الموضوع: فصل في السحر
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-12-2020, 06:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فصل في السحر

فصل في السحر
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك







قوله: فقال: "يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين".
قال الحافظ: قوله "كأن ماءها"، أي: البئر، "نقاعة الحناء"، أي: أن لون ماء البئر لون الماء الذي تنقع فيه الحناء.
قال ابن التين: يعني أحمر، وقال الداودي: المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي يُعجن فيه الحناء.
قال الحافظ: ووقع في حديث زيد بن أرقم: فوجد الماء وقد اخضر[181]، وهذا يقوي قول الداودي.
قال القرطبي[182]: كأن ماء البئر قد تغير، إما لرداءته بطول إقامته، وإما لما خالطه من الأشياء التي أُلقيت في البئر.


قال الحافظ: ويرد الأول أن عند ابن سعد - في مرسل عبد الرحمن بن كعب - أن الحارث بن قيس هَوَّر البئر المذكورة وكان يستعذب منها، وحفر بئرًا أخرى، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرها[183].


قوله: "وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين"، ووقع في رواية عمرة، عن عائشة: "فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين".


وقد وقع تشبيه طلع شجرة الزقوم في القرآن برؤوس الشياطين.


قال الفراء وغيره: يحتمل أن يكون شبه طلعها في قُبحه برؤوس الشياطين؛ لأنها موصوفة بالقُبح، وقد تقرر في اللسان أن من قال: فلان شيطان، أراد أنه خبيث أو قبيح، وإذا قبحوا مذكرًا قالوا: شيطان، أو مؤنثًا قالوا: غُول، ويحتمل أن يكون المراد بالشياطين: الحيات، والعرب تُسمي بعض الحيات شيطانًا، وهو ثعبان قبيح الوجه، ويحتمل أن يكون المراد: نبات قبيح، قيل: إنه يوجد باليمن "1057أ".


قوله: قلت: يا رسول الله. أفلا استخرجته؟ في رواية أبي أسامة: فقال: "لا"، ووقع في رواية ابن عيينة أنه استخرجه، وأن سؤال عائشة إنما وقع عن النشرة فأجابها بلا، وسيأتي بسط القول فيه بعد باب.
قوله: "قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شرًا"، وفي رواية الكُشميهني: "سوء".
ووقع في رواية أبي أسامة: "أن أُثوِّر" وهما بمعنى، والمراد بالناس: التعميم في الموجودين.


قال النووي[184]: خشي من إخراجه وإشاعته ضررًا على المسلمين من تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك، وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة.


ووقع في رواية ابن نمير: "على أمتي"، وهو قابل أيضًا للتعميم؛ لأن الأمة تطلق على أمة الإجابة وأمة الدعوة وعلى ما هو أعم، وهو يرد على من زعم أن المراد بالناس هنا لبيد بن الأعصم؛ لأنه كان منافقًا، فأراد صلى الله عليه وسلم ألا يثير عليه شرًا؛ لأنه كان يؤثر الإغضاء عمن يظهر الإسلام ولو صدر منه ما صدر.


وقد وقع أيضًا في رواية ابن عيينة: "وكرهت أن أثير على أحد من الناس شرًا"، نعم، وقع في حديث عمرة عن عائشة: فقيل: يا رسول الله لو قتلته؟ قال: "ما وراءه من عذاب الله أشد".


وفي رواية عمرة: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه.


وفي حديث زيد بن أرقم: فما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك اليهودي شيئًا مما صنع به ولا رآه في وجهه، وفي مرسل عمر بن الحكم: فقال له: "ما حملك على هذا؟"، قال: حب الدنانير.


وقد تقدم في "كتاب" الجزية قول ابن شهاب[185]: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله...
إلى أن قال: وقال القرطبي[186]: لا حجة على مالك من هذه القصة؛ لأن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشيته أن يُثير بسبب قتله فتنة، أو لئلا يُنفر الناس عن الدخول في الإسلام، وهو من جنس ما راعاه النبي صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين حيث قال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"[187].


قوله: "فأمر بها" أي: بالبئر فدُفنت، وقد تقدم أن في مرسل عبد الرحمن بن كعب أن الحارث بن قيس هورها[188]"[189].
وقال البخاري أيضًا: "باب الشرك والسحر من الموبقات".
حدثني عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله، والسِّحر"[190].


قال الحافظ: "قوله: "باب الشرك والسِّحر من الموبقات"، أي: المهلكات، قوله: "اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسِّحر" هكذا أورد الحديث مختصرًا، وحذف لفظ العدد، وقد تقدم في كتاب الوصايا بلفظ: "اجتنبوا السبع الموبقات..." وساق الحديث بتمامه[191].


ويجوز نصب الشرك بدلًا من السبع، ويجوز الرفع على الاستثناء فيكون خبر مبتدأ محذوف.
والنُّكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا: الرمز إلى تأكيد أمر السحر، فظن بعض الناس أن هذا القدر هو جملة الحديث، فقال: ذكر الموبقات، وهي صيغة جمع وفسرها باثنتين فقط، وهو من قبيل قوله تعالى: ﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا﴾ [آل عمران: 97]، فاقتصر على اثنتين فقط، وهذا على أحد الأقوال في الآية، ولكن ليس الحديث كذلك، فإنه في الأصل سبعة[192]، حذف البخاري منها خمسة، وليس شأن الآية كذلك.


وقال ابن مالك[193]: تضمَّن هذا الحديث حذف المعطوف للعلم به، فإن التقدير: اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسحر وأخواتهما، وجاز الحذف؛ لأن الموبقات سبع، وقد ثبت في حديث آخر، واقتصر في هذا الحديث على ثنتين منها تنبيهًا[194] على أنهما أحق بالاجتناب، ويجز رفع الشرك والسحر على تقدير: منهن.


قال الحافظ: وظاهر كلامه يقتضي أن الحديث ورد هذا تارة، وتارة ورد بتمامه، وليس كذلك، وإنما الذي اختصره البخاري نفسه كعادته في جواز الاقتصار على بعض الحديث[195]".


وقال البخاري أيضًا: "باب: هل يستخرج السحر؟".
وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيُحل عليه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه.


حدثني عبد الله بن محمد قال: سمعت ابن عيينة يقول: أول من حدثني به ابن جُريج يقول: حدثني آل عروة، عن عروة فسألت هشامًا عنه، فحدثنا عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السِّحر إذا كان كذلك، فقال: "يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند راسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، رجل من بني زُريق حليف ليهود، كان منافقًا. قال: وفيم؟ قال: في مُشط ومشاطة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت رعوفة، في بئر ذروان"، قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه فقال: "هذه البئر التي أريتها[196]، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين"، قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا؟ أي: تنشرت، فقال: "أما والله فقد شفاني، وأكره أن أُثير على أحد من الناس شرًا"[197].


قال الحافظ: "قوله: باب هل يستخرج السحر؟ كذا أورد الترجمة بالاستفهام إشارة إلى الاختلاف، وصدر بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة إلى ترجيحه.


قوله: وقال قتادة: قلت: لسعيد بن المسيب... إلى آخره، وصله أبو بكر الأثرم في كتاب "السنن" من طريق أبان العطار عن قتادة، ومثله من طريق هشام الدستوائي عن قتادة "1058ب" بلفظ: يلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع.


وأخرجه الطبري في "التهذيب" من طريق يزيد بن زريع، عن قتادة، عن سعيد بن المُسيب، أنه كان لا يرى بأسًا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: هو صلاح.


قتال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك، يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال: فقال سعيد بن المسيب: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع.


وقد أخرج أبو داود في "المراسيل" عن الحسن رفعه: "النشرة من عمل الشيطان"[198]، ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر[199].


قال ابن الجوزي[200]: النشرة: حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وقد سُئل أحد عمن يطلق السحر عن المسحور، فقال[201]: لا بأس به، وهذا هو المعتمد.


ويُجاب عن الحديث والأثر بأن قوله: "النشرة من عمل الشيطان"، إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرًا كان خيرًا وإلا فهو شر، ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره؛ لأنه قد ينحل بالرقي والأدعية والتعويذ، ولكن يُحتمل أن تكون النشرة نوعين.


قوله: "به طب" بكسر الطاء أي: سحر، قوله: "أو يُؤخذ" بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء المعجمة وبعدها معجمة، أي: يُحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها.


والأُخذة: بضم الهمزة هي الكلام الذي يقوله الساحر، وقيل: خرزة يرقي عليها أو هي الرقية نفسها.
قوله: "أيُحلُّ عنه" بضم أوله وفتح المهملة.


قوله: "أو يُنشر" بتشديد المعجمة من النشرة بالضم، وهي: ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا أو مسًا من الجن، قيل لها ذلك؛ لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء، ويوافق قول سعيد بن المُسيب ما تقدم في باب الرقية في حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: "من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل"[202]، ويؤيد مشروعيته ما تقدم "1059أ" في حديث: "العين حق[203]" في قصة اغتسال العائن، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق الشعبي قال: لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضره[204]، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه[205]، فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل، ثم يدقه ويقرأ فيه، ثم يغتسل به.


وذكر ابن بطال[206] أن في كتب وهب بن منبه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.


وممن صرَّح بجواز النشرة المزني - صاحب الشافعي - وأبو جعفر الطبري وغيرهما، ثم وقفت على صفة النُّشرة في كتاب "الطب النبوي" لجعفر المستغفري، قال: وجدت في خط نصوح بن واصل على ظهر جزء من "تفسير قتيبة بن أحمد البخاري"، قال: "قال" قتادة لسعيد بن المسيب: رجل به طب أُخذ عن امرأته، أيحل له أن ينشر؟ قال: لا بأس إنما يريد به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه، قال نصوح: فسألني حماد بن شاكر: ما الحل؟ وما النشرة؟ فلم أعرفهما، فقال: هو الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله وأطاق ما سواها، فإن المبتلى بذلك يأخذ حُزمة قضبان وفأسًا ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحُزمة، ثم يؤجج نارًا في تلك الحُزمة حتى إذا ما حمي الفأس استخرجه من النار، وبال على حره، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى.


وأما النُّشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورود المفازة وورود البساتين، ثم يلقيهما في إناء نظيف، ويجعل فيهما ماء عذبًا ثم يغلي ذلك الورد في الماء غليًا يسيرًا، ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أفاضه عليه، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى، قال حاشد: تعلمت هاتين الفائدتين بالشام.


قال الحافظ: وحاشد هذا من رواة الصحيح عن البخاري "1059ب"، ثم ذكر حديث عائشة في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق شرحه مستوفى قريبًا.


قوله: "في جُف طلعة ذكر تحت رعوفة" في رواية الكشميهني: "راعوفة"، بزيادة ألف بعد الراء، وهو كذلك لأكثر الرواة...
إلى أن قال: والراعوفة: حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه، يقوم عليه المستقي، وقد يكون في أسفل البئر.


قوله: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه...
إلى أن قال: "فاستُخرج"، كذا وقع في رواية ابن عيينة، وفي رواية عيسى بن يونس: قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟ وفي رواية وهيب: قلت: يا رسول الله، فأخرجه للناس[207]. وفي رواية ابن نمير[208]: أفلا أخرجته؟ قال: "لا"، وكذا في رواية أبي أسامة التي بعد هذا الباب.


قال ابن بطال[209]: ذكر المُهلب أن الرواة اختلفوا على هشام في إخراج السحر المذكور، فأثبته سفيان وجعل سؤال عائشة عن النُّشرة، ونفاه عيسى بن يونس، وجعل سؤالها عن الاستخراج، ولم يذكر الجواب وصرح به أبو أسامة، قال: والنظر يقتضي ترجيح رواية سفيان لتقدمه في الضبط، ويؤيده: أن النُّشرة لم تقع في رواية أبي أسامة، والزيادة من سفيان مقبولة؛ لأنه أثبتهم ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين فيبعد من الوهم، وزاد ذكر النُّشرة وجعل جوابه صلى الله عليه وسلم عنها بـ"لا" بدلًا عن الاستخراج قال: ويحتمل وجهًا آخر، فذكر ما محصله: أن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان، فالمثبت هو استخراج الجُف، والمنفي استخراج ما حواه، قال: وكأن السر في ذلك ألا يراه الناس فيتعلمه من أراد استعمال السحر.


قال الحافظ: وقع في رواية عمرة: فاستخرج جُف طلعة من تحت راعوفة.
وفي حديث زيد بن أرقم: "فأخرجوه فرموا به"[210].


وفي مرسل عمر بن الحكم "1060أ" أن الذي استخرج السحر قيس بن محصن[211]، وكل هذا لا يخالف الحمل المذكور، لكن في آخر رواية عمرة وفي حديث ابن عباس: أنهم وجدوا وترًا فيه عقد، وأنها انحلت عند قراءة المعوذتين، ففيه إشعار باستكشاف ما كان داخل الجُف، فلو كان ثابتًا لقدح في الجمع المذكور، لكن لا يخلو إسناد كل منهما من ضعف.


قوله: قالت: فقلت: أفلا؟ أي: تنشرت.
وقع في رواية الحميدي: فقلت: يا رسول الله، فهلا؟
قال سفيان: "بمعنى"[212]: تنشرت، فبين الذي فسر المراد بقولها: أفلا، كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى، وظاهر هذا اللفظ أنه من النُّشرة، وكذا وقع في رواية معمر عن هشام عند أحمد، فقالت عائشة: لو أنك، تعني: تنشر[213]، وهو مقتضى صنيع المصنف حيث ذكر النُّشرة في الترجمة، ويحتمل أن يكون من النشر بمعنى الإخراج، فيوافق رواية من رواه بلفظ: فهلا أخرجته، ويكون لفظ هذه الرواية: هلا استخرجت؟ وحذف المفعول للعلم به، ويكون المراد بالمخرج ما حواه الجُف لا الجف نفسه، فيتأيد الجمع المقدم ذكره.


تكميل: قال ابن القيم: "من أنفع الأدوية، وأقوى ما يوجد من النُّشرة مقاومة السحر الذي هو من تأثيرات الأرواح الخبيثة بالأدوية الإلهية من الذكر والدعاء والقراءة، فالقلب إذا كان ممتلئًا من الله معمورًا بذكره، وله ورد من الذكر والدعاء والتوجه لا يخل به، كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له، قال: وسلطان تأثير السحر هو في القلوب الضعيفة، ولهذا غالب ما يؤثر في النساء والصبيان والجهال؛ لأن الأرواح الخبيثة إنما تنشط على الأرواح تلقاها مستعدة لما يناسبها"[214].


قال الحافظ: ويُعكر عليه حديث الباب، وجواز السحر على النبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم مقامه وصدق توجهه وملازمة ورده، ولكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن الذي ذكره محمول على الغالب، وإنما وقع به صلى الله عليه وسلم لبيان تجويز ذلك، والله أعلم[215]" "1060ب".


وقال البخاري أيضًا: "باب السِّحر".
حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: سُحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: "أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟"، قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "جاء رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زُريق، قال: فيما ذا؟ قال: في مُشط ومشاطة، وجُف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان".


قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: "والله لكأن ماءها نُقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين"، قلت: يا رسول الله، أفأخرجته؟ قال: "لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثوِّر على الناس منه شرًا"، وأمر بها فدُفنت"[216].


قال الحافظ: "قوله: باب السحر".
كذا وقع هنا للكثير وسقط لبعضهم، وعليه جرى ابن بطال[217] والإسماعيلي وغيرهما، وهو الصواب؛ لأن الترجمة قد تقدمت بعينها قبل بابين، ولا يعهد ذلك للبخاري إلا نادرًا عند بعض دون بعض.


وذكر حديث عائشة من رواية أبي أسامة فاقتصر الكثير منه على بعضه من أوله إلى قوله: يفعل الشيء وما فعله.
وفي رواية الكُشميهني: أنه فعل الشيء وما فعله.
ووقع سياق الحديث بكماله "1061أ" في رواية الكشميهني والمستملي...


إلى أن قال: واستدل بهذا الحديث على[218] أن الساحر لا يُقتل حدًا إذا كان له عهد، وأما ما أخرجه الترمذي من حديث جُندب رفعه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف"[219]، ففي سنده ضعف فلو ثبت لخُص منه من له عهد، وتقدم في الجزية من رواية بجالة أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة[220]، وزاد عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار في روايته، عن بجالة: "فقتلنا ثلاث سواحر[221]" أخرج البخاري أصل الحديث دون قصة قتل السواحر[222].


قال ابن بطال[223]: لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك[224] والزهري إلا أن يقتل بسحره فيُقتل، وهو قول أبي حنيفة[225] والشافعي[226].


وعن مالك[227]: إن أدخل بسحره ضررًا على مسلم لم يعاهد عليه نقض العهد بذلك فيحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتله أن يثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار، وهو من نمط ما راعاه من ترك قتل المنافقين سواء كان لبيد يهوديًا أو منافقًا على ما مضى من الاختلاف فيه، قال: وعند مالك[228] أن حكم الساحر حكم الزنديق فلا تقبل توبته، ويقتل حدًا إذا ثبت عليه ذلك، وبه قال أحمد[229].


وقال الشافعي[230]: لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره فيُقتل به، فإن اعترف أن سحره قد يقتل وقد لا يقتل وأنه سحره وأنه مات، لم يجب عليه القصاص ووجبت الدية في ماله لا على عاقلته، ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة.


وادَّعى أبو بكر الرازي في "الأحكام[231]" أن الشافعي[232] تفرَّد بقوله: إن الساحر يُقتل قصاصًا إذا اعترف أنه قتله بسحره، والله أعلم.


قال النووي[233]: إن كان في السحر قول أو فعل يقتضي الكفر كفر الساحر، وتقبل توبته إذا تاب عندنا، وإذا لم يكن في سحره ما يقتضي الكفر عُزر واستتيب[234]" "1061ب".


وقال البخاري أيضًا: "باب: إن من البيان سحرًا".
حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرًا" أو: "إن بعض البيان لسحر"[235].


قال الحافظ: "قوله: باب إن من البيان سحرًا، في رواية الكُشميهني والأصيلي: "السحر"[236].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]