أهكذا كلُّ مَن يهوى يَحلُّ بِهِ؟!
مصطفى قاسم عباس
طيفُ الأحباء -رغم البعد- ناجاني*** ومن هطول الدجى للفجر واساني
طيفٌ أتى وظلام الليل منسدِلٌ*** فأشرقت شمسُ أيامي وأزماني
وأقبل الطيفُ في هَمس يُحاورني*** فقلت: ينعشني، بل زاد أشجاني
طيفٌ لمن حَمَّلوا قلبي بهودجهم*** يوم الوداع ضحىً، والدمع يغشاني
طيفٌ لِمَن كلما نشْرُ النسيم سرى*** من ربعهم عبَّق الدنيا بريحان
وشنَّفَ الروحَ صوتٌ منه ذو صَحَلٍ*** سرى بجسميَ حتى هزّ أركاني
وقلتُ: أسلو به عما يؤرقني*** ففاض قلبي جوىً، والتاع وجداني
يا أيها الطيفُ كدْتَ اليوم تقتلني*** فذا حديثُك أضناني وأوهاني
رميتَني بِظُبَىً في القلب مولعةٍ*** فصرتُ ميْتاً، وأنت القاتل الجاني
سلوا سَقامي، سلوا عيناً مُؤَرَّقةً*** سلوا دموعاً كوتْ عيني وأجفاني
سلوا الليالي التي أمضيتُها سهراً*** إلى الصباح وكان الصبحُ ينساني؟!
غدوتُ مضنىً، ودمعي لا يفارقني*** يَجري كغيثٍ على الخدين هتّانِ
أحباب روحي: بُحورُ الهجر تُغرقني*** أخوض فيها، ولا أحظى بشُطآن
حبست بركانَ دمعي في محاجره*** حتى تفجَّر في الأعماق بركاني
أنينُ قلبي جميعُ الناس تسمعُهُ*** سلوا عن النَّوح في الأسحار جيراني
شبَّ الغرام لظىً تجري بأوردتي*** فهل رأيتَ اللظى تسري بشريانِ؟!
كم قلتُ: يُبْسِم ثغري بدرُ طلعتكم!*** لكنه في ظِلال الدَّوح أبكاني
أنى لثغريَ أن تلقاه مبتسماً؟*** فالثغرُ ما افترَّ منذ البَيْنِ خِلاني
أهكذا كلُّ مَن يهوى يَحل به*** وجدٌ يُذيب الحشا من غير نيران!؟
أحباب قلبي كفى هجراً، فوا أسفي!*** أليس يكفي بأني بعدَكم فانِ؟!
جرّعتموني الأسى من مُرِّ فُرقتكم*** وكم شربتُ النوى من كأس حرمان!
ماذا سأفعل إن عينِيْ رأت سحراً*** عيونَكم سادتي والسعدُ وافاني؟
سأنْثُرُ الروح دُرّاً في دروبِكُمُ*** بالله، سيروا على روحي بتَحنان!
ها قد بنيتُ الهوى قصراً وقافيةً*** لتدخلوا من رياض الشعر أوطاني
سأنثرُ الْحُبَّ ورداً في خمائله*** لكي تسيروا على وردٍ ببستاني
أهلاً وسهلاً بكم، هذي مرابعِكُم*** تقول روحي لكم: أهلاً بسكاني
إذا هجرتم لأمرٍ ما منازلَكُم*** فإن أعماق قلبي منزلٌ ثانِ
لا بارك الله في دهرٍ يُفرقنا*** وبارك اللهُ يومَ الوصل أزماني
إذا المناجاةُ للأطياف قاتلتي*** فكلَّ ليلٍ أعِدّوا بِيْضَ أكفاني