
10-12-2020, 11:56 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,004
الدولة :
|
|
رد: الفعل المساعد في اللغة العربية
الفعل المساعد في اللغة العربية
أحمد محمد عبدالمنعم عطية
كان الزائدة:
يقول الرضي في شَرْحه للكافية: "قوله: (زائدة) اعْلَم أنَّ (كان) تُزاد غير مفيدة لشيء، إلاَّ مَحْض التأكيد، وهذا معنى زيادة الكلمة في كلام العرب: كقوله:
سَرَاةُ بَنِي أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى
عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ العِرَابِ
وكذا قيل في قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 29]: إنها زائدة غير مفيدة للماضي، وإلاَّ فأين المعجزة، و(صبيًّا) على هذا حال؟! وكذا قولهم:
وَلَدَتْ فاطمةُ بنتُ الخُرْشُبِ الْكَمَلةَ مِنْ عَبْس، لَم يوجَد كان مِثْلُهم
وكذا قول الفرزدق:
فِي لُجَّةٍ غَمَرَتْ أَبَاكَ بُحُورُهَا
فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ وَالإِسْلاَمِ
وأمَّا إذا دلَّت (كان) على الزمان الماضي ولَم تعمل، نحو: ما كان أحسن زيدًا وكذا قولهم: إنَّ من أفضلهم كان زيدًا، فهي زائدة عند سيبويه، وقال المبرِّد: إنَّ (زيدًا) اسم إن، وكان خبرها، ومن أفضلهم خبر كان، وُرُدَّ بأنَّ خبر (إن) لا يتقدَّم على اسْمها إلاَّ إذا كان ظرفًا، ففي تسميتها زائدة نظر لِمَا ذكرنا: أنَّ الزائدة من الكلام عندهم، لا تُفيد إلاَّ مَحض التأكيد، فالأَوْلَى أن يُقال: سُمِّيت زائدة مجازًا لعدم عملها، وإنما جاز ألاَّ تُعملها مع أنها غير زائدة؛ لأنها كانت تعمل لدَلالتها على الحَدَث المُطلق، الذي كان الحدث المُقيد في الخبر يُغني عنه، لا لدَلالتها على زمن ماضٍ؛ لأن الفعل إنما يَطلب الفاعل والمفعول؛ لِمَا يدلُّ عليه من الحَدَث، لا للزمان، فجاز لك أن تُجرِّدها في بعض المواضع عن ذلك الحدث المُطلق؛ لإغناء الخبر عنه، فإذا جرَّدتَها لَم يبقَ إلاَّ الزمان، وهو لا يطلب مرفوعًا ولا منصوبًا، فبَقِي كالظرف دالاًّ على الزمن فقط؛ فلذا جاز وقوعه موقعًا لا يقع فيه غيرُه حتى الظرف؛ تبيينًا لإلحاقه بالظرف التي يتَّسع فيها، فيقع بين (ما) التعجبيَّة وفِعله، وبين الجار والمجرور، نحو: على كان المسوَّمة، فثبَت أنَّ "كان" المفيدة للماضي - التي لا تعمل - مجرَّدة عن الحدَث المطلق، وقد ذكَر السيرافي أن فاعلها مصدرها؛ أي: كان الكون، وهو هوس؛ إذ لا معنى لقولكِ: ثبَت ثبوت، وقوله:
لَعَلَّكَ والمَوْعُودُ حَقٌّ لِقَاؤُهُ
بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ
معناه: رأي بادٍ، المصدر بمعنى اسم الفاعل، ومذهب أبي علي أنه لا فاعلَ لها على ما اخترناه، فعلى هذا، قول الفرزدق:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ
وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
(كانوا) فيه ليستْ بزائدة؛ كما ذهب إليه المبرد، وإنما قال ذلك؛ لثبوت فاعلها، و(لنا) خبرها؛ أي: جيران كرام كانوا لنا، وقال سيبويه: "هي زائدة مع الفاعل؛ لأنها كالجزء منها، والأوَّل أَوْلَى؛ لإفادتها معنًى، وعملها لفظًا، ثم اعْلَم أنَّ الزائدة والمجردة للزمان؛ أعني: غير العاملة، لا تَقعان أوَّلاً؛ لأن البداية تكون باللوازم والأصول، والمجرَّدة للزمان كالزائدة، فلا يَليق بهما الصدر، وتقعان في الحشو كثيرًا وفي الأخير على رأي؛ نحو قولك: حضر الطبيب كان، ولا تُزاد ولا تُجَرَّد إلاَّ ماضية؛ لخِفَّتها، وقد أجاز أبو البقاء زيادة مضارع (كان) في قول حسان:
كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ
يَكُونُ مِزَاجُهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
على رواية رَفْع مزاجها، وعسل وماء[6].
والنص السابق للرَّضي يتناول النقاط التالية:
1- كان - في النص السابق - نوعان: إمَّا مجردة للزمان، أو غير عاملة، جُرِّدت من الحدث المُطلق الذي يوجَد في الفعل أصلاً؛ لطلب الفاعل والمفعول، وكانت خالصة للزمان المَحض، وإمَّا زائدة غير مفيدة لشيء إلاَّ مَحض التأكيد.
2- موقع " كان " - في النص السابق - في الحشو؛ لمشابهتها الظرف، فجاز وقوعها موقعًا لا تقع فيه غيره، ولأنها ليستْ من اللوازم، وليست بأصلٍ، فلا تقع أوَّلاً.
ومن النقاط السابقة يُمكننا قول:
1- إن (كان) المجرَّدة من الزمان - والتي نصَّ الرَّضي على (عدم زيادتها وإن لَم تعمل) - تُمثِّل فعلاً مساعدًا، يتحمَّل الزمان المَحض للجملة غير طالبٍ لفاعل أو مفعول، وهو نمطٌ قريب من (I am a boy)؛ إذ تحمل الفعل المساعد الزمن المَحض غير طالب لـ(subject)، أو (******)، أمَّا عن موقع كان، فقد فسَّر الرضي عِلَّة وجودها بين المتلازمين؛ إذ أشْبَهَت الظرف في تجرُّدها للزمن، ومِن ثَمَّ الْتَزَمت هذا الموقع من الجملة.
2- إن تفسير (كان) الزائدة في قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 29]، لَم يكن دقيقًا؛ إذ فسَّرها بأنها زائدة غير مفيدة لشيء إلاَّ مَحض التأكيد؛ لأن الاستفهام في الآية استنكاري، يُمكن تحويله لنفي الانبغاء، فتكون الجملة على النحو الآتي: ما كنا لنُكَلِّم مَن في المهد صبيًّا، فوقَع النفي على جهة الزمن، كما وقَع على صفة المصدر في فعل الكون، وفي (نفي الانبغاء) نفس المحتوى الدلالي للاستفهام الاستنكاري، وإن كان الثاني أبلغَ وأكثر تأثيرًا، وبالتالي فـ(كان) ليست الزيادة فيها لِمَحض التأكيد فحسب، بل يَحمل الفعل المساعد دَلالات نفي الانبغاء التحويليَّة للجملة، هذا وقد فسَّر الرضي علة وجودها كذلك بين المتلازمين، ويبقى بعد هذا سؤال: ما القرينة المانعة التي تَجعلنا نفرِّق بين نوعَي "كان"؟ أو ما الذي يمنع (كان في النوع الثاني) أن تكون خالصة للزمان المَحض كذلك، ولَم تكن زائدة؟ خاصة إذا استصحبْنا نصًّا آخر للرضي يقول فيه: "وفائدة الفصل بكان في نحو: ما كان أحسن زيدًا: أنه كان في الماضي حسنٌ واقع دائمٌ، إلاَّ أنه لَم يتَّصل بزمان التكلُّم، بل كان دائمًا قبله"، فما القرينة التي أرْجَعت "كان" في التعجب للزمان المَحض، ولَم تُرجعها لِمَحض الزيادة والتأكيد؟ أعتقد أنه لا مُبرِّر لهذه التفرقة؛ إذ يَخلص الفعل (كان) في الحالتين للزمان المَحض وهو دوره الأساسي في الجملة، ومِن ثَمَّ فلا مُبرِّر لوجود ما يسمى بـ(كان الزائدة) على الإطلاق.
ومما سبَق فنَمَطُ البناء الجملي لِمَا يُطلق عليه: (كان الزائدة)، قد يُمثِّل استخدامًا للفعل المساعد في اللغة العربية له نظيره في اللغة الإنجليزية كما سبَق وذَكَرت، ولعلَّه يَطرح نفس السؤال الذي كنتُ قد طَرَحْته من قبل: وهو: هل يُعَدُّ ذلك النمط البنائي بقايا استعمالات لُغوية للفعل المساعد في اللغة العربية، ولكنَّه سقَط تبعًا لقاعدة الاستغناء؟
الفعل (الحدث والزمن):
الحدَث والزمن النحوي كلاهما المكوِّن الرئيسي لمفهوم الفعل، ويظهر هذا فيما يلي:
يقول ابن الحاجب في كافيته: "الفعل: ما دلَّ على معنى في نفسه مُقترن بأحد الأزمنة"[7].
ويقول الرَّضي في شرحه للكافية: "الفعل إنما يَطلب الفاعل والمفعول؛ لِمَا يدلُّ عليه من الحَدَث"[8].
وقد يدخل على الفعل مجموعة من المورفيمات تُخلِّص الحدَث فيه لزمن معيَّن، ومن ذلك مثلاً: قول سيبويه في الكتاب: "إذا قال: فعَل، فإنَّ نَفْيَه: لَم يَفعَل، وإذا قال: قد فَعَل، فإنَّ نَفْيَه لَمَّا يَفْعَل، وإذا قال: والله لقد فَعَل، فإنَّ نَفْيَه: ما فَعَل؛ لأنه كأنه قال: والله لقد فعَل، فقال: والله ما فعَل، وإذا قال: هو يفعل؛ أي: هو في حال فِعْل، فإنَّ نَفْيَه: ما يَفْعل، فإذا قال: هو يفعلُ، ولَم يكن الفعل واقعًا، فنَفْيُه: لا يَفْعل، وإذا قال: سوف يَفْعل، فإنَّ نَفْيَه: لن يَفْعَل"[9].
وكذلك قول ابن يعيش في شَرْح المُفصَّل: "فإنْ قيل: فما الحاجة إلى "لَم" في النفي، وهلاَّ اكتَفى بـ"ما" من قولهم: ما قام زيد، قيل: فيها زيادة فائدة ليستْ في ما، وذلك أنَّ ما إذا نفَت الماضي، كان المراد ما قَرُب من الحال، ولَم تَنْفِ الماضي مُطلقًا"[10].
والسؤال الآن في ضوء نصِّ المبرِّد الذي قام عليه البحث هو: النفي كمورفيم يُضيف أبعادًا زمنية للفعل بجانب معنى النفي، هل يسقط على الفعل الأصلي؟
لو سَلَّمنا بذلك، فمعنى هذا وقوع النفي على الحدث والزمن كليهما، وباستصحاب النصوص السابقة يتَّضح أنه لولا الحَدَث ما كان طَلَبُ الفاعل والمفعول، ولولا الزمن لانتفى وجود الفعل، إذًا فليس من حلٍّ للخروج من هذه الإشكالية سوى وقوع النفي على دوال الحَدَث والزمن في الفعل المساعد، وبَقاء العلاقة الطبيعيَّة بين الفعل والفاعل، فإن قال قائل: أين الحدث في فِعْل الكينونة؟ فهذا نَصٌّ للرضي في شرْحه للكافية يوضِّح فيه الأمر قائلاً: "وما قال بعضهم من أنها سُمِّيت ناقصة؛ لأنها تدلُّ على الزمان دون المصدر، ليس بشيء؛ لأن (كان) في نحو: كان زيد قائمًا، يدلُّ على الكون الذي هو الحصول المطلق، وخَبَرُه يدلُّ على الكون المخصوص، وهو كون القيام؛ أي: حصوله"[11].
وما طرَحناه عن النفي في ضوء نصِّ المبرِّد، يُمكن طَرْحُه كذلك بالنسبة لمورفيمات الفعل التي تُخلصه للمستقبل؛ إذ كيف يتوقَّع وجود فاعل لفعلٍ لَم يَحدث؟
وتفسير هذا ليس ببعيدٍ عما ذكَرناه آنفًا؛ إذ يقع التسويف بنوعَيْه على الفعل المساعد، والذي يظهر نوعٌ منه في الاستعمال العادي، فيما أَطْلق عليه الدكتور مالك المطلبي: "الحاضر المستمر"؛ يقول: "في حين يَصْلح المركب (سيكون) مع صيغة (فاعل)؛ لدَلالتها على الثبوت الاسمي؛ أي: الصفة التي هي أقربُ إلى دَلالة هذا المركب على العادة؛ كقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ﴾ [غافر: 67]؛ أي: ثم لتكونوا شيوخًا، ولا يَصِحُّ ثم لتكونوا تشيخون"[12].
الفاعل:
يقول ابن يعيش في شَرْحه للمُفصَّل: "واعْلَم أنَّ الفاعل في عُرف النَّحْويين: كلُّ اسمٍ ذَكَرته بعد فِعْل، وأَسْندتَ ونَسَبتَ ذلك الفعل إلى ذلك الاسم؛ ولذلك كان في الإيجاب والنفي سواء"[13].
ويُكمِل قائلاً: "وفي الجملة الفاعل في عُرف أهل هذه الصَّنعة: أمر لفظ يدلُّ على ذلك تسميتُهم إيَّاه فاعلاً في الصور المختلفة من النفي والإيجاب، والمستقبل والاستفهام، ما دام مقدَّمًا عليه، وذلك نحو: قام زيد، وسيقوم زيد، وهل يقوم زيد؟ فزيد في جميع هذه الصور فاعل، من حيث إنَّ الفعل مسند إليه، ومُقدَّم عليه؛ سواء فَعَل، أو لَم يَفْعل، ويؤيِّد إعراضَهم عن المعنى عندك وضوحًا أنَّك لو قدَّمت الفاعل، فقلت: زيد قام، لَم يَبْق عندك فاعل، وإنما يكون مبتدأً وخبرًا مُعَرَّضًا للعوامل اللفظية"[14].
ويقول ابن جني في اللُّمع: "اعْلَم أنَّ الفاعل عند أهل العربية كلُّ اسمٍ ذكَرته بعد فعل، وأسْنَدت ونسَبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم، وهو مرفوع بفِعْله، وحقيقة رَفْعه بإسناده الفعلَ إليه، والواجب وغير الواجب في ذلك الاسم سواء، تقول في الواجب: قام زيد، وفي غير الواجب: ما قام زيد، وهل يقوم زيد؟"[15].
وباستصحاب ما سبَق يتَّضح أنَّ الفاعل لا يكون فاعلاً، إلاَّ إذا اجتمَعَت فيه الشروط الآتية:
1- أن يكون اسمًا.
2- أن يكون بعد الفعل.
3- أن يُسند إليه الفعل.
4- أن يُنسب إليه الفعل.
وبجانب هذا يستوي في النفي والإيجاب وجود الفاعل؛ لأن أمْره أمرٌ لفظي ليس أكثر.
وجدير بهذا أن يُغنينا عن تقدير فعلٍ مساعد يقع عليه النفي، ويبقى الفاعل النحوي - نسبة لأهل الصنعة - فاعلاً للفعل المنفي على سبيل توفُّر الشروط السابقة فيه.
ولكنَّ السؤال الذي يطرَح نفسه الآن: هل تتَّفق الشروط السابقة في فاعل الجملة المنفيَّة، على الرغم من اتِّفاق النَّصين السابقين على توافُر الشروط؟
ونَختصر الحديث على النقطتين الثالثة والرابعة في الإجابة عن هذا السؤال، ونبدأ بالإسناد كما يلي:
الإسناد:
يقول السَّكاكي في "مفتاح العلوم": "متى يكون المسند فعلاً؟ وأمَّا الحالة المقتضية لكونه فعلاً، فهي: إذا كان المراد تخصيص المسند بأحد الأزمنة على أخْصَر ما يُمكن، مع إفادة التجدُّد، كقوله - عز وعلا -: ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79]؛ أي: ويل لهم مما أسْلَفت أيديهم من كتبة ما لَم يكن يَحِلُّ لهم، وويل لهم مما يكسبون بذلك بعد من أخْذ الرِّشا، وقوله: ﴿ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]؛ أي: فريقًا كذَّبتموه على التَّمام، وفرَّغتم على تكذيبه ما بَقِي منه غير مُكذب، وفريقًا تقتلون ما تيسَّر لكم قَتْله على التَّمام، وإنما تبذلون جهدَكم أن تتموا قبله، فتحوموا حول قَتْل محمدٍ، فأنتم بعد على القتل. وقوله: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 137]، وقوله: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 142]، وقوله: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ ﴾ [الأعراف: 182].
والمراد بالزمان الماضي: ما وُجِد قبل زمانك الذي أنت فيه، وبالمستقبل: ما يُتَرَقَّب وجوده، وبزمان الحال أجزاء من الطرفين، يعقب بعضها بعضًا من غير فَرْط مُهلة وتَراخٍ، والحاكم في ذلك هو العُرف لا غير"[16].
ومن نصِّ السَّكاكي السابق يتَّضِح أنَّ الفعل لا يكون مسندًا إلاَّ إذا كان المراد تخصيص المسند بأحد الأزمنة على أخصر ما يُمكن، والسؤال الآن: أيُّ زمن يكون في الفعل المنفي، ولا سيَّما النفي الذي تكون دَلالته في المُطلق على نحو ما ذكرنا؟!
النسب:
يقول الزمخشري في أساس البلاغة: "ومن المجاز بين الشيئين مناسبة وتناسُب، ولا نسبة بينهما، وبينهما نسبة قريبة، وجَلَست إليه، فنَسَبني فانْتَسَبت له "[17].
وباستِصْحاب شَرْط النَّسب في نصِّ ابن يعيش يتَّضِح أنَّ هذا الشرط قائمٌ على الشرط الذي قبله، فلولا الإسناد لجاز أن يكون المفعول به منسوبًا للفعل؛ لكونه قد يكون اسمًا، وقد يَلي الفعل مباشرة، وإنما استمدَّ الفاعل نسبتَه للفعل؛ لمُلازمته الرَّتبةَ بعد الفعل، وإسناد الفعل له.
والسؤال هنا: ماذا لو انتفى زمنُ الفعل الأصلي، وانتَفَت معه علاقة الإسناد، وبالتالي علاقة النسب؟
فقد افتَقَد الفاعل لشرطَي الإسناد والنسب، إذًا كيف يفسِّر أهل هذه الصنعة الفاعل بعدما فقَد شرطين من شروط كونه فاعلاً، ومن حيث كونه أمْر لفظٍ دون اعتبار للمعنى؟
كذلك نطرح سؤالاً آخرَ: هل يُعَدُّ شرط النَّسب في الجملة المنفيَّة، نحو: (لَم يضرب زيد) نسَب عدم الضرب لزيد؟ ومِن ثَمَّ هل ينسب للعدم؟!
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|