عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13-11-2020, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع

يرسم نقَّاش الأمل صورة مستقبل مشرقٍ رغم الوجعِ، ولعلّ لإيمان الشّاعر الكبيرِ بالله علاقة بهذه النظرة الإيجابية:



عليَّ شَيْمُ الغوادي كلما برَقَتْ

وما عليَّ إذا ضنَّتْ بِرقراقِ




فلا يَعِبني حسودٌ أنْ جرى قَدَرٌ

فليس لي غيرُ ما يقضيه خلاّقي




أسلمتُ نفسي لمولى لا يخيبُ له

راجٍ على الدّهرِ والمولى هو الواقي




وهوَّنَ الخطبَ عندي أنني رجلٌ

لاقٍ مِن الدّهرِ ما كُلُّ امرئٍ لاقي




يا قلبُ صبرًا جميلاً إنَّهُ قدَرٌ

يجري على المرءِ مِنْ أسْرٍ وإِطلاقِ




لا بدَّ للضّيقِ بعد اليأسِ مِن فرَجٍ

وكلُّ داجيةٍ يومًا لإشراقِ[7]










ويبرز أكثر عامل الإيمان بالله تعالى المخلّص العالم بالمظلومين والمقهورين، ويبرز أكثر عامل الإيمان بالقدر الّذي لا بد أن ينقذ هؤلاء:



فإنْ تكُنِ الأيامُ ساءَتْ صُروفُها

فإنِّي بفضلِ اللهِ أولُ واثقِ




فقدْ يستقيمُ الأمرُ بعد اعوجاجِهِ

ويرجعُ للأوطانِ كلُّ مُفارقِ[8]








إن الإيمان بقدرة الله تعالى يشد من عزم شاعرنا ويقويه فيقوي فيه حلم العودة إلى الوطن المُغادَرِ.



لم يتذلل، لم يحن رأسه، لم يقل إنه مخطئ في تصرفه وإن العقاب الّذي أُنزل به كان عقابًا محقًّا، بل ظل حتى اللَّحظة الأخيرة يصرخ أنه مظلوم وأنه لا يستحق العقاب وأنه لا يريد العودة ذليلاً ولا يريد استجداء هذه العودة مِن البشر، فهو مدعوم بقدرة إلهية كبيرة تعرف متى ينجلي الحق.



لم يستجد شاعرنا العودة، بل ظل يقف موقفه واثقًا قويًّا معتزًّا. لقد وقف وبيده سلاح هو الإيمان بالله تعالى وبقدرته على انتشال المظلومين وهو واحد منهم:



وإنِّي، وإنْ طالَ المطالُ لَواثقٌ

برحمةِ ربي فهو ذو الطُّولِ والمَنِّ[9]








إن هذه الثقة كانت في محلها، فالشّاعر المرفوع الرأس يأبى الذّلّ والاستكانة والعودة العادية.



لقد غادر بطلاً ويجب أن يعود بطلاً، وهذا ما حدث. إن شاعرنا يؤمن أنَّ كلَّ حبٍّ تبادلٌ، ويؤمن بأنه إذ يرى الوطن في أبهى حلله، يتوقع أن تكون له صورة عنده تماثل صورته، فهو يتوقع أن تكون صورته عند الوطن صورة مشرقة؛ ولمَ لا؟ وهو الّذي قاتل في سبيله وحارب وكتب؟ وهو الّذي حماه بدماء جدوده الشّراكسة وآبائه؟ وهو الّذي نشأ فيه ونما مع علائل النَّسيم فكبر بالحب فيه لا بالقهر.



وثق شاعرنا بقدرة الله تعالى على إعادته إلى الوطن، ووثق بأن الوطن كان في غيبته مثله: موجوعًا، وأنه ينتظره. عاد شاعرنا بطلاً كما غادر بطلاً، فغنى أغنية العودة الجذلى بقصيدة هي من فخرياته وعيون شعره. وفيها - مع الفخر - وفاء لمصر وتعلق بها وثناء عليها وتغنّ بمحاسنها. فبعد عودته من منفاه في سبتمبر سنة 1899، استقبله الناس بحفاوةٍ، و عادت داره منتدى الأدباء والشّعراء وأهل العم. وفي إحدى ندواته سأله الأديب الشّابّ (مصطفى صادق الرّافعي) شيئًا من شعره، فقال: "إن عنترة بن شدّاد العبسي يقول:



هل غادرَ الشّعراءُ مِن متردَّمِ

أم هلْ عرفتَ الدّارَ بعدَ توهُّمِ؟
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]