عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-12-2020, 02:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسس الأخلاق في الإسلام

أسس الأخلاق في الإسلام




هند بنت مصطفى شريفي

أما ارتباط الأخلاق بالشريعة فهو كذلك من جانبين:
الجانب الأول: أنه مع كل أمر شرعي يوجد أمر أخلاقي يعطيه المعنى الإنساني الذي يرتفع به عن مستوى التكليف البحت، ويشيع في جوانبه الحب والإحسان والإخلاص، فالعبادات الإسلامية من صلاة وزكاة وصيام وحج وغيره، تتحلى بآداب وأخلاق ترتفع بها عن مستوى الأداء المجرد وتوفر لها عنصري الضمير والروح[22].

فالمؤمن عند أداء العبادة يتحلى بآدابها وأخلاقها، ويجني كذلك- بفضل الله - ثمراتها الأخلاقية، ومن هذه الثمار على سبيل المثال: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة التي يبذلها الأغنياء تطهرهم وتزكيهم،والحج يعود المؤمنين على الصبر والبذل والإيثار.. الخ[23].

فالقيام بأنواع العبادات والطاعات يقوم الأخلاق،لأنها تزكي النفس وتسهل عليها اكتساب الأخلاق الطيبة وطرد الأخلاق الخبيثة[24].

الجانب الثاني: أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة يدفع المسلم إلى تطبيق الشريعة الإلهية، فمن كان متصفا بحب الحق وإيثاره، دفعه ذلك إلى طاعة الله والقيام بشرائعه الحق التي فرضها والابتعاد عما نهى عنه من المآثم، ودفعه إلى شكره على نعمه.

كما أن من يتمتع بخلق العدل فإنه يجد نفسه مدفوعا بالعامل الخُلقي للالتزام بأحكام المعاملات المالية[25]، وكذلك إقامة حدود الله تعالى.

ومن يتمتع بخلق حب الخير للناس والبعد عن الأثرة والأنانية، يزيده ذلك حرصا عليهم وحبا لهدايتهم، وعملا على استقامتهم على طريق الخير والفلاح، وإلزامهم بأوامر الدين ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأمرهم بالمعروف والأخلاق الحسنة، ونهيهم عن المنكر والأخلاق السيئة.

3- اتساع دائرة الأخلاق في الإسلام:
فهي تسع الحياة وتشملها بكل جوانبها، وكافة مجالاتها، ولم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو جماعية، إلا رسمت لها المنهج الأمثل للسلوك الرفيع.

ولا يوجد في الإسلام عمل واحد يمكن أن يخرج عن دائرة الأخلاق، فالصلاة لها أخلاق مثل: الخشوع، والكلام له أخلاق: كالإعراض عن اللغو، والجنس له أخلاق مثل: الالتزام بحدود الله وحرماته، والتعامل مع الآخرين من أخلاقه: الوفاء والأمانة ورعاية العهد، والحياة الاجتماعية لها أخلاق: كالتعاون على الخير، والغضب له أخلاق: كالصفح والعفو، وهكذا لا يوجد شيء واحد ليست له دلالة أخلاقية مصاحبة[26]، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى نفوذ أخلاقيات الإسلام في الحياة الإنسانية[27].

ومن اتساع دائرة الأخلاق أن المسلم لا ينفك عن التحلي بالأخلاق الفاضلة الحميدة في كل أحواله وأوقاته، في سلمه وحربه، فحسن المعاملة أثناء الحرب ولين الجانب والرأفة والتسامح مع الأعداء المغلوبين والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والوفاء بالعهود[28]، هذه الصفات وغيرها، لم تتحقق إلا في الجيوش الإسلامية التي فتحت قلوب الناس بالنور الذي تحمله، وبالأخلاق التي تلتزم بها قبل فتح البلاد بالسيف.

فمن خصائص التكليف الأخلاقي أنه شامل، ويتجلى طابع الشمول في النظام والمبدأ الأخلاقي الإسلامي، لا لأن مجموع أوامره يتوجه إلى الإنسانية جمعاء فحسب، بل لأن قاعدة الفضيلة عامة، ويجب على كل فرد أن يطبقها على نسق واحد، سواء أكان تطبيقه لها على نفسه أم على الآخرين[29]، أو كان هذا التطبيق على أقربائه أم على البعداء، على الأغنياء أم على الفقراء[30]، وسواء أكانوا داخل الجماعة أم خارجها، على الأصدقاء أم على الأعداء[31]، وهكذا كان قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه وتعامله مع القريب والبعيد، في سعة صدره وحلمه وعفوه، وفي تواضعه للفقير والمسكين، فكان كما أثنى عليه تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [32].


[1] للاستفادة انظر الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/195- 207، والأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها: د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي تحت عنوان القواعد الأساسية لاكتساب الأخلاق ص 63- 75، مطبعة سفير الرياض، ط:1، 1417هـ 1996م.

[2] انظر الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/178-189.

[3] صحيح مسلم كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين 4/2047 ح 2658. وكذلك حديث الأشج بن قيس الحمد لله الذي فطرني على خصلتين يحبهما الله ورسوله..).

[4] رواه البخاري في صحيحه كتاب الأنبياء باب قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا4/122. ورواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب الأرواح جنود مجندة 4/2031 ح 2638 واللفظ له، والمسند 2/260 و 539 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[5]بتصرف، الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/179، ومن الممكن تقسيم العوامل المؤثرة في الخلق إلى قسمين هما: الوراثة والبيئة، فالمرء يخلق وعنده استعداد للخير والشر، وأخلاقه تتغير على حسب ما يؤثر فيها من عوامل الوراثة والبيئة. بتصرف، مقدمة في علم الأخلاق ص 32.

[6]فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبدشمس، أخت هند أم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، أسلمت مع أختها يوم الفتح. بتصرف، الطبقات الكبرى 8/238، والإصابة 4/383.

[7] سورة الممتحنة جزء من آية 12.

[8] رواه الإمام أحمد، وقال الشيخ الساعاتي: رجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني 21/164.

[9] انظر تاريخ الأمم والملوك 3/62.

[10]بتصرف، جوانب التربية الإسلامية الأساسية: د. مقداد يالجن ص 292، مؤسسة دار الريحاني للطباعة بيروت، ط:1، 1406هـ 1986م.

[11] فتنكر المعروف وتتقبل المنكر، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال قلب من تعرض عليه الفتن ويقبلها فيصبح(( أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه))، صحيح مسلم كتاب الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريب وسيعود غريبا، وأنه يأرز بين المسجدين 1/123 ح 144.

[12] الإيمان ص 22، المكتب الإسلامي بيروت ط:2 1392هـ.

[13] سورة الشمس الآيات 7-10.

[14] سورة البقرة جزء من آية 177.

[15] من أمثلة نبع الأخلاق من العقيدة قوله صلى الله عليه وسلم(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) في حثه على الكرم، وقوله(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) في نهيه عن الزنا.انظر أساليب الغزو الفكري د. علي جريشة ص 219.

[16] انظر منهج القرآن في التربية: محمد شديد ص 146، مؤسسة الرسالة بيروت ط: بدون 1402هـ 1982م.

[17]بتصرف، دستور الأخلاق في القرآن، دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن: د. محمد عبدالله درَّاز، ص 678، تعريب وتحقيق: د. عبدالصبور شاهين مؤسسة الرسالة ودار البحوث العلمية ط:4، 1402هـ 1982م.

[18]بتصرف، باطن الإثم، الخطر الأكبر في حياة المسلمين: د. محمد سعيد رمضان البوطي ص 20، مكتبة الفارابي دمشق، ط:3، 1396هـ 1976م.

[19] سنن الترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه 5/9 ح 2612، وقال: هذا حديث صحيح.

[20]بتصرف، نزهة المتقين شرح رياض الصالحين: د. مصطفى سعيد الخِن و مجموعة من العلماء 1/527 باب حسن الخلق، مؤسسة الرسالة بيروت ط:1، 1397هـ 1977م.

[21]سنن الترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في معالي الأخلاق 4/370 ح 2018. وقال: هذا حديث حسن.

[22]بتصرف، ثوابت ضرورية في فقه الصحوة الإسلامية: د. عبدالحليم عويس ص 122، دار الصحوة للنشر القاهرة، ط:1، 1414هـ 1994م.

[23]بتصرف، الخصائص العامة للإسلام: د. يوسف القرضاوي ص 183، وانظر أساليب الغزو الفكري ص 220.

[24] انظر أصول الدعوة ص 98، والدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها ص 27.

[25]بتصرف، الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/29.

[26]بتصرف، الخصائص العامة للإسلام ص 110، وانظر الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/55.

[27] انظر مقال بعنوان: إلى أي شيء يدعو الإسلام: العلامة أبو الأعلى المودودي، من ضمن أبحاث اللقاء الخامس لمنظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط:2، 1402هـ 1982م.

[28] للاستفادة انظر من روائع حضارتنا: د. مصطفى السباعي من ص 136 -158، دار القرآن الكريم بيروت لبنان ط: بدون 1400هـ 1980م.

[29] ويدل لذلك قوله تعالى:﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ سورة البقرة جزء من آية 44، وكقوله صلى الله عليه وسلم ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

[30] كقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ سورة النساء جزء من آية 135.

[31] كقوله تعالى:﴿ عَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ سورة المائدة جزء من آية 8، انظر دستور الأخلاق في الإسلام ص 53-54.

[32] سورة القلم آية 4.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]