أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام
عبدالرحمن صالح عبدالله
مفهوم المال:
المال لغةً: ما يمتلكه الإنسان من أشياء، وجمعها أموال. وقد أطلق المال في الأصل على ما يمتلكه المرء من الذهب والفضة، ثم توسع المفهوم، ودخل فيه امتلاك الحيوانات وغيرها من المخلوقات [3، ج11، ص635 - 636]، والمال في الاصطلاح: كل ما له قيمة، ويمكن حيازته والانتفاع به. وفي اصطلاح الفقهاء لا يعد الشيء مالاً إلا إذا توفر فيه ثلاثة شروط، هي:
1 - أن يكون له قيمة؛ ولهذا يلزم كل من أتلف عن قصد شيئاً ذا قيمة دفع ثمن ما أتلف.
2 - أن يكون حيازة ذلك الشيء ممكنة؛ ولذلك فإنه لا يعد الهواء وضوء القمر من الأموال.
3 - أن يكون مما يُنتفع به؛ فكل ما لا ينتفع به، مثل لحم الميتة، أو الطعام الفاسد، لا يعد مالاً، أما الأنعام، وميتة السمك، وميتة الجراد، فإنها مال. ومن هنا يبدو بوضوح أن مفهوم المال مرتبط بالقيم التي يؤمن بها المجتمع؛ فالخنزير مال في المجتمعات غير الإسلامية التي تبيح أكله، وتستخدمه في أغراض متعددة منه، وهو خلاف ذلك في المجتمع الإسلامي الذي يعد أكله محرماً [4، ج4، ص40].
إن المال من الأسس المهمة التي تُبنى عليها الحضارات، والقرآن الكريم يشير إلى هذه الأهمية الكبيرة للمال في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [النساء: 5]. ولدى تفسير هذه الآية الكريمة ذكر أحد العلماء أن المال يساعد على تحقيق سعادة الإنسان، وبه يتقدم العلم، ويتحقق النصر على الأعداء [1، ج4، ص248]، فالإعداد للقاء الأعداء يحتاج إلى الأموال الكثيرة؛ وهذه الحقيقة تؤيدها من التاريخ الإسلامي وقائع معروفة؛ فقد تنافس الصحابة رضوان الله عليهم لتجهيز جيش العسرة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
والأمم المعاصرة التي تفتقر إلى المال تقع ضحية البنك الدولي والقروض الربوية؛ ولهذا نجد بعض دول العالم النامي عاجزة عن قيمة ربا القروض التي وقعت تحت وطأتها، وغير خافٍ أن المجتمعات الغربية استغلت حاجة بعض المجتمعات إلى الأموال؛ فربطت بين تقديم المساعدات ونشر معتقداتها، وأفكارها، وأهدافها السياسية، ولعل هذا هو الذي يفسر انتشار النصرانية في أوساط بعض المجتمعات في جنوبي شرقي آسيا.
ولابد من التأكيد هنا على أن الإقرار بأهمية المال لا يجوز أن يفهم منه القليل من أهمية الإيمان؛ سواء أكان ذلك في بناء الحضارة، أم في مجال التصدي للأعداء، وإذا كانت بعض الفلسفات التي اندثرت تعلل سير التاريخ الإنساني بالعوامل المادية؛ فإن الإنسان المسلم يرفض هذه النظرة الأحادية، إنه لا يغفل قيمة المال؛ ولكنه في الوقت نفسه لا يعده العامل الوحيد المفسر لقيام الأمم والحضارات؛ فالإيمان بالله سبحانه وتعالى يفجر من الطاقات ما تعجز عنه العوامل المادية كلها.
ويقسم الفقهاء المال تقسيمات عدة:
فالمال باعتبار مدى الانتفاع به يقسم إلى قسمين: مال متقوم؛ وهو كل ما أباح الشرع الانتفاع به، ومال غير متقوم؛ ويشمل كل ما لا يجوز الانتفاع به إلا في حالات الضرورة؛ مثل الخمر. والمال باعتبار استقراره في محله نوعان: عقار؛ وهو ما لا يمكن نقله من مكان لآخر؛ مثل الدور والأراضي، ومال منقول؛ وهو ما يمكن نقله من مكان لآخر؛ مثل النقود والسلع التجارية. والمال باعتبار بقاء عينه نوعان: استهلاكي، واستعمالي. والمال الاستهلاكي: هو المال الذي لا ينتفع به إلا باستهلاك عينة؛ مثل: الطعام والوقود. والمال الاستعمالي: هو الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه؛ مثل: الدور والكتب [4، ج4، ص ص 43 - 54]. والمال باعتبار من يمتلكه نوعان: مال عام، ومال خاص.
مفهوم المال العام:
المال الخاص: هو ما أعطي حق التصرف فيه لفرد أو مجموعة من الأفراد، والمال العام: هو ما تعود ملكيته إلى الأمة. وقد حافظ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أرض السواد - وهى الأراضي الخصبة المزروعة في جنوبي العراق - ولم يقسمها بين المسلمين؛ حتى تظل مورداً ثابتاً لبيت المال [5، ص60]، ومن الأمثلة على المال العام في العصر الحديث: دخل الدولة من النفط أو الصناعات، والمرافق العامة التي تضعها تحت تصرف أبناء الأمة جميعاً؛ مثل المدارس، والمستشفيات، والطرقات العامة، والجسور، والقلاع، والحصون، فالمال العام يشمل أموالاً منقولة وأخرى غير منقولة [6، ص74]. والمال لا يكون عاماً إلا إذا توافر فيه شرطان، هما [7، ص ص 11 - 12]:
1 - أن يكون خاصاً بالأمة أو الدولة.
2 - أن يخصص للمنفعة العامة؛ فالأصل في المال العام أن يكون حقاً لجميع أفراد الأمة.
والمال العام يرتبط بمفهوم الدولة والوظائف التي تقوم بها؛ ففي العصور السابقة كان الأفراد يتولون مهمة التربية ونشر التعليم، وأخذ إشراف الدولة على التعليم يتزايد في القرون الأخيرة، وبخاصة بعد النصف الثاني من القرن العشرين، وأصبحت الدولة في معظم المجتمعات ملزمة بفتح المدارس، وتعليم أبنائها فترة زمنية محددة تطول أو تقصر بناء على عوامل عدة، منها مدى قدرة الدولة على الإنفاق. فمقدار المال العام الذي ينفق على المؤسسات التربوية في تزايد مستمر؛ وهذا ينطبق على مجالات أخرى مثل الطرقات والمستشفيات. فتعدد وظائف الدولة ونموها أدى إلى اتساع نطاق تعامل جمهور الناس مع المال العام.
ثم إن مفهوم المال العام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة التي يؤمن بها مجتمع معين أو أمة معينة؛ ففي الفلسفة الاشتراكية يحتل المال العام مساحة واسعة مقارنة بالمساحة التي يحتلها في المجتمعات الإسلامية، أو تلك التي تؤمن بالنظام الرأسمالي، فالدولة في الفلسفة الاشتراكية التي مثَّلها الاتحاد السوفييتي قبل انهياره هي التي تملك المصانع والمزارع، أما في المجتمعات الرأسمالية الغربية فيعطى المجال واسعاً للجهد الفردي؛ ولهذا فإن ما يعد مالاً عاماً في دولة قد لا يكون كذلك في دولة أخرى.
ومهما كان نوع الفلسفة أو العقيدة التي تؤمن بها الدولة، فإنه لا مناص من قيام الدولة بسن تشريعات تكفل حسن استخدامه الأفراد للمال العام؛ فسلطات المرور تضع أنظمة وتعليمات تنظم مرور الشاحنات فوق الجسور، والسلطات المشرفة على الحدائق العامة تحدد ما ينبغي مراعاته، وما لا ينبغي عمله في هذه الحدائق. لكن الذي لابد منه هو عدم تعارض ما تسنه الدولة من تشريعات مع المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه المال العام، وهو المساواة بين الأفراد فيما يتعلق بحرية الانتفاع بهذا المال [8، ص 54].
وغني عن البيان أن حرية الأفراد في استخدام المال العام ليست مطلقة؛ فالحرية المطلقة تؤدي إلى خراب المال العام.
إن التفريق في المعنى بين مفهوم المال العام ومفهوم المال الخاص لا يقتضي وجود تعارض بينهما؛ فالمال العام ينتفع به أفراد الأمة جميعاً، وكأن كلاً منهم له حق فيه، والإنسان العاقل يحافظ على ماله الخاص وعلى المال العام، ولقد حث القرآن الكريم على عدم أكل أموال الناس بالباطل في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]. ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة على أموال الناس؛ والمال العام داخل بكل تأكيد في أموال الناس؛ لأن المال العام لمنفعتهم. وهذا الربط الجلي بين المال العام والمال الخاص لا نظير له في أية فلسفة من الفلسفات الوضيعة؛ ولهذا فإن التعرف إلى نظرة الإسلام إلى المال تزيد البحث جلاء ووضوحاً.
موقف الإسلام من المال:
تكررت كلمة مال في القرآن الكريم ستاً وثمانين مرة في صيغة المفرد والجمع، وقد جاءت نكرة، ومعرفة بأل التعريف، ومضافة إلى ضمير المفرد الغائب "أمواله"، وضمير الجمع المخاطب ﴿ أَمْوَالَكُمْ ﴾ [البقرة: 188]، وضمير الجمع الغائب ﴿ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [البقرة: 261]، وضمير الجمع المتكلم "أموالنا". كما أضيفت الكلمة إلى لفظ الجلالة في آية واحدة. واقترن المال بالبنين أو الأولاد في أكثر من ثلاثين آية قرآنية.
لقد أضيف المال إلى لفظ الجلالة "الله" في الآية (33) من سورة النور؛ وبالنظر في الآيات التي أضيف فيها المال للإنسان؛ يتبين أن من يتعلق به يقع في إحدى الفئات التالية: مؤمن، وكافر، وعام؛ أي لم يحدده النص.
أما فيما يتعلق بالاتجاه نحو المال كما جاء في تلك الآيات فإنه لا يخرج عن إحدى الفئات التالية: اتجاه إيجابي، واتجاه سلبي، وسكوت عن الاتجاه؛ أي أن المال لم يُمدح ولم يُذم، وجدول رقم 1 يبين عدد الآيات القرآنية لدى كل فئة من الفئات السابقة في كل من الاتجاهات الثلاثة.
جدول رقم 1:
الآيات القرآنية موزعة حسب الاتجاه والفئة:
الفئة الاتجاه إيجابي سلبي غير محدد المجموع مؤمن 38 4 4 46 كافر 1 31 - 32 عام 4 3 - 7 المجموع 43 38 4 85
يظهر من جدول رقم 1 أن ارتباط المال بالمؤمنين، هو الأكثر تكراراً مقارنة بالفئتين الأخريين؛ لوروده في ستة وأربعين موضعاً، وأن الاتجاه الذي نجده في القرآن الكريم نحو المال عند المؤمنين اتجاه إيجابي في أغلبيته، ومن المظاهر الدالة على الموقف الإيجابي نحو المال الذي ارتبط بالمؤمن ما يأ تي:
1 - يحرم القرآن الكريم أكل أموال اليتامى؛ وفي هذا حث للمحافظة على المال.
2 - يباعد الله سبحانه وتعالى بين النار والمؤمن الذي ينفق في سبيل الله سبحانه وتعالى.
3 - المؤمنون يجاهدون في سبيل الله سبحانه وتعالى بأموالهم وأنفسهم.
4 - المال من أسباب قوامة الرجل على المرأة؛ فالرجل ملزم بتقديم المهر للزوجة، والإنفاق على أسرته [1، ج5، ص55].
5 - الله سبحانه وتعالى يشتري المال من المؤمن بالجنة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾ [سورة التوبة: 111].
6 - ينهى الله سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [النساء: 5].
ومع أن معظم الآيات التي يتعلق المال فيها بالمؤمن تحمل اتجاهاً إيجابياً نحو المال؛ إلا أن بعضها يحمل اتجاهاً سلبياً؛ فالقرآن الكريم يحذر المؤمنين من تقديم حب المال على حب الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم، والجهاد [انظر سورة التوبة، الآية 24] كما يحذرهم من فتنة المال والولد [انظر سورة الأنفال، الآية 28].
ولم يتحدد الاتجاه نحو المال في أربع من الآيات التي تتعلق بالمؤمن؛ فطالوت لم يؤت سعة من المال، وهود - عليه السلام - لا يسأل قومه مالاً لقاء دعوته إياهم إلى الإيمان، والله سبحانه وتعالى يبتلى المؤمن بالمال؛ أي أن المال وسيلة من وسائل الابتلاء [انظر سورة النساء، الآية 155].
وارتبط المال بالكفر اثنتين وثلاثين مرة في القرآن الكريم، والاتجاه الذي نجده في القرآن الكريم نحو ارتباط المال بالكافر إيجابي في آية واحدة، وسلبي في سائر الآيات الأخرى. فالله سبحانه وتعالى أورث المؤمنين أموال اليهود في المدينة المنورة؛ والمؤمن لا يرث إلا طيباً. أما المظاهر السلبية لموقف الكافر من المال فمتعددة، منها:
1 - يغتر الكافر بالمال؛ ويبتعد نتيجة لذلك عن طريق الهداية؛ فالكافر يموت وهو منشغل بالأموال؛ فلا يفكر في مصيره بعد الموت.
2 - يعطي الكافر نفسه حرية التصرف في المال؛ ولهذا فإنه يرفض كل نصيحة تقدم له وتتضمن حثاً على مساعدة الفقراء.
3 - المال سبب في قلق الكافر في الحياة الدنيا وعدم راحته، ويوم القيامة يعذب بسببه [سورة التوبة، الآية 55].
4 - يفقد المال الكافر القدرة على الرؤية الصحيحة للأحداث؛ ولهذا يظن أن ماله لن يزول، ويصبح المال ميزان المفاضلة عنده. ويظهر هذا بوضوح في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ [الكهف: 34].
لم يرتبط المال في سبع آيات قرآنية بفئة محددة، بل ذُكر المال دون إضافة لأحد، أو أضيف للناس، وجاء الاتجاه نحو المال إيجابياً في أربع آيات، وسلبياً في ثلاثٍ منها. ومن الآيات التي تحمل الاتجاه الإيجابي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39].
فالقرآن يحث على المحافظة على أموال الناس، ويحذر من أكل الربا. ثم إن كثيراً من الرهبان يأكلون أموال الناس بالباطل [انظر سورة التوبة، الآية 34ٍ]. أما الآيات التي تحمل الاتجاه السلبي فتشير إلى أن الحياة الدنيا بما فيها من أموال وأولاد لهو ولعب وزينة [انظر سورة الحديد، الآية 20]؛ فالمال في الآخرة لا ينفع إلا من أتى الله بقلب سليم [انظر سورة الشعراء: الآية 88].
إن موقف الإسلام من المال واضح لا غموض فيه؛ فالمال ليس شراً يجب على المؤمن محاربته أو الخلاص منه؛ كما أنه ليس هدفاً في حد ذاته يستحق أن يعمل الإنسان من أجله جل حياته، إنه وسيلة تعين الإنسان على الحياة، ونعمة من الله سبحانه وتعالى تستحق الشكر والعبادة.
والمال له بعد نفسي؛ فقد يولِّد في النفس اتجاها إيجابياً، أو اتجاها سلبياً؛ ولهذا يجدر بالإنسان أن لا ينسيه المال الحقائق الجلية، وأن لا يتخذه هدفاً. فالمال يكتسب بالطريق الحلال؛ ولا يصح اكتسابه بطرق تنطوي على الظلم، مثل أكل مال الناس غصباً، أو عن طريق الربا.
والإسلام يحافظ على المال سواء أكان المال مالاً عاماً أم خاصا، ومن الأدلة على حرص الإسلام على المال الخاص قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) [9، ج3، ص1329]. فمن الواضح إذن حرمة المال، وقد قرر الإسلام عقوبات على كل من يتعدى عليه بالسرقة، أو الغصب، أو الغش.
والمال في الحقيقة لله سبحانه وتعالى، ومصداق ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة المائدة: 120]. فالإنسان ليس مالكاً حقيقاً للمال؛ بل هو مستخلف فيه بنص القرآن الكريم: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [سورة الحديد: 7]. فالإنسان المؤمن يتصرف في المال وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى، وكون الإنسان مستخلفاً في المال لا يعني نزعه منه دون مبرر؛ إذ لم يحدث في تاريخ الإسلام أن أُخذ مال غني بغير رضاه وأعطي لفقير [4، ج5، ص516].
ومع هذا فالمال له بعد اجتماعي؛ لآن المال مال الله، والناس عباد الله؛ ولهذا وجب الإنفاق من المال على أبناء المجتمع حتى لو كان خاصاً، لكن هذا لا يتم قسراً، أو عن طريق المصادرة، أو إلغاء الملكية الخاصة؛ ولكنه وفق ما شرعه الله من تربية النفس على البذل والعطاء، فالمؤمن ينفق من أمواله بالليل والنهار سراً وعلانية. وفي ظل هذه النظرة الوسيطة للمال في الإسلام تنتفي أسباب الصراع بين الفقراء والأغنياء، ولا يتكدس المال في أيدي فئة قليلة تتخذه وسيلة لقهر غيرها من أفراد المجتمع؛ فيشعر كل فرد أنه آمن على ماله.
يتبع