عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-11-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع

محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (1)

د. إيمان بقاعي


نفي الثَّائر إلى سَرَنْديب سبعة عشر عامًا وقتَ أُغلقَت أبواب الوطن في وجهه ظلمًا فصرخ: "لم أقترف ذنبًا". تساءل عما إذا كان الدِّفاع عن الوطن ذنبًا يُعاقَب المرء عليه وما أجيب إلا بالإبعاد وما اقتنع. فالقضية الّتي آمن بها وعمل مِن أجلها قضية دفاع عن وطن تدخل فيه الأجنبي بشكل سافر:
راجعْتُ فِهْرِسَ آثاري فما لَمَحَتْ
بصيرتي فيه ما يُزري بأَعمالي[1]



ولما كانت القضية قضية ظلم، فإن شاعرنا يتألم غاية الألم، فتمضي الأيام والشّهور والسّنوات، وتتدهور صحته، ويكاد الشّوق والشّعور بالاضطهاد يقضي عليه.

تتالت عليه المصائب وكان أكبرها الضّعف النّاتج عن الشّيخوخة، فيخف نظره وسمعه وتوهن أعصابه، فيتوجع منه القلب والجسد معًا:
كيفَ لا أنْدُبُ الشّباب وقد أص
بحْتُ كهْلاً في مِحْنةٍ واغترابِ

أخلَقَ الشّيبُ جِدَّتي وكَسَاني
خِلْعَةً منه رَثَّةَ الجِلبابِ

ولَوى شَعْرَ حاجِبَيَّ على عيْ
نيَّ حتّى أطلَّ كالهُدَّابِ

لا أرى الشَّيءَ حينَ يسنَحُ إِلا
كخيالٍ كأَنَّني في ضبابِ

وإذا ما دُعيتُ حِرْتُ كأنِّي
أسمعُ الصَّوتَ مِن وراءِ حجابِ

كلَّما رُمْتُ نهضةً أقعدَتْني
وَنْيَةٌ لا تُقِلُّها أَعْصابي[2]




تلك الصّورة النّاطقة المتحركة لكهل يعاني مِن تراجع قوة الجسد عضوًا فعضوًا يدعمها بصورة أخرى يصور فيها نفسه يشبه فرخ طير صغير ضعيف لا حول له ولا قوة:
أُزَيْغِبَ الرَّأسِ لم يَبْدُ الشَّكيرُ به[3]
ولم يصُنْ نفسَهُ مِن كيدِ مُغتالِ[4]



الفرخ الّذي كان نسرًا هدّته الأيام وطحنته المحنة وأوجعه الاغتراب، فما عاد يقدر على حمل قلمه هو الّذي طالما كتب بغزارة وحارب ببسالة أيام الشّباب:
ولا تكادُ يدي تُجري شبا قلَمي
وكانَ طوعَ بناني كلُّ عَسَّالِ[5]



أما وقد اجتاحته الشّيخوخة وحُكم عليه بالنّفي، فهو يصف حاله بعيدًا مُضَّطَهدًا مظلومًا ومتشوقًا:
لكلِّ دمعٍ مِنْ مُقلة سببُ
وكيف يملِكُ دمعَ العينِ مُكتئِبُ

لولا مكابدةُ الأشواقِ ما دَمِعَتْ
عينٌ ولا باتَ قلبٌ في الحشا يجِبُ[6]



لكنه - رغم الأسباب القوية - يحاول أن يتمالك نفسه فلا تُرى دموعُه جارية وهو الّذي كان له تاريخ مِن الشَّجاعة والبأس والقوة:
أستنجدُ الزَّفَرات وهي لوافحٌ
وأُسَفِّهُ العَبَراتِ وهي بَوادي[7]




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]