بسم الله الرحمن الرحيم
رؤوس نصائح للمقبل على خطبة الوضائح[1]
أ. رضا جمال
ثم يا صاحبي، يا أبا الفوارس، عليك بالنظر الجيِّد الحاد، فعلى هذه النظرات ستنبني عِشرة العمر، وما أدراك ما هذه العشرة؟! فكُنْ حاذقًا فَطِنًا، ملاحظًا دقيقًا، واهتم واعتَنِ بأمور:
الدِّين: كيف خوفُها مِن الله؟ وهل تُحْسن أن تَتَّقي اللهَ فيك؟ فليس النِّقابُ كلَّ التديُّن.
الحياء: حياء المرأة تاجُها، وأغلى ما فيها، فانظر هل هي مقتدية بمن جاءت نبيَّ الله موسى على استحياء، كما قال الله - تعالى -[5] أو هي تابعة للكاسيات العاريات، المائلات المُميلات؟ فإنْ كانت الأولى، فبها قريرُ العين فاشْدُد، وإن كانت الأخرى، ففرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد.
أمور البيت: المرأة الماهرة في أمور الطبخ وشؤون المنزل، النظيفة المنظمة - مُريحة لزوجها، ناجحة في تربية أولادِها، وهذه أمورٌ مهمة يا أبا الفوارس، فلا يفوتنَّك السؤالُ عن هذا، والتأكُّد من أنَّها ماهرة في هذه الأمور، فإنَّها محل رعايتها، فالمرأةُ راعية في بيت زوجها، كما قال نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - فانظر: هل تستطيع أن ترعى بيتكَ، وتقوم على شؤونك وشؤون أولادك، أو لا؟!
ولا يغرنَّك أن هذه أمور يسيرة وسهل تعلُّمها، فقد قدمت لك في حكاية عن صاحبي الذي طلق زوجته، وعانى الأَمَرَّين أنَّ عَجْزَها عن القيام بشؤون بيتها، كان سببًا في هدم بنيان الأسرة المتين، وانحلال عقد الزواج الوثيق.
وانظر يا أبا الفوارس في وضْع الأسرة، هل هي مترابطة متراحمة، متواصلة متآلفة، أو أنَّها متفكِّكة متشاجرة، متدابرة متقاطعة، كما هو حال كثير من الأسر اليومَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟
فإنَّ لظروف النشأةِ تأثيرًا كبيرًا على الفتاة، ولا شك أنَّ هذا يؤثر عليها بعد الزواج إيجابًا وسلبًا، فاعرف الحال، وضَعْ له المناسب من الحل.
حاول أن تتعرفَ على صفات فتى أحلامها، وعروس خيالِها، وهل أنت مناسب لها أو لا؟ وهل صفاتك هي الصفات التي تحلُم بها، وترْضاها في شريك عمرها؟
واحذر أشدَّ الحذر أن تنكحَها وهي غير راضية عنك، أو غير مقتنعة بك.
انظر يا أبا الفوارس:
هل التكبُّر والعناد من صفاتها؟ فإن أتعسَ رجلٍ رأيت الذي ابتُلي بامرأة عنيدة، فإنَّها تُقِضُّ مضجعه، وتؤرِّق مهجعه، وأسعدُ مَن رأيت الذي رُزِقَ بامرأة مُتواضعة مُواتية، خاضِعة خاشعة، ذليلة لزوجها، عزيزة بطاعة رَبِّها، يا لها من زوجة.
كذلك: هل من اللواتي يُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتها، أو من اللاَّئي يردن الله ورسوله والدار الآخرة؟!
وكن - يا صاحبي - متوسطًا عدلاً، غَيْرَ غالٍ أو مُجافٍ، فلا تتشدد في المواصفات، ولا تهمل المُهِمَّات.
واعلم أنَّ سَعْيَ بني آدم شتى، ولكلِّ إنسان صفات ورغبات، وهو يعلم الزوجة المتوافقة مع صفاته ورغباته، فاخترْ لنفسك يا أخا العرفان.
ثم في فترة الخطوبة:
التزم تقوى الله - عزَّ وجلَّ - في هذه الفترة، يُبَارِكْ لك في الزواج كلِّه، كما قالت إحدى المخطوبات لخاطبها: "نريد تقوى الله في هذه الفترة؛ حتى يباركَ لنا في باقي الفترات"، وهذا لسانُ حال كُلِّ أخت صالِحَة فاضلة، فاحذرْ ما عليه أكثرُ الناس في هذه الأيام من المخالفات الرَّهيبة، الأشياء الفظيعة التي يَنْدَى لها جبينُ كل مسلم غَيُور، حتى إنَّه ليصدُق على الخاطب أنَّه زوج لها، ولكن يبقى الدخول.
واعرف حدودَك الشرعيَّة كخاطب، وهي باختصار شديد[6]:
الخِطبة مجرَّد وعد بالزواج وليست أمرًا مُلْزِمًا، بل يَجوز لكُلٍّ من الطرفين فسخُها، ولكن ينبغي الوفاء بها ديانةً إذا لَم يكن ثَمَّ مُسَوِّغٌ شرعي لفسخها، لا سيما أنَّ ذلك قد يؤدِّي إلى إعراض الخُطَّاب عنها.
فالرجل ما دام خاطبًا لامرأة ولَمَّا يعقد عليها بعدُ، فهي تُعَدُّ أجنبِيَّة عنه، سواء كانت من أقربائه أم لا، فلا يراها ولا تراه إلاَّ لحاجة، وبحضرة أحد مَحارمها، وأمَّا الخَلْوة من غير محرم لها فلا تَجوز بحال، وهو أجنبي عنها، فهو كغيره من الرِّجال الأجانب، إلا أنَّه لا يَجوز لأحد أن يَخطُبَ على خِطْبته بعد أن ركنت إليه، فهذا ما يُميِّزه عن غيره، فلا يجوز له الاستمتاع بها بالنظر إليها، ولا الخلوة معها، أو الخروج بها، إلاَّ بعد عقد الزواج.
• وليس للخاطب أن يتكلَّم مع مخطوبته بالكلام العاطِفي، ولا أن يَمَسَّ يدها؛ لأنه أجنبي، عنها كسائر الأجانب، ولا ينبغي لأحد أن يتساهل في هذا الأمر، فلا يراها ولا تراه، إلاَّ لحاجة وبحضرة أحد محارمها.
• وأمَّا الخلوة مِن غير محرم لها، فلا تجوز بحال، وإذا حصل كلامٌ أو مراسلة بين الرجل ومَخطوبته لحاجة دعَتْ إلى ذلك، فليبتعدا عن الخضوع بالقول، وليجتنبا ما لا يليق، وليكن بالمعروف الواضح، ويجب سَدُّ باب الفتنة، خصوصًا أنَّ نفوسَ الخاطبِين ميالة إلى المخطوبات، ونفوس المخطوبات ميالة إلى الخاطِبين.
• والتزم الأخلاقَ الرفيعة، والآداب الشريفة مع أهل مَخطوبتك جميعًا، فعَمَّا قريب سيصيرون أصهارَك، وأرحامًا لأولادك، وأنت بهذا تَجعلهم آمنين على ابنتهم، واثقين فيك، فقد ملكوك كريمتهم، وثَمَرة فؤادهم.
وأخيرًا أهمس في أذنك يا أبا الفوارس، وهي همسة لكلِّ فارس:
• العمل والاختلاط، وكثرة رُؤية المرأة للرِّجال مُختلفي الخِلْقة والخُلُق - داءٌ عُضال، فاحذر منه أشَدَّ الحذر، بل فِرَّ منه فرارَك من الأسد.
وبالطبع أنا لا أُنكر دَوْرَ المرأة الصالح المُصلح في الأعمال الخاصَّة بالنساء، ولا أحيف وأظلم المرأة التي اضطرت للخروج من بيتها والسَّعي على أولادها، أو على أبويها الكبيرين، أو غير ذلك، وهذه ضرورة تقدر بقدرها، وعذر معتبر شرعًا، اعتذر به بنتا الرَّجُلِ الصالح صِهر النبيِّ الكريم الكليم موسى بن عمران - عليه وعلى نبينا أفضلُ الصلاة وأزكى السلام - لَمَّا سألهما عن خَطْبِهِما: ﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23]، ولكن هذه المرأة استعلت على الحياء في عملها المضطرة إليه، وما تكلمت مع الرجال إلا بقدر الحاجة؛ ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25]، فافهم هذا جيدًا.
• المال والإنفاق، وما فضَّلَك الله به مقومات القوامة، وإذا كان للمرأة وظيفة ودخل ومال، وتُسهم في الإنفاق، نقصت قَوامةُ الرجل ولا شك، فمستقلٌّ ومستكثر.
وهناك نفوس شريفة، ونساء فاضلات عاقلات، مُعينات لأزاجهنَّ على لَأْوَاء الحياة ومَصاعبها، سيدتهن وأمهن خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - التي واستْ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمالها، وأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك مُثنِيًا عليها مادحًا لها - كما أخرجه أحمد في مسنده[7].
وبهذا تطيب الحياة وتجمُل المشاركة ويتوحَّد الهمُّ، ويبارك الله في الحياة والذُّرِّية، ولكني أخاطبك ناصحًا منبِّهًا، وقد غيَّر كثيرًا من الأحكام فسادُ الزمان.
• المرأة العاملة تنشغل عنك، وعن أولادك، فهل تتركُ أولادَك بين أمٍّ تَخلَّت وأبٍ مشغول، فيكونوا أيتامًا وأبواهم أحياء؟!
المرأة التي ترى نفسَها أعْلى من زوجها، خصوصًا في العلم مَدعاة لتكبُّرِها وتعاليها عليك، وليس بهذا تُبنَى الأُسَر، وما هكذا يا أبا الفوارس تُورَد الإبل.
وأرجو أن يكون حديثي هذا ليس فيه ظُلْم لأحد، فالصالحات كثيرات، العالمات الفاضلات المتواضعات، ولكني تحدثت حديثَ الناصح الشَّفُوق، الحاثِّ على التبصُّر والتأمُّل قبل الإقدام على أعظم الأمور، يَحثُّني في هذا قوله - تعالى -: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [النساء: 94]، وقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71] على عموم لفظهما، لا على خصوص سببهما.
ثم العقد والزواج لهما حديث آخَر.
والحمد لله بَدْءًا ومُنتهى
[1] أعني بـ(الوضائح) جمْع (الوضيحة): الشبحَ الذي يَضَح للإنسان، ويبدو له شخصُه غيرَ جليٍّ من بُعْد، والذي هو الظلُّ والخيال، والذي هو شبَح بلا رُوح؛ المعجم الوسيط (1/470)، (2/1039).
[2] ينظر: "مختصر منهاج القاصدين"، للمقدسي، (2/9).
[3] "فتاوى في الطب والرقية"، (2/3) بتصرف.
[4] "دروس"، للشيخ محمَّد المنجد، (87/3).
[5] أعني قوله - جل ذكرُه -: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25].
[6] هناك فتاوى ومقالات متعددة في هذا، اختصرت بعضها، مستفيدًا من: فتاوى الشبكة الإسلامية، وموقع الإسلام سؤال وجواب للشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله تعالى ونفع به، وجميع علمائنا.
[7] ونصُّه: عن عائشة قالت: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكَر خديجة أثنى عليها، فأحسن الثناء، قالت: فغِرْت يومًا فقلت: ما أكثرَ ما تذكرها حمراء الشدق! قد أبدلك الله - عَزَّ وجَلَّ - بها خيرًا منها، قال: ((ما أبدلني الله - عَزَّ وجَلَّ - خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله - عَزَّ وجَلَّ - ولدَها إذ حرمني أولادَ النساء))، وقال شعيب الأرنؤوط معلقًا: حديث صحيح، وهذا سند حسن في المتابعات؛ (6/117).