عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-11-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي من هم أهل السنة والجماعة؟

من هم أهل السنة والجماعة؟


أبو مريم محمد الجريتلي


إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله، فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

أمَّا بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور محدثَاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لقد سار سلفنا الصَّالح من الصحابة والتابعين، ومَن سلك سبيلَهم، وخَطا خُطاهم على نَهج نبيهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد أمرنا الله - عزَّ وجلَّ - أنْ نتَّبع سبيلَ المؤمنين، وحَذَّر من اتِّباع السُّبل، فقال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

فلا زالت رايةُ أهل السنة والجماعة خَفَّاقة يتناولها قرنٌ بعد قرنٍ، ينفون عنها تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويل الجاهلين، حتى كَثُرَ الغثاء، فغابت على كثير من الناس معالِمُ أهل السنة، مع كثرة المحرفين والمنتحلين والجاهلين، فكان لزامًا أنْ نَعْرِفَ مَن هم أهلُ السنة والجماعة؟ وقبل الجواب لا بُدَّ أن نعلم أنَّ الإيمانَ ليس بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، وكذلك دعوى الانتساب لأهل السنة والجماعة ليست بالتمني ولا بالتحلي؛ "فَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلاً بِلَيْلَى"، والحق لا يُعْرَف بالرِّجال، وإنَّما الرجال هم الذين يُعْرَفون بالحق، فاعْرِف الحقَّ تعرف أهله.

مصطلح أهل السنة والجماعة:
1- باعتبار مُفردَيه (السنة - الجماعة):
تعريف السنة:
السنة لغة:
مشتقة من سَنَّ يَسِنُّ، ويسُنُّ سَنًّا، فهو مسنون.

1- وسنَّ الأمر: بيَّنه؛ قال تعالى: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأحزاب: 38].
قال ابن منظور: "أيْ: سنَّ الله ذلك بمعنى بيَّنه"[1].

فسُنَّة الله: أحكامه، وأمره، ونهيه، وسَنَّها الله للناس: بيَّنَها.

2- والسنة: السيرة والطريقة.
حَسَنة كانت أم قبيحة، ومنه قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سَنَّ سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بِهَا، ومن سن سنة سيئة...))؛ الحديث.

قال ابن منظور: "وقد تكرَّر في الحديث ذكرُ السنة، وما تَصَرَّف منها، والأصلُ فيها الطريقة والسيرة"[2].

ومن ذلك: سنة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أي: سِيرَته العملية التي هي ترجمة صادقة لكتاب الله العزيز، وهي الحكمة في قوله - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34].

يقول ابن فارس: "وسُنَّة رسول الله - عليه السَّلام -: سِيرته"[3].

3- العادة الثابتة:
كما قال تعالى: ﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾ [الإسراء: 77]، فالسنة هنا تعني: العادة الثابتة التي حكم الله بها وقضاها[4].

ومن ذلك: السنن الربانية التي يُجريها الله على عباده، وهي سنن لا تتخلَّف ولا تتبدَّل، مثل: سنة الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، وسُنَّة الاستبدال للناكثين على أعقابهم، وسنة الاستدراج للكافرين... وهكذا.

السنة اصطلاحًا:
تَختلف دلالاتُ اللفظ الاصطلاحية باعتبار استخدامِ أصحاب كلِّ فن له:
1- السنة في اللغة - كما بينَّا -: البيان، والسيرة، والطريقة، والعادة الثابتة.
2- والسنة في الفقه: المستحب والمندوب، والنافلة مقابل الفريضة، فقول الفقهاء: السواك سنة بالإجماع؛ أي: مستحب.
3- والسنة في أصول الفقه: دليلٌ من الأدلة الإجماليَّة.
يقول الأصوليون: الأدلة الإجمالية المتَّفق عليها: الكتاب، والسنة، والإجماع.
4- والسنة في علم الحديث هي: ما أضيف إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خُلُقِيَّة أو خَلْقِيَّة، وقيل: الحديث أعمُّ من السنة، يقول الشاطبي: "يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولاً عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الخصوص، مما لم يُنَصَّ عليه في الكتاب العزيز".
5- السنة في كتب السنن والمبتدعات: تأتي في مُقابل البدعة؛ قال ابن مسعود: "القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"[5].
6- والسنَّة في كتب العقائد: تأتي بمعنى العقيدة، مثل: كتاب السنة للإمام أحمد، والسنة للبربهاري، والسنة للبغوي، والسنة للخلال.
قال ابن رجب: "وكثير من العلماء المتأخرين يَخصُّ السنة بما يتعلَّق بالاعتقاد؛ لأنَّها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم"[6].
7- وتأتي السنة بمعنًى أعمَّ من ذلك كله، ويراد بها الشريعة أو الدين؛ قال الحسن البصري وسفيان في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، قالا: "على السنة"[7].

يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "السنة هي الشَّريعة، وهي ما شَرَعَه الله ورسوله من الدِّين"[8].

تعريف الجماعة:
تعريف الجماعة:
لغةً أخذت من عِدَّة معانٍ:
من الاجتماع: وهو ضِدُّ التفرق، وضد الفُرقة.
يقال: تَجَمَّع القومُ، إذا اجتمعوا من هنا وهنا، وجمع المتفرق: ضم بعضه إلى بعض، وجمع إليه القلوب: ألفها.
ومن الجمع: وهو اسم لجماعة الناس، والجمع مصدر قولك: جمعت الشيء.
فالجماعة في اللغة إذا أريد بها جماعة الناس، فهم القوم المجتمعون على أمرٍ ما.
ومن الإجماع: وهو الاتِّفاق والإحكام، يقال: أجمع الأمر؛ أي: أحكمه، ويقال: أجمع أهل العلم؛ أي: اتَّفقوا.
والجماعة: العدد الكثير من الناس، وطائفة من الناس يَجمعها غرض واحد.

ومُمكن جمعها في عبارة جامعة، وهي: "اجتماع القلوب، أو القلوب والأبدان على شيء يعتقد أصحابُه أنه حَقٌّ، فإن كان موافقًا لأمر الشارع، فهي الجماعة عند الإطلاق الشرعي".

تعريف الجماعة اصطلاحًا:
تطلق على عدة معانٍ ذكرها أهل العلم:
1- تُطلق الجماعةُ على: الصَّحابة - رضوان الله عليهم - قال الشاطبي في معرض ذكره لأقوال الناس في مفهوم الجماعة: "الجماعة هي الصَّحابة على الخصوص، فإنَّهم الذين أقاموا عمادَ الدين، وأَرْسَوا أوتادَه، وهم الذين لا يَجتمعون على ضلالةٍ أصلاً"، فالنُّصوص الواردة في السنة عن الجماعة تنصرف إليهم أولاً؛ لسبقهم في الزمن والفضل.

2- وتُطلق الجماعة على: أهل العلم وأئمة الهدى المقتدى بهم في الدِّين ومن سلك سبيلهم:

لَمَّا سُئِلَ ابنُ المبارك عن الجماعة، قال: أبو بكر وعمر، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر، قال: ففلان وفلان، قال: "أبو حمزة السكري جماعة"، وأبو حمزة هو محمد بن ميمون المروزي.

قال البخاري: "باب: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، وما أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم".

قال ابن حجر: " فعُرِفَ أنَّ المرادَ بالوصف المذكور أهل العلم الشرعي"[9].

قال الطبري: "وقال قوم: المرادُ بهم أهل العلم؛ لأنَّ الله جَعَلهم حُجة على الخلق، والناس تبع لهم في أمر الدين"[10].

3- وتطلق الجماعة على: الاجتماع على الحقِّ وعدم التفرُّق:
كما ورد في الحديث: ((والجماعة رحمة، والفُرقة عذاب))[11].

ومثله قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((عليكم بالجماعة وإيَّاكم والفرقة، فإنَّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبحة الجنة، فعليه بالجماعة))[12].

وقال ابن مسعود: "إنَّ الذي تكرهون في الجماعة خَيْرٌ من الذي تُحبون في الفرقة"[13].

4- وتطلق الجماعة على: مجموع المسلمين وسوادهم الأعظم، الذين على السنة إذا اجتمعوا على إمامٍ، أو أَمْرٍ من أمور الدِّين، أو أمر من المصالح الدُّنيوية المباحة.

كما ورد في حديثِ حذيفة المشهور، وفيه: "... فما تأمُرني إنْ أدركني ذلك، قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))"، قال الطبري: "والصَّواب أنَّ المراد من الخبر لزوم الجماعة، الذين في طاعة مَن اجتمعوا على تأميره، فمن نَكَثَ بيعتَه خرج عن الجماعة"[14].

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من رأى من أميره ما يكره، فليصبرْ عليه، فإنَّه مَن فارق الجماعةَ شِبْرًا فمات إلاَّ مات ميتة جاهلية))[15].

5- وتطلق الجماعة على: أهلِ الحلِّ والعَقد، وهم العُلماء والأمراء والقَادة والوُلاة والقُضاة والأعيان، أو بعضهم إذا اجتمعوا على أمر من مَصالح المسلمين، كتولية إمامٍ وبيعته أو عزله؛ قال ابن بَطَّال: "والمراد بالجماعة: أهلُ الحل والعقد من كل عصر"[16].

6- وتُطلق الجماعة على: الفريق من الناس اجتمعوا على شيء ما، وهي دون الجماعة الكُبرى مثل جماعة المسجد؛ ففي الحديث: ((مَن صلَّى العشاء في جماعة...))، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ...))؛ قال البخاري: "باب: اثنان فما فوقهما جماعة"، وذلك يعني في الصلاة.

وفي الحديث: ((كلوا جميعًا، ولا تفرَّقوا؛ فإنَّ البركةَ مع الجماعة)).

وَمَن حاول استقراءَ دلالاتِ اللفظِ في مَوارده المختلفة لا يَجده يَخرج عن هذه المعاني، ولكن قد يَجتمع أكثر من معنى في دلالة النصِّ الواحد.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]