معنى كلمة ظلم
د. سيد مصطفى أبو طالب
قال قتيبة في حديث ابن زمل الجهني، وقد قص رؤيا رآها للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل، وفيه: (... فكأني بالرعلة الأولى، وحين أشفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فلم يظلموه يميناً ولا شمالاً..).[1]
وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ومنه يقال: من أشبه أباه فما ظلم.[2]
أي: ما وضع الشبه غير موضعه، ومنه: ظُلْم السِّقَاء، وهو: أن تشربه قبل أن يدرك.
قال الشاعر[3]: (الوافر)
وقائلةٍ: ظلمت لكم سقائي ♦♦♦ وهل يَخْفَى على العُكَدِ الظَّلِيمُ
والعكد: جمع عكدة وهي أصلُ اللِّسان، والظليم: المظلوم. يقول: لا يخفى مذاقه ما شرب من اللبن قبل الإدراك.[4]
صَرَّح الشارح بالدلالة الأصلية لمادة (ظلم) ونص على أنها: (وضع الشيء في غير موضعه). وقد شاركه في النص على هذه الدلالة كثير من اللغويين، وابن فارس وغيره.[5]
قال الراغب: والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه.[6]
وقد أرجع الشارح إلى هذه الدلالة دلالات بعض فروع مادة (ظلم)، وهي:
أ) ظلم: وذلك في المثل: من أشبه أباه فما ظلم. وقد فسره. ويجوز أن يراد به: فما ظلم الأب، أي: لم يظلم حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه.[7]
ب) ظَلَمَ السَّقَاءَ: شَرِبَ لَبَنَه قبل الرَّوْبِ.[8] ويقال لهذا اللبن ظليم ومظلوم.[9]
ويمكن إضافة فرع آخر:
ج) المظلومة: التي لم تحفر قط، ثم حفرت.[10] أو التي لم تكن موضعاً للحفر.[11] فكأن ذلك كله ظلما لها، لأن الحفر قد وقع في غير موضعه.
وأما الدلالة المجردة للظلم فهي ظاهرة الارتباط بدلالته الأصلية، قال ابن قتيبة: (كأن الظالم هو الذي أزال الحق عن جهته وأخذ ما ليس له).[12]
وهكذا، فقد صلحت هذه الدلالة لتفسير دلالات فروع هذه المادة، ولعل ذلك يشير إلى صحة عدها دلالة أصلية لها، كما نص الشارح، وغيره.
[1] المعجم الكبير للطبراني (8/ 302).
[2] جمهرة الأمثال (2/ 225) لأبي هلال العسكري تح/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعبد الحميد قطامش. دار الفكر. ط:2 – 1988م، ومجمع الأمثال للميداني (2/ 300).
[3] لم اهتد لقائله، وهو في اللسان (ظلم) (6/ 25)، ومجمع الأمثال (2/ 406)، وجمهرة الأمثال (1/ 161).
[4] غريب ابن قتيبة (1/ 479، 484) وما بعدها.
[5] المقاييس (ظلم) (3/ 468).
[6] المفردات (ص115).
[7] مجمع الأمثال (2/ 299، 300).
[8] الأساس (ظ ل م) (2/ 93).
[9] ينظر: المفردات (ص315).
[10] اللسان (ظلم) (6/ 26).
[11] المفردات (ص315).
[12] تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص29)، وينظر: في علم الدلالة د. عبد الكريم جبل (ص183).