عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-12-2020, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي عقوبة من يعمل عمل قوم لوط . دراسة حديثية فقهية

عقوبة من يعمل عمل قوم لوط . دراسة حديثية فقهية .

عبد الله المزروع
المقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فإنَّ مسألة عقوبة من يعمل عمل قوم لوط من المسائل التي يكثر حولها النقاش ، وإيراد الأدلة والحجج ، لاسيما وأنه نُقِلَ فيها إجماع الصحابة ، مع بقاء الخلاف فيها إلى يومنا هذا !
فلمَّا رأيتُ الأمر كذلك ، وبحثت عن كتاب يجمع بين دفتيه المسائل المتعلقة بعمل قوم لوط من حيث العقوبة ، وطرق الإثبات ، والقذف به ونحو ذلك فلم أجد بحثًا يجمع شتات المسائل ويدرسها دراسة مستفيضة = عزمتُ على بحث هذه المسائل حديثيًا وفقهيًا ، سائلًا الله تعالى أن يوفقني فيه للصواب .
وهذا هو المبحث الأول ، والمتعلق بعقوبة من يعمل عمل قوم لوط ، ويليه – إن شاء الله – باقي المباحث .

تحرير محلِّ النزاع : أجمع أهل العلم على أن الفاعل والمفعول به في اللواط يستحق العقاب إلا خلافًا شاذًا ذكره الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – مستنكرًا له ولم ينسبه إلى أحد [1] يقول أصحابه : أنَّ من يعمل عمل قوم لوط لا يعزر ولا شيء عليه .
واستدلوا بأنَّ هذا العمل تكرهه النفوس ، فيكتفى فيه بالرادع الفطري والطبعي !
وهذا القول شاذٌ منكر ، وذلك لما يلي :
1 – أنَّي لم أجد من يقول بهذا القول بعد بحث [2] .
2 – أنَّ من أقدم على هذا الفعل برضاه – سواء كان فاعلًا أو مفعولًا به – فقد انتكست عنده الفطرة ، فلا يوجد لديه رادعٌ نفسي أو طبعي ، فاحتاج إلى رادعٍ آخر .
3 – أنَّ القاعدة العامة في باب التعازير – إن لم نقل بصحة الأحاديث الواردة في الباب – أنها تثبت في كل فعل محرم لا حدَّ فيه ولا كفارة ؛ وهذا الفعل لا شكَّ في تحريمه وليس فيه حدٌّ ولا كفارة .



فإذا تبيَّنَ لنا مما سبق أنَّ أهل العلم مجمعون على معاقبة من يعمل عمل قوم لوط ؛ فإنَّ الخلاف وقع بينهم في العقوبة المقررة لمن يقع في هذا الجريمة على أربعة أقوال :

القول الأول : أنه يجب قتل من يعمل عمل قوم لوط مطلقًا [3] ، وهذا هو المروي عن جماعة من الصحابة والتابعين [4] ، والمالكية [5] ، وهو قول الشافعي القديم [6] ، وقول الإمام أحمد [7] ورواية في المذهب [8] ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية [9] ، وابن القيم [10] ، وابن رجب [11] ، واللجنة الدائمة للإفتاء [12] ، وابن باز [13] ، وابن عثيمين [14] وغيرهم .
واستدلوا بما يلي :
الدليل الأول : ما ورد في السنة من الأحاديث الآمرة بقتل الفاعل والمفعول به ، ومن ذلك :
أ – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول " .
ب – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الذي يعمل عمل قوم لوط : " ارجموا الأعلى والأسفل ، ارجموهما جميعًا " .
ج – عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : " من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط ، فاقتلوه " .
د – عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " يرجم من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط " .

ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث ظاهر في قتل من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط ، وعدم تفريق النبي – صلى الله عليه وسلم – بين المحصن وغيره .
ويرد على استدلالهم ما يلي :
1 – أنَّ هذه الأحاديث لا يصح منها شيء ؛ كما هو مبين في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط .
يجاب عنه :

أن هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه لا يوجد ما يعارضها .
يرد عليه :

أنَّ مثل هذه الأحاديث الضعيفة لا يمكن إثبات الحد بها ، ولا يحل سفك دم يهودي ولا نصراني من أهل الذمة ؛ بل ولا حربي بمثل هذه الروايات ؛ فكيف بدم فاسقٍ أو تائب ؟!.
يجاب عنه :

أنه قد ثبت عن عثمان وابن عباس وغيرهما الأخذ بهذه الأحاديث ؛ وهم صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ومن أشدِّ الناس تحريًا واتباعًا .
يرد عليه ما يلي :

أ – عدم صحة ما ورد عن الصحابة في ذلك [15] .
يجاب عنه :

أنَّ هذا ثابت عن من ذكرنا ؛ كما هو مبيَّنٌ في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط .
ب – قد ثبت عن غيرهما من الصحابة القول بمعاملة من يعمل عمل قوم لوط معاملة الزاني ، فإذا اختلف الصحابة نُظِرَ إلى المرجِّح بين أقوالهم .
يجاب عنه :

أنَّه لم يصح ما جاء عن الصحابة خلافًا لما ورد عن عثمان وابن عباس ؛ كما هو مبيَّنٌ في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط .
2 – على التسليم بصحة هذه الأحاديث يمكن أن يقال : أنَّ هذا الحكم – وهو القتل – فيمن فعله مستحلًا له .
يجاب عنه :

أنَّ هذا التأويل بعيدٌ جدًا ، ويؤدي إلى تعطيل الحدود ؛ ثم ما الدليل على هذا التأويل ؟! والنصوص الواردة وأقوال الصحابة في ذلك مطلقة .
3 – على التسليم بصحة هذه الأحاديث فهي ليست دالةً على أنَّ القتل هو حدُّ من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط ، بدليل : أنَّ حدَّه ليس هو القتل على الإطلاق ، وإنما هو الرجم عندكم وعند من يُفَرِّق بينَ المحصن وغيره وذلك في المحصن ؛ فالقتل – إذن – ليس قولًا لأحد ، ولو كان بمنزلة الزنا لَفَرَّقَ النبي – صلى الله عليه وسلم – بين المحصن وغيره ، وفي تركه – صلى الله عليه وسلم – التفريق بينهما = دليلٌ على أنه لم يوجبه على وجه كونه حدًّا [16] .
يرد عليه :
أنَّ هذه عقوبة مستقلة لا علاقة لها بالزنا للفرق بين الجريمتين ؛ كما افترق حكم الزنا فيمن أتى ذات محرم عن الزنا بامرأة بعيدةٍ عنه .

الدليل الثاني : أنَّ هذا القول محلُّ إجماع بين الصحابة ، والخلاف الوارد فيه حادث ، ويدل على هذا الإجماع ما ورد أنَّ خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما – في خلافته يذكر أنه وَجَدَ رجلًا في بعض نواحي العرب يُنْكَح كما تُنْكَح المرأة ، فجمع أبو بكر الناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فسألهم عن ذلك ؛ فكان من أشدهم يومئذٍ قولًا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : إنَّ هذا ذنبٌ لم تعصِ بهِ أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنعَ الله بها ما قد علمتم ، نرى أن نُحَرِّقَهُ بالنار ؛ فاجتمع رأي أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أن يحرقه بالنار ، فكتب أبو بكر – رضي الله عنه – إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار .
يجاب عنه :

أنَّ هذه الإجماع محلُّ نظر ؛ فالقصة المذكورة لا تصح كما هو مبين في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عمل قوم لوط .
يرد عليه :

أنَّ جماعة من أهل العلم نقلوا إجماع الصحابة على ذلك ؛ كابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم [17] .
يجاب عنه :

أننا قد علمنا مستند هذا الإجماع ، وهو هذه القصة الباطلة ؛ فلذا لا يصح الاستناد على هذا الإجماع .
يرد عليه :

ما نقله الباجي عن الإمام مالك – رحمه الله – : لم نزل نسمع من العلماء أنهما يرجمان ، أحصنا أم لم يحصنا [18] .
يجاب عنه :

أنه قد ثبت اختلاف الصحابة والتابعين في هذه المسألة ، فقول الإمام مالك يراد به – والله أعلم – حكاية قول وعمل أهل المدينة .
يرد عليه :
أنَّ اختلاف الصحابة لم يثبت ، وإنما الثابت اختلاف التابعين فقط ، ولم يصح عن الصحابة خلاف قول عثمان وابن عباس .

الدليل الثالث : أن هذا القول قد قال به جمع من الصحابة ، كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس – رضي الله عنهم – .
يرد عليه ما يلي :

1 – عدم صحة ما ورد عن الصحابة في ذلك [19] .
يجاب عنه :

أنَّ هذا ثابت عن عثمان وابن عباس – رضي الله عنهم – وقريبٌ منهما ما جاء عن عمر ؛ كما هو مبيَّنٌ في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط .
2 – قد ثبت عن غيرهما من الصحابة القول بمعاملة من يعمل عمل قوم لوط معاملة الزاني ، فإذا اختلف الصحابة نُظِرَ إلى المرجِّح بين أقوالهم .
يجاب عنه :

أنَّه لم يصح ما جاء عن الصحابة خلافًا لما ورد عن عثمان وابن عباس ؛ كما هو مبيَّنٌ في الملحق المتعلق بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في عقوبة من يعمل عمل قوم لوط .
3 – على التسليم بصحته عن جماعة من الصحابة ؛ إلا أنَّ هذا القول من الصحابة عارضه حديث : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنِّي رسول اللَّهِ إلا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، والمفارق لدينه التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ " [20] ، فحصر قتل المسلم في هذه الثلاث ، وفاعل ذلك خارج عنها [21] .
يجاب عنه :

أنه ورد القتل في غير هذه الثلاثة ؛ كالمحارب قبل أن يتوب ، والمحدود في الخمر ثلاثًا ، ومن أتى ذات محرم وغيرهم .
يرد عليه :
أنَّ هذا جوابٌ بما هو محلُّ نزاعٍ وخلافٍ بين أهل العلم .

الدليل الرابع : أنَّ عمل قوم لوط عملٌ لا يستباح بحال ، وقد ورد فيه الوعيد الشديد ؛ فلذا يستوجب تغليظ العقوبة على فاعله أشد مما في القبل .
يرد عليه :

أنَّ تشديد العقوبة وإثبات حدٍّ بها مرجعه إلى النصوص الشرعية ، فعند عدم النص ينظر إلى الأدلة الأخرى وإلا كان حكمه التعزير ، ولولي الأمر – على الراجح – النظر في إيصال هذا التعزير إلى القتل من عدمه .

الدليل الخامس : أن هذا العمل فيه مفسدة اجتماعية عظيمة ، حيث تجعل الرجال محلًا للمتعة بدلًا من النساء ، ولا يمكن التحرز منها ، لأن الذكور بعضهم مع بعض دائمًا ، فلا يمكن أن نقول : ما الذي أتى بفلان مع فلان ؟! بخلاف ما لو وجدنا معه امرأة ، وشككنا هل هي من محارمه أم لا ؟ = فلما كان هذا الأمر مفسدًا للمجتمع ، ولا يمكن التحرز منه ، صار جزاؤه القتل بكل حال .
يجاب عنه :

بأنَّ مثل هذه التعليلات لا تزهق بمثلها الأرواح حتى وإن وقع في كبيرةٍ من الكبائر ؛ فقذف المحصنات المؤمنات الغافلات من أكبر الكبائر ومع ذلك لا يوجب القتل ، بل من الكبائر ما ليس له عقوبة محددة كعقوق الوالدين وقول الزور .

الدليل السادس : أنَّ هذه العقوبة هي التي أنزل الله – تعالى – على قوم لوط .
يرد عليه :

أنه يلزم على هذا الدليل لوازم باطلة هي محل اتفاق ، منها :
1 – أن لا يرجم من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط إلا إذا كان كافرًا ، لقوله تعالى : " كذبت قوم لوط بالنذر " [ القمر : 33 ] وقوله : " كذبت قوم لوط المرسلين " [ الشعراء : 160 ] .
يجاب عنه :

أنَّ الله أخبر أنهم كانوا على معاصٍ ؛ فأخذهم الله بهذه ؛ بدليل أنها كانت محور دعوة لوط لقومه بعد الإيمان بالله ، وقد قال قوم لوط له : لئن لم تنته لنفعلن بك يا لوط ، ففعل الله بهم قبل ذلك ؛ قاله ابن العربي في أحكام القرآن ( 2 / 318 ) .
يرد عليه :
تحديد سبب العقوبة بهذا العمل الشنيع ، وأنهم قالوا للوط : لنفعلنَّ بك ... كلُّ هذا يحتاج إلى دليل واضح وصريح .
2 – أن يرجم كل من أعان على ذلك العمل بدلالة أو قوادة ، لأن امرأة لوط أصابها ما أصاب قومها مع العلم بأنها لم تكن تعمل هذا العمل .
يجاب عنه :

أُخِذَ مَنْ لم يفعل لسكوته ورضاه بذلك ، فعوقب الجميع ، وبقي الأمر في العقوبة على الفاعلين مستمرًا .
3 – أَنْ يُقتل كل من عقر ناقة آخر ، لأنَّ الله – تعالى – أهلك قوم صالح إذ عقروا الناقة ، ويقاس عليهما بقية الرسل ؛ فمن نَقَصَ المكيال والميزان عوقب بعقوبة قوم شعيب ؛ وهكذا .
فإذا لم تسلموا بهذه اللوازم فقد أبطلتم حجتكم .

الدليل السابع : أنَّ عمل قوم لوط إيلاج في فرج لا يسمى زنا ، فلم يعتبر فيه الإحصان ؛ كالإيلاج في البهيمة .
أجاب عن هذا القائلون بمعاملة من يعمل عَمَلَ قومِ لوط معاملة الزاني :
أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – سماه زنًا ؛ حيث جاء في حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان " .
يجاب عنه :
1 – أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ لا يصح ؛ كما هو مبيَّنٌ في الملحق المتعلق بالأحاديث الواردة في عمل قوم لوط ، في فصل خاص بتسمية من يعمل عمل قوم لوط زانيًا .
2 – يلزم على هذه التسمية وطرد الحكم أنْ تسموا ( السحاق ) زنًا ، وتعاقبوا كلا المرأتين بعقوبة الزاني سواءً بسواء ، حيث جاء في تكملة الحديث : " وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان " .
يرد عليه :
أنَّ هناك فرقًا بين الفعلين ؛ فعمل قوم لوط فيه إيلاج فرج بآخر بخلاف السحاق فليس فيه إيلاج .
يجاب عنه :
أنَّكم استدللتم بالحديث على تساوي عقوبة من يعمل عمل قوم لوط بعقوبة الزنا بسبب تسمية النبي – صلى الله عليه وسلم – لمن يعمل عمل قوم لوط زانيًا ، وهذا متحقق في كلا الفعلين ؛ فإما أن تسووا بين الحكمين أو تبطلوا استدلالكم بهذا الحديث .
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]