سلسلة مغامرات "أبو الأشبال" (1)
سيد مبارك
استيقظت أم عاطف من نومها وهي تمسك برأسها؛ لِما تشعر به من صداع، ووقع بصرها على "قمر"، فأشفقت عليها؛ لصغر سنها، ولكنها في صميم قلبها تشكرها لموقفها النبيل ولرعايتها لها طوال الليل، ولم تَشَأْ أن توقظها، فالتزمت الهدوء، وأخذت المصحف الذي لا يفارقها، تقرأ منه آيات الله تعالى؛ فهي شفاء لما في الصدور من هم، وغم، وقلق.
ولم تستطع أن تمنع دموعها وتفكيرها في ابنها عاطف، وأخذت تبكي بمرارة، وتدعو ربها من قلبها.
قلب أُمٍّ تخاف على ابنها أن يكون أصابه مكروه.
وبصوت حزين رفعت يديها تدعو ربًّا رحيمًا، وهي تتلو هذه الآية: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ثم تقول: اللهم احفظه من كل سوء، ومن كل شيطان وهامَّة، يا سميع، يا بصير، يا من تقول للشيء: "كن" فيكون.
ويبدو أن أنينها وتضرعها أيقظ "قمر"، فاعتدلت، وجلست بجانب أم عاطف وهي تطيب خاطرها، وتأمرها بالصبر، وتخبرها أن مع العسر يسرًا.
أومأت أم عاطف برأسها قائلة: ونعم بالله يا قمر، ولكن قلبي يتمزق من داخلي، آهٍ، أطلقتها أم عاطف في لوعة، وهي تتذكر مكالمة ابنها، لقد اتصل بي، وقال: إنه موجود في مدافن أكتوبر، وقال بصوت فيه رعب الدنيا كلها: إنه في خطر، ومصاب، وقد يقتله "الفهد" بلا رحمة، قالت قمر: الفهد؟! أيُّ فهد؟!
قالت أم عاطف: لا أعرف، ولكنه ذكر شيئًا عن قبر الأفاعي، اللهم احفظه برحمتك يا رحيم، واشمله برعايتك يا كريم.
قالت قمر في دهشة: قبر الأفاعي؟! ماذا كان يقصد عاطف؟!
قالت أم عاطف: وما يدريني يا بنيتي؟! لقد كان يتحدث، ثم سمعت قهقهة رجل، وصوت جسد يرتطم بالأرض، وأنا خائفة، وأظن أنه حدث له مكروه.
قالت قمر: الله خير حافظًا، فلا تخافي، وخير إن شاء الله.
قالت أم عاطف: ونعم بالله، ونعم بالله.
ثم عكفت مرة أخرى على تلاوة القرآن بخشوع، واستأذنت قمر في الرجوع لشقتها؛ لإيقاظ شقيقها؛ فقد اقترب أذان الفجر.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
اجتماع الفريق
انهض، قالتها قمر لأخيها "أبو الأشبال" وهي توقظه بلطف.
وأردفت: لقد اقترب أذان الفجر، والصلاة خير من النوم.
فتح أبو الأشبال عينيه، وارتسم على شفتيه شبح ابتسامة، وقال: كيف كانت ليلتك؟
قالت: لقد استعادت أم عاطف وعيها، وهدوءها، وإن كان قلبها يتمزق كلما ذكرت "عاطف".
قال أبو الأشبال: ما أعظمَ قلبَ الأم!
قالت قمر: وذكرت أشياء عجيبة.
أومأ أبو الأشبال مشجعًا لها على الكلام، وقد أثار فضوله وعجبه ما قالته، وأدهشه بشدة، وأردف قائلاً: لم أكن أظن لحظة أن تسوء الأمور إلى هذا الحد.
قالت قمر: ماذا تقصد؟ فأخبرها بحواره مع الدكتور عادل.
ولم يكن هناك مفر من اجتماع الفريق كله، فكل لحظة لها ثمن.
فريق كوَّنه أبو الأشبال من أصدقائه، فريق عجيب حقًّا، له مهمة وحيدة؛ هي إحقاق العدالة، ونصرة المظلوم، فريق "أبو الأشبال".
وفي أول اجتماع لهم، نظر أبو الأشبال إلى أخته قمر التي أكملت عامها الثاني عشر، ويكبرها بسنتين، وصديقه "خالد" الذي يصغره بعام، ثم نظر إلى باقي الفريق، وابتسم؛ فقد بادر العضو الثالث بالترحيب على طريقته وهو يقول:
أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".
أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".
أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".
قال أبو الأشبال: إن "ظريف" ببغاء ذكي جدًّا؛ ولهذا اخترته ليكون واحدًا منًّا.
وهنا ارتفع صوت نباح كلب، فأدرك أبو الأشبال أن العضو الرابع في فريقه يريد التنبيه لوجوده، فقال: وأنت أيضًا "يا برق"، ذكاؤك، وسرعتك، وقوتك، تدل على أنك كلب ماهر؛ فمرحبًا بك في الفريق، ومسح على ظهره تشجيعًا.
والآن إليكم خُطَّتنا.
أنصت الجميع له وهو يحكي ما مر من أحداث، وأنصت الجميع باهتمام شديد للخطة؛ ليعرف كل واحد من أعضاء الفريق دوره، وكانت خطة عجيبة وخطيرة في الوقت نفسه.
كانت الخطة تتطلب من "أبو الأشبال" أن يرافقه الببغاء ظريف إلى مقابر أكتوبر، والبحث عن مقبرة الأفاعي، وكان أخطر ما في الأمر الدخول إلى المقبرة نفسها؛ فالسر كله في داخلها، يجب أن يعرف ما الذي اكتشفه عاطف حتى كاد يتعرض للقتل، وكانت هذه مهمة "أبو الأشبال".
ومهمة خالد أن يبحث في شبكة الإنترنت عن كل ما يتعلق بالمقابر المصرية، والسر في تسمية هذه المقبرة بالأفاعي.
أما قمر، فقد أخذت الكلب "برق" لمقابلة الدكتور عادل في عيادته، وإبلاغه بما قالته أم عاطف عن الفهد وعصابته؛ لإبلاغ اللواء "حسن الشاملي".
وفي نهاية اليوم يلتقي الجميع للنظر في الخطوة التالية.
قال أبو الأشبال: أتمنى للجميع التوفيق، وعلى بركة الله.
وبدأت ساعة الصفر.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
في قلب الأحداث
انتظر أبو الأشبال أن يُتِمَّ خالد مهمته؛ لعله يدله بمعلومات من الإنترنت يهتدي بها لسر قبر الأفاعي، فلما أخبره بانعدام المعلومات على الشبكة، بدأ مهمته على الفور منذ الصباح الباكر، ومن أمام موقف السيارات في مدينة السادس من أكتوبر ركب أبو الأشبال "الميكروباص" إلى مقابر أكتوبر على طريق الواحات، ومعه ظريف.
وكان وجوده معه لافتًا للنظر، وفتح شهية الركاب للضحك، وإلقاء "القفشات"؛ فقد كان ظريفًا بحق لدرجة الخطورة.
أنا وأبو الأشبال، أنا وأبو الأشبال.
قبر الأفاعي، قبر الأفاعي.
اهرب يا فهد، اهرب يا فهد.
لم يفهم الركاب شيئًا، وضحكوا.
وخاف أبو الأشبال أن يكون مِن الركاب مَن له صلة بعصابة الفهد، وينكشف أمره، وتفشل مهمته من قبل أن تبدأ.
والعجيب أنه قد أصاب في تفكيره.
الرجل الذي يجلس بجواره نظر إليه نظرة، أدرك مغزاها، ومعناها، وخطورتها، وأدرك أن أمره قد انكشف.
بادره الرجل بصوت غليظ هامس: هل هذا الببغاء لك أيها الصبي؟
قال أبو الأشبال: نعم.
دقق الرجل النظر فيه بطريقة أثارت قلقه وحيرته في آن واحد.
ثم همس الرجل في أذن "أبو الأشبال"، وقال بلهجة تهديد: ارجع من حيث أتيت، واحرص على غلق فم هذا الببغاء، أو اقطع لسانه.
وأردف الرجل بغلظة: وإن لم تفعل فسوف تندم.
الرجل يهدده ويتوعده، بصراحة بلا مواربة، وأثار ذلك حيرته وارتباكه، ولم يكن أبو الأشبال ممن يخاف بسهولة، ولكنه أدرك أن حياته منذ هذه اللحظة مهددة.
وقال للرجل في ثبات وثقة: أنا ذاهب لمقابر أكتوبر للزيارة، فهل هذه جريمة؟! وهل هناك شيء تريد أن تحذرني منه؟
قال الرجل بغلظة: لقد حذرتك؛ فافعل ما بدا لك، ثم اعتدَل في مجلسه، وأغمض عينيه، واستسلم للنوم، ولم يعبأ بـ: "أبو الأشبال".
أخذ عقل "أبو الأشبال" يعمل بسرعة؛ لماذا يحذرني؟ وممن؟ وهل هناك صلة بينه وبين "عصابة الفهد"؟!
لا ريب أنه يعلم الكثير عن قبر الأفاعي، ومن يدري؟ ربما كان واحدًا من أفراد العصابة!
وطوال الطريق أخذ أبو الأشبال يضرب أخماسًا في أسداس.
واقتربت السيارة من مقابر أكتوبر وهي تقطع المسافات بسرعة كبيرة، وعزم أبو الأشبال على إكمال مهمته حسب الخطة دون النظر إلى العواقب؛ فهي مغامرتهم الأولى كفريق يساعد العدالة، وينصر المظلوم، والهرب الآن معناه فشل الفريق من قبل أن يبدأ.
كلا، قالها أبو الأشبال لنفسه في حزم وثقة.
لا تراجع، ولو كانت حياته هي الثمن!
ووقفت السيارة أمام مدخل المقابر على طريق الواحات، ونزل أبو الأشبال، وتوقع أن ينزل الرجل، ولكن وجده ما زال نائمًا، ومضت السيارة حتى غابت عن عينيه في الأفق، وأثار هذا عجبه ودهشته، ولكنه قرر المُضيَّ قُدُمًا، ودخل المقابر يسبقه ظريف، وهو يقول:
هيا "أبو الأشبال".
إلى قبر الأفاعي، إلى قبر الأفاعي.
أنا أحب "عاطف"، أنا أحب "أبو الأشبال".
ابتسم أبو الأشبال، وقال لنفسه: على الأقل هناك مَنْ يشجعني، وأخرج من حقيبة الطوارئ التي يحملها دومًا - وفيها كل ما يحتاجه مما خف حملُه وزادت فائدته - كيس بودرة ملونة بلون فوسفوري مميز، ينثره في طريقه لداخل المقابر كل نصف متر تقريبًا؛ ليعرف طريق العودة، أو في حالة إن أصابه مكروه يعرف فريقه طريقه ومكانه؛ فهو تكتيك متفق عليه فيما بينهم.
وتوغل في المقابر وهو يقول ما علَّمه نبيه صلى الله عليه وسلم: ((السلامُ عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون))[3].
قال ذلك، ثم توكل على الله تعالى، وتقدم بحرص وحذر شديدين، ورائحة الموت تحيط به من كل جانب.
يتبع