الملائكةُ والأرواحُ، وتصعَد إليه الأعمالُ والأقوالُ الصالحةُ الطيبةُ.
قال أبو القاسِم الأَصْبَهاني: "ومن أسمائِهِ: (ذو المعارج) ومعناه: تَعرجُ أعمالُ الخلقِ إليه كما قال عز وجل: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، فملائكة النهار تعرجُ بأعمالِكم بالنهارِ، وملائِكَةُ الليلِ تَعْرُجُ بأعمالكم بالليلِ؛ فَزيِّنُوا صَحَائِفَكم بالأعمالِ الصالِحةِ، والمواظبةِ على الصلواتِ الخَمْسِ، فإن الصلواتِ يُذْهبْنَ السيئاتِ.
قيل في التفسير: الحسناتُ: الصلواتُ الخَمْسُ"[8].
قلتُ: وقد جاء في الحديث الصحيح قولُه صلى الله عليه وسلم: "يَتَعاقَبونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهم، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"[9].
2- وهذا الاسمُ يدلُّ على عُلُوِّ الربِّ تعالى على عبادِهِ، وأَنَّهُ فوقهم؛ فإِنَّ العُروجَ هو الصعودُ كما تقدَّمَ[10].
[1] النهج الأسمى (2/ 343 - 345).
[2] الصحاح (1/ 328 - 329)، اللسان (4/ 2869 - 2871) مادَّة: (ع ر ج)، وشأن الدعاء (ص: 104).
[3] أخرجه ابن جرير (29/ 44) عنه بسَند حسَن، وأخرجه عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾، يقول: "العُلُوِّ والفواضل".
[4] معاني القرآن (3/ 184).
[5] جامع البيان (29/ 44).
[6] المنهاج (1/ 210)، وذَكَرَه ضمْن فصل: ولله جل ثناؤه أسماء سوى ما ذَكَرْنا، تدخل في أبواب مختلفة، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 93).
[7] شأن الدعاء (ص: 104).
[8] الحجة (ق 24 أ - ب).
[9] رواه البخاري في المواقيت (2/ 33)، وفي بدء الخلق (6/ 306)، وفي التوحيد (13/ 415)، ومسلم في المساجد (1/ 439)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومعنى "يتعاقبون": أي: تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية.
[10] راجع هذه المسألة في (العلي - الأعلى - المتعال).