سلسلة مغامرات "أبو الأشبال" (1)
سيد مبارك
الفهد المصري
تعمق أبو الأشبال داخل المقابر، يبحث عن أي شيء يدله على قبر الأفاعي، وفجأة تناهى إلى سمعه صوت قريب، أقرب مما يتصور، فحبس أنفاسه، وأخذ يدنو من مصدر الصوت، فوجد نفسه أمام مقبرة كتب على بابها: "قبر المرحوم أنور الفأر".
كان الباب مرتفعًا، فأخذ حجرًا، ونقله بحرص قريبًا من الباب؛ ليقف عليه، ونظر من شقوق الباب، فرأى رجلاً أنيقًا في ملبسه، يقول بلهجة آمرة لرجل في مواجهته مفتول العضلات:
اسمع يا عقرب، إننا مقبلون على صفقة العمر، لا أريد أي أخطاء، واجمع رجالك، وسنتقابل هنا في تمام الساعة الواحدة ظهرًا في المقبرة، أريد أن أنتهي من هذه الصفقة سريعًا.
قال الرجل العقرب: مفهوم يا أستاذ أنور.
اصمت أيها الغبي، لقد حذرتك أن تنطق باسمي مهما كانت الأسباب، لا تنادِني إلا بالاسم الحركي: "الفهد" "الفهد المصري"، هل تفهم؟!
قال العقرب: نعم.. نعم، وأنا أعتذر.
فقد كان يعلم أن "أنور" الفأر رجل مثقف، نال قسطًا وافرًا من التعليم العالي؛ فهو خريج كلية "الألسن" بجامعة القاهرة، ويتكلم ثلاث لغات بطلاقة، وهو معروف على المستوى المحلي والدولي؛ فهو مجرم مطلوب القبض عليه في 12 دولة لزجه في السجن؛ لجرائم خطيرة لا حصر لها؛ قتل، واختطاف، وسرقة، وتجارة المخدِّرات... إلخ.
ولكنهم لم يفلحوا أبدًا في القبض عليه؛ لذكائه، وأناقته، وقدرته على التنكر، وتغيير هيئته، فضلاً على أنه يمارس عملاً مشروعًا كستار لجرائمه.
"شركة أنور الفأر للنقل والسياحة".
وسفره الدائم لعقد الصفقات لا يثير الريبة؛ لطبيعة شغله؛ فهو دائم الترحال، وهذا جعل البوليس المحلي والدولي المعروف بـ "الإنتربول" عاجزًا عن القبض عليه؛ لسبب بسيط جدًّا، هو أنه مجرم معروف بالاسم الحركي "الفهد المصري"، فجهل البوليس باسمه الحقيقي هو السبب في اختفائه، فكلما ظنوا أنهم على وشك القبض عليه، يفلت من بين أيديهم، ويعود لشخصيته الحقيقية حتى تهدأ الأمور، ثم يضرب ضربة أخرى، وهكذا دواليك.
أما أعوانه، فهم لا يعرفونه إلا بهذا الاسم "الفهد المصري"، ولو شاهدوه في هيئته الحقيقية لن يتعرفوا عليه أبدًا؛ فهو لا يظهر لهم إلا متنكرًا، وهو أستاذ في هذا المجال، حتى إن أمه تعجز عن أن تعرفه لو التقت به مصادفة!
دار ذلك كله في عقل العقرب؛ اليد اليمنى لأنور الفأر، أو الفهد المصري.
لكل هذا كان يخشاه ويهابه، ويدين له بالفضل في عالم الإجرام...
هل أنت نائم يا عقرب؟ قالها "أنور" في غيظ شديد من مساعده الأبله.
قال العقرب: آسف، لقد مر عليَّ شريط من الذكريات الجميلة معك في لحظة خاطفة، فلم أنصت لما قلته جيدًا.
قال أنور في عصبية وغضب شديدين: كيف أفلت منك الصبي هكذا بسهولة؟
ثم قال في سخرية لاذعة: هل أصبحت ضعيفًا يا عقرب لا سم لك؟!
قالها بتهكم وهو ينظر إليه.
فقال العقرب: لقد تعرض للدغ الثعابين في المقبرة، وعندما خرج آذيته بشدة، وكنت أنوي قتله، لكنه غافلني وهرب.
يفلت منك صبي صغير بعد أن سمعك تناديني بالفهد، وعرف أسرارنا، وتجسس علينا، وأدرك أننا نحتفظ بالمخدرات في المقبرة، بل دخلها وأنت في غفلة، ولولا حضوري لاستطاع إبلاغ أهله أو البوليس، ونصبح كلنا في خطر، أليس هذا خطأ يستحق القتل؟! قالها وهو يشهر مسدسه في وجه العقرب الذي ظهرت على وجهه علامات الرعب.
فبادر يقول: قلت: إنني أخطأت، وتعلم مدى حرصي على سلامتك، ولكن كما يقال: لكل جواد كبوة.
تغيرت ملامح أنور أو الفهد - كما يحب أن يناديه أتباعه - واشتد غضبه وثورته، وهو يجاهد ليكتم غيظه.
حسنًا.
وتوقف فجأة عن الكلام؛ فقد أدرك أن العتاب لا جدوى منه.
ولكنه قال في صرامة: لا أريد أخطاءً أخرى؛ فأكبر صفقة لنا ستتم غدًا، الساعة الثالثة عصرًا، عند تمثال "أبو الهول"، وربما تكون هذه الصفقة هي الأخيرة، ونعتزل حياة الإجرام إلى غير رجعة، ونعيش بما نجنيه من هذه الصفقة من الأموال حياة هنيئة، هل كلامي واضح؟ قال العقرب: نعم.
وزفر الفهد بقوة، ثم قال - والشرر يتطاير من عينيه -: وليكن معلومًا لك ولرجالك جميعًا أن من لا ينفذ ما عليه حرفيًّا، سيكون مصيره هكذا، وأمرَّ يده على رقبته، ففهم العقرب ما يقصده، واستوعبه على الفور.
ووقف أبو الأشبال يرهف السمع، والفهد يبين للعقرب مكان إتمام الصفقة، وموعدها، وخطته لخداع البوليس، ولقاء تجار المخدِّرات، و...، وفجأة، حدث ما لم يكن في الحسبان، حدث ما جعل حياة "أبو الأشبال" في خطر محدق، وقد لا يخرج من المقابر أبدًا!
زلت رِجل "أبو الأشبال" من على الحجر، ووقع على الأرض محدثًا جلبة وصوتًا، وكان هذا كفيلًا بكشف أمره.
وصاح العقرب: هناك دخيل.
قال أبو الأشبال لظريف: الفت انتباه العصابة.
وأسرع أبو الأشبال يستتر خلف جدار مقبرة قريبة، وحبس أنفاسه المتلاحقة.
ونفذ ظريف أمر "أبو الأشبال"، واصطنع جلبة؛ فهز جناحيه بقوة، وأخذ يتخبط في حائط المقبرة كالمجنون.
في الوقت نفسه خرج العقرب حاملاً مسدسه، ورأى "ظريف"، وتعجب من صنيعه، قائلاً: طائر مجنون، وأمسك حجرًا صغيرًا، وقذفه في اتجاه ظريف، وأردف: ابتعد أيها الطائر الغبي.
سمع ظريف العبارة، وأدرك معناها، وكظم غيظه، وانحرف؛ حتى لا يصيبه الحجر، وطار بعيدًا، وهو يردد:
أنا أنقذت "أبو الأشبال"، أنا بطل الأبطال.
العقرب غبي، العقرب غبي.
وخرج أنور من المقبرة قائلاً: هل وجدت شيئًا؟
قال العقرب: نعم، طائر غبي، أصابه مس من الجنون، ويبدو أنه كان يريد الانتحار.
هاهاها... وأخذ يقهقه بقوة؛ فقد أعجبه تعليقه.
لم يضحك أنور، وقال في خشونة للعقرب: كفى ما ضاع من الوقت، نفِّذ ما أمرتك به، واجمع الرجال هنا غدًا، والقوني داخل المقبرة في الواحدة ظهرًا، دون تأخير - ولو دقيقة واحدة - لنقل المخدرات من المقبرة قبل إتمام الصفقة عند "أبو الهول" في تمام الثالثة عصرًا، هل كلامي واضح؟
قال العقرب: نعم، وانصرف على الفور، واختفى في ظلام الليل.
كان أبو الأشبال واقفًا خلف الجدار، ورأى "أنور" أو الفهدَ وهو يقترب في اتجاهه، وأخذ يقترب، ويقترب.
ترى، هل كشف أمره؟ خطوات قليلة وينكشف أمره، ولكن، كان الله تعالى رحيمًا به.
توقف أنور قرب الجدار مباشرة، ثم استدار نحو باب المقبرة التي يستتر بالجدار القريب منها.
وسمع أبو الأشبال صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب، وصوت باب يفتح ويغلق.
وهنا فقط خرج من مكانه، ونظر للمقبرة التي دخلها أنور.
سبحان الله! قالها أبو الأشبال عندما نظر للمكتوب على باب المقبرة؛ مقبرة الأفاعي.
وأخيرًا.
الحمد لله، لقد أدرك الآن سرها، وأنها وكرٌ وستار لحفظ المخدرات عن عيون المتطفلين، لقد بلغ الآن هدفه، وعليه أن يتحرك بسرعة.
عاد أدراجه خلف الجدار، ينظر حوله، يبحث عن ظريف، فوجده يقف على سطح مقبرة قريبة، فأشار إليه إشارة دربه عليها، إشارة يفهم منها أنه يحتاج إليه في مهمة خطيرة وحاسمة.
وجاء ظريف، ووقف أمامه ينتظر أوامره.
أخرج أبو الأشبال من حقيبة الطوارئ التي يحملها قصاصة ورق، وقلمًا، وخيطًا، وسجل باختصار كل ما سمعه، وشاهده، ثم طواها، ولفها حول ساق "ظريف"، وثبتها بخيط، ثم قال له: انطلق، وابحث عن خالد، وسلمها له، وكن حريصًا يا ظريف.
فهِم ظريف الأمر، واستوعبه، وطار على الفور.
وتنهد أبو الأشبال، وقال لنفسه: والآن حانت اللحظات الحاسمة.
إما أن ينجح في دخول المقبرة، والتأكد من وجود المخدرات، أو يكون مصيره كعاطف أو أخطر.
وفي كلتا الحالتين لا بد أن يتحرك قبل حضور رجال أنور، ولكن كيف؟
ولم يشعر وهو مستغرق في التفكير بالخطوات التي تقترب منه بحذر شديد.
لم يشعر بها على الإطلاق.
وكانت غلطة العمر.
وكان الثمن غاليًا.
حياته.
شعر بيد قوية تمسك به، تكاد تعتصره، يد شبيهة بقبضة العقرب، وشيء ثقيل يهوي على رأسه بعنف، جعل الدنيا تدور حوله، ووقع على الأرض، وقع مغشيًّا عليه أمام المقبرة؛ مقبرة الأفاعي.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
اللواء حسن الشاملي
جلس اللواء حسن الشاملي على مكتبه في مديرية أمن مدينة السادس من أكتوبر، يتصفح بعض الملفات أمامه، وقد غرق في تفكير عميق.
وأمامه كان يجلس دكتور عادل وقمر، بعد أن أخبراه بكل شيء.
ثم رن جرس التليفون، فبادر بالرد: السلام عليكم ورحمة الله، من معي؟
ثم لزم الصمت، وهو ينصت لمحدثه باهتمام شديد، ثم قال له: لحظة من فضلك.
ووجه كلامه للدكتور عادل قائلاً: يتصل بي الآن أحد ضباطنا، ويقول: إن صبيًّا كان بجواره في سيارة "ميكروباص"، ومعه ببغاء، في طريقه لمقابر أكتوبر، وذكر أن اسمه أبو الأشبال، ووافق هذا ما أخبرتني به الآن، فهل هو نفس الصبي الذي تحدثني عنه؟
أومأ الدكتور عادل برأسه، وأردف: نعم.
حك اللواء رأسه، ثم قال لمحدثه: اسمع، التزم بالخطة، ولكن اجعل سلامته لها الأولوية، مفهوم؟
ثم أغلق الخط، وقد انقلبت سحنته تمامًا، ونظر للدكتور عادل، وأردف قائلاً: أنا لا أفهم كيف يذهب صبي إلى مكان خطير كهذا دون أن تمنعه؟!
وقد تكون حياته هي الثمن، ألم تعلم يا دكتور أن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]؟
قال الدكتور عادل - وهو يهز رأسه -: أعلم بالطبع، ولكن لو عرفت "أبو الأشبال" ما استطعت أنت أن تمنعه إلا بالقوة؛ فهو صبي جريء، وذكي، ويجري حب المغامرات في دمه، ولكن...
قال اللواء حسن: ولكن ماذا؟
قال الدكتور عادل: ولكن معك حق فيما تقول، ما كان ينبغي أن يذهب إلى هناك، ويعرض حياته كعاطف للخطر، و...
قاطعته قمر: أبو الأشبال حريص كل الحرص، وقد تحرك بخطة، و...
قال اللواء حسن بدهشة: خطة!
قالت قمر - وهي تعض شفتيها ندمًا -: أقصد أن معه "ظريف".
قال اللواء حسن: من ظريف؟
قالت قمر: ظريف هو ببغاء "أبو الأشبال"، وهو عضو في فريقنا، أقصد...
قال اللواء - وقد أثار كلامها عجبه - موجهًا كلامه للدكتور عادل: ماذا تقصد هذا الصبية؟ وعن أي فريق تتكلم؟
قال الدكتور عادل: الأفضل أن تسألها هي.
نظر اللواء للدكتور عادل، ثم لقمر، وقال: حسنًا، أخبريني أيتها المغامرة بالقصة كلها.
نظرت قمر للدكتور عادل الذي أومأ لها مشجعًا، فقالت: لقد كوَّن أبو الأشبال فريقًا لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، ولقد تعاهدنا جميعًا على العمل معًا، و...
قال اللواء حسن - مقاطعًا ورافعًا يديه في حركة مسرحية -: رائع، صبي، وصبية، وببغاء.. ثم قال متهكمًا: هذا فريق عجيب حقًّا.
قالت قمر: معذرة يا حضرة اللواء، إننا جزء من الفريق، ولسنا كل الفريق، و...
رن الهاتف المحمول للدكتور عادل، فقال: معذرة للمقاطعة، ثم أردف يخاطب محدثه: وعليكم السلام ورحمة الله، ماذا تقول؟
كانت المحادثة عجيبة.
عجيبة لأقصى حد.
جعلت الدكتور ينهض واقفًا، وهو يطلب ورقة وقلمًا، ويكتب باهتمام شديد معلومات يمليها عليه محدِّثُه.
معلومات على جانب عظيم من الخطورة.
قد تقلب الأمور رأسًا على عقب.
وأنهى المحادثة قائلاً: لقد اتصل بي خالد، وأبلغني معلومات خطيرة.
قال اللواء حسن: مَن خالد؟
قالت قمر: عضو من أعضاء فريقنا لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم.
قال اللواء حسن في هستيرية: رائع، رائع، ثم نظر لقمر، وقال بلهجة لا تخلو من التهكم:
كم عمره؟
قالت قمر: 13 عامًا.
قال اللواء حسن: عظيم، أكمل يا دكتور.
قال الدكتور عادل: يقول: إن "ظريف" حضر بعد رحلة طيران مرهقة وشاقة، يحمل معه رسالة من "أبو الأشبال".
قاطَعه اللواء حسن: وظريف هذا هو الببغاء الذي يرافق "أبو الأشبال"، وهو عضو من أعضاء فريق إحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، أليس كذلك؟ قالها وهو ينظر لقمر نظرات ذات مغزى.
فقالت بتحدٍّ - وقد آلمتها سخريته اللاذعة، ونقده الجارح -: نعم.
قال: رائع، وماذا قال خالد؟
قال الدكتور: لقد سجلت المعلومات؛ فقد طلب تسليمها لك، كما أمره أبو الأشبال، وما يثير قلقي أنه أخبرني أنه سوف يذهب لنجدته، ومعه "برق"، فكل دقيقة تضيع تجعل حياته في خطر محدق.
قال اللواء: لحظة من فضلك، من "برق" هذا؟
ثم بادر وهو ينظر لقمر: عضو آخر في الفريق، هل هو في مثل عمرك؟
قالت قمر: "برق" هو كلب خالد، وليس إنسانًا، وهو العضو الخامس في فريقنا.
قال اللواء حسن: كلب!
زفر اللواء حسن بقوة، وأردف: ما الذي حدث في الدنيا؟! صبيَّان وصبيَّة وببغاء وكلب يأخذون من وقتنا الكثير، ثم نحاول إنقاذهم على حساب أمن البلد وسلامتها، ما هذا الجنون؟!
ثم نظر بعصبية للدكتور عادل، وقال في ضيق: إن وقتنا ثمين جدًّا يا دكتور عادل، وأنت تعلم ذلك، وإننا نتعامل مع مجرمين وقتلة، وليس عندنا وقت لطيش هؤلاء الصِّبية.
قال الدكتور عادل: وهذا يثير خوفي وقلقي، إنني أعتبر نفسي مسؤولاً عنهم الآن، ولقد فات أوان العتاب، والمهم الآن إنقاذ "أبو الأشبال" وخالد.
ثم زفر بقوة، وأردف: ورجاءً - بحق الصداقة التي بيننا يا حضرة اللواء - أنقذْ حياة هؤلاء الصبية، وأعدك بأنني سأتكلم معهم، وأحاول إقناعهم بخطورة ما يفعلونه.
قال اللواء: هذا واجبنا يا دكتور من غير أن تطلب.
قال الدكتور عادل - وهو يمسك بيد قمر لينصرفا -: شكرًا لك، ولن أضيع وقتك أكثر من ذلك، وها هي المعلومات التي أبلغني بها خالد، لعلها تفيدك.
قال اللواء حسن بغير اكتراث: لا أريد أي معلومات من هؤلاء الصبية، ثم نظر إلى قمر، وقال: أنا لا أقصد الإهانة يا قمر، ولكن نحن هنا في المديرية لا نمثل فيلمًا للأطفال، ونحن - كما قلت - نتعامل مع مجرمين وقتلة، وعصابات منظمة، لا تأخذهم رحمة ولا شفقة بمخلوق، في سبيل تحقيق غاياتهم وجرائمهم.
قالت قمر - وهي تفلت يدها من بين يدي الدكتور عادل، موجهة كلامها للواء حسن في ثقة وحزم -: حضرة اللواء، ربما كنت سيئ الظن بنا، ولكن "أبو الأشبال" غامر بحياته، وأرسل لك معلومات ترفض أن تنظر إليها، ماذا يضرك لو ألقيت عليها نظرة عابرة؟!
ابتسم اللواء - ولم يخفِ إعجابه بكلامها وجرأتها - وقال: حسنًا، هات الرسالة يا دكتور.
قال الدكتور عادل: تفضل.
نظر اللواء إلى سطور الرسالة، وأدهشه كمُّ المعلومات التي فيها، وأذهله، وأثار حيرته وتعجبه.
"أنور الفأر" صاحب شركة أنور للسياحة الخارجية بوسط البلد، هو الاسم الحقيقي للمجرم المعروف بـ: "الفهد المصري"، وهو متنكر، وفهمت من كلامه لرجل من عصابته اسمه "العقرب" - وهو يده اليمنى - أن في الساعة الواحدة ظهرًا سينقلون المخدرات من قبر الأفاعي؛ لإتمام أكبر صفقة مخدرات لهم، وسمعت الفهد يخبرهم أن ذلك سيكون عند تمثال "أبو الهول"، في تمام الساعة الثالثة عصرًا، ويتخفى التجار مع فوج سياحي يتبع شركة أنور الفأر للسياحة، ولا أعرف الطريق الذي سيسلكونه بالتحديد، وأخبر اللواء "حسن" بهذه المعلومات بأسرع ما يمكن، وسوف أحاول دخول "مقبرة الأفاعي"، ونقل المخدرات لمكان آخر؛ لإرباكهم، أسرع بالله عليك، وأحضر المساعدة؛ فقد تكون حياتي في خطر، إمضاء: أبو الأشبال.
معلومات قيمة، وخطيرة، عجز البوليس في 12 دولة أن يعرف من هو "الفهد المصري"، المطلوب لمحاكمته بتهم متعددة؛ مخدرات، جرائم قتل، مخدرات... إلخ.
وكانت الضغوط شديدة على جهاز الأمن المصري من كافة الدول الأعضاء في الإنتربول الدولي، أو المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، ومقرها في فرنسا؛ فقد كان "الفهد المصري" مصري الجنسية، ويمارس عمله غير المشروع على أرضها.
يعقد الصفقات، ويلتقي بتجار المخدرات، ولا يعرف أحد اسمه الحقيقي الذي يتخفى تحته أبدًا.
عشر سنوات أفسد فيها هذا المجرم شباب مصر والعالم بتجارة المخدرات.
قال اللواء حسن الشاملي بحزم: يبدو أنني مدين لكما بالاعتذار، لم أكن أظن لحظة أن هؤلاء الصبية، قصد أقصد: فرقة "أبو الأشبال" لإحقاق العدالة، ونصرة المظلوم - قالها بكل احترام، ومن صميم قلبه - تستطيع أن تقدم لنا هذه الخدمة الجلية - قالها وهو يمد يده لمصافحة قمر بكل حرارة وحب - ثم أخذ سماعة التليفون، وأجرى مكالمة مهمة وخطيرة، مكالمة استمرت عشر دقائق كاملة، دب على آثارها النشاط في مديرية أمن أكتوبر كلها، ثم قال للدكتور عادل وقمر: هيا بنا؛ لننقذ أبطالنا، فكل دقيقة لها ثمن، ثمن فادح للغاية.
يتبع