عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-12-2020, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,102
الدولة : Egypt
افتراضي القادر القدير المقتدر جل جلاله

القادر القدير المقتدر جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان




قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65].







عن جابر بن عبدالله قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بوجهك))، فلما نزلت: ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65]، قال: ((هاتان أهون، أو هاتان أيسر)) [1].















وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾ [المرسلات: 20 - 23]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، وقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55].
















معنى الاسم في حق الله:







القادر جل جلاله: هو صاحب القدرة التامة الكاملة الذي لا يُعجزه معها شيء في الأرض ولا في السماء، فقدرتُه تعالى مطلقة لا يحدُّها شيء، ولا تحتاج إلى مقدمات ولا إلى أسباب، يدبر شؤون هذا الكون بقدره وقدرته وحكمته؛ ﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾ [المرسلات: 23]، فسبحانه إذا قدَّر شيئًا قدَر على تنفيذه!















القادر جل جلاله: بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبَّرها، وبقدرته سوَّاها وأحكمها، وبقدرته يُحيي ويُميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.







القادر جل جلاله: الذي أمرُه وقضاؤه وقدرُه بين الكاف والنون، إذا أراد شيئًا أن يقول له كن، فيكون.







القادر جل جلاله: هو الذي يهَب القدرة، ويهب أسبابها لكل صاحب قدرة من الخلق، وهو القادر على سببها أنَّى شاء!







و(القدير): صيغة مبالغة للقدرة.







و(المقتدر): أبلغ.















من مظاهر قدرة الله:







1- خلقُ الخلق، ثم إماتتهم، ثم إعادتهم: ولا يقدر على ذلك غيره سبحانه، قال وهو أصدق القائلين: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾ [الحج: 66].







﴿ لَكَفُورٌ ﴾: نسِي أن الله تعالى خلقه ولم يكُ شيئًا، ونسي أن الله سيُميته بَغتةً، ونسي أن الله سيُحييه مرة ثانية للسؤال والجزاء.















وقال تعالى: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [لقمان: 28]؛ أي: إلا كخلق نفسٍ وحدة، فسبحانه لا يشق عليه شيء، والقليل والكثير عنده سواء، وحين سئل عليٌّ رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الناس جميعًا في وقت واحد؟! قال: كما يرزقهم جميعًا في وقت واحد [2].







وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27]، وكل شيء مهما عظُم فهو على الله تعالى هيِّن.















لما قال زكريا لربه: ﴿ الَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 8، 9].







ولما قالت مريم: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 20، 21].







قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].















2- اختلاف صور الخلق وعدم تشابههم:







قال ابن حزم: "من عجيب قدرة الله تعالى كثرة الخلق، ثم لا ترى أحدًا يشبه آخر شبهًا لا يكون بينهما فيه فرق"[3].







وتأمل هذا جيدًا لتتعرف على قدرة القدير، فمنذ آلاف السنين وعبر عشرات المليارات من البشر الذين خلقهم الله، والذين سوف يخلقهم، فإن من المحال أن نجد اثنين من الخلق متشابهين في الخلقة تمامًا، وهذا قمة الإعجاز الذي لا ينتبه له أكثر الناس [4].







بل انظر إلى هذه الأعداد الهائلة من بني آدم منذ بداية الخلق وإلى قيام الساعة، فلن تجد بينهما تشابهًا في بصمات الأصابع، فيا لها مِن قدرة عجيبة لا يُمكن لبشر استيعابها إلا أن يقول: سبحان الله؛ قال الله: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 3، 4].















3- إحياء الموتى:







وقد وقع ذلك في دنيا الناس مرارًا في صور باهرة تشفي القلوب الحائرة، ومن ذلك ما قصه الله تعالى علينا في كتابه في سورة البقرة، حين قال عز من قائل: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259].















وأوجه قدرة الله في هذه الآية متعددة، وكل منها أعظم من الآخر:







الوجه الأول: أن الله تعالى أمات عزيرًا مائة عام، ليتحلل جسده بالكلية، ثم بعثه بعد الموت في سابقة لا تحدث إلا يوم القيامة.







الوجه الثاني: سأله الله تعالى: ﴿ كَمْ لَبِثْتَ ﴾ [البقرة: 259]؛ ليظهر له عجزه عن الإحاطة بأحواله وشؤونه، ويعرِّفه قصور علمه بنفسه فضلًا عن غيره، مع كمال إحاطة الله بكل شيء.















الوجه الثالث: أن الله لم يشعره بطول الزمان، فمرَّت عليه مائة العام كأنها يوم أو بعض يوم، وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى بيده أن يغيِّر نواميس الكون، ويقلب هذه الحياة رأسًا على عقب، ويُغير لونها ونظامها وأهلها.







الوجه الرابع: من بدائع قدرة الله حفظه للطعام أعوامًا طويلة دون تغير.















الوجه الخامس: أن بدنه صار ترابًا وكذلك حماره، فتأثير الزمان على الأبدان اختلف عن تأثيره على الطعام، فقد أذِن الله للزمان أن يُحدث أثره المتعارف عليه بين الناس في تحلُّل الجسد، فمن غير القدير أذن للزمن أن يحدث أثره على الأبدان، ومنع تأثيره على الطعام؟!







الوجه السادس: أحيا الله حماره أمام عينيه، فراح يقول معترفًا: ﴿ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]"[5].















4- تقليب القلوب:







فمهما بلغت قدرة المخلوق وسطوته وقهره، فلا يقوى بشر على تغيير ما في قلب البشر، فلو امتلأ قلبك بمحبة أحد، فلا يستطيع كائن أن يقلب محبتك كرهًا إلا أن يشاء الله، ولو كرهت أحدًا فلن تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تسيطر على قلبك، وتُرغمه على محبته، ولا تتحول هذه الكراهية إلى محبة بضغطة ذر، ولكن الله يفعل [6].















انظر إلى فضالة بن عمير الذي كان مشركًا عازمًا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن امتلأ قلبه حقدًا وبغضًا للإسلام ورسوله، دخل يومًا يطوف بالبيت مخططًا لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فدنا منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((أفضالة؟))، قال: نعم، فضالة يا رسول الله، قال: ((ماذا كنت تُحدث به نفسك؟))، قال: لا شيء، كنت أذكر الله يا رسول الله، فضحك رسول الله وقال: ((استغفر الله، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه))، فكان فضالة يقول: "والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليّ منه" [7].















من الذي حوَّل قلب فضالة بهذه الصورة الكلية الضخمة، وفي هذه اللحظة القليلة العابرة؟







إنه الله القادر القدير المقتدر.







وانظر إلى ثمامة بن أثال حين نطق بالتوحيد ماذا قال؟ يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ" [8].















ما ذاك؟ إنه الله القادر على قلب القلوب وتحويل الأمور وتغيير الأحوال سبحانه.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]