عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-11-2020, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع

محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (2)

د. إيمان بقاعي





إنه - بشجاعة المحارب القديم - يقاتل في سبيل استحضار أجمل الصُّور للوطن الممنوع:



إذا تلفَّتُ لم أبْصِرْ سوى صُوَرٍ

في الذِّهْنِ يرسمُها نَقَّاشُ آمالي[1]








ونقَّاش الآمال يرسم بألوان فيها مِن وهج الحياة ما فيها، فيستبعد اللَّون الأسود وكلَّ الألوان القاتمة، غامسًا ريشته بالأصفر - رمز الشمس - وبالأحمر رمز الحياة.



غريب شاعرنا الّذي عصفت به المحن فبكى بعزَّة وحده.



خاف عين الرقيب، فانتظر اللَّيل ليبكي كما فعل أبو فراس الحمداني وقت انتظر الليل إذ أضواه ليبسط يد الهوى، بينما علا شدوُ البارودي نهارًا يبث لواعج الشَّوق إلى الوطن - الذاكرة الّذي اقتُلع منه ظلمًا.



مصر الوطن الممنوع ينادي مِن سَرَنْديب بصوت لم تثقله هموم الشيخوخة، فيشدو الفرخ الصَّغير الضعيف كما لو كان نسرًا:



طالَ شَوْقي إلى الدِّيارِ ولكن

أينَ مِن (مصرَ) مَنْ أقامَ (بِكَنْدي)




حبَّذا النّيلُ حين يجري فيُبدي

روْنَقَ السَّيْفِ واهتزازَ الفَرَنْدِ[2]










فهذا اللَّيل عنده يذكره بالسَّيف وبأيام القوة؛ لذا يتشوق إلى أن ينهل منه وكأنه يريد أن ينهل مِن دواء يزيل عنه الشَّيخوخة ويعيد إليه الشّباب:



فهل نَهْلةٌ مِن جدولِ النِّيلِ تَرْتَوي

بها كبِدٌ ظمآنةٌ ومُشاشُ[3]








إنه يفتش عن نهلة، عن نسمة تأتي مِن موطن الشّباب (روضة النّيل) أو (روضة المقياس):



يا (روضةَ النِّيل) لا مَسَّتْكِ بائِقَةٌ

ولا عَدَتْكِ سماءٌ ذاتُ أغْدَاقِ




يا حبَّذا نَسَمٌ مِن جوِّها عَبِقٌ

يسري على جدولٍ بالماءِ دفَّاقِ[4]








كذلك يحاول التقاط نسمات آتية من ذلك الوطن، نسمات تشعل في نفسه جذوة الأمل:



إذا خطَرَتْ مِنْ نحْوِ حُلْوانَ نَسْمَةٌ

نَزَتْ بين قلبي شعلةٌ تتوقَّدُ[5]








ونتوقف مع النّظرة الإيجابية والرّوح غير الانهزامية الّتي - رغم المصاعب الجمة الّتي تحيط بها - فإنها لا تزال مرفوعة الرَّأس تقاوم كل سلبيات الواقع وتفتش بين الضّلوع وفي حنايا النَّفس والذَّاكرة عما ينعش المريض لا عمَّا يطلق عليه رصاصة الرَّحمة.



استخدم البارودي عبارة: (نقَّاش الآمال) الّذي يجيد رسم الصور،ريثما يحدث شيء مجهول لكن جميل. استخدم شاعرنا هذه العبارة واصفًا مشاعره الإيجابية الّتي تأبى الخضوع للذّل. مِن هنا، راح هذا النَّقَّاش يرسم اللَّوحة تلو الأخرى:



ولا وربِّكَ ما وَجْدِي بِمُنْدَرِسٍ

على البِعادِ ولا صَبري بِمِطواعِ




لكنَّني مالكٌ حَزمي ومنتظرٌ

أَمْرًا مِن اللهِ يشفي برحَ أَوْجاعي




فإنْ يَكُنْ ساءَني دهْري وغادرَنِي

رهنَ الأَسى بين جَدْبٍ بعدَ إمْراعِ




فإنَّ في مصرَ إخوانًا يسُرُّهُمُ

قُربي ويعجبُهُم نظْمِي وإِبداعي[6]









يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]