عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13-11-2020, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام

أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام
عبدالرحمن صالح عبدالله




مظاهر الاعتداء على المال العام وأسبابه:

الاعتداء على المال العام ظاهرة غير محصورة في فئة عمرية معينة، وهى موجودة في المجتمعات الغنية والفقيرة على حد سواء، ويتخذ الاعتداء على المال العام أشكالاً متعددة، منها:

1 - الإتلاف: قد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني والحدائق وأثاث المدارس بصورة متعمدة، ويتخذ التخريب صوراً متعددة، منها: تشويه منظرها بالكتابة عليها، أو كسر النوافذ الزجاجية منها، أو إتلاف الأشجار.


2 - الاستيلاء: ويقصد به أن يضم شخص بصور مباشرة جزءاً من المال العام إلى ماله الخاص، ويكون الاستيلاء بطرق متعددة، منها: الاختلاس، والنصب، والاحتيال، وقد يكون الاستيلاء بطريقة غير مباشرة؛ كأن يسهل لشخص آخر الحصول على المال العام مقابل الحصول على جزء منه [10، ص ص 62 - 63].



3 - الغش: وأكثر ما يكون هذا في تنفيذ العقود المتعلقة بالمال العام؛ فبعض الشركات التي تقوم بتنفيذ عقود المقاولات والأشغال العامة لا تفي بالشروط التي يتم الاتفاق عليها، ويزداد الغش كلما قلت الرقابة على تنفيذ تلك العقود. ومما يساعد على الغش تقديم الرشوة للموظف المسؤول عن مراقبة التنفيذ، ولا جدال في أن انتشار الرشوة يضر بالمال العام ضرراً كبيراً [11، ص217]؛ ولهذا جاء تحذير الإسلام من الرشوة، وتهديد الراشي والمرتشي من عذاب الله يوم القيامة.



4 - الإهمال: قد يرتكب الموظف في حق المال خطأً تترتب عليه جوانب جسيمة تضر بذلك المال، ويقصد بالإهمال عدم بذل المسؤول الجهد الذي يتطلبه عمله أو وظيفته، فالحارس المسؤول عن حراسة المبنى المدرسي يعد معتدياً على المال العام إذا ما أهمل في أداء وظيفته، وترك المدرسة دون حراسة معظم ساعات اليوم.



من الواضح أن الأطفال وطلاب المدارس لا يقومون باعتداءات على المال العام عن طريق الاستيلاء أو الغش في تنفيذ العقود أو الإهمال؛ لأنهم ليسوا في موضع السلطة، لكنهم قد يعتدون على المال العام عن طريق الإتلاف والتخريب، وهذا ما أشارت إليه دراسات عدة أجريت في أكثر من قطر؛ فقد أجرت دائرة التربية في كاليفورنيا عام 1996م دراسة عن السلامة في المدارس هدفت إلى معرفة الجرائم التي يرتكبها الطلاب في أربعة مجالات، هي: الاعتداء على الممتلكات العامة، والاعتداء على الأشخاص، والجرائم المتعلقة بالمخدرات والمسكرات، وجرائم أخرى، وأظهرت نتائج الدراسة أن الجرائم المتعلقة بالاعتداء على الممتلكات العامة كانت الأكثر شيوعاً؛ إذ بلغت نسبتها 34% من مجموع الجرائم، وكان معدلها 4.1 جريمة لكل ألف طالب وطالبة. وضمن فئة الاعتداء على الممتلكات، كان التخريب المتعمد الأكثر شيوعاًً؛ إذ بلغت نسبته 1.7 جريمة لكل ألف طالب [12]. وأظهرت دراسة أخرى أجريت في كندا عام 1995م أن ملايين الدولارات تنفق سنوياً على إصلاح الممتلكات العامة؛ نتيجة للاعتداء المتعمد من جانب الطلاب [13]. وفي دراسة أجريت في بريطانيا، وزعت استبانة على 225 كلية، وأجاب عنها حوالي نصف هذه الكليات، وقد أفادت 109 من الكليات أنه وقع بها سرقات واعتداءات على الممتلكات [14].




ولمعرفة بعض العوامل التي تدفع الطلاب إلى الاعتداء على المال العام أجريت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992م، وأظهرت نتائج الدراسة أن من بين العوامل المؤدي إلى الاعتداء: ضعف سيطرة الأسرة على أفرادها، وإضفاء صفة البطولة على بعض تصرفات المجرمين، والأثر الذي يتركه رفاق السوء، وانتشار ظاهرة السكر وتعاطي المخدرات بين الطلاب، وضعف الطموح لدى بعض الطلاب للوصول إلى مستوى تحصيلي لائق [15].



وتظهر الإحصاءات الصادرة عن المركز القومي للإحصاءات التربوية الأمريكية عام 93/1994م أن نسبة حدوث الاعتداء على الأشخاص والممتلكات في المدارس الابتدائية أقل مما هو عليه الحال في المدارس الثانوية، كما تظهر الإحصاءات أن الاعتداء يتناقص كلما تم الانتقال من المدن إلى الضواحي، ثم إلى المناطق الريفية [16].



ولمعرفة أثر جنس الطالب (ذكر/ أنثى) على تخريب الممتلكات في الجامعات أجريت دراسة في الولايات المتحدة عام 1997م، وأظهرت نتائج الدراسة أن الذكور أكثر ميلاً للاعتداء على الممتلكات من الإناث [17].



يبدو مما تقدم أن البيئة الأسرية غير المناسبة، وأقران السوء، وبعض العوامل المتعلقة بالمناخ المدرسي تؤثر سلباً في الطلاب، وتدفعهم إلى الاعتداء على الممتلكات العامة؛ فالطالب الكسول أو المنبوذ من قِبَل الرفاق أو المعلمين يجد في الاعتداء على ممتلكات المدرسة وسيلة للتنفيس عن حالة الإحباط التي يعيشها.



وغني عن البيان أن الجهل وعدم إدراك المعتدي أهمية المال العام يساعده على الاعتداء، إنه يجهل أن هذا المال ينفق منه على أفراد المجتمع، وأنه شخصياً يستفيد من هذا المال، كما أنه شخصياً يلحقه الضرر نتيجة للتلف الذي يحدث، والأموال التي تنفق لإصلاح التلف.



وبعض البالغين في المجتمع قد تكون لديهم المعرفة الكاملة لأهمية المال العام؛ لكنهم مع ذلك لا يترددون في الاعتداء عليه، ومن الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك ضعف الرقابة على المال العام، وضعف العقوبات التي تفرض على كل من يتعدى عليه؛ ولهذا لابد لكل مجتمع يرغب في المحافظة على المال من سن التشريعات التي تكفل الحفاظ عليه.



وربما كان لظاهرة الاعتداء على المال العام بُعْد سياسي؛ فقد خضعت أجزاء كبيرة من العالم العربي لسيطرة الدول الاستعمارية، وحدثت حروب ومواجهات بين سكان البلاد والسلطات المستعمرة، والعداء بين سكان البلاد والدولة المستعمرة جعل السكان ينظرون إلى مال الدولة على أنه مال مباح؛ لهذا نسمع في بعض البلاد العربية هذه العبارة: "هذا مال دولة"، ويقصد بذلك تبرير الإضرار به، أو الاعتداء عليه!! وواجب المربين ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة في أذهان الناشئة، ومما يؤسف له أن القمع والاستبداد الذي مارسته بعض الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي يحول دون تغيير مفهوم الدولة الموروث من عهود الاستعمار، ولابد من تحسين العلاقة التي تربط الدولة بالمواطن؛ حتى يحدث تغيير في اتجاهات المواطن نحو الدولة ومؤسساتها، ومالها.



المفاهيم التي تغرسها التربية:

تستطيع المؤسسات التربوية أن تحد من ظاهرة الاعتداء على المال العام إذا ما أكسبت أفراد المجتمع في أثناء سنوات الدراسة وما بعدها بعض المفاهيم الأساسية، ومن أبرز هذه المفاهيم:

1 - المال العام: كل ما تحوزه الدولة، وله قيمة، ويعود نفعه لأفراد المجتمع.


2 - الاستخلاف: عمارة الأرض وفق ما شرعه الله سبحانه تعالى، وقد شرف الله سبحانه تعالى الإنسان بهذه الوظيفة دون سائر المخلوقات، ووهبه من الخصائص ما يعنيه على أداء مهام الخلافة؛ ومن هذه الخصائص القدرة على التعلم، وحرية الإرادة، والعقل، فالخليفة يعرف كيف يتعامل مع كل ما يحيط به بما في ذلك المال العام.



3 - التسخير: التسخير لغةً القهر والتذليل، ومعنى هذا أن الأشياء على هذه الأرض والكواكب والنجوم لا تملك إلا أن تكون لصالح الإنسان وخدمته، فمفهوم التسخير يدل على أن سائر المخلوقات هي في خدمة الإنسان، وهو مطالب بأن يعرف كيف يحصل على ما يفيده منها، والمال العام من بين الأمور المسخرة للإنسان.



4 - الجزاء: المكافأة على التصرفات التي تصدر عن الأفراد، ويكون ثواباً في حالة التصرفات الخيرة، وعقاباً في حالة التصرفات التي تنطوي على شر، وإضرار بالفرد والمجتمع.



5 - الدولة: مجموعة من الأفراد تقيم في إقليم معين، وتربط بين أفرادها أواصر عديدة يأتي في مقدمتها الدين، واللغة، وتتمتع بالاستقلال والسيادة، ولها أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية الخاصة بها.



6 - الضمير: قوة داخلية تنمو مع نمو الفرد، والضمير رقيب داخلي يعمل على إبعاد صاحبه عن اقتراف الأعمال غير المرغوب فيها، وتوبيخه في حالة إقدامه على ذلك، والنفس اللوامة التي أقسم بها الله سبحانه تعالى هي هذا الرقيب الداخلي الذي يغني في حالة اكتماله عن الحاجة للرقابة الخارجية.



7 - العبادة: اسم جامع لما يحبه الله سبحانه تعالى ويرضاه؛ وبهذا فإن الصلاة عبادة، والصيام عبادة، والمحافظة على الأثاث، والمحافظة على المال العام عبادة.



8 - الوسطية: وسط الشيء أعدله وأفضله؛ لقوله سبحانه تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ [سورة البقرة: 143]. فالوسطية خاصية من خصائص الأمة الإسلامية التي تدل على حسن التصرف في كل موقف من المواقف. والأمة الوسط تبتعد عن التبذير والإسراف، وتحافظ على المال العام
، ولا تنفقه إلا في الأوجه المشروعة.




إن اكتساب الطلاب لهذه المفاهيم الأساسية مقدمة لا غنى عنها إذا ما أريد لهم أن يحسنوا التعامل مع المال العام، وهذه المفاهيم المجردة لا تؤتي أكلها إلا إذا غرست معها مجموعة من القيم والاتجاهات في نفوس الطلاب.



القيم والاتجاهات التربوية:

اكتساب المفاهيم الأساسية المتعلقة بالمال العام أهداف مهمة لا غنى عنها إذا ما أريد تربية الفرد الصالح الذي يحافظ على المال العام؛ لكنها ليست الأهداف الوحيدة؛ فهناك مجموعة من القيم والاتجاهات التي ينبغي غرسها في الأفراد. ومع أن القيم ترتبط بالمفاهيم ارتباطاً قوياً، إلا أنها مختلفة عنها؛ فالطبيب الذي يدخن السجائر يعرف أضرارها؛ ولكن الاتجاهات الإيجابية نحو التدخين ليست قوية بالقدر الذي يبعده عن هذه العادة الذميمة التي تلحق ضرراً بصحته. فالتربية معنية بغرس القيم والمحافظة عليها؛ إذ تشكل القيم والاتجاهات أحد المجالات المهمة لأهداف كل منهاج تربوي، وفيما يلي أهم القيم التي توجه صاحبها للمحافظة على المال العام:

1 - أن يستشعر أن الله سبحانه تعالى يراقبه في كل تصرف يقوم به؛ ويدخل في ذلك طريقته في التعامل مع المال العام.



2 - أن يحافظ على بيئته التي يعيش فيها، وأن يتجنب إلحاق الضرر بها، سواء أكان ذلك في مجال المال العام أم المال الخاص.



3 - أن ينهج في تصرفاته منهجاً وسطاً؛ كأن يحرص على ترشيد الاستهلاك، وتجنب الإسراف.



4 - أن يتخير الأصدقاء الذين يعينونه على أداء الأعمال الصالحة، وأن يحذر من أصدقاء السوء.



5 - أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح، والمعلمين، وكل من يعرف بحسن التصرف في الأقوال الأفعال.



6 - أن يعتقد بأن الله سبحانه تعالى يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل ما يصدر عنه من أعمال، وهذا الاعتقاد الجازم رادع للمرء من الاعتداء على المال العام، وحافز قوى للمحافظة عليه، فالخوف والرجاء كجناحي طير؛ لا تستغني التربية عن واحد منهما.



7 - أن يعتقد بأن المجتمع المسلم كالجسد الواحد، فكل اعتداء على عضو يؤثر على سائر الأعضاء الأخرى، والاعتداء على المال العام يؤثر سلباً على كل المؤسسات التي تشرف عليها الدولة؛ خدمةً لأفراد المجتمع جميعاً.



8 - أن يعوِّد نفسه على الطاعات، وأن يحارب الأهواء والرغبات؛ وهذا لا يكون إلا بالتدرج.



9 - أن يحاسب نفسه على التصرفات التي تصدر عنه عندما يتبين أنها تضر بالمصلحة العامة، وأن يندم على ما بدر منه.



10 - أن يعتذر عن التصرفات التي يقوم بها وتلحق الأذى بالآخرين أو بالمال العام، وأن يعيد ما أخذه من المال العام، ويدفع قيمة ما ألحقه من أذى، وأن يعلن ندمه على ذلك، وعزمه على عدم تكرار ما صدر عنه من مخالفات.


إن هذه المنظومة من القيم النابعة من العقيدة الإسلامية كفيلة بتربية الإنسان الصالح؛ هذا الإنسان الذي يراقب نفسه، ويشعر أن الله سبحانه تعالى يراقبه، هذا الإنسان الذي يؤمن بأن الحياة الدنيا مزرعة للآخرة؛ فيقبل على عمل الطاعات، وتجنب المنكرات.




ولعل الخواء الروحي، وسيطرة الفلسفات المادية في كثير من المجتمعات المعاصرة، وضعف الوازع الديني هي التي تقف وراء الاعتداء على المال العام؛ سواء أكان ذلك عن طريق الرشاوى، أم الاختلاسات، أم غير ذلك. ويعجز كل مجتمع من المجتمعات المعاصرة عن تعيين مراقبين أو رجال شرطة لمراقبة المواطنين جميعاً، وحتى لو نجح مجتمع في ذلك؛ فلن ينجح في تعيين مراقبين لمراقبة المراقبين، وهذا يجعل الرجوع إلى العقيدة الصحيحة مفتاح الحل الأمثل لهذه المشكلة.


الأساليب التربوية:


يعتمد اكتساب المفاهيم والقيم والاتجاهات التي سبق ذكرها على استخدام أساليب تربوية ملائمة، ومن أبرز الخصائص التي تتصف بها تلك الأساليب أنها متنوعة؛ فالمربون يمكنهم توظيف الأسلوب القصصي، وأسلوب المناقشة الذي يعتمد على الاستقراء، والأسلوب الاستقصائي الذي يقوم على جمع المعلومات من مصادر متعددة، وكلما تعددت الأساليب التربوية أصبح الوصول إلى الهدف المنشود أكثر قرباً، وأسهل منالاً.



وعلى المربين اختيار الأسلوب الملائم للمرحلة العمرية للطلاب، فتلاميذ الصفوف الأولى يناسبهم ذكر قصة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - الذي بعث غلامه ليشوي له لحماً، فجاءه بها سريعاً مشوية، فسأله: أين شويتها؟ فأجاب الغلام: في المطبخ. فسأل: في مطبخ المسلمين؟ فأجابه الغلام: نعم. قال: كلها؛ فإني لا أريدها [18، ج9، ص210]. أما طلاب الجامعات فقادرون على استخدام الأسلوب الاستقصائي أكثر من غيرهم؛ نظراً لعوامل عديدة، منها: توافر مصادر المعرفة من مراجع وشبكة معلومات في مكتبات الجامعات، وقدرتهم على التلخيص، والتنظيم، ومقابلة الأدلة، وترجيح الدليل الأقوى.


والأسلوب التربوي الملائم لإكساب الطلاب المفاهيم والاتجاهات السليمة نحو المال العام يقدم للطلاب معرفة صحيحة، ويحرك عواطفهم وانفعالاتهم؛ فالطريقة الناجحة لا تقتصر في خطابها على الجانب العقلي من الشخصية الإنسانية؛ بل تُعنى بالجانب النفسي، والمربي الذي يرغب في تنفير الطلاب من الاعتداء على المال العام يمكنه أن يقدم الحديث الشريف التالي، ويشرحه شرحاً وافياً:


جاء في كتاب هدايا العمال في صحيح الإمام البخاري: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني أسد على صدقه، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ. فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، وحمد الله سبحانه تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي ويقول: هذا لك، وهذا لي؟! فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر. ثم رفع يديه وقال ثلاثاً: ألا هل بلغت؟!)). [9، ج4، ص2243].


فهذا الحديث الشريف يبين المصير البشع يوم القيامة لمن يعتدي على المال العام، إنه يفتضح أمره على رؤوس الأشهاد، وكل عاقل يفكر في هذا المصير لا يجرؤ أن تمتد يده إلى المال العام؛ فالعواطف والانفعالات التي يولدها الحديث الشريف تدفع صاحبها بعيداً عن العدوان على المال العام، وتحصنه من الوقوع في الإثم.




والأساليب التربوية الفعالة التي تراعى جوانب الشخصية الإنسانية كلها تستثمر قابلية الإنسان للتعلم باستخدام الثواب والعقاب. وكل نظام تربوي يغفل العقاب، أو يسيء استخدامه يعوق نمو القيم عند الطلاب، وليس معنى هذا أن يسود الإرهاب، وأن تعتمد التربية الأساليب القمعية، فالجزاء من جنس العمل، والذي يحسن التصرف يكافأ على ما يصدر عنه، والذي يعتدي على المال العام ينبه إلى خطئه أولاً، ثم يعاقب عقوبات تلائم مستوى الاعتداء، وعمر المعتدي ودوافعه، ولكن علينا أن ندرك أن حماية الأفراد من الوقوع في الخطأ تسبق إيقاع العقوبة؛ ولهذا لابد من وجود توعية كافية في جميع المراحل التعليمية، تهدف إلى التعريف بأهمية المال العام، وسبل المحافظة عليه، والآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على الاعتداء عليه.



والأسلوب التربوي الذي يبالغ في التساهل مع المخالفين بدعوى مراعاة نفسية الفرد يسهم في إيجاد جيل متمرد؛ أما الأسلوب الذي يبالغ في الزجر والتخويف فيسهم في إيجاد جيل مقهور، لا يستجيب إلا للمثيرات التي ترد إليه من الخارج.



والأساليب التربوية الملائمة تمتاز بقدرتها على حفز الطلاب للارتقاء في أهدافهم، وبلوغ الدرجات العلى، فالأسلوب التربوي الناجح لا يكتفي بتزويد الطلاب بالحقائق المتعلقة بالمفاهيم المرغوب فيها، بل يولد فيهم الدافعية لمزيد من التعلم، ومن تنمو لديه الدافعية للتعلم يصبح أكثر قدرة على التعلم الذاتي، ومن تنمو لديه القدرة على التعلم الذاتي يتفوق على نظرائه الذين يفتقرون إلى هذه القدرة.



ونظراً لتباين قدرات الطلاب العقلية؛ فإن الاهتمام بالتعلم الذاتي يصبح مطلباً ملحاً، ويمكن أن توجه التربية الطلاب للإفادة من التقانات التربوية، والطفرة الحالية التي يشهدها العالم في مجال المعلومات.



ويمكن للطالب أن يزداد دراية بالمعرفة عن المال العام من خلال الاطلاع على الدراسات التي تعرض على شبكة الإنترنت، فالتعلم الذاتي، والتقانات الحديثة، والثورة في عالم المعلومات عوامل تساعد على توسيع مدارك الطلاب، وتمكنهم من إجراء مقارنات بين مدى الاعتداء على المال العام في أكثر من بلد من بلدان العالم، وهذا من شأنه أن يساعد على تشكيل الاتجاهات السليمة، وتنمية العمليات العقلية العليا.



يضاف إلى ذلك أن الجو العام الذي تهيئة المؤسسات التربوية جزء لا يتجزأ من الطريقة، فالقدوة أسلوب تربوي شديد التأثير، والطلاب الكبار يعدون قدوة لمن هم أصغر منهم سناً.



والمناخ الذي يوفر للطلاب جواً من الحرية أكثر ملاءمة من مناخ قائم على الاستبداد؛ ففي أجواء الحرية يسأل الطلاب عن هذه المشكلة أو تلك؛ وهذا ما قد يجنبهم الوقوع في الخطأ، أما الأجواء غير المناسبة فتصيب الطلاب بحالة من الإحباط، ولهذا يلجأ هؤلاء إلى التنفيس عن الإحباط بالاعتداء على ممتلكات المدرسة من أثاث وأجهزة، وغير ذلك.



وأخيراً... فإنه يجدر التذكير بأن فاعلية الأساليب التربوية تقاس بمدى قدرتها على تحقيق الأهداف، ومن الأهداف الأساسية للتربية تنمية الضمير الداخلي في الفرد؛ كي يكون رقيباً على الفرد ذاته، وبلوغ درجات الإحسان هدف يجب أن يضعه نصب عينيه كل تربوي مخلص لله سبحانه وتعالى، ويجب أن تقاس فاعلية الأساليب التربوية بمدى نجاحها في تقريب الطالب إلى هذا الهدف الذي يمثل قمة العبادة بمعناها الشامل.


الخاتمة:


الإنسان مستخلف في هذه الحياة الدنيا، والمال من بين المخلوقات التي سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان، والمحافظة على المال العام قيمة مهمة يمكن غرسها في الطفل وهو في سنواته الأولى؛ أي قبل الالتحاق بالمدرسة، وتنمو هذه القيمة للفرد كلما انتقل من مرحلة لأخرى في التعليم العام والتعليم الجامعي؛ بل يستمر نموها ما دامت الحياة.



ونمو هذه القيمة على النحو المطلوب يقتضى تعاون المؤسسات التربوية وتكاملها في هذا المجال؛ فالأم التي تزجر ابنها عندما يكسر غصن شجرة في حديقة عامة؛ تحرص على تربيته على المحافظة على المال العام، ومؤسسة التلفزيون التي تعرض فلماً يمجد الجريمة والاعتداء على ممتلكات الدولة؛ مقصرة في أداء واجبها، ورجل الشرطة الذي يضع علامات تحدد الحد الأعلى لحمولة الشاحنات التي تمر فوق جسر معين؛ يدرك أهمية المحافظة على الممتلكات العامة.



وحتى تكون كل مؤسسة تربوية قادرة على أداء وظيفتها على الصورة المثلى لابد لها من تحديد الأهداف التي تريد الوصول إليها، والأساليب التي تعينها على ذلك. فالمؤسسة التعليمية - على سبيل المثال - تحرص على أن تكون بين أهداف المنهاج أهداف تتعلق بالمحافظة على المال العام، وتضع من بين مفردات المنهاج مفاهيم مرتبطة بتلك الأهداف، وتختار الأساليب التعليمية التي تلائم عمر الطلاب، والوقت المتاح للتعلم.



إن الإنسان حر التصرف في ماله الخاص؛ ولكن تلك الحرية ليست مطلقة، ومن باب أولى أن لا تطلق يده لدى التعامل بالمال العام، وعلى الذين تقع تحت تصرفهم أموال عامة أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في تلك الأموال، وأن يتذكروا تحذيرات نبيهم من افتضاح أمرهم يوم القيامة، وعليهم أن يقتدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبالسلف الصالح من أمثال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، الذي تمثل شفافيته في نظرته إلى المال العام منزلة عالية، لقد كان يطفئ الشمعة التي تصرف له من بيت مال المسلمين بعد الانتهاء من النظر في أمور المسلمين، ثم يضئ شمعة من ماله الخاص بعد ذلك.


المراجع


[1] الزحيلي، وهبة. التفسير المنير. بيروت ودمشق: دار الفكر، (1411هـ / 1991م).

[2] Schubert، W، Curriculum. New Yurok and London: Collier and Macmillan، 1986.

[3] ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. لسان العرب. بيروت: دار صادر، د. ت.

[4] الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. بيروت ودمشق: دار الفكر، 1404هـ / 1984م.

[5] القرشي، يحيي بن آدم. كتاب الخراج. تحقيق حسين مؤنس. القاهرة: دار الشروق، 1987م.

[6] حمدان، مازن. "تحريم التلاعب بالمرافق والممتلكات العامة." مجلة الهداية، مجلة إسلامية تصدرها وزارة العدل والشؤؤن الإسلامية بدولة البحرين، 202 (ذو الحجة / يونيو 1994م)، 74 - 76.

[7] أبو زيد، محمد عبد الحميد، حماية المال العام: دراسة مقارنة. القاهرة: دار النهضة العربية، 1978م.

[8] أبو زيد، محمد عبد الحميد. استعمال الجمهور للمال العام. مجلة الأمن العام: المجلة العربية لعلوم الشرطة، مجلة تصدرها جمعية نشر الثقافة لرجال الشرطة، القاهرة، 87 (ذو القعدة 1399هـ أكتوبر 1979هـ)، 53 - 60.

[9] البخارى، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. صحيح البخارى. مراجعة محمد على قطب وهشام البخارى. بيروت: المكتبة العصرية، 1417هـ/ 1997م.

[10] طاهر، مصطفى. "الحماية الجنائية للمال العام." مجلة الأمن العام، 044 (شوال 1388هـ / يناير 1969م)، 59 - 68.

[11] العمروسي، أمجد. جرائم الأموال العامة. الإسكندرية: دار الفكر الجامعي، (1991م).

[12] California State Department. "Promoting Safe Schools. "Presenting the Results of the 1995 - 96 California State Schools Assessment - ERIC Document ED 406736.

[13] Cooze،J. "Curbimng the Cost of School Vandalism" Education Document، EJ 523573.

[14] Further Education Development Agency - Bristol F E Matters، 1 no. 19، (1977).

[15] Benson، P.، and E. Roehikepartain. "Youth Violence in Middle America. "Midwest Form، 3، on. (1993) (1993)، ERIC Document 384478.

[16] Shen، J. "The Evolution of Violence at Schools. "Educational Leadership، 55، on. 2 (1997)، ERIC document EJ 551999.

[17] Bennett، j. "An Introduction to the Developmental Student and Antisocial Behaviors on the College and University Campus. " Educational Research Quarterly، (1977) ERIC document EJ 554756.


[18] ابن كثير، أبو الفداء الدمشقي. البداية والنهاية. تحقيق أحمد أبو ملحم وزملائه. ط3. بيروت: دار الكتب العلمية، 1407هـ / 1987م.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]