عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-12-2020, 09:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,910
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الأخلاق وحاجة الطالبات إليها

مفهوم الأخلاق وحاجة الطالبات إليها

هند بنت مصطفى شريفي





2)) الترابط القوي بين الأخلاق والشريعة: وهذا كذلك يتضح من جانبين:



الجانب الأول: أنه مع كل أمر شرعي يوجد أمر أخلاقي يعطي الإنسان المعنى الروحي الذي يرتفع به عن مستوى الأداء التكليفي، ويشيع في جوانبه الإحسان والإخلاص، فالمؤمنة حين تقوم بالعبادات والفرائض الإسلامية من صلاة وصيام وغيرها تتحلى بآدابها وأخلاقها الخاصة بها، وتستمتع بجني ثمراتها الأخلاقية، فهي حين تصلي تنهاها صلاتها عن الفحشاء والمنكر، وحين تبذل زكاتها تطهر وتزكي نفسها، وحين تحج تتعود على الصبر والإيثار والبذل[24]، فقيامها بأنواع العبادات يقوِّم أخلاقها، لما للعبادة من أثر مبارك في تزكية النفس وتسهيل اكتساب الأخلاق الحسنة ومحو الأخلاق السيئة.







الجانب الثاني: أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة يدفع المسلمة إلى تطبيق الشريعة الإلهية، فمن كانت متّصفة بحب الحق وإيثاره، دفعها ذلك إلى طاعة الله والقيام بشرائعه الحق التي فرضها على عباده، وكذلك الابتعاد عما نهى عنه من المحرمات، ودفعها إلى شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، كما أن من تتمتع بخلق العدل، فإنها تلتزم بأحكام المعاملات المالية[25]، وتقوم بأداء الأمانات والحقوق إلى أهلها، ومن تحلّت بخلق حب الخير للناس والبعد عن الأثرة والأنانية، زادها ذلك حرصا عليهم وحبا لهدايتهم، وعملا على استقامتهم على طريق الخير والفلاح، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.







3)) إن دائرة الأخلاق في الإسلام واسعة شاملة: فالأخلاق الإسلامية ليست هي التي تُعرف عند بعض الناس بالأخلاق الدينية، التي تتمثل في أداء الشعائر التعبدية واجتناب المحرمات فحسب؛ بل هي أخلاق تسع الحياة بكل جوانبها، فهي لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو جماعية، إلا ورسمت لها المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، فما فرّقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين، وباسم الفلسفة، وباسم الأعراف والتقاليد، قد ضمه النظام الأخلاقي في الإسلام في تناسق وترابط؛ وزاد عليه وأكمله[26].







4)) مما يؤكد أهمية موضوعات الأخلاق في دعوة الطالبات، صدور الأمر بشكل صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالتزامه، كقوله: ((وخالق الناس بخلق حسن))[27]، وأمره الفتاة المسلمة بالالتزام الخلقي في جزئيات الحياة، مثل الزواج، فالخلق شرط أساس في قبول زواج الفتاة المسلمة من الرجل الصالح، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))[28]، فجمع بين الدين الذي تتحقق به تقوى الله وصلاح النفس، وبين حسن الخلق الذي تتحقق به الألفة بين الزوجين وتدوم العشرة الحسنة والسعادة الأسرية.







5)) أن للأخلاق الفاضلة آثارا مباركةً على الدعوة الإسلامية وعلى الحياة الاجتماعية قديما وحديثا، فهذا الأكثم بن صيفي[29] يرسل من قومه رجلين ليأتياه بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذهبا فسألاه عن رسالته فقال: ((أنا محمد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله، ثم تلا عليهما قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[30]، فرجعا بذلك إلى الأكثم فقال: أي قوم إنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا أذنابا.[31]







وقال مسلم معاصر من بلاد الهنّد يدعى (رودريك): (إن تعاليم الإسلام الخلقية تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، فيستطيع الإنسان بفضلها أن يتعرف إلى الله، ويصبح ربانيا، بينما يكون منهمكا في شؤون حياته اليومية... فمن واجب الدولة المسلمة أن تراعي معاملاتها نفس المبادئ الخلقية المفروضة على الأفراد، فالسياسة في الإسلام أخلاق أولا وقبل كل شيء).[32]







ومثله المسلم الهولندي د. ميلما، الذي شعر برابطة الأخوة الإسلامية وتأثر بها، وبدأ يكتشف قيم الإسلام العظيمة، فقال: (إن شعب باكستان المسلم جعلني أفهم أن الإسلام ليس فقط مجموعة من الشرائع والقوانين، وإنما تعلمت منهم أن الفضائل الخلقية في الإسلام تأتي أولا، وإن العلم لا بد أن يؤدي إلى الإيمان)[33].







6)) إن للأخلاق ثمارا مباركة فيما تتركه على المؤمنة من آثار في علاقتها مع ربها ومع نفسها ومع الآخرين، فتحليها بالأخلاق الإسلامية يكسبها رضا الله تعالى، ومحبة الله تتحقق مع خلق الصبر كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [34]، كما تتحقق مع القسط والعدل، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[35]، كما تنال المؤمنة الصادقة رضوان الله وجناته ونعيمه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾[36].







ويعود حسن الخلق عليها بالراحة النفسية وانشراح الصدر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن أثر التحلي بالمكارم: (فالبر والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر، بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعا وبسطا عما كان عليه قبل ذلك، فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والإحسان بسطه الله وشرح صدره، والفجور والبخل يقمع النفس ويضعها ويهينها، بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق) [37]، كما أن الطالبة إذا حسنت أخلاقها قويت علاقاتها الاجتماعية بمن حولها؛ فيكثر أحباؤها ويقلّ أعداؤها، وتلين قلوب الناس لها، وينقلب العدو لها صديقا، وذلك كما قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾[38].







7)) إن هذه المرحلة تتميز بتكامل النمو العقلي والنفسي والاجتماعي، وارتباط ذلك كله بالنمو الخلقي، وهذا التكامل في النمو أساس التكليف وتحمل المسؤولية أمام الله تعالى، ففي (هذه المرحلة - وهي مرحلة البلوغ والمراهقة - يبدأ النمو الخلقي في الرسوخ والثبات، ويتكامل بتكامل النضوج العقلي والنفسي والاجتماعي في نهايتها، وبذلك يصبح الإنسان قادرا على ضبط نوازعه، والتحكم في دوافعه، وإخضاع ذاته للمثل العليا التي تشربّها ورسخها في داخل نفسه، وجعلها معيارا لمواقفه الأخلاقية وتصرفاته السلوكية، والالتزام الذاتي بها، بغضّ النظر عن وجود السلطة الخارجية، المتمثلة في القوانين والنظم والعرف والعادات والتقاليد والرقابة الاجتماعية أو غيابها)[39].







8)) إن الأخلاق مهما رسخت في نفس الطالبة، فهي قابلة للتغيير والتعديل، وقد حث تعالى على مخالفة هوى النفس، وأمر بمجاهدتها لئلا تصده عن الخير، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [40]، ومن ذلك تغيير ما جبلت عليه أو اكتسبته من أخلاق ذميمة، وإبدالها بالفضائل والمحاسن، ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما أمر الشارع بوجوب تحسين الأخلاق في آيات وأحاديث كثيرة، وإن كانت أخلاق البهائم قابلة للتغيير، فخلق الإنسان من باب أولى، وتغيير الخلق يكون بالمجاهدة ورياضة النفس، والمقصود بالرياضة: حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، والمواظبة عليها وتكلّفها، حتى يصير ذلك طبعا وصفة راسخة في النفس، فتيسر على الإنسان صدور تلك الأخلاق منه بيسر وسهولة[41].







فتُعرّف الطالبة على وسائل اكتساب الأخلاق الحميدة، وإزالة الأخلاق السيئة، كالتدريب العملي والرياضة النفسية، والغمس في البيئات الصالحة، وإبراز القدوة الحسنة أمامها، ومراعاة الأعراف والضغوط الاجتماعية، مع تصيد المناسبات الملائمة للتوجيه الأخلاقي، والعمل على إيجاد الحافز الأخلاقي الذاتي لديها.[42] ولو لم تنجح دعوة الطالبة في محو وإزالة بعض الأخلاق السيئة وتغييرها لدى الطالبة، فلا أقل من تهذيبها وضبطها ما أمكن، للتقليل من آثارها السيئة على الطالبة ومن حولها.







[1] مسند الإمام أحمد، سبق تخريحه ص 69.



[2] سورة النحل: جزء من آية 90.



[3] متفق عليه: سبق تخريجه ص 71.



[4] صحيح مسلم ،سبق تخريجه ص 104.



[5] ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس،، فصل الخاء من باب القاف 6/337.



[6] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/70.



[7] إحياء علوم الدين: الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي 3/53، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ط: بدون ت: بدون.



[8] إحياء علوم الدين 3/53.



[9] مجموع الفتاوى 10/658.



[10] صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شؤم ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/2088 ح 2722.



[11] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عيد الرحمن الميداني 1/178.



[12] باختصار: الإيمان: شيخ الإسلام ابن تيمية ص 22.



[13] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق ص 728 ح 4798، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/178 ح4798.



[14] عون المعبود 4/154.



[15]سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق 4/363 ح 2004 وقال: حديث صحيح غريب واللفظ له، ومسند الإمام أحمد 2/442، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/194 ح 1629.



[16] الفوائد ص 81.



[17] سورة البقرة: جزء من آية 264.



[18] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 ح 91.



[19] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم 4/1996 ح 2578.



[20] سورة الشمس: الآيات 7-10.



[21] ينظر: دستور الأخلاق في القرآن، دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن: د. محمد عبد الله دراز ص 678 تعريب وتحقيق: د. عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة ودار البحوث العلمية، ط:4، 1402هـ/1982م.



[22] سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه 5/9 ح 2612، وقال: هذا حديث حسن صحيح.



[23] نزهة المتقين شرح رياض الصالحين: د. مصطفى سعيد الخن وآخرون 1/527، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:1، 1397هـ/1977م.



[24] ينظر: الخصائص العامة للإسلام: د. يوسف القرضاوي ص 183، وثوابت ضرورية في فقه الصحوة الإسلامية: د. عبد الحليم عويس ص 122، دار الصحوة للنشر، القاهرة، ط:1، 1414هـ/1994م.



[25] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 1/29.



[26] ينظر: الخصائص العامة للإسلام: د. يوسف القرضاوي ص 110.



[27] سنن الترمذي، سبق تخريجه ص 72.



[28] سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه 3/386 ح 1085، وقال: حديث حسن غريب.



[29] الأكثم بن صيفي بن رباح التميمي، الحكيم المشهور، كان من المعمرين، قيل:إنه ركب متوجها إلى المدينة ليسلم، فمات في الطريق، فنزل فيه قوله تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا.. وقيل نزلت في غيره.ينظر: الإصابة في أسماء الصحابة 1/110.



[30] سورة النحل: جزء من آية 90.



[31] ينظر: الإصابة في أسماء الصحابة1/110.



[32] رجال ونساء أسلموا: عرفات كامل العشي 6/114، دار القلم، الكويت ط:3، 1389هـ/1978م.



[33] رجال ونساء أسلموا :عرفات العشي 6/121. وينظر شواهد أخرى في كتاب قالوا عن الإسلام: د.عماد الدين خليل ص 184/195/199، من إصدارات الندوة العالمية للشباب الإسلامي الرياض ط:1، 1412هـ/1992م.



[34] سورة آل عمران: جزء من آية 146.



[35] سورة المائدة: جزء من آية 42



[36] سورة المائدة: جزء من آية 119.



[37] مجموع الفتاوى 10/629.



[38] سورة فصلت: جزء من آية 34.



[39] أسس التربية الإسلامية: د. عبد الحميد الزنتاني ص 660.



[40] سورة النازعات: الآيتان 40-41.



[41] ينظر: إحياء علوم الدين 3/55-59، وينظر: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية: د. محمد عبد الله دراز ص 93-110، دار القلم، الكويت، ط:4، 1414هـ/1994م.



[42] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 1/207-221.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]