عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-11-2020, 05:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,347
الدولة : Egypt
افتراضي الترغيب في تدبر القرآن

الترغيب في تدبر القرآن
- إعداد الدكتور أمل العلمي






شاعت في بعض الأوساط مفاهيم خاطئة تخص تلاوة القرآن... منهم من حذر من تلاوته ونصح الناس بدون علم على الإكثار من نوع معين من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها أفضل وأحوط من تلاوة القرآن... فَضَلَّ عن الذكر الحكيم، وأضَل أتباعه عن القرآن المبين... وعزفت جماعة من الناس عن تلاوته مخافة عدم الوفاء بآداب التلاوة وشروطها، واتقاء للإصابة بلعنة من القرآن متعللين بالمقولة: "رب تال للقرآن والقرآن يلعنه" (وينسبونها زورا وبهتانا للحديث الشريف)... فاعتقدوا واهمين، أن القرآن يلعن صاحبه إن كان مقصرا في أمور العبادة... أو يقترف ذنوبا (مثل سائر الناس)... فنصح هؤلاء بعدم الإكثار من التلاوة... واجتهد آخرون – وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا - وقالوا أن المقصود هو عدم التعبد بالقرآن (وهذا خطأ) وأن بعض المشايخ ينصون على تلاوة حزبين منه يوميا والمواظبة عليه (وهذا جيد) لا أكثر !... ويتساءل المرء من أين تسربت تلك المفاهيم للعقول السذج... فهُجر القرآن تلاوة وفهما وتدبرا وعملا به. ولعمري إن هي إلا وسوسة الشيطان لعنة الله عليه... أقنعهم بمنطقه فسلموا له زمام أمورهم... ففقدوا بركة القرآن وهداه، وحرموا أنفسهم من نور القرآن فبقوا في ظلماتهم يعمهون، ولم يستبينوا بيانه فاختلت موازينهم، وحُرموا من الفرقان بين الحق والباطل فضلوا عن السبيل... وزاغوا عن الصراط المستقيم. ونظرا لأهمية هذا الموضوع وخطورته استخرت الله عز وجل في التصدي لتلك الشبهات الضالة والمضلة، وأخذت على عاتقي الذود عن القرآن وفضائله والترغيب في تلاوته وفهمه وتدبره والعمل به... فأحسن الكلام كلام الله جل وعلا... وخير الهدي هدي القرآن... فهو النبراس والدستور والحكم والمرجع... فمن لاذ به عصم نفسه من الشيطان بإذن الله جل شأنه... وسار على نهج الأنبياء والمرسلين واقتدى بالنبي المرسل هدية للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. فوعدا علي سلسلة من البحوث في هذا الموضوع تستهل بمبحث "الترغيب في تدبر القرآن"... ومنذ أيام نشرت في هذا المجلس العلمي الموقر مبحثا بعنوان: القرآن أنزل للتدبر وللتذكر. تناول شرح الآية 29 من سورة ص. فاستعرضت شروح المفسرين على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم: وبدأت بأمهات التفاسير وتفاسير أهل السنة والجماعة والسلفيين والصوفيين فتجمع لدي 52 تفسيرا. وكان من بينها بعض تفاسير الشيعة وكان قصدي إثارة المناقشة والرد عليها... لكن شاء الله أن يحذف المقال جملة وتفصيلا ... وخِلت السبب هذا... وعلى أي، فلا مؤاخذة على هذا الأمر... (وأؤكد لمن حذفها وليطمئن بالا أني سني إلى النخاع ولا يسري في إلا دم أهل السنة والجماعة ولله الحمد)... ولكن ما السبيل لتنبيه الناس عن بعض ضلالات تلك التفاسير إن لم نستعرضها مع غيرها ونسأل أهل الذكر في أمرها ونناقشها... هل بعدم الالتفات إليها ونقدها وانقاد الناس من وحلها ؟... فلولا الجاهلية لما عرفت الإسلام على حد قول الفاروق الخليفة عمر رضي الله عنه... فغيرت المنهج في هذا العرض – بتجنب الشروح الأخرى مخافة أن أخل بنظام المجلس الموقر - واكتفيت بشرح واحدٍ لبعض الآيات التي تخص تدبر القرآن معتمدا على شرح العلامة السني، شيخ الإسلام المالكي محمد الطاهر بن عاشور (تونس، 1296هـ -1393 هـ) رحمه الله.

ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ص: ٢٩
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور: «عقب الإمعان في تهديد المشركين وتجهيلهم على إعراضهم عن التدبر بحكمة الجزاء ويوم الحساب عليه والاحتجاج عليهم، أعرض الله عن خطابهم ووجّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالثناء على الكتاب المنزل عليه، وكان هذا القرآن قد بيّن لهم ما فيه لهم مقنع، وحجاجاً هو لشبهاتهم مقلع، وأنه إن حَرَم المشركون أنفسهم من الانتفاع به فقد انتفع به أولو الألباب وهم المؤمنون. وفي ذلك إدماجُ الاعتزاز بهذا الكتاب لمن أنزل عليه ولمن تمسك به واهتدى بهديه من المؤمنين. وهذا نظير قوله تعالى عقب ذكر خلق الشمس والقمر:{ مَا خَلَقَ الله ذٰلِكَ إلاَّ بالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعْلَمُون }في أول سورة [يونس: 5].والجملة استئناف معتَرضٍ وفي هذا الاستئناف نظر إلى قوله في أول السورة{ والقُرآنِ ذي الذِكرِ }[ص: 1] إعادة للتنويه بشأن القرآن كما سيعاد ذلك في قوله تعالى:{ هذا ذكر }[ص: 49].فقوله: { كِتابٌ } يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هذا كتاب، وجملة { أنزلناهُ } صفة { كِتابٌ }. ويجوز أن يكون مبتدأ وجملة { أنزلناهُ } صفة { كِتاب } و { مُبارَكٌ } خبراً عن { كِتابٌ}.وتنكير كِتابٌ للتعظيم، لأن الكتاب معلوم فما كان تنكيره إلا لتعظيم شأنه وهو مبتدأ سوغ الابتداء به وصفه بجملة { أنزلناهُ } و { مُبارَكٌ } هو الخبر. ولك أن تجعل ما في التنكير من معنى التعظيم مسوغاً للابتداء وتجعل جملة { أنزلناهُ } خبراً أول و { مُبارَكٌ } خبراً ثانياً و { لِيدَّبَّرُوا } متعلق بــــ { أنزلناهُ } ولكن لا يجعل { كِتابٌ } خبر مبتدأ محذوف وتقدره: هذا كتاب، إذ ليس هذا بمحَزّ كبير من البلاغة.والمبارك: المُنبَثّة فيه البركة وهي الخير الكثير، وكل آيات القرآن مبارك فيها لأنها: إمّا مرشدة إلى خير، وَإمّا صارفة عن شرّ وفساد، وذلك سبب الخير في العاجل والآجل ولا بركة أعظم من ذلك.والتدبر: التفكر والتأمل الذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني، وإنما يكون ذلك في كلام قليل اللفظ كثير المعاني التي أودعت فيه بحيث كلما ازداد المتدبر تدبراً انكشفت له معان لم تكن بادية له بادىء النظر. وأقربُ مثل للتدبر هنا هو ما مر آنفاً من معاني قوله تعالى:{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً }[ص: 27] إلى قوله:{ أم نجعل المتقين كالفجار }[ ص: 28]، وتقدم عند قوله تعالى:{ أفلا يتدبرون القرآن }في سورة [النساء: 82].وقرأ الجمهور: { ليَدَّبَّرُوَا } بياء الغيبة وتشديد الدال. وأصل «يدبروا» يتدبروا، فقلبت التاء دالاً لقرب مخرجيهما ليتأتى الإِدغام لتخفيفه وهو صيغة تكلف مشتقة من فعل: دَبَرَ بوزن ضرب، إذا تبع، فتدبَّره بمنزلة تتبَّعه، ومعناه: أنه يتعقب ظواهر الألفاظ ليعلم ما يَدْبر ظواهرها من المعاني المكنونة والتأويلات اللائقة، وتقدم عند قوله تعالى:{ أفلم يدبروا القول }في سورة [المؤمنين: 68].وقرأ أبو جعفر { لتَدَبروا } بتاء الخطاب وتخفيف الدال وأصلها: لتتدبروا فحذفت إحدى التاءين اختصاراً، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين. والتذكُّر: استحضار الذهن ما كان يعلمه وهو صادق باستحضار ما هو منسي وباستحضار ما الشأن أن لا يُغفل عنه وهو ما يهمّ العلم به، فجُعل القرآن للناس ليتدبروا معانيه ويكشفوا عن غوامضه بقدر الطاقة فإنهم على تعاقب طبقات العلماء به لا يصلون إلى نهاية من مكنونه ولتذكرهم الآية بنظيرها وما يقاربها، وليتذكروا ما هو موعظة لهم وموقظ من غفلاتهم. وضمير «يدبروا» على قراءة الجمهور عائد إلى { أولوا الألباب } على طريقة الإِضمار للفعل المهمل عن العمل في التنازع، والتقدير: ليدَبَّر أولو الألباب آياته ويتذكروا، وأما على قراءة أبي جعفر فإسناد «يتذكر» إلى { أُولُوا الألبابِ } اكتفاء عن وصف المتدبرين بأنهم أولو الألباب لأن التدبر مُفْضٍ إلى التذكر. والتذكر من آثار التدبر فوصف فاعل أحد الفعلين يُغني عن وصف فاعل الفعل الآخر. و { أولوا الألباب }: أهل العقول وفيه تعريض بأن الذين لم يتذكروا بالقرآن ليسوا من أهل العقول، وأن التذكر من شأن المسلمين الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، فهم ممن تدبروا آياته فاستنبطوا من المعاني ما لم يعلموا، ومن قرأه فتذكر به ما كان علمه وتذكر به حقاً كان عليه أن يرعاه، والكافرون أعرضوا عن التدبر فلا جرم فاتهم التذكر. ».
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ النساء: ٨٢
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور: « الفاء تفريع على الكلام السابق المتعلّق بهؤلاء المنافقين أو الكفرةِ الصرحاءِ وبتوليّهم المعرّض بهم في شأنه بقوله:{ ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً }[النساء: 80]، وبقولهم { طاعة}[النساء: 81]، ثم تدبير العصيان فيما وعدوا بالطاعة في شأنه. ولمّا كان ذلك كلّه أثراً من آثار استبطان الكفر، أو الشكّ، أو اختيار ما هو في نظرهم أولى ممّا أمروا به، وكان استمرارهم على ذلك، مع ظهور دلائل الدّين، منبئاً بقلّة تفهّمهم القرآن، وضعف استفادتهم، كان المقام لتفريع الاستفهام عن قلّة تفهمّهم. فالاستفهام إنكاري للتوبيخ والتعجيب منهم في استمرار جهلهم مع توفّر أسباب التدبير لديهم. تحدّى الله تعالى هؤلاء بمعاني القرآن، كما تحدّاهم بألفاظه، لبلاغته إذ كان المنافقون قد شكّوا في أنّ القرآن من عند الله، فلذلك يظهرون الطاعة بما يأمرهم به، فإذا خرجوا من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خالفوا ما أمرهم به لعدم ثقتهم، ويشكّكون ويشكّون إذا بدا لهم شيء من التعارض، فأمرهم الله تعالى بتدبر القرآن كما قال تعالى:{ فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه }[آل عمران: 7] الآية. والتدبّر مشتقّ من الدُّبر، أي الظَّهر، اشتقّوا من الدُّبر فعلاً، فقالوا: تدبّر إذا نظر في دبر الأمر، أي في غائبه أو في عاقبته، فهو من الأفعال التي اشتقّت من الأسماء الجامدة. والتدبّر يتعدّى إلى المتأمَّل فيه بنفسه، يقال: تدبّر الأمَر. فمعنى { يتدبَّرون القرآن } يتأمّلون دلالته، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يتأمّلوا دلالة تفاصيل آياته على مقاصده التي أرشد إليها المسلمين، أي تدبّر تفاصيله؛ وثانيهما أن يتأمّلوا دلالة جملة القرآن ببلاغته على أنّه من عند الله، وأنّ الذي جاء به صادق. وسياق هذه الآيات يرجّح حمل التدبُّر هنا على المعنى الأول، أي لو تأمّلوا وتدبّروا هدي القرآن لحصل لهم خير عظيم، ولمَا بَقُوا على فتنتهم التي هي سبب إضمارهم الكفر مع إظهارهم الإسلام. وكلا المعنيين صالح بحالهم، إلاّ أنّ المعنى الأول أشدّ ارتباطاً بما حكي عنهم من أحوالهم. وقوله: { ولو كان من عند غير الله } الخ يجوز أن يكون عطفاً على الجملة الاستفهامية فيكونوا أمروا بالتدبّر في تفاصيله، وأعلموا بما يدلّ على أنّه من عند الله، وذلك انتفاء الاختلاف منه، فيكون الأمر بالتدبّر عامّاً، وهذا جزئيّ من جزئيات التدبّر ذكر هنا انتهازاً لفرصة المناسبة لغَمْرهم بالاستدلال على صدق الرسول، فيكون زائداً على الإنكار المسوق له الكلام، تعرّض له لأنّه من المهمّ بالنسبة إليهم إذ كانوا في شكّ من أمرهم. وهذا الإعراب أليق بالمعنى الأول من معنيي التدبّر هنا. ويجوز أن تكون الجملة حالاً من «القرآن»، ويكون قيداً للتدبّر، أي ألاَ يتدبّرون انتفاء الاختلافِ منه فيعلمون أنّه من عند الله، وهذا أليق بالمعنى الثاني من معنيي التدبّر. وممّا يستأنس به للإعراب الأوّل عدم ذكر هذه الزيادة في الآية المماثلة لهذه من سورة القتال، وهي قوله:{ فإذا أنزلت سورة محكمة وذُكر فيها القتال }
[محمد: 20] إلى قوله:{أفلا يتدبّرون القرآنَ أم على قلوب أقفالُها }
[محمد: 24] وهذه دقائق من تفسير الآية أهملها جميع المفسّرين. والاختلاف يظهر أنّه أريد به اختلاف بعضه مع بعض، أي اضطرابه، ويحتمل أنّه اختلافه مع أحوالهم: أي لوجدوا فيه اختلافاً بين ما يذكره من أحوالهم وبين الواقع فليكتفوا بذلك في العلم بأنّه من عند الله، إذ كان يصف ما في قلوبهم وصفَ المطّلع على الغيوب، وهذا استدلال وجيز وعجيب قصد منه قطع معذرتهم في استمرار كفرهم. ووُصِفَ الاختلاف بالكثير في الطَرف الممتنع وقُوعه بمدلول (لو). ليعلم المتدبّر أنّ انتفاء الاختلاف من أصله أكبر دليل على أنّه من عند الله، وهذا القيد غير معتبر في الطرف المقابل لجواب (لو)، فلا يقدَّر ذلك الطرف مقيَّداً بقوله: { كثيراً } بل يقدر هكذا: لكنّه من عند الله فلا اختلاف فيه أصلاً. ».
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ محمد: ٢٢ – ٢٤
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور: «{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ}مقتضى تناسق النظم أن هذا مفرع على قوله:{ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم }[محمد: 21] لأنه يفهم منه أنه إذا عزم الأمر تولوا عن القتال وانكشف نفاقهم فتكون إتماماً لما في الآية السابقة من الإنباء بما سيكون من المنافقين يوم أُحُد. وقد قال عبد الله بن أبي: عَلاَم نقتل أنفسنا ها هنا؟ وربما قال في كلامه: وكيف نقاتل قريشاً وهم من قومنا، وكان لا يرى على أهل يثرب أن يقاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الاقتصار على أنهم آووه. والخطاب موجّه إلى الذين في قلوبهم مرض على الالتفات. والاستفهام مستعمل في التكذيب لما سيعتذرون به لانخزالهم ولذلك جيء فيه بــ { هل } الدالة على التحقيق لأنّها في الاستفهام بمنزلة (قد) في الخبر، فالمعنى: أفيتحقق إن توليتم أنكم تفسدون في الأرض وتقطعون أرحامكم وأنتم تزعمون أنكم توليتم إبقاء على أنفسكم وعلى ذوي قرابة أنسابكم على نحو قوله تعالى:{ قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا }[البقرة: 246] وهذا توبيخ كقوله تعالى:{ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم }[البقرة: 85]. والمعنى: أنكم تقعون فيما زعمتم التّفادي منه وذلك بتأييد الكفر وإحداث العداوة بينكم وبين قومكم من الأنصار. فالتولّي هنا هو الرجوع عن الوجهة التي خرجوا لها كما في قوله تعالى:{ فلما كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلاً منهم }[البقرة: 246] وقوله:{ أفرأيت الذي تولّى }[النجم: 33] وقوله:{ فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى }[طه: 60]. وبمثله فسر ابن جريج وقتادة على تفاوتٍ بين التفاسير. ومن المفسرين من حمل التولّي على أنه مطاوع وَلاّه إذا أعطاه ولاية، أي ولاية الحكم والإمارة على الناس وبه فسر أبو العالية والكلبي وكعب الأحبار. وهذا بعيد من اللفظ ومن النظم وفيه تفكيك لاتصال نظم الكلام وانتقال بدون مناسبة، وتجاوز بعضهم ذلك فأخذ يدعي أنها نزلت في الحرورية ومنهم من جعلها فيما يحدث بين بني أمية وبني هاشم على عادة أهل الشيع والأهواء من تحميل كتاب الله ما لا يتحمله ومن قصر عموماته على بعض ما يراد منها. وقرأ نافع وحده { عَسِيتُم } بكسر السين. وقرأه بقية العشرة بفتح السين وهما لغتان في فعل عسى إذا اتصل به ضمير. قال أبو علي الفارسي: وجه الكسر أن فعله: عَسِي مثل رَضِي، ولم ينطقوا به إلاّ إذا أسند هذا الفعل إلى ضمير، وإسناده إلى الضمير لغة أهل الحجاز، أما بنو تميم فلا يسندونه إلى الضمير البتة، يقولون: عسى أن تفعلوا.

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]